دعا فضيلة د. محمد حسن المريخي إلى المحافظة على الاستقامة على الطاعة بعد شهر رمضان مؤكداً أن الرجوع إلى ما حرّم الله والتأخر عن الصلوات وهجر القرآن وفتح الباب للنفس الأمّارة بالسوء هو سلوك سيئ وضرره كبير على الإنسان المسلم.








بسم الله الرحمن الرحيم

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع عثمان بن عفان بالخور إن الرشيد هو الذي يوفق لتقدير النعم واتقاء العواقب الوخيمة وتفادي المنازل الرذيلة.


وأشار إلى أن "الراشدون في القرآن" هم الذين يحبون الإيمان وتتزين به قلوبهم، ويكرهون الكفر والفسوق والعصيان (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ).


وتابع: لم يكن فرعون رشيداً لكفره وانطماس بصيرته فلم يكن يرى الأمور على حقيقتها ولم يكن يدرك العواقب والمنقلبات، بل هو أعمى البصر والبصيرة فلما قاد قومه أوردهم النار وبئس الورد المورود، لسوء إدارته وعمى قيادته وخبث طويته، يقول تعالى موبخاً إياه وقومه ومحذراً من مصيره وعاقبته (فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ).


الاستقامة على المنهج


وأضاف: الاستقامة يوفق إليها الراشد برشده بعد إذن الله عز وجل، لأنه يوقن أن الاستقامة على الصراط المستقيم فلاح ونجاح ونجاة ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ )، إنها علامة القبول وأمارة المرور بإذن الله يوم البعث والنشور، وهي اعتدال في داخل النفس وانتهاج للتقوى والتزام بالصواب وقيام على السنة وهجر للبدعة، يقول بعض أهل العلم: أمران اثنان إذا تمكنا من القلب فاز بهما العبد: الاعتراف بالله رباً ثم الاستقامة على منهجه وشريعته (قالوا ربنا الله ثم استقاموا)، ولضرورة الاستقامة على الدين الحنيف أمر الله تعالى أنبياءه ورسله وأتباعهم من المؤمنين، فأمر بها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير) (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ...)، كما أمر بها النبيان الكريمان موسى وهارون عليهما السلام (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) وهي - أي الاستقامة - محبوبة ممدوحة في كل أمر وإذا استقام العبد على دين الله فإنه يبلغ مقامات رفيعة ويرتقي لكمالات أسمى، وطاعات أفضل، ويبلغ مراقبة لله تعالى.


وزاد بالقول: أهل الاستقامة يحفظون دين الله ويحرسونه ويحيطونه بسياج من الكرامة والتقدير والقدسية ويدفعون عنه العابثين والمخرّفين أهل البدعة والمنافقين المتقلبين.


فكم دفع عن دين الله باستقامة أهل التقوى، وكم دفع من البدع وكشف من الخرافة والدسائس، وكم مات وهلك من دعاة الفساد في الدين وكم تراجع وانخرس من دعاة التحريف والتأويل في العقيدة والملة، ومن دعاة الخلط والتمييع والعبث ومن دعاة التفرنج والتعولم، كل ذلك بفضل الله تعالى ثم استرشاد أهل الرشاد والاستقامة من أهل السنة .


صيانة ميثاق الله


وأشار إلى أنه من الرشاد صيانة ميثاق الله والوفاء به وبالعهد، وها هو الله تعالى يذكّر العباد بذلك فيقول (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).


ومن الرشاد احتجاب المرأة بالحجاب الشرعي والتزامها بآداب الشريعة وهجر الاختلاط مع الرجال وعدم الغرور بدعوات التفرنج ومتابعة الغرب الذي فشل في كل كبيرة وصغيرة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) .


وقال: إن من الرشاد استقامة الفكر والثقافة عند المرء المسلم وثباته وموافقة ثقافته للوحي الذي أنزله الله على رسوله، ومن رشاد المرء أن ينظر إلى الدنيا وشؤونها نظرة شرعية يحق الحق ويبطل الباطل ويحكم دين الله في كل الأمور وخاصة فيما ظهر من عجائب هذا الزمان.


ومن رشاد المرء أن يحذر من الشيطان الرجيم عدو ابن آدم وحاسده والحاقد عليه الذي تعهّد لربه أن يغوي العباد ويضلنهم (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) ومن رشد المسترشدين مداراة القلوب وحفظها من الوسخ والنجاسة الحسية والمعنوية بعدما تطهّرت بالطاعة والإيمان والاستسلام للديان، ولأنها محل نظر الرحمن جل جلاله، يقول رسول الله ( إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلا إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ) رواه مسلم .


وقال: إنه من الرشاد أن يستقيم المسلم على عقيدة السلف الصالح عقيدة الصحابة والتابعين، يقول رسول الله ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ )، ومن الرشاد ألا يكون المسلم إمعة لا رأي له بل يستوثق ويتحقق مما يعرض عليه وترك ما لا يعنيه والحمد والثناء على الله تعالى وذكر نعمه ومننه وإظهار فضلة ورسوله والوالدين والأرحام.


ومن كبير الرشاد الدعاء لولاة الأمر ومعاونتهم على البر والتقوى وتطهير القلوب من كل الأضغان عليهم وتصفيتها.



مضاد الرشاد


ونبه إلى أنه مضاد الرشاد، الغيّ والغواية والعمى والتخبط وهي سبيل الخاسرين الذين اتخذوا دين الله هزواً ولعباً، الذين خسروا الدنيا والآخرة فاغتروا بها أو بشهادة أو درجة أو منصب في هذه الدنيا، ومن الغي والغواية أن يكون المرء على دين متين وعقيدة صلبة فيتحول عن هذا الخير إلى خرافة وبدعة وحزب وجماعة وفكر وثقافة متطرفة يبيع وقته وعمره لتصرفات الأفراد وسلوكيات عقول مخرفة مظلمة يقتصر دينه على تمتمات وكلمات من شيخ الطريقة أو مفكرها، (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ).


وقال: إنه من الغواية والضلالة أن يمن الله تعالى على عبده في الشهر بالباقيات الصالحات من الصيام والصلاة والدعاء والقيام وتلاوة القرآن والبر والإحسان والمسارعة للخيرات فإذا أتم عليه النعمة فأكمل له العدة، نكص على عقبيه وحار ورجع إلى سابق عهده مع الذنوب والمعاصي والتجاوزات ونسي ما عمل من الصالحات والعهود والمواثيق التي عاهد عليها ربه عز وجل وهذه علامة سيئة تخوف وتنذر بخطر.


وهذا الحور بعد الكور يعني نقصان بعد زيادة وفساد بعد صلاح واعوجاج بعد استقامة وارتداد بعد نجاح وخسران بعد فوز وفلاح، حذر الله تعالى منه العباد فقال (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).


وحذّر من العودة إلى المحرّمات بعد انقضاء رمضان قائلاً: إن الرجوع إلى الأغاني واللهو واللعب وإطلاق البصر فيما حرّم الله والتأخر عن الصلوات وهجر القرآن وفتح الباب للنفس الأمّارة بالسوء هو حال سيئ وسلوك خطير وضرره شديد وكبير استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور)، يعني أعوذ بك ربي وألوذ بقوتك واعتصم بك أن أعود إلى الذنوب التي تبت منها والمعاصي التي عافيتني منها وسلمتني من شرها وبلائها.


ونوه إلى إن الذنوب والمعاصي هلاك في الآخرة وحجر عثرة في الدنيا والرجوع إليها بعد ما كان من العباد من التوبة والإنابة والعهود والمواثيق إن الرجوع إليها علامة سيئة وعلامة على رد العمل وتهيئة لخاتمة سيئة نعوذ بالله من الخذلان وغرور بالدنيا وطول أمل فيها ونسيان للآخرة .


فاتقوا الله واحذروا هذا البلاء الذي يقع فيه الناس أو بعضهم في كل عام ولا يرتدعون.

Image result for ‫استغفر الله واتوب اليه‬‎

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

Pages