محور الحياة الانسانية

بسم الله الرحمن الرحيم
إن تمحور الحياة الإنسانية حول طلب اللذة والفرار من الألم ليس اكتشافاً جديداً وإنما تناوله فلاسفة الإغريق منذ أقدم العصور تناولاً إيجابياً أما الفلسفة الهندية فقد تناولت المبدأ تناولاً سلبياً ورأت أن سعادة الإنسان منوطة بقدرته على تحمل الآلام بطواعية ورضى وإصرار وإماتة الرغبة في اللذة إماتة كاملة تتيح له أن يتحرر من لهفته على اللذة وخوفه من الألم لأنه في الوضع المعتاد يظل نهباً بين طلب الراحة والمتعة والفرار من المشقة والأذى..

إن النظرة الإغريقية كما يرى الدكتور عادل العوا: ".. ترى أن اللذة تستهدف بلوغ متعة الفكر وهي اللذات المعنوية والروحية أو متعة الحواس أو اللذات الجسدية.." وهناك من مفكري اليونان من يرى أن اللذة هي الخير الأقصى ويقول ارستيبوس: ".. إن السعادة هي اللذة واللذة جيدة بذاتها فهي الخير الأقصى.." وهو يشترط أن يسيطر الإنسان على اللذة لا أن تسيطر عليه ويقول: ".. إنني أملك اللذة ولا تملكني.." ولكن أفلاطون رفض أن تكون اللذة هي الخير الأقصى واعتبر: ".. اللذة خيراً من الخيرات التي يمكن طلبها.." أما أرسطو فيرى: ".. أن اللذة تواكب جوهر النوع البشري وأن على كل تربية أن تأخذ اللذة بعين الاعتبار.." فلابد من استمالة الناشئين إلى حب المعرفة والتلذذ بها واستدراج العاملين إلى الاستمتاع بالعمل وليس تأليف القلوب سوى وسيلة لتحبيب الناس بالحق وجذبهم إلى الخير فبعض الناس يقادون إلى الجنة بالسلاسل تعبيراً عن مشروعية التألُّف وتأكيداً لأهمية الاستمالة وإظهاراً لقيمة التودد واعترافاً بفاعلية الميول الطبيعية في الإنسان..




وما دام أن الناس يميلون بطبعهم إلى اللذة فلنجعل تحصيل المعرفة وحسن الأداء من لذاتهم الأثيرة وقد كان الفيلسوف اليوناني أبيقور يرى: ".. أن الحكمة مبدأ الخيرات جميعاً بل إنها أعظم الخيرات على الإطلاق لأنها ينبوع سائر الفضائل ولأنها تعلمنا أن من المتعذر أن يكون الإنسان سعيداً إذا لم يكن حكيماً وشريفاً وعادلاً وأن من المحال أن يكون المرء حكيماً وشريفاً وعادلاً من غير أن يكون سعيداً.." فالسعادة شرط القدرة على الاعتدال والعدل والتوازن والنضج..

يرى أبيقور أنه ليس من الحكمة ولا المنطق ولا من مصلحة الحياة والأحياء الاستخفاف بمبدأ اللذة والألم لأن هذا التجاهل يتصادم مع الواقع ويعطّل إمكانات ارتقاء الإنسان ونضجه في مجالات الفكر والعلم والعمل والتعامل فيقول: ".. إن كل حيوان يبحث منذ ولادته عن اللذة ليستمتع بها استمتاعه بخير أسمى ويبغض الألم بغضه شراً محضاً ويبتعد عنه كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً وهذا هو الموقف الطبيعي السليم فلا حاجة إذن لأية مناقشة للدلالة على ضرورة طلب اللذة والابتعاد عن الألم فالتجربة المباشرة تؤيد ذلك مثلما تُظهر للإنسان أن النار حارة والثلج أبيض والعسل حلو عذب وليس ثمة ضرورة للبرهان على صحة هذه الحقائق بل يكفي أن ننتبه لها.." ويرى: ".. أن للألم سببين هما: الغلو في الرغبة أو الإسراف في اشتهاء اللذة من جهة ثم وجود أمراض لا يمكن اجتنابها وحدوث اضطرابات في الجسم والنفس ناشئة عن أسباب خارجية أو داخلية.." وبعد أبيقور واصل تلميذه كاروس لوكريتوس الذي ألح على اللذات الروحية 

والعقلية ونفر من الملذات الجسدية فالاشتهاء الجنسي مثلاً هو غريزة يلتقي فيها الإنسان مع الحيوان لذلك ينبغي على الإنسان أن يتلذذ بما يتميز به من الفكر والحكمة والعدل والعلم والذوق والفن ويقول: ".. العشاق يذبلون ويحترقون بنار الألم فيبدِّدون حياتهم إذ يتركون أمر التصرف بهم إلى الآخرين.." وفي العصر الحديث صارت الأفكار عن اللذة والألم والمنفعة والضرر أكثر عمقاً على يد جريمي بنتام وجيمس مل وهوبز وجون ستيوارت مل وفرانسيس بيكون وجون لوك وديفيد هيوم وباركلي وهربرت سبنسر ثم بيرز ووليم جيمس وجون ديوي وغيرهم..

ثم جاء التحليل النفسي ليجعل الميل إلى اللذة والنفور من الألم محور السلوك الإنساني وتعاضدت الجهود حول ذلك في علوم النفس والتربية والأخلاق لتتيح للإنسان فهم طبيعته وترقية هذه الطبيعة نحو الأفضل والأنفع والأسمى..




إن التأثير على الإنسان لا يكون ناجعاً في التعليم والتدريب والتربية والتنشئة والحفز على الأداء الجيد وترسيخ الانتماء إلا بفهم طبيعته واكتشاف مفاتيح ذاته وأهم هذه المفاتيح هو ميله التلقائي إلى اللذيذ ونفوره من المؤلم ويجب أن نتأكد أنه ليس من الممكن قتل الميول الأساسية في الإنسان كالميل إلى اللذة والنفور من الألم وإنما المتاح هو تغيير موضوعات اشباعها واستبدال مجالات تحقيقها وتعديل اتجاهها وتغيير مسارها والارتقاء بها إلى ملذات الروح ومباهج العقل وطمأنينة النفس حيث يجد الإنسان اللذة في الاستقامة ويستريح بالالتزام ويبتهج بالمعرفة ويكون سعيداً بتفتح مواهبه ونمو قدراته واكتمال المهارات لديه ويتلذذ بما يسديه للآخرين من نفع وما يحققه من إنجازات

الكاتب : Unknown

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة