من أهم أعماله : كان إحسان عبد القدوس كاتب مثمر، فبجانب اشتراكه المتميز بالصحافة كتب مايلي :
49 رواية تم تحويلهم جميعا نصوص للأفلام.
5 روايات تم تحويلهم الي نصوص مسرحية.
9 روايات تم تحويلهم الي مسلسلات اذاعية.
10 روايات تم تحويلهم الي مسلسلات تليفزيونية.
56 كتاب متنوع.
من أشهر القصص والروايات التي صاغها إحسان عبدالقدوس وقد صيغ الكثير منها كأعمال تلفزيونية وسينمائية :
أنا حرة ، أصابع بلا يد ، في بيتنا رجل ، لا تتركني وحدي ، أنف وثلاثة عيون ، شيء في صدري ، نصف الحقيقة ، النساء لهن اسنان بيضاء ، تائه بين السماء والأرض ، الخيط الرفيع ، لقد أصبحت رشيقة ، هذا أحبه وهذا أريده ، الطريق المفقود ، لا شيء يهم ، ارجوك اعطني هذا الدواء ، ايام في الحلال ، بعيدا عن الارض ، العذراء والشعر الابيض ، ابي فوق الشجره، لا تطفىء الشمس ، لا أنام ، الحب الأول وهم كبير ، قبضة ضم ، زوجة وسكرتيرة ، الوسادة الخالية .
جوائز حصل عليها الكاتب الكبير احسان عبد القدوس :
وسام الاستحقاق من الدرجة الاولي منحة له الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وسام الجمهورية من الدرجة الاولي منحة له الرئيس محمد حسني مبارك في عام 1990.
الجائزة الاولي عن روايته : دمي ودموعي وابتساماتي " في عام 1973.
جائزة احسن قصة فيلم عن روايته "الرصاصة لا تزال في جيبي".
النسائي
هو أحمد بن علي بن شعيب بن علي، أبو عبدالرحمن النسائي صاحب السنن المعروفه باسم سنن النسائي وهو الإمام في عصره الذي رحل إلى الآفاق، واشتغل بسماع الحديث، والاجتماع بالأئمة الحذاق.
روى عنه كثيرون وقد جمع السنن الكبيرة وانتخب منها ما هو أقل حجماً.
قال الحاكم عن الدارقطني: أبو عبدالرحمن النسائي مقدم على كل من يذكر، بهذا العلم، من أهل عصره. وقال أبو الحسين محمد بن مظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر، يعترفون له بالتقدم والإمامة لاجتهاده في العبادة بالليل، والنهار، ومواظبته على الحج، وقال غيره: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان له أربع زوجات وسريتان، حسن الوجه مشرق اللون. وكان يقسم للإماء كما يقسم للحرائر.
قال الدارقطني: كان أبو بكر بن الحداد كثير الحديث ولم يرو عن أحد سوى النسائي. وقال: رضيت به حجة، فيما بيني وبين الله عزوجل.
قال ابن يونس: كان النسائي إماماً في الحديث، ثقة ثبتاً حافظاً، وكان خروجه من مصر سنة 302هـ.
قال ابن عدي: سمعت منصورا الفقيه، وأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي يقولان : أبو عبيدة عبدالرحمن النسائي، إمام من أئمة المسلمين، وأثنى عليه غير واحد، وشهدوا له بالفضل.. وقد ولي الحكم بمدينة حمص.
قال الدارقطني: كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح من السقيم، وأعرفهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة، فسئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه، فضربوه في الجامع، فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه وهو عليل، فتوفي بمكة مقتولاً شهيداً سنة 303هـ.
قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبدالغني: مات أبو عبدالرحمن النسائي بالرملة، مدينة بفلسطين، يوم الإثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر سنة 303هـ، ودفن ببيت المقدس.
وحكا ابن خلكان أنه توفي في شعبان من هذه السنة، وأنه صنف الخصائص في فضل علي كرم الله وجهه وأهل البيت، لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها سنة 302 عندهم نفرة من علي، وسألوه عن معاوية فقال ما قال: وضربوه فمات. وهكذا ذكر ابن يونس، وأبو جعفر الطحاوي: أنه توفي بفلسطين في صفر من هذه السنة ..
وقد ولد النسائي سنة 215هـ ومات عن ثمانية وثمانين عاماً.
المنفلوطي
هو مصطفى لطفي المنفلوطي الذي ولد بمنفلوط بصعيد مصر سنة 1876 ..
المنفلوطي كاتب مصري ، تعلم بالأزهر ، واتصل بالشيخ محمد عبده ، وعاون الشيخ علي يوسف في تحرير جريدته (المؤيد) ، وكان المنفلوطي قارئا ذواقة ، شديد التأثر برشاقة التعبير غير المتكلف في شعر القدماء ونثرهم ، وساعده في عمله في الصحافة اصطناعه اسلوب فني متحرر من المحسنات..
مجموعة مقالاته ( النظرات ) ( ثلاثة أجزاء ، 1910- 1920 ) تشمل توضيح مذهبه في الأدب والدفاع عن المثل العليا للثقافة العربية الإسلامية ونقد الرذائل الاجتماعية ، مع بعض القصص الساذج ..
صاغ باسلوبه عدة روايات ترجمت له عن الأدب الفرنسي : ( الشاعرة ) و( مجدولين ) (و في سبيل التاج) فلقيت كمقالاته إقبالا كبيرا ، كما أن للمنفلوطي ديوان شعر ..
وتوفي مصطفى لطفي المنفلوطي سنة 1924 م .
المبرد النحوي
هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر أبو العباس الأزدي، المعروف بالمبرد النحوي البصري، وهو إمام في اللغة العربية، وقد أخذ ذلك عن المازني، وأبو حاتم السجتاني، وكان ثقة ثبتا فيما ينقله، وللمبرد النحوي كتاب الكامل في الأدب.
سمي بالمبرد، لأنه اختبأ من الوالي، عند أبي حاتم، تحت المزبلة. قال المبرد: دخلنا يوماً على المجانين، نزورهم، أنا وأصحابي بالرقة، فإذا فيهم شاب، قريب العهد بالمكان عليه ثياب ناعمة، فلما أبصرنا، قال: حياكم الله، فمن أنتم؟ قلنا من أهل العراق. فقال: بأبي العراق، وأهلها انشدوني أو أنشدكم؟
قال: المبرد: بل أنشدنا أنت فأنشأ يقول:
الله يعلم أني كمد ... لا أستطيع بث ما أجد
روحان لي روح تضمنها ... بلد وأخرى حازها بلد
قال المبرد فقلت: والله إن هذا طريف فزدنا منه، فأنشأ يقول:
لما أناخوا قبيل الصبح عيرهم ... وحملوها فثارت بالهوى الإبل
وأبرزت من خلال السجف ناظرها ... ترنو إلي ودمع الهين ينهمل
فقال الرجل : من البغضاء الذين معي: ماتوا.
فقال الشاب: إذا أموت ..
فقال : إن شئت. فتمطى، واستند إلى سارية عنده، ومات، وما برحنا، حتى دفناه رحمه الله، ومات المبرد عن السبعين عاماً.
القزويني
هو أبو عبد الله بن زكريا بن محمد القزويني الذي ينتهي نسبه إلى عالم المدينة أنس بن مالك.
ولد القزويني على الأرجح عام 605 هـ بقزوين، وتوفي عام 682 هـ، فهو ينتمي إذاً إلى القرن السابع الهجري.
اشتغل القزويني بالقضاء كما ألف العديد من كتب الجغرافيا والتاريخ الطبيعي، وشغف بعلوم الطبيعة والحياة لكن أعظم أعماله شأناً هي نظرياته في علم الرصد الجوي.
من أشهر مؤلفاته
1- عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: في هذا الكتاب يصف القزويني السماء وما تحتوي من كواكب وأجرام وبروج، وحركات الكواكب الظاهرة وما ينجم عن ذلك من اختلاف فصول السنة كما يتحدث عن الأرض وجبالها وأنهارها، وعن كرة الهواء وعن الرياح ودوراتها، وعن كرة الماء وبحارها وأحيائها، ثم عن اليابسة وما تنبت من نبات وأحياء. وقد رتب كل ذلك ترتيباً أبجدياً ممتازاً.
2- آثار البلاد وأخبار العباد: جعل القزويني لهذا الكتاب ثلاث مقدمات تحدث فيها عن الحاجة إلى إنشاء المدن والقرى كما تحدث عن تاثير البيئة على السكان والحيوان والنبات، وأفرد قسماً من المقدمات للكلام على أقاليم الأرض ويضم الكتاب أخبار الأمم، وتراجم العلماء والسلاطين والأدباء… وأوصاف الزوابع، والتنين الطائر أو نافرة الماء، وغير ذلك من الأخبار المتنوعة.
دعا القزويني إلى التأمل في آيات الله وفي خلقه، وبديع صنعه، تمشياً مع ما أمر به القرآن من النظر، وهو ليس تقليب الحدقة في الموجودات، فإن مثل هذا النظر تشارك المخلوقات كلها فيه، وإنما المراد بالنظر الدراسة والتفكير في المعقولات والنظر في المحسوسات، والبحث عن حكمتها. وكلما أمعن المرء النظر فيها ازداد من الله هداية ويقيناً ونوراً وتحقيقاً. ويقول القزويني أن التفكير في المعقولات أساسه خبرة بالعلوم والرياضيات، بعد تحسين الأخلاق و تهذيب النفس.
من أقواله في الفلك "لننظر إلى الكواكب وكثرتها، واختلاف ألوانها، فإن بعضها يميل إلى الحمرة، وبعضها يميل إلى البياض، وبعضها إلى لون الرصاص. ثم إلى سير الشمس في فلكها مدة سنة ، وطلوعها وغروبها كل يوم لإختلاف الليل والنهار ، ومعرفة الأوقات . ثم إلى جرم القمر وكيفية اكتسابه النور من الشمس ، ثم الى امتلائه وانمحاقه ، ثم الى كسوف الشمس وخسوف القمر ، ثم الى ما بين السماء والأرض من الشهب والغيوم والرعد والصواعق والأمطار والثلوج والرياح المختلفة المهاب.."
من أقواله في علم الأرصاد الجوية :"ولنتأمل السحاب الكثيف ، كيف اجتمع في جو صاف ، وكيف حمل الماء وكيف تتلاعب به الرياح وتسوقه وترسله قطرات … فلو صب صباً لفسد الزرع بخدشه الأرض. ثم الى اختلاف الرياح فإن منها ما يسوق السحب ، ومنها ما يعصرها ومنها ما يقتلع الأشجار ، ومنها ما يروي الزرع والثمار ، ومنها ما يجففها…".
وفي مطلع كتاب "عجائز المخلوقات.." حديث عن الزوبعة يقول فيه:"هي الريح التي تدور على نفسها شبه منارة وأكثر ، تولدها من رياح ترجع من الطبقة الباردة ، فتصادف سحاباً تذروه الرياح المختلفة ، فيحدث من دوران الغيم تدوير الرياح ، فتنزل على تلك الهيأة ، وربما يكون مسلك صدورها مدوراً فيبقى هبوبها كذلك مدوراً كما نشاهد في الشعر المجعد ، فإن جمودته قد تكون لإعوجاج المسام وربما يكون سبب الزوبعة ريحين مختلفي الهبوب ، فإنهما اذا تلاقيا تمنع احداهما الأخرى من الهبوب ، فتحدث بسبب ذلك ريح مستديرة تشبه منارة . وربما وقعت قطعة من الغيم وسط الزوبعة ، فتذروها في الهواء ،فترى شبه تنين يدور في الجو ".
وفي كتاب "آثار البلاد …" يصف القزويني تنيناً ظهر بنواحي حلب فيقول:"….ينساب على الأرض والنار تخرج من فيه ودبره ، والناس يشاهدونه من البعد ، وقد أقبلت سحابة من البحر وتدلت حتى اشتملت عليه وروحته نحو السماء ، وقد لف التنين ذنبه على كلب ورفعه ، والكلب ينبح في الهواء …." فهذا الوصف الذي يعرضه القزويني انما ينطبق ، في قسم منه ، على نافورة الماء كما نسميها في عصرنا ، وهي قمع من السحاب يتدلى على سطح الأرض أو البحر .
وفي مكان آخر من الكتاب يصف القزويني "التنين" بأنه حيوان هائل ، له فلوس كفلوس السمك ، وجناحان عظيمان ….وهكذا كان دوره في كتابات القزويني الذي جعل للخرافات والأوهام حصة وفيرة .
الإدريسي
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إدريس المشهور باسم (الإدريسي) وهو أكبر علماء الجغرافيا المسلمين، وأول جغرافي رسم خريطة سليمة للعالم.
كان أول ما ظهر في الأندلس حيث تلقى علومه، ثم طاف البلاد حتى نزل صقلية ضيفاً على ملكها روجر الثاني.
ولد الادريسي في سبتة بالمغرب (493 هـ - 1100م) وتوفي في (560 هـ - 1166م). قضى الادريسي شطراً من حياته في رسم أول خريطة سليمة للعالم، فوضعها وفق الأصول التي كانت معروفة في عصره، وصحح للعرب والأوروبيين مفاهيمهم عن العالم. واستخدم الأوروبيين مصوراته وخرائطه في الكشوف التي كانوا يقومون بها إبان عصر النهضة وخلال رحلات الاستكشاف.
امتاز الادريسي بالدقة في حساب الطول والعرض للبلدان المختلفة، واستخدم ما أطلق عليه اسم (لوح الترسيم) وهو مشروع خريطة العالم التي رسمها فيما بعد. وعندما أراد أن يخلد تلك الخريطة حتى لا تتلف، أمر له الملك روجر بأن يوضع تحت تصرفه دائرة من الفضة تزن 400 رطل رومي، في كل رطل منها 112 درهماً فلما تم ذلك أمر الفعلة أن ينقشوا عليها صور الأقاليم السبعة وأقطارها وخلجانها وبحارها، ومجاري مياهها ومواقع أنهارها، وعامرها وغامرها، وما بين كل بلدين منها، وبين غيرها من الطرقات .. والمراسي المعروفة على نهج ما في لوح الترسيم.
من مؤلفات الإدريسي كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، وألفه للملك روجر بناء على طلبه، وضمنه كل ما عرفه الأقدمون من معلومات سليمة، وأضاف إليها ما اكتسبه هو وما رآه ورصده في رحلاته واختباراته ، وقد ظل هذا الكتاب مرجعاً لعلماء أوروبا مدة زادت على 300 سنة، وفيه نيف وسبعون خريطة.
وألف كذلك كتاب (صفة بلاد المغرب) وفيه خريطة العالم المعمور من الأرض، وتشتمل العالم القديم وهي قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وقد ذكر فيها سبعة أقاليم، فجعل الإقليم الأول منها يمتد من خط عرض صفر إلى 23 درجة شمالاً، وتلت ذلك الأقاليم الباقية بحيث يمتد الإقليم السابع من 54 درجة إلى 63 درجة، وما بعد هذه الدرجة الأخيرة منطقة غير مسكونة، وذلك لكثرة البرودة ووفرة الثلوج.
اهتمت المحافل العلمية في العراق بخريطة الإدريسي، وانتدبت من أجل دراستها ونشرها والعناية بها، وعني بذلك بعض العلماء العرب فأعادوا الخريطة إلى الأصل العربي، واستخدموا في ذلك العديد من النسخ المصورة من كتاب نزهة المشتاق ونشر كذلك المجمع العلمي العراقي عام 1951 الخريطة المصححة، فبلغ طولها نحو مترين وعرضها نحو متر وفيها يجعل الإدريسي الجنوب في أعلى والشمال في أسفل وهو غير المألوف اليوم والسائد في وقتنا الحاضر ، وبذلك يكون الغرب إلى اليمين والشرق يساراً واستدارة الفلك في موضع خط الاستواء 360 درجة، وبين خط الاستواء وكل واحد من القطبين 90 درجة لأن العمارة في الأرض بعد خط الاستواء 64 درجة والباقي من الأرض خلاء لا عمارة فيه ، لشدة البرد والجمود .. والأرض ذاتها مستديرة لكنها غير صادقة الاستدارة .. والبحر المحيط يحيط بنصف الأرض إحاطة متصلة دائرتها فكذلك الأرض نصفها مغرق في البحر، والبحر يحيط به الهواء.
في عام 1154م، كتب الشريف الإدريسي لملك صقلية النورماندي روجر الثاني كتاباً يصف فيه عالم الأرض، وأرفق به خريطة تبين الحدود الخارجية المعروفة في ذلك الوقت من اليابسة وبحر الظلمات (المحيط الأطلسي) وقد ذكر عن هذا الأخير أنه يحيط بالجزر البريطانية، وأنه من المستحيل التوغل فيه، كما ألمح إلى وجود جزر بعيدة هي جزر ايسلندا ونحوها.
يقول الإدريسي في وصف بحر الظلمات أو المحيط الأطلسي: (وأهم الملاحين في هذا البحر هم المعروفون باسم الأنكسية أي سكان أنكرطرة (أي انجلترا) وهي جزيرة عظيمة فيها مدن كبيرة، برغم ما يكتنف هذا البحر من أهوال، ومع كثافة أمواجه، فإن به السمك الكبير الذي يصيدونه في أمكنة معلومة، وبه دواب بحرية، تبلغ من عظم الحجم ما يجعل أهالي تلك الجزر يستعملون عظامها وقفازها بدل الخشب في مبانيهم، ويصنعون منا خناجر ورماحاً ومقاعد وسلالم).
نجم الدين المصري
هو نجم الدين أبو عبدالله محمد بن محمد المصري، ولا يعرف بالتحديد تاريخ ميلاده، وإنما عاش في القاهرة، وتعلم في الأزهر ويعد من البارعين في علم الفلك خلال النصف الأخير من القرن السابع الهجري، أو الثالث عشر الميلادي ..
يعد من أكبر علماء التوقيت المصريين. وقد كانت جامعة الأزهر تشع ضياء ومعرفة، ليس فقط في مجال الدراسات الدينية والأدبية وسائر العلوم الإنسانية بل كانت تهتم أيضاً بميادين الفلك والرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة ونحوها… وبقي الأمر على هذه الحال حتى حرّم المستعمر على الأزهر دراسة العلوم الكونية.
وتدل أعمال نجم الدين المصري على أن العلماء في مصر، أخذوا يهتمون بدراسة الفلك منذ ظهور لبن يونس، مما أدى إلى تقدم هذا العلم.
كما اهتم المصريون بعلم الحساب الكروي خلال ثلاثة قرون على الأقل بعد موت لبن يونس.
ومن أعمال نجم الدين المصري أنه وضع حساباً لجداول فلكية من العصور الوسطى.
والمعروف أن العلماء المسلمين لم يكونوا مجرد قنطرة عبرت عليها الحضارات القديمة وعلوم الإغريق إلى عصر النهضة ، بل أنهم أضافوا إليها الشيء الوفير، وصححوا أخطاءها وابتكروا بعض العلوم.
وفي مكتبة اكسفورد بانجلترا مخطوطة عربية تضم معلومات فريدة وجداول أكثر من ربع مليون قيمة محسوبة بالدرجات والدقائق، استخدم نجم الدين في حسابها قوانين رياضية سليمة، وحساب المثلثات الكروي والغرض الأساسي من هذه الجداول (وهي الزيج) هو تعيين الوقت بدقة تامة من رصد ارتفاع الشمس نهاراً والنجوم ليلاً في أي بقعة.
وتعتبر تلك الجداول بمثابة نماذج ذات قيمة عالمية يمكن أن يستنير منها كل باحث، وذلك على غرار الجداول العالمية التي تصنفها أكبر الهيئات العلمية في هذا العصر.
والمعروف أن بعض العلماء المسلمين الذين سبقوا نجم الدين أو لحقوا به في هذا الميدان، من أمثال ابن يونس المصري الفلكي المشهور من القرن الرابع الهجري وشمس الدين الخليلي الفلكي الذي عمل بالجامع الأموي بدمشق وصنف جداول التوقيت في القرن الثامن الهجري، حسبوا جداولهم لتعيين الوقت من ارتفاع الشمس فقط عند خطي عرض القاهرة ودمشق، وليس بصفة عالمية كما فعل نجم الدين المصري.
ولنجم الدين جداول أخرى بدار الكتب المصرية، وهي تعطي ارتفاع الشمس في أي ساعة من ساعات النهار، على مدار العام، من قياس الزمن لخط عرض القاهرة.
وهناك رسالة باسم نجم الدين المصري، محفوظة في مكتبة امبروزيانا في ميلانو، يتحدث فيها العالم المصري عن الفلك الكروي (الحديث)، ويبين القواعد والقوانين التي بني عليها علمه، واستخدمها في الحسابات الفلكية.
عزة الميلاء
هي سيدة من غنى من النساء ،مع جمال بارع وخلق فاضل، تأمر بالخير وهي من أهله، وتنهى عن السوء وهي مجانبة له.
وعزة هي أقدم من غنى الغناء الموقع من نساء الحجاز. وكانت موصوفة بجمال وجهها وقدها، ولقبت بالميلاء لتمايلها في مشيتها. وكانت عزة من جواري الأنصار، وكانت دارها مجمعاً لأهل الأدب والظرف في زمانها، وفيها يعقدون مجالس أنس وطرب وحلقات أدب.
ويروى أن عمر بن أبي ربيعة زارها يوماً بصحبة عبدالله بن جعفر وابن عتيق، فغنتهم صوتاً من شعر عمر، ولما فرغت قال عمر: لقد سمعت والله ما يذهب العقل.
وكان الشاعر حسان بن ثابت معجباً بشعر عزة، ويضعها في طليعة القيان في المدينة وطالما غنت عزة من شعر حسان.
وكثيرة هي النوادر عن تأثر حسان بصوت عزة، من ذلك أن شاعر النبي (صلعم) حضر يوماً وليمة أقامها زيد بن ثابت الأنصاري ختان بنيه، وكان حسان قد اكتهل وبدأ بصره يخف .. فلما فرغ القوم من الطعام أقبلت عزة الميلاء فوضعت المزهر في حجرها وضربت به وتغنت بشعر حسان:
فلا زال قبر بين بصري وجلق ... عليه من الوسمي جود ووابل
فهاج حسان وجرت دموعه. ويروى أن المغني معبد أتى عزة الميلاء يوماً، وقد تقدمت بها السن، فغنت له قصيدة مطلعها:
عللاني عللا صاحبيا ... واسقياني من المروق ريا
فقال معبد معجباً: هذا غناؤها وقد أسنت، فكيف بها وهي شابة؟!. وكان ابن أبي عتيق، وهو أحد وجهاء المدينة، معجباً بعزة وفنها وجاءه يوماً صديقه عبدالله بن جعفر، فألح عليه بأن يرافقه إلى دار عزة، فاعتذر، فما زال به ابن أبي عتيق حتى أقنعه بالذهاب .. وهبطا الدار فإذا برسول الأمير واقف على بابها يردد: دعي الغناء، فقد ضج أهل المدينة منك وفتنت الرجال والنساء. فما كان من ابن جعفر إلا أن قال له: عد إلى صاحبك وقل له عني: أقسم عليك ألا ناديت في المدينة أيما رجل فسد أو امرأة فتنت بسبب عزة الميلاء إلا كشف نفسه لنعرفه. ونادى الرسول بذلك، فلم يظهر أحد. ودخل ابن أبي عتيق وابن جعفر على عزة وطلبا إليها أن تغني، غير عابئة بما سمعت من رسول الأمير. فأنشدت:
أنا محيوك فأسلم أيها الطل ... وإن بليت وإن طالت بك الطيل
وامضيا نهارهما عندها على أحسن حال … وكان يتردد على عبدالله بن جعفر ناسك من أهل العلم في المدينة، هام بجارية سمعها تغني: "بانت سعاد وأمس حبلها انقطعا"، فترك نسكه فلامه في ذلك بعضهم، فقال:
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
وعرف عبدالله بن جعفر بالخبر، فاستدعى النخاس صاحب الجارية، وطلب منه أن تسمعه الجارية غناءها في ذلك الصوت. فلما سألها ممن أخذته، فأجابت إنه من عزة الميلاء، فبتاعها بأربعين ألف درهم. ودعا الناسك وسأله إذا كان يحب سماع ذلك الصوت، فوافق على ذلك. وجاءت عزة فغنته، فصعق الناسك وكاد يغمى عليه من الفرح، ثم قال: قد رأيت ما نالني حين سمعت من غيرها، وأنا لا أحبها، فكيف يكون حالي إن سمعته منها وأنا لا أقدر على ملكها؟ فدعا ابن جعفر بها فأخرجت إليه، فوهباها للناسك، فشكره الناسك ودعا له مخلصاً. والقصيدة المذكورة للأعشى، ومطلعها:
بانت سعاد وأمس حبلها انقطعا ... واحتلت الغور فالجدين فالفرعا
وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشب والصلعا
ومهما كان من أمر المبالغة في هذه القصة فإنها تشير إلى اهتمام الناس بالغناء وتأثرهم به من ناخية، وإلى الشهرة التي كانت تتمتع بها عزة الميلاء من ناحية ثانية.
أبـــو بكـــر الـــرازي
ينتمي أبو بكر الرازي إلى القرن الثالث الهجري ، ولد في مدينة الري جنوبي طهران بفارس وعاش الرازي في أيام الخليفة العباسي عضد الدولة، وكان مجلسه من العلماء والحكماء.
وقد استشاره الخليفة عندما أراد بناء المستشفى العضدي في بغداد، وذلك لاختيار الموقع الملائم له واشتهر الرازي بعلوم الطب والكيمياء، وكان يجمع بينهما لدى وضع الدواء المناسب لكل داء .
ويعتبره المؤرخون من أعظم أطباء القرون الوسطى، فقد امتدح في كتاب الفهرست: (كان الرازي أوحد دهره، وفريد عصره، وقد جمع المعرفة بعلوم القدماء، سيما الطب وقد ترك الرازي عدداً كبيراً من المؤلفات، ضاع قسم كبير فمن مؤلفاته المعروفة (الطب الروحاني) ، ثم كتاب (سر الأسرار) ، أما كتاب (الحاوي) من أعظم كتب الطب التي ألفها، ومن المؤلفات الأخرى (الأسرار في الكيمياء) الذي كان مرجعاً في مدارس أوروبا مدة طويلة، وكتاب في (الحصبة والجدري) الذي عرض فيه أعراض المرضين والتفرقة بينهما، كما له (كتاب من لا يحضره طبيب) المعروف باسم (طب الفقراء) وفيه شرح الطرق المعالجة في غياب الطبيب وفيها يعدد الأدوية المنتشرة التي يمكن الحصول عليها بسهولة والرازي امتاز بوفرة الإنتاج، حتى أربت مؤلفاته على المائتين وعشرين مخطوطة، ضاع معظمها بفعل الانقلابات السياسية، ولم يصلنا منها سوى النذير اليسير المتوفر حالياً في المكتبات الغربية.
ان بعض علماء الغرب اليوم يعتبرون الرازي مؤسس الكيمياء الحديثة وهو أول من عرف حامض الكبريتيك الذي أطلق عليه اسم ( زيت الزاج ) أو ( الزاج الأخضر ) .
فـــدوى طــوقـــان
حياة الشاعرة:
هي فدوى عبد الفتاح آغا طوقان، ولدت عام 1917 بفلسطين، وتحمل الجنسية الأردنية، تلقت تعليمها الابتدائي في نابلس ثم ثقفت نفسها بنفسها، والتحقت بدورات اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي، كانت عضوا في مجلس أمناء جامعة النجاح بنابلس، وحضرت العديد من المهرجانات والمؤتمرات العربية والأجنبية.
حصلت فدوى طوقان الشاعرة على عدد كبير من الجوائز، فقد حصلت على جائزة رابطة الكتاب الأردنيين 1983، وجائزة سلطان العويس 1987، وجائزة ساليرنو للشعر من إيطاليا، ووسام فلسطين، وجائزة مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري 1994، وجائزة كافاتيس الدولية للشعر عام 1996.
فدوى والشعر :
تعرفت إلى عالم الشعر عن طريق أخيها الشاعر إبراهيم طوقان، وقد عالج شعرها الموضوعات الشخصية والاجتماعية، وهي من أوائل الشعراء الذين عملوا على تجسيد العواطف في شعرهم، وقد وضعت بذلك أساسيات قوية للتجارب الأنثوية في الحب والثورة، واحتجاج المرأة على المجتمع.
ولشعرها مراحل، فقد تحولت من الشعر الرومانسي إلى الشعر الحر ثم هيمنت على شعرها موضوعات المقاومة بعد سقوط بلدها.
دواوينها الشعرية :
وحدي مع الأيام 1952، وجدتها 1957، أعطنا حبا 1960، أمام الباب المغلق 1967، الليل والفرسان 1969، على قمة الدنيا وحيدا 1973، تموز والشيء الآخر 1989.
شعرها من 1948- 1967
كانت فدوى طوقان أشهر من عرف في عهد الانتداب من الشعراء وكذلك أبو سلمى الذي استقر في دمشق، وقد تميزت قصائد أبو سلمى بعد 48 باهتزاز الرؤية وفقدان الثقة، أما فدوى طوقان فقد تطورت بشكل مختلف فأغنت الشعر العربي بالشعر الرشيق الذي يعبر عن اكتشاف الأنثى لذاتها.
مراحل شعر فدوى طوقان :
فقد نسجت في المرحلة الأولى على منوال الشعر العمودي وقد ظهر ذلك جليا في ديواني (وحدي مع الأيام) و(وجدتها) وشعرها يتسم بالنزعة الرومانسية.
وفي المرحلة الثانية اتسمت أشعارها بالرمزية والواقعية وغلبه الشعر الحر وتتضح هذه السمات في ديوانيها (أمام الباب المغلق) و(والليل و الفرسان).
بدأت الشاعرة فدوى طوقان مع القصيدة التقليدية العمودية، لتقتنع بعدها بقصيدة التفعيلة، مشيرة إلى أنها تعطي للشاعر فسحة ومجالا أكثر، كما إنها تقول إن قصيدة التفعيلة سهلت وجود شعر المسرح.
ما صدر عنها من دراسات وبحوث :
صدرت عنها دراسات أكاديمية (للماجستير والدكتوراة) في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، كما كتبت عنها دراسات متفرقة في الصحف والمجلات العربية، إلى جانب كتابات أخرى لكل من إبراهيم العلم، وخليل أبو أصبع، وبنت الشاطئ وروحية القليني، وهاني أبو غضيب، وعبير أبو زيد وغيرها .
ومن الكتب الجديدة حول الشاعرة فدوى طوقان كتاب : (من إبراهيم طوقان إلى شقيقته فدوى)، وهو كتاب جديد يكشف دور الشاعر إبراهيم طوقان في تثقيف أخته عبر الرسائل، وفيه يطالب بها الشاعر إبراهيم أخته الشاعرة فدوى بمطالب تتعلق باللغة والوزن والصورة، وفي سبيل تطوير أدواتها، وكان المصدر الأول الذي يحقق ذلك هو القرآن.
وصدر عن دار الهجر للنشر والتوزيع - بيت الشعر - في مدينة رام الله بفلسطين كتاب آخر (رسائل إبراهيم طوقان إلى شقيقته فدوى)، وعلى هذا الصعيد تكشف الرسائل مدى العنت والجهد الذي يبذله الطرفان للوصول إلى الهدف فهو يرشدها إلى قواعد اللغة وإلى قوانين الشعر، ويقترح لها فيما تقرأ، وفيما تكتب ويصحح لها، وحين يطمئن إلى مستوى معقول يدفعها لتدفع بشعرها للنشر.
إحدى الأمسيات الشعرية التي حضرتها فدوى طوقان في الإمارات :
للشاعرة فدوى طوقان نشاطات على الصعيد العربي والعالمي، وتتحدث الشاعرة فدوى طوقان في أمسياتها عن المعاناة التي لازمتها منذ احتلال اليهود للأرض العربية الفلسطينية، حتى إن كثيرا من قصائدها خرج إلى الوجود من خلال هذه المعاناة، وفي هذه الندوة تقول : إنها مازالت تشعر بالمهانة والإذلال كلما رأت الأراضي العربية تدنس بأقدام اليهود.
سيبويه
مقدمة :
إن اللغة العربية كالبحر العظيم الغائر لا تحده حدود ، ولا تعرف له عمقاً ، ومن هذه اللغة خرجت الفنون الأدبية وعلوم الحديث وعلوم الكلام ، فمنذ أمد بعيد اشتهر العرب بفصاحتهم وبيانهم وتفوقهم على باقي أهل الأرض في الفنون اللغوية وعلوم الكلام إلى أن جاء الإسلام ليصبح للغة العربية مكانة خاصة تتزاهى وتتفاخر بها فأعظم معجزة عرفها البشر وهي القران الكريم نزلت بهذه اللغة العظيمة حتى صار تعلم الدين الإسلامي واعتناقه يتطلب معرفة وفهم للكلمات والمفردات العربية بل ويتطلب في بعض الأحيان الغوص في أعماق اللغة ومعرفة خباياها وأسرارها حتى أصبح لهذه اللغة أنصار ومحبون من غير العرب ، يحبونها ويتغزلون في مدحها وصدق الشاعر الذي قال :
لغتي وما لك في الجمال مثيل ... لغتي وما لك في البهاء عديل
رقراقة كالسلسبيل ترقرقاً .... كالجدول المختال حين يسيل
فكان لهذه اللغة علماء وفنانون عرب وعلماء وأعلام أعجميون عرَّبـهم الإسلام , حتى كان منهم أصحاب المؤلفات الرائعة , في قواعد اللغة العربية وفي بلاغة القرآن الكريم بل إن أعظم كتاب في النحو العربي هو كتاب سيبويه الفارسي الذي يعد أعظم رجالات اللغة العربية وأحد علمائها الأوائل مع الخليل بن أحمد الفراهيدي وأبو الأسود الدؤلي وغيرهم .. ومن خلال هذا البحث المتواضع نعرف بهذا الرجل ونشأته ونتحدث عن أهم أعماله ومؤلفاته وجهوده في وضع القواعد والأسس اللغوية والنحوية ونتحدث عن كتابه الذي أصبح مرجعاً لكل النحويين وطلاب العلم ويكفي سيبويه فخراً أن كتابه سمي من بعده باسم ( قرآن النحو ).
من هو سيبويه ؟
هو أبو بشر عمر بن عثمان بن قمبر مولى بن الحارث بن كعب وقيل: مولى الربيع بن زياد الحارث البصري ، وقد اشتهر بلقب (سيبويه) الذي غطى على إسمه وكنيته بل وتخلد إسمه حتى وقتنا الحاضر بسيبويه حتى صار يضرب به المثل في الفصاحة ومعرفة الأصول والقواعد اللغوية والنحوية ولذلك لقب بحجة النحويين !
وسيبويه فارسي الأصل حيث لد في حدود عام (140هـ / 756 م ) على أرجح الأقوال في مدينة البيضاء ببلاد فارس، وهي أكبر مدينة في إصطخر وتقع على بعد ثمانية فراسخ من شيراز ( إيران حالياً ) وقال غيرهم أنه ولد في مدينة ( سارة ) ببلاد فارس.
وقد كانت أمه تحب أن تراقصه وتدلـله في الصغر فكانت تناديه ( سيبويه ) ، وهي كلمة فارسية مركبة وتعني "رائحة التفاح" ، حيث أن السِّيْب هو : التفاح ، و وَيْه : رائحته ، أي : رائحة التفاح ، وقيل سمي بسيبويه لجماله وحمرة بوجنتيه ..
بدايته مع العلم
مع امتداد الدولة العباسية وتوسعها جاء سيبويه من مدينة البيضاء ببلاد فارس إلى البصرة في العراق وهو غلام صغير؛ لينشأ بها قريبًا من مراكز السلطة والعلم، وذلك بعد أن أفسحت الدولة العباسية المجال للفرس والأعاجم كي يتولوا أرفع المناصب وأعلاها ، ويرى بعض الباحثين أن سيبويه وفد إلى البصرة بعد سن الرابعة عشرة، وهذا الرأي هو ما يرجحه الكثيرون وذلك لأن الناظر والمتفحص في كتاب سيبويه يوقن أن صاحبه كان على دراية كبيرة باللغة الفارسية وكأنها لغته الأم.
عندما قدم سيبويه إلى البصرة التي كانت حاضرة العلم والثقافة والأدب وكانت تعج بكبار الأئمة والعلماء والفقهاء أخذ ينهل من مناهل العلم والأدب والحديث ، وقد كان سيبويه وقتها ما زال فتى يافعاً يدرج مع أقرانه إلى مجالس العلماء والمحدثين فيتلقى في ربوع البصرة الفقه والحديث، وقد قال ابن عائشة :في ذكر سيبويه : كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد ، وكان شابا نظيفا جميلا ، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب من كل أدب بسهم، مع حداثة سنه وبراعته في النحو.
وقال محمد بن سلام : كان سيبويه جالسا في حلقة بالبصرة فتذاكرنا شيئاً من حديث قتادة فذكـَــرَ حديثا غريبا وقال : لم يرو هذا الحديث إلا سعيد بن أبي العروبة .
فقال له بعض ولد جعفر : ماهاتان الزيادتان يا أبا بشر ؟
فقال : هكذا يقال ، لأن العروبة يوم الجمعة ، فمن قال عروبة فقد أخطأ.
قال ابن سلام : فذكرت ذلك ليونس بن حبيب فقال : أصاب ، لله درّه.
ومما روي عنه أنه ذات يوم ذهب إلى شيخه حماد البصري ليتلقى منه الحديث ويستملي منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء…"
ولكن سيبويه أخطأ لقدر قدره الله له، وهو يقرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليقرأ الحديث على هذا النحو: "ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت ليس أبو الدرداء …"
فصاح به شيخه حماد : لَحَنْتَ يا سيبويه، إنما هذا استثناء؛ فقال سيبويه: والله لأطلبن علمًا لا يلحنني معه أحد، ثم مضى ولزم الخليل بن أحمد الفراهيدي وغيره. ومن هنا كانت البداية الحقيقية للغلام الصغير سيبويه ليصبح بعدها إمام المتقدمين والمتأخرين في النحو وإمام النحاة الذي إليه يرجعون، وعلم النحو ونبراسه والذي إليه ينظرون، وصاحب كتاب النحو الذي سيبقى خالداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أو إلى أن يحدث الله أمراً كان مفعولا .
شيوخه ومعلموه :
تتلمذ سيبويه على يد العديد من كبار الشيوخ والعلماء الذين عاشوا في عصره إبان الدولة العباسية ، ونخص منهم أربعة من علماء اللغة ..
أولهم : عبقري العربية وإمامها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو أكثرهم تأثيرًا فيه، ، دون سائر أساتذة سيبويه حيث كان الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب ( العربية ) ومنشىء علم العروض ومؤلف كتاب العين وأحد أعظم أساتذة النحو واللغة في عصره .
وقد أخذ «الخليل بن أحمد» العلم عن «أبي عمرو بن العلاء» والذي كان علماً في القراءة والعربية، والذين يترجمون الخليل يجمعون على انه كان من الزاهدين، المنقطعين إلى الله، وكان إماماً في العربية، كما كان الغاية في استخراج مسائل النحو، وتصحيح القياس، كما كان أول من استنبط علم العروض الذي لم يأخذه عن أستاذ قبله.
وقد كان «الخليل بن أحمد الفراهيدي» السباق إلى تدوين اللغة وترتيب ألفاظها على مخارج حروف الهجاء، وكانت بين يديه الحروف العربية، وهي الأبجدية، أي: أبجد هوز، حطي كلمن.
ولذلك استفاد سيبويه ايما استفادة من معلمه الخليل فقد روى عنه سيبويه في الكتاب 522 مرة، وهو قدر لم يروِ مثله ولا قريبًا منه عن أحد من أساتذته، وهو ما يجسد خصوصية الأستاذية التي تفرد بها الخليل بن أحمد رحمه الله .
ويقول ابن النطاح في حب الخليل لمجالسة سيبويه : كنت عند الخليل ابن أحمد فأقبل سيبويه فقال الخليل : مرحبا بزائر لا يمل.
فقال أبو عمر المخزومي وكان كثير المجالسة للخليل : ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا لسيبويه !
وثاني معلمي سيبويه هو أبو الخطاب الأخفش، وفي النحويين (أخافش) ثلاثة مشهورون: أكبرهم: (أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد)، وهو الذي ذكره (سيبويه) في كتابه. والثاني: (سعيد بن مسْعَدة أبو الحسن)، الذي يروى عنه كتاب (سيبويه)، وهو صاحبه. والثالث: (أبو الحسن علي بن سليمان)، صاحب أبوي العباس النحويين: (أحمد بن يحيى الملقب بثعلب)، و(محمد بن يزيد الملقب بالُمبرِّد) ، كما أن أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ قد أخذ علومه عن أبو الخطاب الأخفش .
وثالث معلمي سيبوبه العلامة عيسى بن عمرو، ورابعهم: أبو زيد النحوي ، كما أخذ سيبويه العلم عن يونس بن حبيب وغيرهم من علماء وشيوخ الدولة العباسية في البصرة .
ومن الغريب في حياة سيبويه العلمية أنه لما مات - رحمه الله – كان أغلب شيوخه ومعلميه مازالوا على قيد الحياة !
سيبويه والكسائي ومؤامرة تحاك :
في البداية نتعرف على الكسائي ونقول أن يكنى بأبو الحسن , واسمه علي بن حمزة بن عبد الله الكسائي الأسدي , وهو إمام نحاة الكوفة وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات , و بلغ عند هارون الرشيد منزلة عظيمة, وقد كان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم , و ينقطون مصاحفهم بقراءته وقد اجتمعت في الكسائي أمور: كان أعلم الناس بالنحو وأوحدهم في الغريب وكان أوحد الناس في القرآن فكانوا يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم فيجمعهم في مجلس و يجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ ..
وقد كان سيبويه إمام النحويين في البصرة بينما كان الكسائي أمامهم في الكوفة ، وكان كل منهما مرجعاً وأستاذاً في علم النحو واللغة فكان بينهما هذه القصة التي تسمى ب ( المسألة الزنبورية ) والتي انتهت بها حياة سيبويه ..
فيقول راوي القصة :
إن الأشجار المثمرة هي وحدها التي تُلقى بالحجــارة ، ويبدو أن هذا القانون يمتد أيضًا إلى دنيا البشر، فكثيرًا ما يتعرض العلماء لجهالة الجهلاء وللأحقاد والأضغان، ولكن الغريب حقًّا أن يتزعم المؤامرة عالم له ثِقْله وقيمته في دنيا اللغة، ولكن هكذا اقتضت حكمة الله أن الكمال لله وحده، وأن لكل عالم هفوة، ولكل جواد كبوة.
تحدثنا المصادر أن سيبويه بقي في البصرة منذ دخلها إلى أن صار فيها الإمام المقدم، وأن شهرته قد لاحت في الآفاق، وأنه دعي إلى بغداد حاضرة الخلافة آنذاك من قبل البارزين فيها والعلماء، وهناك أعدت مناظرة بين كبيري النحاة: سيبويه ممثلاً لمذهب البصريين والكسائي عن الكوفيين، وأُعلن نبأ المناظرة، وسمع عنها القريب والبعيد، ولكن الأمر كان قد دُبِّر بليل، فجاء الكسائي وفي صحبته جماعة من الأعراب، فقال لصاحبه سيبويه: تسألني أو أسألك؟
فقال سيبويه: بل تسألني أنت.
قال الكسائي: كيف تقول في: قد كنت أحسب أن العقرب أشد لسعة من الزُّنْبُور(الدبور)، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها بعينها؟ ثم سأله عن مسائل أخرى من نفس القبيل نحو: خرجت فإذا عبد الله القائمُ أو القائمَ؟
فقال سيبويه في ذلك كله بالرفع، وأجاز الكسائي الرفع والنصب، فأنكر سيبويه قوله؛ فقال يحيى بن خالد، وقد كان وزيرًا للرشيد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟
وهنا انبرى الكسائي منتهزًا الفرصة: الأعراب، وهاهم أولاء بالباب؛ فأمر يحيى فأدخل منهم من كان حاضرًا، وهنا تظهر خيوط المؤامرة وتأتي بثمارها؛ فقالوا بقول الكسائي؛ فانقطع سيبويه واستكان، وانصرف الناس يتحدثون بهذه الهزيمة التي مُني بها إمام البصريين.
وكان سيبويه لا يتصور بفطرته النقية أن يمتد الشر مدنسًا محراب العلم والعلماء؛ فحزن حزنًا شديدًا وقرر وقتها أن يرحل عن هذا المكان إلى أي مكان آخر ليس فيه حقد ولا أضغان؛ فأزمع الرحيل إلى خراسان. وكأنما كان يسير إلى نهايته؛ فقد أصابه المرض في طريق خراسان، ولقي ربه وهو ما زال في ريعان الشباب، لم يتجاوز عمره الأربعين، وذلك سنة (180هـ/ 796م) على أرجح الأقوال.
تلاميذ سيبويه :
من الصعوبة بمكان أن نحصي تلاميذ سيبويه، خاصة لو وضعنا في اعتبارنا أن كل النحاة الذين جاءوا بعد سيبويه وتعلموا أسسه وغاصوا في بحور لغتنا الجميلة قد مروا على كتابه، ولكن لو تعرضنا للتلاميذ بالمعنى الحرفي فإننا نقول: برز من بين تلاميذ سيبويه عالمان جليلان هما:
الأخفش الأوسط
هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي ثم البصري. أبو الحسن، اشتهر باسم الأخفش الأوسط (والأخفش هو من كان في بصره ضعف وفي عينيه ضيق) . نحوي عالم باللغة والأدب، من علماء البصرة . أخذ العربية عن سيبويه وقام بتدريس كتابه. زاد في بحور الشعر بحر (الخبب) ، وكان الخليل بن أحمد جعل البحور خمسة عشر فأصبحت ستة عشر. كان معتزليا، عالما بالكلام، حاذقا في الجدل. من تصانيفه: غريب القرآن، تفسير معاني القرآن، معاني الشعر، كتاب العروض، كتاب الاشتقاق، كتاب الأصوات، كتاب الملوك، كتاب المقاييس، كتاب الأوسط في النحو، كتاب المسائل الكبير والمسائل الصغير، غريب الموطأ. توفي عن 75 سنة.
وقطرب (أبو محمد بن المستنير المصري)
. هو محمد بن المستنير بن أحمد، من أهل البصرة من الموالي. أبو علي، الشهير بقطرب. ولد في البصرة وأخذ النحو عن سيبويه والبصريين، وأخذ علم الكلام عن النظام، وكان يتبع مذهب الاعتزال. نحوي عالم بالأدب واللغة، وهو أول من وضع (المثلث) في اللغة. كان مؤدبا لأبناء أبي دلف العجلي. دعاه أستاذه سيبويه بقطرب، والقطرب دويبة لا تستريح نهارا سعيا، وذلك أنه كان يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه الباب فيجده هناك فيقول: ما أنت إلا قطرب من تصانيفه: معاني القرآن، غريب الحديث، النوادر، الأضداد، الأزمنة، تفسير القرآن على مذهب المعتزلة. كتاب الرد على الملحدين، في تشابه القرآن (وهي الآيات التي تعالج موضوعات هي في الأصل موضع جدل بين العلماء) . كتاب الهمزة، الاشتقاق، الأصوات، كتاب خلق الإنسان، كتاب الصفات، كتاب القوافي، العلل في النحو، المثلث في اللغة (جمع في أسماء ثلاثية يأتي أولها مفتوحا ومكسورا ومضموما، فيدل على معاني مختلفة) .
منهج سيبويه في النحو
مثلما ذكرنا فقد تخرج «سيبويه» على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي وعنه أخذ وكل ما يحكيه «سيبويه» في كتابه، وقد كان «الخليل بن أحمد الفراهيدي» السباق إلى تدوين اللغة وترتيب ألفاظها على مخارج حروف الهجاء، وكانت بين يديه الحروف العربية، وهي الأبجدية، أي: أبجد هوز، حطي كلمن.
فبدأ بترتيب الحروف ابتداء من حرف ( العين ) وقد سمى الخليل كتابه هذا باسم أول حرف اعتمده، وهو حرف العين، وقد جاء بعده من حذا حذوه. وإذا كان «الخليل» أول واضع للكلام العربي في صورة معجمة فقد اعتمد على ما ذكره الصرفيون من قبل في حصر لأبنية الكلمة وجعلها إما ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو خماسية.
ولكننا نقول إن علم النحو ليس علماً عقلياً ، بمعنى أن سيبويه ـ مثلاً ـ لم يعتمد على التفنن العقلي في تقرير قواعد النحو .
إن علم النحو مبنى على الاستقراء فسيبويه ـ مثلاً ـ أخذ يحلل كل النصوص الواردة عن العرب ، من شعر وخطابة ونثر وغير ذلك ، فوجد أنهم ـ العرب ـ دائماً يرفعون الفاعل في كلامهم ، فاستنبط من ذلك قاعدة " الفاعل مرفوع " .. وهكذا نتجت لدينا " قاعدة نحوية " تسطر في كتب النحو ، ليتعلمها الأعاجم فيستقيم لسانهم بالعربية إذا جرت عليه .
أفلو كان سيبويه وجد العرب ينصبون الفاعل ، أكنا سنجد كتاب القواعد النحوية في الصف الثالث الإعدادي ، يخبرنا بأنه يجب علينا نصب الفاعل كلما وجدناه ؟ بلا .. إن علم النحو مبنى على الاستقراء .. " القواعد النحوية " مستنبطة من " استقراء " صنيع العرب في كلامهم .
ولذلك نرى أن نهج سيبويه في دراسة النحو منهج الفطرة والطبع والاستقراء للغة العربية من على ألسنة العـــرب وليس التفنن والاختراع في تحديد قواعد النحو .
ولهذا نقول أن منهج سيبويه اعتمد بالأساس الأول على الفطرة والسليقة العربية في وضع قواعد النحو وتحديد مخارج الحروف .
الصوت في منهجية سيبويه
ولو تركنا الخليل ذاته إلى من تأثر بمدرسته لوجدنا جهوداً صوتية متناثرة ، تستند في أغلبها إلى مبتكرات الخليل ، توافقه حيناً ، وتخالفه حيناً آخر . فأعضاء النطق مثلاً عند الخليل وعند سيبويه واحدة ، والحروف في مدارجها ، ويعني بها الأصوات تبعاً للخليل ، تبدأ بأقصى الحلق ، وتنتهي بالشفتين ، فهي عند سيبويه كما هي عند الخليل
ولكن ترتيب الحروف في كتاب سيبويه تخالف ترتيب الخليل ، فحينما وضع الخليل الأبجدية الصوتية للمعجم العربي مبتكراً لها ، خالفه سيبويه في ترتيب تلك الأصوات ، إذ بدأ بالهمزة والألف والهاء ، وقدّم الغين على الخاء ، وأخر القاف عن الكاف وهكذا . . .
يتضح هذا من ترتيبه للحروف على هذا النحو :
همزة . ا . هـ .
ع . ح . غ . خ .
ك . ق .
ض . ج . ش .
ي . ل . ر .
ن . ط . د .
ت . ص .
ز . س . ظ .
ذ . ث . ف .
ب . م . و
وهذا وإن كان خلافاً جوهرياً في ترتيب مخارج الأصوات ، إلا أنه لا يعني أكثر من العملية الاجتهادية في الموضوع دون الخروج عن الأصل عند الخليل . « كذلك نلاحظ اختلافاً واحداً في ترتيب المجموعات الصوتية بالنظر إلى تقدمها وتأخرها ، فقد جاءت حروف الصغير في كتاب العين بعد الضاد ، وهو حرف حافة اللسان ، والذي عند سيبويه بعد الضاد : حروف الذلاقة . ونتيجة لتقديم حروف الصفير ، فقد وضع مكانها حروف الذلاقة ، ومعنى ذلك أنه في العين حدث تبادل بين حروف الصفير وحروف الزلاقة .
إن الاختلاف من هذا القبيل لا يعدو وجهة النظر الصوتية المختلفة ، ولكنه لا يمانع أن تكون آراء سيبويه في الكتاب امتداداً طبيعياً لمدرسة الخليل ، نعم لا ينكر أن لسيبويه ابتكارته المقررة ، فنحن لا نبخس حقه ، ولا نجحد أهميته في منهجة البحث الصوتي ، فقد كان له فضل بذلك لا ينكر ، فتصنيفه لصفات الأصوات في الجهر والهمس والشدة والرخاوة والتوسط ، وكشفه لملامح الإطباق واللين ، وتمييزه لمظاهر الاستطالة والمد والتفشي ، كل أولئك مما يتوّج صوتيته بالأصالة .
ولسيبويه قدم سبق مشهود له في قضايا الإدغام ، وهي معالم صوتية في الصميم ، فقد قدم لها بدراسة علم الأصوات ، كما قدم الخليل معجمه بعلم الأصوات ، فالخليل قد ربط بين اللغة والصوت ، وسيبويه قد ربط بين قضايا الصوت نفسها ، لأن الإدغام قضية صوتية « ونحن نقرر هنا مطمئنين أن سيبويه قد وضع قواعد هذا البحث وأحكامه لا لفترة معينة من الزمن ،
بل يكاد يكون ذلك نهائياً ، وكان تصرفه فيها تصرفاً رائعاً ، صادراً عن عبقرية سبقت الزمن ، فلم يكن ممن جاء بعده من العلماء والباحثين إلا أن اتبعوا نهجه ، واكتفوا بما قال ، ولم يزيدوا بعد سيبويه على ما قال حرفاً ، بل أخذوا يرددون عباراته مع كتبهم ، ويصرحون بأنهم إنما يتبعون مذهبه ، سواء في ذلك علماء النحو وعلماء القراءة » (1) .
وقد يكون في هذا الحكم مبالغة ، ولكنه مقارب للحقيقة في كثير من أبعاده ، إذ كان سبّاقاً إلى الموضوع بحق .
ومما يجلب الانتباه حقاً عند سيبويه في صفات الحروف ومخارجها ، هو تمييزه الدقيق بين صفة الجهر وصفة الهمس فيما أشرنا له في الفصل السابق فمصدر الصوت المجهور يشترك فيه الصدر والفم ، ومصدر الصوت المهموس من الفم وحده ، وبمعنى آخر أن للرئتين عملاً ما في صفة الجهر ، بينما ينفرد الفم بصفة الهمس (2) .
فتعريف المجهور عنده : « حرف أشبع الاعتماد في موضعه ، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ، ويجري الصوت . بينما المهموس : حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه » (3) .
وهو يعبر بالموضع هنا عن المخرج فيما يبدو ، ويجري الصوت عن الشيء الإضافي في حالة الجهر عن حالة الهمس التي يجري النفس معها لا الصوت . « وقد ظلت محاولة سيبويه تفسير المجهور والمهموس من الأصوات قانوناً سار عليه جميع من جاء بعده من النحاة والقراء . إلى أن جاءت بحوث المحدثين فصدقت كثيراً مما قاله في هذا الباب » (4) .
ومن المفيد الرجوع إلى ما فسره في هذا المجال أستاذنا المرحوم الدكتور ابراهيم أنيس فقد أشبعها بحثاً وتنويراً (5) .
____________
(1) عبد الصبور شاهين ، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي : 198 .
(2) سيبويه ، الكتاب : 2|284 .
(3) المصدر نفسه : 2|405 .
(4) عبد الصبور شاهين ، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي : 205 .
(5) ظ : إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : 92 وما بعدها .
ولا يمكن في منظورنا أن تفصل سيبويه عن مدرسة الخليل في اللغة والأصوات ، فهو الممثل الحقيقي لها فيما نقل لنا من علم الخليل في الكتاب ، وتبقى مدرسة الخليل الصوتية مناراً يستضاء به في كثير من الأبعاد لمن جاء بعده . فابن دريد ( ت : 321هـ ) مثلاً ، يذكر في مقدمة الجمهرة إفاضات الخليل بعامة ، ويضيف إليها بعض الإشارات في ائتلاف الحروف والأصوات ، ولكن هذا بالطبع لا يخرجه عن إطار هذه المدرسة في كل الأحوال ، فلديه على سبيل المثال جملة كبيرة من التسميات المتوافقة مع الخليل كالأصوات الرخوة ، والأصوات المطبقة ، والأصوات الشديدة . كما أن له بعض الاجتهادات الصوتية في أكثر الحروف وروداً في الاستعمال ، فأكثرها الواو والياء والهاء ، واقلها الظاء ثم الذال ثم الثاء ثم الشين ثم القاف ثم الخاء ثم النون ثم اللام ثم الراء ثم الباء ثم الميم (1) .
ولا تعلم صحة هذا الاجتهاد إلا بالإحصاء . وليس كثيراً على ابن دريد الإحصاء والاستقصاء .
وبعد مدرسة الخليل نجد ابن جني ( ت : 392 هـ ) مؤصل هذا الفن ومبرمجه ، وأول مضيف له إضافات مهمة ذات قيمة منهجية في الدراسات الصوتية ، بما تواضعنا على تسميته بـ ( الفكر الصوتي عند ابن جني ) أو أن جهود ابن جني في الأصوات ارتفعت إلى مستوى الفكر المخطط والممنهج ، فأفردناه ببحث خاص ، إذ انتهل من هذا الفكر رواد هذا الفن كما سنرى .
الكتاب ( مؤلف سيبويه الخالد ) :
كان كل العلماء والباحثين والمصنفين وعلى امتداد تاريخ البشرية يضعون أسماء تميز مؤلفاتهم ومصنفاتهم، إلا أن سيبويه لم يضع لكتابه اسمًا أو حتى مقدمة أو خاتمة، ولكن لماذا لم يضع سيبويه عنوانًا لكتابه أو مقدمة أو خاتمة؟
باختصار لم يفعل سيبويه ذلك لأن القدر لم يمهله حيث مات سيبويه وهو ما يزال في ريعان شبابه، وذلك قبل أن يخرج الكتاب إلى النور؛ فأخرجه تلميذه أبو الحسن الأخفش إلى الوجود دون اسم؛ وذلك من باب رد الجميل وعرفانًا بفضل أستاذه وعلمه وخدمةً للغة العربية ( لغة القرآن ) وهي التي عاش من أجلها أستاذه وأعطاها كما لم يعطها غيره إلى أن توفاه الله فأطلق العلماء على كتابه اسم "الكتاب" حيث يدل هذا الاسم على ما يحتويه هذا المؤلف من علم عظيم حيث أن أي كتاب لابد أن يحوي علماً فما بالكم لو كان اسم الكتاب هو الكتاب ، ولذلك إذا ذُكر " الكتاب " في موضع مجردًا من أي وصف فإنما يقصد به كتاب سيبويه.
أهمية الكتاب:
بالرغم من أن سيبويه مات قبل أن يرى كتابه النور إلا أن كتاب سيبويه هذا بلغ القمة فيما وصلت إليه الدراسات النحوية في أواخر القرن الثاني الهجري وإبان الدولة العباسية التي كان تحترم العلم والعلماء وتعطيهم مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة وقد صنع سيبويه في مؤلفه "الكتاب" أعظم ما يصنع عالم لموضوعه، إذ آتاه حقه من التقصي والاستيعاب، ومن الدرس والنقد، وجهد ما أسعفه الجهد الكبير، والعقل المستنير لتحرير المسائل وترتيب الموضوعات حتى استحق كتابه في النحو والصرف أن يكون هو الكتاب ، وكأنه النبع الذي يرتوي من كل باحث عن قواعد وأصول علم النحو واستحق سيبويه بكتابه أن يكون في النحويين الإمام.وشيخ المعلمين النحويين حتى عصرنا هذا فأقبل الباحثون وطلبة العلم من بعده على دراسة الكتاب وشرح شواهده والتنقيب عنها .
وقد تسارع العارفون بالنحو والفقه والشعر واللغة إلى تناول هذا الكتاب بالشرح، وجاء الكثير منهم في شروحهم إلى الحديث عن شخصيته العلمية، وثقافته اللغوية، وقدرته على معرفة معاني المفردات، وتفسير الأبنية الغريبة وضبطها، وبيان مفردات جموعها، واستشهاده للمعاني التي يريد توضيحها، وكثرة نقوله عن أئمة اللغة والنحو، واجتهاده الذاتي الذي تجلى في إسرافه في التعليلات النحوية التي تدور حول حكمة اللغة في تركيباتها، وعلاقة مفرداتها، وعلامات الإعراب والبناء، وكان لهذه الشروح أيضاً صدى لثقافته القرآنية، والفقهية والشرعية، وفي علم الأنساب، والمنطق والكلام.
فهذا الكتاب أصبح بمثابة خزانة للكتب، احتواها بالقوة في ضميره وتمخض عنها الزمن بالفعل من بعد وفاة سيبويه، ولذلك نرى أن الأئمة كلهم تلاميذ في مدرسته، فلا نرى المؤلفون جميعًا يتقدمون في علم النحو إلا بأن يناقشوه ويفسروه ويعلقوا عليه ويصوبوه ويخطئوه، وهم بذك يدورون في فلكه، حتى أصبح ( الكتاب ) هو المصدر الفريد لعلمي النحو والصرف بالإضافة إلى علم الأصوات.
منهج الكتاب:
درجت العادة على أن يوضح كل كاتب منهجه في بداية كتابه، ولكن مع سيبويه فالوضع يختلف؛ ولقدر الله الذي شاء أن يأخذ سيبويه إلى الرفيق الأعلى لم يتمكن من وضع مقدمة لكتابه، يوضح فيها المنهج الذي سلكه في ترتيب كتابه ؛ فبقي منهج الكتاب لغزًا يستعصي على الإدراك، حتى قال بعض الباحثين إلى أن سيبويه لم يكن يعرف المنهج، وإنما هو قد أورد مسائل الكتاب متتابعة دون أي نظام أو رباط يربط بينها. ولو كان مؤلف الكتاب شخصًا آخر غير سيبويه، لجاز أن يسلم بهذا الرأي على ضعفه، أمَا والمؤلف سيبويه فمن الواجب أن ننزهه عن هذا حيث أن سيبويه بعلمه الكبير لم يكن لينسى أو يجهل هذا الأمر ..
ويقول الشيخ علي النجدي عن منهج سيبويه، فيقول: نهج سيبويه في دراسة النحو منهج الفطرة والطبع، يدرس أساليب الكلام في الأمثلة والنصوص؛ ليكشف عن الرأي فيها صحة وخطأ، أو حسنًا وقبحًا، أو كثرة وقلة، لا يكاد يلتزم بتعريف المصطلحات، ولا ترديدها بلفظ واحد، أو يفرع فروعًا، أو يشترط شروطًا، على نحو ما نرى في الكتب التي صنفت في عهد ازدهار الفلسفة واستبحار العلوم.
فهو في جملة الأمر يقدم مادة النحو الأولى موفورة العناصر، كاملة المشخصات، لا يكاد يعوزها إلا استخلاص الضوابط، وتصنيع الأصول على ما تقتضي الفلسفة المدروسة والمنطق الموضوع، وفرق ما بينه وبين الكتب التي جاءت بعد عصره كفرق ما بين كتاب في الفتوى وكتاب في القانون، ذاك يجمع جزئيات يدرسها ويصنفها ويصدر أحكامًا فيها، والآخر يجمع كليات ينصفها ويشققها لتطبق على الجزئيات.
ويمكن أن يقال على الإجمال: إنه كان في تصنيف الكتاب يتجه إلى فكرة الباب كما تتمثل له، فيستحضرها ويضع المعالم لها، ثم يعرضها جملة أو آحادًا، وينظر فيها تصعيدًا وتصويبًا، يحلل التراكيب، ويؤول الألفاظ، ويقدر المحذوف، ويستخلص المعنى المراد، وفي خلال ذلك يوازن ويقيس، ويذكر ويعد، ويستفتي الذوق، ويستشهد ويلتمس العلل، ويروي القراءات، وأقوال العلماء، إما لمجرد النص والاستيعاب وإما للمناقشة وإعلان الرأي، وربما طاب له الحديث وأغراه البحث، فمضى ممعنًا متدفقًا يستكثر من الأمثلة والنصوص. واللغة عنده وحدة متماسكة، يفسر بعضها بعضًا، ويقاس بعضها على بعض، وهو في كل هذا يتكئ في ترتيب أبواب الكتاب على فكرة العامل أولاً وأخيرًا.