اَللّـهُمَّ يا مَنْ دَلَعَ لِسانَ الصَّباحِ بِنُطْقِ تَبَلُّجِهِ، وَسَرَّحَ قِطَعَ الّلَيْلِ الْمُظْلِمِ بِغَياهِبِ تَلَجْلُجِهِ، وَاَتْقَنَ صُنْعَ الْفَلَكِ الدَّوّارِ في مَقاديرِ تَبَرُّجِهِ، وَشَعْشَعَ ضِياءَ الشَّمْسِ بِنُورِ تَاَجُّجِهِ،








المناقب والكمالات هي صفة ذاتية متجذرة في سلوك العظماء، وليست هي صفة طارئة تلوكها ألسنة المتملقين لكسب بعض الدريهمات الزائفة، وهذه الكمالات هي ملكة تنعكس من خلال السلوك والسيرة الذاتية للإنسان. والملكة وعدمها هي صفة يمكن أن تطلق على الشخص الذي يحمل القابلية على الشيء، أما إطلاقها في غير محلها، فهي بمثابة وصفك الحجر بالعمى، وهو سالب بانتفاء موضوعه، لأن الحجر لا يملك قابلية الرؤية حتى تصفه بتلك الصفة.
هذا هو الفرق بين العظيم (صاحب الملكة) الذي تصفه للاستنارة، والوضيع (عديم الملكة) الذي تمتدحه للاستفادة، الأول لا يهمه من امتدحه، بينما الثاني ينتشي فرحاً ويمتلأ غروراً بمدحه والإطراء عليه.
والحديث عن الحوراء زينب هو من النوع الأول، هدفه الغوص في بحر حياتها المتلاطم، واقتناء الجواهر والكنوز الخفية من ذلك الصدف المتلألئ.
والإنسان إنما يقف عاجزاً أمام هذا البحر المترامي الأطراف، المليء بالمعارف والصبر والجلد والعظمة والفصاحة ورباطة الجأش وكل تلك الفضائل والكرامات، وعندما نتناول شخصيتها فإننا ننطلق من باب (مالا يدرك كله لا يترك جله) فهي محاولة لإعطاء صورة واضحة عن خير قدوة وأسوة للنساء المؤمنات، بل خير مقتدى ومهتدى لكل امرأة تبحث عن الحقيقة والسعادة في الحياة.
نفعل كل ذلك، لعلنا نرتشف من معين معارفها الدروس والعبر، لتنير لنا الدرب في ظلمات عصرنا المادي الكالح، علاوة على أن تصفّح بعض ملفات حياتها نوعاً من أفضل أنواع العبادة، وسبل التقرب إلى الله سبحانه، لأنه اطلاع على حياة سيدة من أفضل سيدات العالم برمته، بعد أمها البتول - طبعاً - فهي سيدة الكون الأولى بلا منازع، باعتراف الرسول الأعظم بذلك حينما قرر أكثر من مرة بأن فاطمة الزهراء هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
فرحة مشوبة بالحزن




كانت ولادة السيدة الطاهرة زينب (عليها السلام) في الخامس من شهر جمادى الأولى، في السنة السادسة للهجرة، وهو المشهور على ما حققه بعض الأفاضل، وهناك أقوال أخرى في تحديد يوم وعام ميلادها المبارك (1)، وتلقى البيت العلوي نبأ الولادة بكل غبطة وسرور، وهي الطفل الثالث بعد الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، والبنت الأولى للإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء (عليهما السلام).
ومازال أهل بيت النبوة تغمرهم الفرحة حتى ترامى نبأ الولادة مسمع النبي الكريم، فأتى منزل ابنته فاطمة، وقال: يا بنيّه إيتيني ببنتك المولودة. فلمّا أحضرتها أخذها النبي وضمها إلى صدره الشريف، ووضع خدّه على خدّها فبكى بكاءً شديداً عالياً، وسالت دموعه على خدّيه. فقالت فاطمة: ممّ بكاؤك، لا أبكى الله عينك يا أبتاه؟ فقال: يا بنتاه يا فاطمة، إنّ هذه البنت ستبتلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى، يا بضعتي وقرّة عيني، إنّ من بكى عليها، وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على أخويها (2).
ثمّ سمّاها زينب، والزينب شجر حسن المنظر، طيب الرائحة، وبه سميت المرأة (3)، فكانت ولادتها بحق فرحة مشوبة بالحزن.
بنت مَن!

أبوها: أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي رباه (صلى الله عليه وآله) طفلاً، وعلمه علم ما كان وما يكون شاباً، ونصبه من بعده علماً لأمته كهلاً، وفضائله لا تحصى، ومناقبه لا تستقصى، وبحار علمه لا تنزف، وأطواد حلمه لا تتزعزع، أعلم الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحلمهم، وأجودهم وأكرمهم، وأزهدهم وأشجعهم، وأعبدهم وأوفاهم، وأورعهم وأقضاهم.
أمها.. الزهراء وكفى
أمها: البضعة الطاهرة، سيدة نساء العالمين، الصديقة الكبرى، فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، تزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد الهجرة بسنة واحدة. وتوفيت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)بخمس وتسعين يوماً، على أصح الأقوال، وفضائلها (عليها السلام) كثيرة، ومناقبها لا تعد ولا تحصى، ويكفيها فخراً أنها بضعة الرسول، ووعاء يمتزج فيه فلاح الرسالة بطهر الإمامة، وأن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، كما قلدها رسول الله بهذا الوسام الشريف ولا شرف يضاهيه ولا مقام يدانيه.
شجرة طيبة بعضها من بعض



إخوتها وأخواتها الذين هم من غير الصديقة الطاهرة فاطمة (صلوات الله عليها)، فأولهم: محمد بن الحنفية، وكنيته أبو القاسم، وقيل:أبو عبد الله، وهو من الطبقة الأولى من التابعين، ولد بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4). وقال الزهري: كان محمد من أعقل الناس وأشجعهم، معتزلاً عن الفتن وما كان فيه الناس. وكان محمد بن الحنفية أورع الناس وأتقاهم بعد أئمة الدين، وكان عالماً عابداً متكلماً فقيهاً، زاهداً شجاعاً كريماً، خدم والده الكرار وأخويه السبطين (عليهم السلام) خدمة صادقة، شهد حروب والده، وأبلى مع أخيه الحسن بلاءً حسناً.
ومن إخوتها: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، أمهم أم البنين فاطمة ابنة حزام الكلابية، تزوجها علي (عليه السلام) بإشارة أخيه عقيل - وكان عالماً بأنساب العرب وأخبارهم، وكانت من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت (عليهم السلام)، كما كانت فصيحة بليغة لسنة، ورعة ذات زهد وتقى وعبادة، ولإكبارها وجلالتها زارتها زينب الكبرى بعد منصرفها من واقعة الطف، كما كانت تزورها أيام العيد.
ومن إخوتها، محمد الأوسط، وأمه إمامة بنت أبي العاص، ومحمد هذا قتل مع أخيه الحسين (عليه السلام) يوم الطف.
ومنهم: عمر ورقية الصغرى، وأمهما أم حبيب بنت ربيعة التبلغي، وكانت تسمى الصهباء، وقيل: ولد عمر وأخته توأمين وعاشا. وقال الطبرسي في الإعلام: كانت رقية بنت علي (عليه السلام) عند مسلم بن عقيل، فولدت له عبد الله بن مسلم قتل يوم الطف، وعلياً ومحمداً ابني مسلم.
ومنهم: يحيى وعون وأبو بكر وعبيد الله وزينب الصغرى ورقية الصغرى وكنيتها أم كلثوم، وكانت الأولى منهما عند محمد بن عقيل، فولدت له عبد الله، وفيه العقب من ذرية عقيل. وكانت الثانية عند عبد الرحمن بن عقيل، فولدت له سعداً وعقيلاً.
ومن أخواتها: بنت ماتت وهي صغيرة، قيل: اسمها خديجة، أمها محياةبنت امرئ القيس الكلابية. ومن إخوتها وأخواتها لأمهات شتى: عمران، قيل أصيب جريحاً في النهروان، ومات في بابل وقبره يزار هناك. ورملة، زوّجها أبوها من أبي الهياج عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. وأم هاني تزوجها عبد الله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب، فولدت له محمداً، قتل يوم الطف.



 

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

Pages