يكذب من يصور لنفسه أنه فهم النفس البشرية و أحاط بها بل يكاد الواحد منا لا يفهم نفسه و هو أقرب الناس إليها و أن نفسه لتراوغه و تدلس عليه و تمثل عليه و تتنكر أمامه و تغلف شهواتها بالدواعي و المبررات و الذرائع و النظريات.. فلا يعرف الواحد منا ماذا يريد و ماذا يبطن و لا يعرف من يكون و لا من هو على وجه التحقيق؟ و هو قد يعيش و يعمل و يكافح متصورا أنه شهيد أو بطل ثم في لحظة زمان و ساعة امتحان ينكشف على حقيقته دجالا عظيما.. و تكون المفاجأة مذهلة حتى له هو نفسه. و مثل الإنسان الأمم و المجتمعات و التاريخ.. و هل التاريخ إلا الإنسان في حركة.. ~~ من كتاب / نار تحت الرماد





يعتبر فهم الانسان لنفسه وحجم امكانياته وماهو متاح له او ممنوع عنه في مرحلة ما او في فترة ما من العوامل الرئيسية والمهمة في رحلة النجاح والتميز وتحويل الاحوال الى الافضل.
من الناس من يدفعه الغرور الى تصنيف نفسه بانه فوق الناس وانه الافضل وهناك من يتجاهل امكانياته ويعتبر نفسه انسانا عاديا بسيطا بل وهناك من يجد نفسه اقل من الجميع ويتجاهل تماما كل امكانياته او مواهبه ويتعامل مع قدراته بلا اهتمام.
ان فهم الانسان لنفسه يجب ان لا ينسلخ عمن هم حوله او ظروف ومؤثرات وبيئته الاجتماعية لان الانسان كائن يتكامل بما حوله واذا تعامل مع نفسه على انه جزء منفصل عندها سيحصر ذاته وهذا يعرقل مسيرة النجاح ، لان النجاح غالبا عمل مشترك ، حتى وإن كان عمل فردي فهو يعتمد على عدة عوامل مشتركة متظافرة ان اعتقاد الانسان بذاته ممكن ان يصنع له حياته.. فليس هناك من ينكر ان الافكار الايجابية تجعل نفسية الانسان ايجابية والافكار السلبية تجعل الانسان مكتئبا حزينا مما يؤكد ان الانسان قادر على صنع نظرته لنفسه من خلال افكاره واعتقاداته بذاته.
ولكي يكون الانسان فاهما وواعيا بنفسه وقدراته لابد من إحاطته بأمور أساسية ومواجهتها بكل صدق وحزم كي يكون واضحا مع نفسه ومدركا لنقاط ضعفه ومعالجتها ونقاط قوته وتنميتها ( المواهب التي اوجدها الله فيك تحتاج الى من يكتشفها ) وتسخرها لخدمة محيطك ومجتمعك وايضا ومن باب اخر لا يمكن لأحد أن يدعي الكمال فالكمال لله وحده ولكل إنسان نواقصه وعيوبه التي يجب ان يتداركها بفطنة وامكانية عالية.
وقال احد الدارسين في علم النفس: (إن مصباحك في قلبك إذا استطعت إشعاله بإحكام، فقد أشرقت حياتك بالنور، أما إذا أهملته، فلا بد أن يتراكم عليه الغبار وينطفئ).




لفهم الإنسان لنفسه علاقة صميمة بنَسَق نظره للوجود ونمط مسلكه في الحياة. فإذا فهم المرء نفسه على أنّه جرمٌ صغير محدود منفصل، تصرّف كجرمٍ صغير محدود منفصل. عندها ينحصر جلّ همّه في نفسه، فإن تعرّض همّه من بعد ذلك فإنّه يبقى ضمن خصوصيّته، مُنشدّاً، مراراً ما بقدرٍ من تعصّب، إلى قبيلة أو قوم أو دولة أو دين. أمّا إذا فهم المرء نفسه أنّه ذات موصولة بمطلق الوجود، أنّه فيض من معين منه فيض الوجود بأسره، تصرّف من عُرض نظر يعتبر الكون كلّه مجاله، الأرض كلّها موطنه، الحيوان جميعه رفقة الحياة، والبشر عامّة إخوة في الإنسانيّة، أو كما عبّر الإمام عليّ بن أبي طالب في عهد كتبه لوالٍ ولاّه على مصر.... اعتبر النّاس عامّةً نظراء في الخلق، أي سواسية في الإنسانيّة الأم، لذا متساوين أصالة في الكرامة والحرمة والحقوق.




نحن نلعن الحياة لأنها غير سوية ونلعن القدر لأنه يغدر بنا ونلعن الأخر لأنه أساء فهمنا ونلعن ذواتنا لأنها لم تستطع تطويع الحياة والقدر والآخر. نحن نلعن كل شيء حتى أظافرنا نلعنها عندما تتسخ. نحن نتسابق دومًا للوصول للنهاية وعندما لا نصل نلعن الاستمرارية. نريد دائمًا الاحتفال بالنهايات. نحن نكره الحياة لأنها فانية ونطلب الجنة لأنها باقية وكما نطلبهما لأن الأولى تسلبنا المتعة الممتدة والثانية تعطينا المتعة الأبدية. هكذا هو أنا وأنت ونحن، نطلب دومًا ونتغير دومًا، نكره دومًا ونحب دومًا، نفهم دومًا ولا نفهم دومًا، وفي النهاية ننقلب على كل شيء. وحده ذلك الذي نعتبره مجنونًا من يمتلك صفة الوجود الحر.





يتراوح فهمنا لذواتنا ولذوات غيرنا إذًا بين التجدد والتناقض، بين اللااستقرار والنسبية، وفي كل هذه الحالات المختلفة تنشأ قناعاتنا المتجددة للحياة والوجود، ونستمر في استهلاك الماضي وننشغل بالحاضر ثم نتأمل في المستقبل، وهكذا تندثر آمالنا وأحلامنا بين هذه التراتبيات الجبرية. الثابت في الإنسان هو ملكة التفكير وملكة الإحساس والشعور، والمتحول فيه هو التفكير والإحساس والشعور ونقيضهما. لذلك فإن العلاقات البشرية تُستلب بين النقيض وضده من طرف المفاهيم والأحاسيس والسلوكيات البشرية، وبالتالي فإنها تتعرض للتشويه أحيانًا وللحقيقة في أحيان أخرى. هل هذا يعني ضرورة وجود ضابط حاسم في العلاقات بين البشر؟ لقد فكر الإنسان فعلاً في هذا الضابط للسلوكيات البشرية المعقدة عندما ابتكر الحوار والقانون والدساتير كضوابط أخلاقية نزيهة من أجل الوصول إلى نتائج هذه الضوابط التي هي التفاهم والعدل والمساواة. ولكن هل وصل الإنسان فعلاً إلى ضبط أصله الثابت والمتحول؟ أم أن العملية أصلاً لاغية بحكم انتمائه للطبيعة الحرة؟



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

Pages