لثلوج رمز النقاء..ونولدُ من جديد...في لحظة صدق مع النفس.... مواجهة النفس هي الطريق إلى ميلاد جديد. فقد خلق الله الإنسان، وفي داخله شوق للارتباط بالسماء، وحنين للحياة الروحيّة السامية، وحياة القداسة والطهر. لكن جذوره البشريّة تجتذبه إلى الغواية والشرّ. فتتلوّن حياته بطبيعة الأرض، ويمتلئ بالشهوة والرغبة وحبّ الذات، وتتعمّق فيه أصول الخطيئة، فتثمر أفكاراً وأعمالاً ونوايا وموت روحيّاً. وحين لا يواجه الإنسان نفسه بما آلت إليه، تموت أيضاً في داخله إرادة الخلاص. ويتمكّن من الداء، فلا تكون له قيامة ولا شفاء، وبمرور الوقت تزداد الفرقة ويزداد البعد عن الله. الإنسان –كلّ إنسان في الوجود- يحتاج إلى لحظة صدق مع النفس، يهجر فيها ادعاءه وتجمّله، فيخلع الأقنعة التي يتستّر بها على خطاياه، ويواجه ذاته في صدق، ولا يقارن نفسه بالآخرين، لكنه يفحص ذاته في نور قداسة الله. إن لحظة الصدق مع النفس أمام الله، هي الباب المفتوح الذي منه يسلّط الله نوراً على خفايانا فندرك ما نحن عليه من ضعف واحتياج. لحظة الصدق مع النفس هي التي تلهب قلوبنا بالرغبة في التوبة، والتطلّع إلى حياة جديدة، حياة مغتسلة في طهارة السماء. في لحظة الصدق مع النفس، نعرف.. ونعترف.. ونولد من جديد!








سامح: لا تحمل حقداً وضغينة.. الحياة محبة، والبشر ضعاف بالأهواء وبالرغائب!
البشر: ينهزمون بعواطفهم لعواطفهم، وينتصرون -في الغالب- للذات، وللهوى... فإذا كبحنا جماح الرغبة والأهواء، نجحنا في تطهير نفوسنا من الكراهية!
* * *
* سامح: لكي يحبك الناس... لا تحقد على أحد، ولا تكره نفسك أمامهم بإذلالها أو بتحقيرهم لسلوكك، فليس في الحياة -بكل إغراءاتها- ما يستأهل أن نحجب من أجله الصفاء والصدق ونبيعهما في لحظة غضب أو حقد أو طمع!
ليست الأشياء التي تذرَّعنا بها لنغضب، ولنحقد، ولنطمع.. هي أثمن من خفقة محبة، ومن التئام شمل، ومن وفاء لعهد، ومن التزام بموقف، ومن صدق مع النفس... إن «الأثمن».... هو ما يربطنا بالناس!!
* * *
* سامح: فالقلوب الرهيفة تبدو ملساء عند التصاق الأخطاء بها، والقلوب النقية: لا تصدأ بمواقف النسيان، أو الجحود، أو التنكر... إنها تصفو أكثر، وتتلألأ كالأحجار الكريمة، وتحتفظ بالذكرى وباللمحة، وبالخفقة وبالعهد!
إن النفوس الصافية.. تصفح عن الهنات والكراهية، لأنها تعكس الجوهر الممطر حباً.
وهناك نفوس يقهرها «الصبر على الصبر»، فتظلم، برغم ما كان يشعُّ فيها من ضوء.. وهناك نفوس تلاحق الصفاء لتحتضنه فتفشل، وتتحول إلى نفوس «باتيس»: خليط من الأبيض والأسود.. من الظلمة والضوء(!!) ثم تبدو تلك النفوس بعد ذلك، كما معنى هذه الكلمة: (سكون في قلب الارتياب)!!
* * *
* سامح: برغم أننا نرهق أنفسنا بالفرح المؤقت المجلوب من المتعة الزائلة... ويختال أمامنا «طيب» نفوسنا، وتصطرع النوازع الآدمية في الأعماق... ونتصور أن «فهم» الناس لنا يعني: أننا أغبياء بالطيبة، أو أننا نسقط حقوقنا بالتسامح... فنغرق التأمل في أعماقنا، ويختنق الحب، ونحقد وننتقم من الأوهام، بمزيد من الأوهام!
* سامح: نداء نصغي إليه وفي رؤانا من أحببناهم حتى وإن نسونا أو جحدونا.
بالتسامح سنحب الناس ونصفح عن قتلتنا، ونباشر أحزاننا بمرونة!
لكن... لا تسامح عدو دينك، ولا عدو وطنك، ولا عدو رزقك وقوتك... حاربهم واشدد عليهم!!
* سامح: وسترى الحياة أمامك وحولك: لك... وسترى الناس كلهم قطرة الماء في صحراء العطش!!
وكل عام... وأنتم بخير، وأمان، ومحبة!!
* * *
* آخر الكلام:
* (احصد الشر من صدر غيرك
بقلعه من صدرك)!!






الكثيرُ منا يتمنَّى الشهادة في سبيل الله، ويتمنَّى أن يُقدِّم لدين الله شيئًا، وأن يضحي من أجله، ويعلن حب الله ورسوله، ولكن كل هذه الأمنيات لا تخرج إلى حيِّز الواقع، وما هي إلا أماني تتردَّد داخل طيَّات النفوس، فإذا تعرَّض الواحد منا لابتلاءٍ ما فقد ينكص على عقبيه، ويتساءل لماذا أنا يا رب؟! سبحان الله!! ألم يكن يدَّعي حب الله وأنه وأنه.. فما الذي حدث، والله عز وجل أصابه بابتلاء ليرى مدى صدقه معه.



الكثير منا يتمنى ولكن الله عز وجل قال لنا: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْيَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)﴾ (النساء)، فالموضوع ليس موضوع تمنٍّ، وإنما صدق مع الله، صدق محتاج إلى دليل؛ فالذي يتمنى الشهادة ويريد أن يضحي بروحه في سبيل الله، فعليه أن يُرِيَ الله صدقه، بأن يضحي بجزءٍ من ماله في سبيل الله، وأن يضحي بجزءٍ من وقته لله، بل وأن يضحي بالنوم الجميل وقت صلاة الفجر ويقوم لصلاة الفجر، وإن لم يستطع أن يُضحي بهذه الأشياء فكيف يُضحي بروحه في سبيل الله؟!

إن هناك علاماتٍ للصدق مع الله، فامتثالك لأوامر الله عز وجل ووقوفك عند حدود الله لَخَيرُ دليلٍ على صدقك مع ربك.

صدق الله فصدقه الله

ولنتذكر معًا قصة الأعرابي الذي آمن بالرسول وتبعه، فلما أُعطي نصيبه من الغنيمةِ بعد إحدى المعارك، قال للرسول- صلى الله عليه وسلم-: ما هذا؟ قال: نصيبك من الغنيمة، قال: ما اتبعتك على هذا، وإنما اتبعتك على أن أقاتل في سبيل الله فيصيبني سهم ها هنا (وأشار إلى حلقه) فأموت فأدخل الجنة، فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "إن تصدق الله يصدقك".
وفي المعركة التالية جيء به وقد أُصيب بسهم في المكان الذي أشار إليه، فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "أهو هو؟" قالوا نعم. قال: "صدق الله فصدقه الله".

جزاء من لم يصدق الله

ونتذكر أيضًا قصة ثعلبة بن حاطب الأنصاري؛ حيث كان فقيرًا وتمنى أن يكون غنيًا وسوف يعطي كل ذي حق حقه، فرزقه الله المال ولكنه لم يصدق الله فيما قال، بل ومنع الزكاة حتى نزل فيه قول الله عز وجل: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78)﴾ (التوبة).

وقد وردت القصة كاملةً في تفسير ابن كثير؛ فعن أبي أمامة الباهلي، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه". قال: ثم قال مرةً أخرى، فقال: "أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبًا وفضةً لسارت"، قال: "والذي بعثك بالحقِّ لئن دعوت الله فرزقني مالاً لأعطينَّ كلَّ ذي حقٍّ حقه".. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "اللهم ارزق ثعلبة مالاً".

قال: فاتخذ غنمًا، فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة، فتنحَّى عنها، فنزل واديًا من أوديتها، حتى جعل يُصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما، ثم نمت وكَثُرت، فتنحَّى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة، فطفق يتلقَّى الركبان يوم الجمعة، يسألهم عن الأخبار، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما فعل ثعلبة"؟ فقالوا: يا رسول الله، اتخذ غنمًا فضاقت عليه المدينة، فأخبروه بأمره فقال: "يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة".

وأنـزل الله جل ثناؤه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ (التوبة: من الآية 103) قال: ونزلت عليه فرائض الصدقة، فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلين على الصدقة: رجلاً من جُهَيْنَة، ورجلاً من سليم، وكتب لهما كيف يأخذانِ الصدقة من المسلمين، وقال لهما: "مُرَّا بثعلبة، وبفلان- رجل من بني سليم- فخذا صدقاتهما".

فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدري ما هذا، انطلِقا حتى تفرُغا ثم عُودا إليَّ، فانطلقا وسمع بهما السلمي، فنظر إلى خيارِ أسنان إبله، فعزلها للصدقة، ثم استقبلهما بها، فلما رأوها قالوا: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك، قال: بلى، فخذوها، فإن نفسي بذلك طيبة، وإنما هي له، فأخذوها منه.

فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مَرَّا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما فنظر فيه، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية.. انطلقا حتى أرى رأيي.

فانطلقا حتى أتيا النبي- صلى الله عليه وسلم- فلما رآهما قال: "يا ويح ثعلبة!!" قبل أن يكلمهما، ودعا للسلمي بالبركة، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي، فأنزل الله، عز وجل: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ إلى قوله: ﴿وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾قال: وعند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتاه فقال: ويحك يا ثعلبة!! قد أنزل الله فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فسأله أن يقبل منه صدقته، فقال: "إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك"، فجعل يحثو على رأسه التراب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "[هذا] عملك، قد أمرتك فلم تطعني".





فلما أبى أن يقبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجع إلى منزله، فقُبِض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يقبل منه شيئًا، ثم أتى أبا بكر، رضي الله عنه، حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله، وموضعي من الأنصار، فاقبل صدقتي، فقال أبو بكر: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يقبلها، فقبض أبو بكر ولم يقبلها.

فلما وَلِي عمر، رضي الله عنه، أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر، وأنا أقبلها منك! فقُبض ولم يقبلها؛ ثم ولي عثمان، رضي الله عنه، [فأتاه] فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها منه، وهلك ثعلبة في خلافةِ عثمان.

هذا الرجل تمنَّى كثرة المال لينفق ويعطي الفقراء والمحتاجين كما كان يزعم قبل أن يكون غنيًّا، ولكنه لم يكن صادقًا مع الله؛ حيث أعطاه الله المال ليختبرَ درجة صدقه، ولكنه رسب في الاختبار، بل أصبح منافقًا، فما بالنا نحن نقول كلامًا ونتمنى أحلامًا، ولكن إذا تيسرت لنا الأمور فلا نصدُق فيما قلناه، ألا نخشى أن يصبينا النفاق ونكون من الخاسرين، فالأمر جد خطير، فكم منا من كان قليل المال لا يجد ما يسد به جوعه وعندها كان يتمنى إن رزقه الله المال أن يبذل وينفق في سبيل الله ولا يُقصر في حق الله، فلما فتح الله عليه الدنيا نسي ما عاهد الله عليه وبخل بماله على الله.. فأين صدقه مع الله؟! ألا يخاف أن يُصيبه مثل ماأصاب ثعلبة؟!

إخواني في الله.. إننا بحاجةٍ إلى أن نكون مثل ذلك الأعرابي الذي صدق الله فصدقه الله، وأن نصدق الله في أقوالنا وفي أعمالنا وسلوكنا، وأن نكون من الرجال الذين قال الله فيهم:﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب).. وأن نكون مع الصادقين كما أمرنا ربنا عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾ (التوبة





شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

Pages