قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21} .
آية كريمة وأصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم. والإقتداء به في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ربكم سبحانه في عليائه يعاتبكم أيها المؤمنون ويذكركم بالتأسي بنبيكم صلى الله عليه وسلم، لتقتدوا به في صبره ومصابرته، ورباطه ومرابطته، وجهاده ومجاهدته. لتقتدوا به في ثباته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم الدين؛
يقول سبحانه وتعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } فهلّا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟
عتاب من الله جل في علاه للمتخلفين عن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول لهم جلّ ثناؤه: تأسوا به وكونوا معه حيث كان، ولا تتخلَّفوا عنه. اقتدوا بمن حضر الهيجاء بنفسه الكريمة، وباشر المواقف الشداد، فهو الشريف الكامل، والبطل الباسل، فكيف تشحّون بأنفسكم عن أمر جاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنفسه فيه؟
[عَلَّمتَهُمْ كُلَّ شَيءٍ يَجهَلونَ بِهِ" "حَتّى القِتالَ وَما فيهِ مِنَ الذِّمَمِ
دَعَوتَهُمْ لِجِهادٍ فيهِ سُؤدُدُهُمْ" "وَالحَربُ أُسُّ نِظامِ الكَونِ وَالأُمَمِ
لَولاهُ لَم نَرَ لِلدَولاتِ في زَمَنٍ" "ما طالَ مِن عُمُدٍ أَو قَرَّ مِن دُهُمِ]
مَهما دُعيتَ إِلى الهَيجاءِ قُمتَ لَها" "تَرمي بِأُسْدٍ وَيَرمي اللهُ بِالرُجُمِ
وهذه الآية وإن كان سببها خاصاً في أمر الجهاد في سبيل الله، فهي عامة في كل شيء، وهي مثل قوله تعالى: "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" [الحشر : 7] وكقوله سبحانه: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله } [ آل عمران : 31 ]: قاعدة كلية وأصل عام شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه: أن ما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله،
أسوتكم وقدوتكم في جميع الأحكام يا عباد الله ليس ماركس ولا انجلز ولا جهابذة المتفلسفين، إنما قدوتكم هو محمد صلى الله عليه وسلم،
فاتبعوه وجوبا لتسلكوا الطريق الموصلة إلى كرامة اللّه.
تأسوا به في جميع أفعاله وتعزّوا به في جميع أحواله، كبيرها وصغيرها؛
فلقد شُجّ وجهه الكريم، وكُسرت رباعيته، وقُتل عمه، وجاع بطنه، ولم يُلْف إلا صابرا محتسبا، وشاكرا راضيا. قال صلى الله عليه وسلم لما شُجّ وجهه الشريف: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
وعن ابن عمر رضي الله عنه في قوله { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } قال : في جوع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر؛ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين.
وكان صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم والتابعون يتبعون خطاه في الصغير والكبير
أخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه أكب على الركن، [الحجر الأسود] فقال : إني لأعلم أنك حجر ، ولو لم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ، واستلمك ، ما استلمتك، ولا قبلتك [ثم تلا قوله تعالى] { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}
وعن سعيد بن يسار قال : كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما في طريق مكة ، فلما خشيت الصبح نزلت [من فوق بعيري] فأوترت، فقال ابن عمر رضي الله عنه : أليس لك في رسول الله اسوة حسنة؟ قلت : بلى . قال : فإنه كان يوتر على البعير.
وعن حفص بن عاصم رضي الله عنه قال : قلت لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : رأيتك في السفر لا تصلي [النافلة] قبل الصلاة ولا بعدها فقال : يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا... وكذا... فلم أره [في السفر] يصلي قبل الصلاة ولا بعدها، ويقول الله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .
وصلى ابن عمر رضي الله عنهما صلاة من صلاة النهار في السفر ، فرأى بعضهم يسبح ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما : لو كنت مسبحاً لأتممت الصلاة ، حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان لا يسبح بالنهار [أي وهو مسافر بعد الفريضة]، وحججت مع أبي بكر ، فكان لا يسبح بالنهار ، وحججت مع عمر ، فكان لا يسبح بالنهار ، وحججت مع عثمان رضي الله عنه ، فكان لا يسبح بالنهار ، ثم قال ابن عمر رضي الله عنه { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} .
وعن عطاء رضي الله عنه أن رجلاً أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : إني نذرت أن أنحر نفسي [غلو في الدين وخروج عن خطى سيد المرسلين]. فقال ابن عباس { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وتلا من القرآن {وفديناه بذبح عظيم} فأمره بكبش.بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
================
الحمد لله عظيم الشأن، كبير السلطان، الذي خلق آدم من طين ثم قال له كن فكان، أحسن كل شيء خلقه وأبدع الإحسان والاتقان، أحمده سبحانه وحمده واجبٌ على كل إنسان، واشكره على ما أسداه من الإنعام والتوفيق للإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كثير الخير دائم السلطان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآياتوالبرهان، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه حملة العلم والقرآن.
:فيها أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، واعملوا ليوم ترجعون فيه إلى الله،
عباد الله، هذه الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما يسلكها ويوفق لها، من كان يرجو اللّه، واليوم الآخر، من كان يؤمن بالله ويخافه، يرجو ثوابه، ويخشى عقابه، كل ذلك يحثه على التأسي بالرسول صلى اللّه عليه وسلم.
هذه الأسوة الحسنة عباد الله تيسر لمن ذكر الله ذكراً كثيراً في جميع أحواله وفي جميع مواطنه، في السراء والضراء وحين البأس،
وأما الأسوة بغيره صلى الله عليه وسلم، فهي الأسوة السيئة الرديئة، يقول عز من قائل:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا } أي: منعموها، وملأها الذين أطغتهم الدنيا، وغرتهم الأموال، واستكبروا على الحق. { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} وتركوا بذلك سبيل المرسلين فدخلوا جهنم داخرين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلي [ومثلكم] كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار: هلم عن النار، هلم عن النار فتغلبوني تقحمون فيها)
ربَّاكَ ربُّكَ جلَّ من ربَّاكـــــا...........ورعاكَ في كنفِ الهدى وحــماكا
سبحانه أعطاك فيضَ فضائــلٍ...........لم يُعْطها في العالمين ســـواكا
سوّاك في خلقٍ عظيمٍ وارتقــى...........فيك الجمالُ.. فجلّ من ســـوَّاكا
وحباكَ في يوم الحساب شـفاعة..........محمودةً.. ما نالها إلاّكــــــا
اللهُ أرسلكم إلينا رحمـــــةً..........ما ضلَّ من تَبِعتْ خطاه خُطاكــا
كنّا حيارى في الظلامِ فأشـْرقتْ..........شمسُ الهدايةِ يومَ لاحَ ســـناكا
كنّا وربي غارقين بغيِّنـــــا..........حتى ربطنا حَبْلَنا بعُراكـــــا
لولاك لم نعبدْ إلـهًا واحـــدًا.........حتى هدانا اللهُ يومَ هداكـــــا
أنتَ الذي حنَّ الجمادُ لعطفـــهِ.........وشكا لك الحيوانُ يومَ رآكــــا
و الجذعُ يُسمعُ بالحنين أنينــُه..........وبكاؤُه شوقًا إلى لُقياكــــــا
ماذا يزيدُك مدحُنا وثناؤُنــــا..........واللهُ في القرآنِ قد زكّاكــــا؟!
اللهم أجرنا من النار واجعلنا من أتباع سيد الأبرار حبيبنا محمد المصطفى المختار بفضلك ومنك وكرمك يا عزيز يا غفار
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليم إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم جازنا بالإحسان إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. اللهم ارزقنا إيمانا صادقا لا يرتد، وعملا صالحا خالصًا لا يُرد، ونعيما حلالًا لا ينفد، ومرافقة نبينا محمد في أعلى جنة الخلد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمبعدين والمشردين والمعذبين، والجرحى والمرضى والمسجونين في سوريا وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم عجل فرجهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم ارفع عنا البلاء، والوباء، والغلاء، والربا، والأمراض والأسقام، وعن جميع المسلمين أجمعين يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.