- رَقِيبٌ} [هود : 93]
إنه التحدي الذي لا مثيل له أن يقف شخص في مواجهة قوم!!! لكن يقينه على الله دفعه إلى أكثر من ذلك حيث خاطبهم بقوله {قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [هود : 53]إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [هود : 54]مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } [هود : 55]
قد يتساءل المرء من ي
ثم ننظر في نتيجة التحدي {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَاَ نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ [هود : 58]
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [هود : 59]وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } [هود : 60]
فمن كان المصيب ومن كان المخطئ في حساباته وتقدديراته ويقينه في ربه؟
ويقف سيدنا إبراهيم بمعزله في وجه قومه والقصة معروفة ويصيح في وجههم {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }[الأنبياء : 67] ويلقون القبض عليه ويسجرون نارهم ليلقوه فيها ثم يأتي أمر ربك {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }[الأنبياء : 69] - ويذهب كيدهم هباء!!! وينجو نبي الله من مكرهم...
لاحظي هذه الوقفات المتتالية في وجه أقوام وفي كل مرة ينجو النبي ويهلك الله القوم الظالمين؟ وهو نفس الموقف الذي وقفه رسولنا الكريم في وجه قريش وبنفس لهجة التحدي وينتهي أمر قريش ويبقى أمر نبينا عليه السلام.
سواء من حيث الإحصائيات، فالأمر غير معقول بالمرة، لينجو شخص بمفرده من تهديد قوم بأكملهم. فليس للصدفة في الأمر مجال.
كذلك من حيث تكرار الحدث وأيضا من حيث اختلاف الأقوام فالهدف واحد والتحدي واحد والنتيجة واحدة. ألم يعد التاريخ نفسه في كل مرة مع تغيير الأقوام وتتابعهم بالتكذيب،في مواجهة أنبيائهم؟
ذهية أقول:
إن من القواعد الكلية للسنن القرآنية الثبات؛ وثباتها يعني سقوط القول ب(الصدفة) أو (الطبيعة) فيما لا يستطيع العقل البشري الوقوف على علله وأسبابه؛ فلا عبثية ولا صدفة في نظام حركة الكون والأحياء والأنفس.
ومن قواعدها الكلية كذلك : قاعدة الاطراد: والمقصود باطراد السنن القرآنية تتابع حصولها، أو تكرار آثارها على الوتيرة نفسها كلما توافرت شروطها وظروفها، وانتفت الموانع التي تحول دون تحقيقها، يقول الله جل ذكره: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (سورة فاطر: من الآية43).
ولهذا قص علينا القرآن الكريم قصص الغابرين وما حل بهم من جراء ما اقترفوه من مخالفات للأوامر الإلهية، لنأخذ الدروس والعبر، ونرجع إلى الصراط السوي، حتى لا يصيبنا ما أصابهم، ولولا اطراد سنة الله لما كانت هناك دعوة للسير في الأرض والوقوف على آثار السابقين وأخذ العبرة والدروس مما أصابهم، يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾( سورة آل عمران:137)، ويقول جل وعلا: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾( سورة الحشر: من الآية2).
والدليل على تكرارها كلما توفرت ظروفها مثلا:
قول الله تعالى في سنته في الاستخلاف: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56))(سورة النور).
وما يدل على تكرار السنن قوله تعالى في سورة الأنفال: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)).
ولا بأس أن أذكر لكِ بعض الأمثلة الواقعية على ذلك كما طلبت:
مثلا:
-سنة الله في عقاب من تكبر عن طاعة الله ورسوله: لما زاغ المسلمون عن المنهاج النبوي
-سنة الاعتزاز بغير الله: الواردة في قوله جل وعلا:﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾( سورة مريم: 81-82).
ألم تحصد شاه إيران هذه السنة الإلهية في الاعتزاز بغير الله، لقد كانت لشاه محمد رضا بهلوي علاقة حسنة مع إسرائيل لكل من البلدين سفارة في بلد الآخر، كما كانت تربطه بأمريكا علاقة وطيدة خاصة مع رئيسها جيمي كارتر، لكن لما ثار عليه شعبه سنة 1979 لجأ إلى حضن أمريكا، لكنها كانت عليه ضدا، رفضت دخوله بحجة أن ذلك يضر بأمنها القومي.
-سنة الإملاء: قد ينتفش الباطل فترة من الزمن وفق (سنة الإملاء)، حتى يستجمع شروط فنائه ومحقه وتدميره -وهو يظن أنه حقق غلبة وانتصارا- فتحصده سنة الله على يد فئة من أهل الحق القائمين في وجه الظالمين والطغاة المفسدين، قال الحق جل وعلا: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾( سورة آل عمران: 178).
- سنة النصر والهزيمة: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)(سورة التوبة). واليوم يزيد عدد المسلمين عن مليار ونصف أو يقاربه، لكن كثرتهم لم تغن عنهم شيئا؛ قطع متناثرة، ودول متناحرة، فأصابهم الصغار، وتكالبت عليهم الأمم وجعلتهم قصة مأكولة...
والأمثلة في واقعنا كثيرة:
سنة تمييز الخبيث من الطيب. سنة الله في حب الدنيا وكراهية الموت. سنة الله في الكذب. سنة الله في الذنوب والمعاصي، سنة الله في التخلف عن الجهاد، سنة الله في المنافقين...
..
وإذا اجتمعت على الدنيا وملذاتها الفانية -كما هو حال الأمة اليوم- أثمر ذلك الاجتماع الخلاف والشقاق والتنازع والتناطح...
(فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل).
أشكرك أختي سحر الخطيب على إضافتك.
إن الهدف الأول من القصص القرآني لا يتجاوز المحور الأعظم لأهداف القرآن الكريم , ألا وهو كونه هداية للناس أجمعين فالقصة القرآنية تمثل جزءاً كبيراً من القرآن الكريم , وهي تتحد مع ما سواها مصدرًا وموضوعًا وغايةً, ولـكـن إذا ما أردنا شيئاً من التـفـصيـل فإننا نستطيع أن نجمل أهداف القصص القرآني في النقاط التالية وذلك من خلال ما أشارت إليه آيات القرآن الكريم متفرقة في معرض حديثها عن قـَصص متعددة :
1- تثبيت قلب النبي صلّى الله عليه وسلم , قال تعالى: [ وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ] {سورة هود: 120} ففي أخبار المرسلين وتكذيب أقوامهم تسلية وتصبيـر لقلب النبي صلّى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين والدعاة من بعده ـ على ما يلقاه من أذى المشركين وتكذيبهم , كما قال تعالى: [ قد نعلم إنه ليَحْـزُنُـك الذي يقولون.. ] إلى آخر الآية [ ولقد كُذِبتْ رسلٌ مِن قبْـلِك فصبروا على ما كُذبوا وأُوذوا حتى أتاهم نصرُنا ولا مبدِّلَ لكلماتِ اللهِ ولقد جاءَكَ من نبأِ المرسلين ] {الأنعام: 33ـ 34}.
2- إثبات صدق النبي صلّى الله عليه وسلم في رسالته ؛ لأن دعوة الأنبياء واحدة ومنهجهم واحد , وبالتالي فإن النبي صلّى الله عليه وسلم كما قال جل شأنه : [ قل ما كنتُ بِـدْعًا من الرسل ] {سورة الأحقاف: 9} وقال أيضاً: [ وما أرسلنا مِن قبلِك إلاّ رجالا نوحي إليهم فاسْـألـوا أهلَ الذكرِ إن كنتم لا تعلمون ] { سورة النمل: 43}. ومن وجه آخر ؛ حيث ينبئ النبي صلّى الله عليه وسلم بأخبار الأمم السابقة والقرون الساحقة مما لا يعلمه أحد من كتاب العرب فضلا عن أميٍّ مثلِهِ ( صلّى الله عليه وسلم ) وهذا ما أشار إليه الحق سبحانه وتعالى حين قال: - وهو يعرض قصص الأنبياء الواردة في {سورة هود -عليه السلام-: 11 } - [ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنتَ تعلمُها أنت ولا قومُـك من قبلِ هذا ] , وأيضاً حين قال سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه صلّى الله عليه وسلم في {سورة القصص: 44-46 } بعد عرض شيق وطويل لنبأ موسى وفرعون ـ : ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ{44} وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{45} وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )
4- تصحيح العقائد الفاسدة وتثبيت العقائد الصحيحة - ومحورها أمران : الإيمان بالله وحده, والإيمان بالبعث بعد الموت - , وهذا ظاهر من خلال دعوات الرسل والأنبياء جميعاً لأقوامهم .
5- تقويم الخلق والسلوك الفردي والجماعي , وتحقيق خلافة الإنسان في الأرض, وهذا ظاهر من خلال معالجة كل نبي لصفة معينة في قومه ـ عدا الكفر ـ كان يسعى لإصلاحها ؛ فالقصص يصوِّرُ ـ مثلاً ـ شناعة ما كان عليه قوم لوط.. وما كان عليه أهل مَدين.. وما كان عليه الطغاة والمفسدون من ظلم وجور ومنع للفقراء.. وتصوِّر أيضاً شناعة الحسد الذي حمل أحد ابني آدم على قتل أخيه.. وشناعة طبائع اليهود... وفي جانب آخر تصور ما كان عليه الأنبياء والصالحون من صبر وعدل وعطاء .. وكيف حقق سيدنا سليمان عليه السلام وغيره الخلافة في الأرض على أساس من العدل والخلق والاستقامة...
6- وثمة أهداف أخرى كثيرة لمن تأملها من أولي الألباب , مثل التوكل على الله , لاسيما بالنسبة للدعاة والمصلحين , وانتهاج الأسوة الحسنة في الأنبياء, والتجمل بمكارم الأخلاق , وتعلم آداب الحوار , والجدال بالحسنى , وأساليب الدعوة إلى الله تعالى , وكيف يدخل الداعية إلى قلوب المدعوين , ومعرفة طبائع الناس عامةً عند كفرهم وإيمانهم , وطبائع أقوام بعينهم مثل بني إسرائيل , وكيفية التعامل معها , وتشخيص أمراض المنحرفين والمعاندين , وكيفية معالجتها , وغير ذلك ...
- هذا ما يتعلق بأهداف القصص القرآني عموماً , أما إنْ أردنا تفصيلاً أكثر فإننا سنجد أنفسنا أمام بحر لا ساحل له ولا قرار, حيث إنَّ المتدبر لقصص القرآن الكريم واجدٌ في كل قصة , بل في كل آية ، وفي كل كلمة والتـفاتة قرآنية , ومن الأهداف والعبر والإشارات واللطائف.. ما تعجز عنه الألسن ولا تبلغ مداه الأفهام, وصدق الله العظيم إذ يقول ـ مبيناً تلك الأهداف العظيمة من القصص ـ : [ لقد كان في قـَصَصِهم عبرةٌ لأولي الألباب ما كان حديثا يُفترَى ولكنْ تصديقَ الذي بين يديه وتفصيلَ كلِّ شيءٍ وهدًى ورحمة لقوم يؤمنون ] {سورة يوسف: 111}. وتأمَّلْ كيف جاء لفظ [عبرةٌ] منكرًا ليفيد الشمول والعموم ؛ ففي قصصهم عبرة عن كل شيء, وفي كل شيء من قصصهم عبرة.. ولكنْ مَن يستخرجُ تلك الدرر والجواهر؟!!.. إلا من آتاه الله عقلا نيرًا وقلبًا مبصرًا.. ولذلك جعل العبرة في الآية السابقة قاصرة على » أولي الألباب « .. [ إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ ] { سورة ق: 50\37}. والله تعالى أجل وأعلم .