لقد اهتم العلماء بالقران بحثاً ودرساً وبياناً وشرحاً, ولكن أعلى هذه الأمور خطراً, وأجلها قدراً, وأبقاها أثراً؛ ذكر خصائصه ومزاياه التي كان بها وحياً معجزاً تحدى الله به الثقلين أجمعين أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله كما قال تعالى : ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ [ الإسراء: 88] .
لقد كانت معجزاتُ الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام معجزات حسيةً مشاهدةً تقع ولا تبقى بعد موت صاحبها, فلا يعرفها على اليقين إلا من عاينها, لكن معجزة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت من نوع آخر, لم تكن حادثة تقع وتزول فقط , بل كانت معجزةًًً دائمةً مستمرةً تخاطب الأجيال, يراها ويقرؤها الناس في كل عصر, ولهذا ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر, وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي , فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة»(1), قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: ومعجزة القران مستمرة إلى يوم القيامة, وخرقه للعادة في أسلوبه, وفي بلاغته, وإخباره بالغيبيات, فلا يمر عصر من الأعصار, إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به "إن معجزة القران الكريم مستمرة إلى قيام الساعة, وهذا الإعجاز يتجلى في أمور كثيرة, إعجازٌ في نظمه وبلاغته, وإعجازٌ في قصصه, وإخباره بالغيبيات السابقة والمستقبلية التي لم تكن معهودةً في وقت التنزيل".
ومن إعجازه: الشريعةُ العظيمة التي احتوى عليها فإلى جانب ما احتوى عليه القران العظيم من الهدى والنور في جانب الاعتقاد والإيمان الذي نزل من أجله, فقد اشتمل على أفضل وأرقى التشريعات التي تكفل سعادة الفرد والمجتمع؛ بل والعالم بأكمله في جميع شؤون حياتهم؛ في جوانب السياسة والقضاء والحكم وإقامة العدل, وفي جوانب الاقتصاد والمال والمعاملات, وفي جوانب الاجتماع والتكافل والأخلاق والآداب والفضائل, وفي جوانب الفكر والبحث والعلم, وفي جوانب الصحة البد نية والنفسية وحماية الأعراض واستتباب الأمن, وفي جوانب الحرب والسلم والعلاقات بين سائر بني الإنسان , فلم يبقِ جانباً من جوانب الحياة إلا وقد بين فيه سبيل الحق والهدى والصواب كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [ النحل89].
فهي شريعة جاءت بهدايات كاملة شاملة تامة تفي بحاجات جميع البشر في كل زمان ومكان لأنها من لدن حكيم , عليم بكل شيء, خالق البشرية, والخبير بما يصلحها وينفعها, وما يفسدها ويضرها, فإذا شرع أمراً جاء في أعلى درجات الحكمة والخبرة ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [ الملك14].
ويزداد هذا الأمر وضوحاً عند التأمل في أحوال الأنظمة, والقوانين البشرية التي يظهر عجزها عند معالجة المشكلات البشرية, ومسايرة الأوضاع والأزمنة والأحوال, مما يضطر أصحابها إلى الاستمرار في التعديل والزيادة والنقص, فيلغون اليوم ما وضعوه بالأمس, لأن الإنسان محل النقص والخطأ والجهل لأعماق النفس البشرية, والجهل بما يحدث غداً في أوضاع الإنسان, وأحواله, وفيما يصلح البشرية في كل عصر ومصر .
ويزداد الأمر جلاءً أكثر عندما نرى الاكتشافات العلمية - في زمن العلم – تجلي بوضوح فوائد ومنافع تطبيق الشريعة الإسلامية في شتى المجالات, وتثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التشريع الإسلامي معجزٌ في تحقيق مصالح الخلق, وإدخال السرور والبهجة إلى قلوبهم, وتطهير نفوسهم, وتهذيب أخلاقهم, وإصلاح حالهم , وتوجيه مجتمعهم؛ سواء في ذلك الشرائع الواردة في الأوامر والمندوبات والمستحبات, والشرائع الواردة في المحرمات والمكروهات .
فهذان دليلان شاهدان على عجز البشر عن الإتيان بأنظمةٍ تُصلح الخلق, وتُقوم أخلاقهم, وعلى أن الشريعة الإسلامية سليمة من كل عيب ونقص , كفيلةٌ برعاية مصالح العباد في العاجل والآجل, ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة, وأن هذه الشريعة مصدرها خالق الإنسان ؛ الذي يعلم أسرار خلقه وفطرته , ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك14].
والتشريعات الإسلامية التي أثبت العلم التجريبي نفعها وصلاحها للإنسان متعددة الجوانب:
منها في العبادات: كالإعجاز التشريعي في تطبيق سنن الفطرة, وفي الوضوء, وفي مشروعية التيمم بالتراب, وفي مشروعية السواك بعود الأراك, وفي مواقيت الصلاة, وفي أداء الصلاة, وفي قيام الليل, وفي مشروعية البكاء من خشية الله تعالى, وفي مشروعية المشي إلى المساجد, وفي الزكاة ومكافحة الفقر وتحريم الربا, وفي الصيام, وفي الاضطجاع والنوم على الشق الأيمن وغيرها .
ومنها في الأحوال الشخصية: كالإعجاز التشريعي في تطبيق الحجاب, وفي تعدد الزوجات, وفي زواج الودود الولود, والنهي عن اختلاط الرجال بالنساء, وتحريم الزواج بين المحارم, وتحريم زواج المسلمة بغير المسلم, وتحريم الوشم , وحماية المرأة من العنف الأسري , وتحريم الزنا واللواط , وغير ذلك.
ومنها التشريعات التي تتصل بالعقوبات, وهي ما يعرف بالقانون الجنائي: كالإعجاز التشريعي في حد السرقة, وحد الحرابة, وحد الزنا, وحد القتل, ونحو ذلك .
ومنها ما يتعلق بصحة الإنسان: كالإعجاز التشريعي في مشروعية الحجر الصحي , وفي تحريم الخمر, وفي تحريم لحم الخنزير, وتحريم أكل الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية, وفي تحريم أكل لحم الجوارح وكل ذي ناب, والنهي عن الشرب قائماً, وفي عدم إكراه المرضى على الطعام, وفي تحريم الدماء, وفي البسملة عند الذبح, وفي طريقة الذكاة المشروعة, وغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب, والفرار من المجذوم, وفي تحريم الوطء في الحيض, وفي الختان, وغيرها .
وها نحن في هذا البحث نقدم نموذجين فقط من الإعجاز التشريعي:
الأول: الإعجاز التشريعي في تحريم الخمر .
الثاني: الإعجاز التشريعي في الصلاة .
الإعجاز التشريعي في تحريم الخمر
البحث الأول
( مختصر من كتاب الخمر داء وليست بدواء للدكتور/ شبيب بن علي الحاضري )
من منشورات هيئة الإعجاز
فإن جلب المنفعة، ودفع المضرة من مقاصد الشريعة الإسلامية، والشرائع الإلهية إنما جاءت لحفظ الأصول والثوابت، التي تسمى عند العلماء بالكليات الخمس وهي"حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال" فحفظ هذه الأصول والزجر عما يفسدها من الضروريات الهامة ؛ لأن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة عليها ، لذا فإن الإسلام جاء للمحافظة على هذه المقاصد الكلية وشرع من الأحكام ما يصونها ويحفظها ،ومن العقوبات ما يزجر من يريد المساس بها، وليس هناك جريمة تؤثر على الكليات الخمس جميعاً في آن واحد كالخمرةِ وما يلحق بها من مخدرٍ ومسكر ؛لأن المرء إذا خرج عن طوره وسمته ، فاقداً لعقله هدم بقية الكليات .
شرب الخمر عند العرب قبل الإسلام:
كان العرب في جاهليتهم مولعين بشرب الخمر والمنادمة عليها فأطلقوا عليها الأسماء الكثيرة ووصفوها ووصفوا أقداحها ومجالسها وبالغوا في ذلك حتى أوصى بعضهم بأن يدفن بجوارها فقال:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة *** تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفــلاة فإنــني *** أخـاف إذا مـا مت أن لا أذوقها
فلما جاء الإسلام غرس في قلوبهم الإيمان ،فلما تحركت به الأركان أخذهم بمنهج تربوي متدرج في إذهاب الولع والإدمان ، كما قالت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «كان أول ما نزل منه ـ أي القرآن ـ سور من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ،ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر ،لقالوا لا ندع الخمر أبداً »(2).
فكان أول ما نزل من القرآن في الخمر قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل:67 ]
فبدأ بعض الصحابة يتحرج ويسأل عن الخمر، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ البقرة:219 ]
فزاد نفور الناس منها وزاد تحرجهم من شربها فنزل قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [ النساء:43] فأصبحت الصلاة التي هي عماد الدين لأول مرة في مواجهة الخمر فكان من يريد أن يشربها ينتظر إلى الليل ؛ لأن أوقات الصلوات في النهار متقاربة ، فتوقف عن شربها كثير من الصحابة حتى نزلت آية المائدة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[المائدة90]
قال أنس رضي الله عنه "بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيد وأبي دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء حتى مالت رؤوسهم من خليط وبسرٍ وتمر فسمعت منادياً ينادي ألا إن الخمرة قد حرمت قال:فما دخل علينا ولا خرج منا خارج حتى أرقنا الشراب وكسرنا القلال وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا ،وأصبنا من طيب أم سليم ثم خرجنا إلى المسجد ،فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة90]
قال العلماء في قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ البقرة:219 ] إن المنافع التي قد تعود على الإنسان من استعمال الخمر لا تبيح ولا تبرر شربها ،كما أن إثم شربها يترتب عليه خسارة الدنيا والدين .
وأما المنافع في استخدام الخمر فإما أن تكون منافع مادية، فتعود المنفعة على المروجين لها، وهم ملعونون كما صح من حديث أنس رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر عشرة منهم، بائعها، وآكل ثمنها»(3) .
وإما أن تكون منافع عابرة: من شعور مؤقت بالدفئ والنشوة وإدرار البول ، ولكن سرعان ما تزول تاركة في الجسم عدة أمراض كما سنرى.
وإما أن تكون منافع في الطب والصيدلة والصناعات الكيميائية، فالكحول الإيثيلي يستخدم كمادة مطهرة للجلد عند حقن الإبرة لقضائه على المكروبات، كما يستخدم كمذيب للزيوت الثابتة والطيارة كما يستخدم لتحضير الصبغات والمواد المخدرة للقيام بالعمليات، كما يستخدم في تحضير العطور مثل الكالونيا، وماء الطيب المركز، ويستخدم كوقود للإحراق الداخلي للمكنات والصواريخ، كما يستخدم لتحضير العديد من المركبات الكيميائية كالأحماض العضوية.
الوحي والعلاج بالخمر
عن وائل الحضرمي: أن طارق ابن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر ؟ فنهاه أو كره أن يصنعها فقال إنما أصنعها للدواء فقال: « إنه ليس بدواء ولكنه داء»(4)
وعن ديلم الحميري قال: « قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنا بأرض باردة ونعالج فيها عملا شديدا وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا قال: " هل يسكر ؟ " قلت: نعم قال: " فاجتنبوه ", قلت: إن الناس غير تاركيه, قال: " إن لم يتركوه فقاتلوهم »(5).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء ،فتداووا ولا تداوو بالمحرم »(6).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم »(7).
وقد تناول شراح الحديث هذه الأحاديث بالإيضاح والبيان
فقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إن المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلاً وشرعاً ،أما شرعاً فما ذكر من الأحاديث ،وأما العقل فهو أن الله سبحانه وتعالى إنما حرمه لخبثه ،فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل ..، بل إن تحريمه له حمية لهم وصيانة عن تناوله ،فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ،فإنه وإن أثر في إزالتها أعْقَب سقماً أعظم منه ...فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة فلا يجوز أن يتخذ دواء ".
تصور الأطباء سابقاً حول العلاج بالخمر
جاء النبي صلى الله عليه وسلم والعرب وغيرهم من العجم بما فيهم أطباؤهم يعتقدون أن الخمر علاج لبعض الأمراض التي تصيب أجسادهم وهذا الأمر واضح من خلال استئذان بعض الصحابة الذين كانوا يطببون الناس أن يستمروا في اتخاذها علاجاً ، واستمر الأمر كذلك عبر القرون عند غير المسلمين إلى الثمانينات من القرن العشرين، فإلى عام (1980م ) كان أطباء العالم يستخدمون الكحول كعلاج للولادة المبكرة لتثبيط تقلصات الرحم ،فكان يسبب من الأعراض الجانبية على الأم والطفل أكثر من المنفعة التي استخدم لأجلها ،فاستبدله الأطباء بعد ذلك بعقاقير فاعليتها أفضل وليس لها أعراض جانبية كالكحول .
وقد ادعى بعض الأطباء بأن الخمر فاتحة للشهية لذا يستعملها غير المسلمين على موائدهم ، لكن العلم الحديث بين أن شرب الكحول يزيد من إفراز العصارة المعدية فإذا بلغ تركيز الكحول ولو نسبة 14% فإن تهتكاً وتقريحاً يصيب الغشاء المخاطي المبطن لجدار المعدة مما يؤدي في النهاية إلى التهاب حاد في جدار المعدة ونزيف الجهة العلوية من القناة الهضمية، كما أن الكحول يؤثر على حركة الأمعاء مما يؤدي إلى الإصابة باضطرابات شديدة في الهضم.
ومن الادعاءات التي استمرت عند الأطباء إلى أوائل القرن العشرين أنَّ الخمرَ تُكْسِبُ شاربها طاقة حرارية تمكنه من مقاومة البرد. لكن علم الطب أثبت أن عملية التدفئة للجسم تكون بحفظ حرارته الداخلية التي يحتاجها لاستمرار الوظائف الحيوية.
أما الكحول فإنه يتسبب في شعور مؤقت بالدفء سرعان ما يزول ؛لأن تأثير الكحول على الأوعية الدموية الموجودة تحت سطح الجلد يؤدي إلى تمددها فتتوارد كميات من الدم على سطح الجلد أكثر، فيظهر ذلك على شكل احمرار في الوجه , وذلك لأن الدم يكون محملاً بحرارة الجسم الداخلية فيحس السكير بالدفء في بداية الأمر ، ولكن سرعان ما يختفي ذلك الإحساس نتيجة لتسرب حرارة الجسم إلى الخارج فيشعر المرء بالبرد وتنتابه القشعريرة في الأجواء الباردة.
كما أن الكحول ليس غذاءً حقيقياً يستطيع أن يعوض الجسم عما فقده من حرارة ، لذلك نجد أن شاربي الخمور هم أكثر الناس عرضة للإصابة بنزلات البرد والزكام والالتهابات الرئوية . لذلك فإن حالات الوفاة المفاجئة تكثر في أوربا للذين يسكرون بالليل ثم يخرجون في الهواء الطلق الشديد البرودة فيتساقطون الواحد تلو الآخر .
وفي عام 1928م عقد المؤتمر الدولي التاسع عشر لمكافحة المسكرات في مدنية (انفرس) ببلجيكا ، وفي هذا المؤتمر وقف كبير أطباء مستشفى فيينا بالنمساء قائلاً : "لقد وقع كثير من الأطباء في خطأ علمي عظيم عند ما كانوا يوصون بتعاطي جرعات من المشروبات الكحولية للاستفادة منها في مقاومة البرد ، لكن شعورهم بالدفئ شعور كاذب إذ يعقبه انخفاض في درجة الحرارة ".
ثم قام أحد العلماء فقال : "كان أهل أيسلندا -وهي من أشد البلدان برودة- يستعينون على مقاومة البرد بتعاطي المشروبات الكحولية فكثرت بينهم الوفيات إلى حدٍ أقلق ولاة الأمر فألفوا لجنة لهذا الغرض، فثبت لهم أن كثرة الوفيات في الجزيرة راجع إلى أن القوم يستنفذون حرارة أجسامهم بما يتعاطونه من المسكرات ،فيصدر الدم من داخل الجسم إلى سطحه محملاً بالحرارة حتى تأتي على آخره فتنتهي الحياة بانتهائها.
وهذه الظاهرة هي التي دفعت برلمان أيسلندا إلى إصدار تشريع يحرم الخمر في البلاد .
وفي الختام قام ممثل مصر الدكتور (أحمد غلوش) فقال: "إن الضحايا البشرية التي أشار إليها الأعضاء قد سلم المسلمون من أمرها بسبب اتباعهم أوامر دينِهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم حيث حذرهم من شرب الخمرة، و أوضح لهم أنها لا تنفع في مقاومة البرد "ثم قدم لهم ترجمة الحديث الذي رواه ديلم الحميري فعندئذ دهش أعضاء المؤتمر وقابلوا كلمته بالاستحسان والتصفيق وطلبوا منه أن يملي عليهم نص الحديث الشريف ، واعتبروه الطريق السليم في مقاومة البرد".
ومن الادعاءات أن الخمرة لها فوائد طبية وخصوصاً لمرضى القلب لما ثبت عنها من توسيع الأوعية الدموية .
لكن علم الطب أثبت أن الكحول يوسع الأوعية الدموية الموجودة تحت سطح الجلد إلا أنه يفعل العكس مع الأوعية الدموية المغذية لعضلة القلب والتي تعرف بالشرايين التاجية ، حيث يتسبب الكحول في تصلبها وذلك بسبب ما يحدثه من زيادة نسبة دهنيات الدم مثل الكوليسترول والجليسرين الثلاثي، والتي تترسب بدورها على جدران الأوعية فتسبب تصلبها وتضييقها مما يؤدي في النهاية إلى الإصابة بفقر التروية القلبية وخصوصاً الذبحة الصدرية .
يقول البروفسور:"توماس شيهي" أستاذ الطب الباطني في جامعة الأباما في برمنجهام ـ في مقال له بعنوان "الكحول والقلب" عام 1992م :
"لقد كان أول من قام بإعلان دور الكحول في الوقاية من نوبة القلب هو الباحث روسك وزملاؤه عام 1956م ،عند ما أعلنوا أن تناول الوسكي يقي من الذبحة الصدرية ولكن الأبحاث والدراسات المتلاحقة أثبتت عكس ذلك ".
ويقول: "إن عدد حالات موت الفجأة التي تحدث في الولايات المتحدة بنحو (300.000) حالة سنوياً ، معظم تلك الحالات كانت بسبب الإدمان على الكحول".
كما نشرت مجلة ( لانست ) البريطانية ،وهي من أشهر المجلات الطبية في العالم بعنوان "الشوق إلى شرب الخمر": "إن ما يدعية بعض الأطباء من أن الكحول قد يكون مفيداً إذا ما أخذ بجرعات صغيرة إنما هو محض كذب وهراء ،كما أن الدراسة التي يستندون إليها دراسة غير موثوقة ولا يعتد بها ،وخلاصة القول أن على الأطباء أن يبلغوا رسالة واحدة للناس، وهي أن الكحول ضار بالصحة".
ومن الادعاءات قول البعض أن للخمرة قيمةً غذائية نظراً لما يَنْتُجُ عنها من سعرات حرارية عالية.
لكن علم الطب اليوم أثبت الآتي:
1ـ تقاس القيمة الغذائية للأغذية بما يتولد عنها من سُعرات حرارية وذلك أثناء احتراقها في الجسم، وقد وجد الباحثون أنه عند احتراق جرام واحد من الكحول تتولد نحو(7) سعرات حرارية، لكن العلماء يؤكدون أن الجسم لا يستفيد من تلك السعرات الحرارية الناتجة عن احتراق الكحول ،كما لا يستطيع الجسم أن يحولها إلى طاقة يستفيد منها في أوقات الضرورة ،فقد كان المتوقع ـ كما هو الحال مع بقية الأغذية ـ أن ترتفع درجة الحرارة داخل الجسم عند تزوده بالسعرات الحرارية الناتجة عن احتراق الكحول ،ولكن ما يحدث هو العكس حيث يقوم الكحول بتسريب حرارة الجسم إلى الخارج ـ كما رأينا سابقاً ـ فيتسبب في انخفاضها .
2ـ تسبب السعرات الحرارية الناتجة عن احتراق الكحول شعوراً بالشبع وتقلل من الإحساس بالجوع فيصاب المدمن على الكحول بفقدان الشهية ويعاني من أمراض سوء التغذية .
3ـ إصابة السكِّير بالغثيان والقيء بشكل مستمر ،كما يحصل له اضطرابات هضمية ترهقه وتمنعه من الأكل بسبب تأخير عملية تفريغ محتويات المعدة إلى الأمعاء .
4ـ الاضطرابات في الاستقلاب ،حيث يؤدي اعتلال الكبد الناتج عن إدمان الكحول إلى انخفاض تكوين البروتينات، والأحماض الأمينية كما يؤدي إلى عدم قدرة الكبد على تحويل الفيتامينات من الشكل الخام إلى الشكل النشط .
5ـ يقلل الكحول من قدرة الجهاز الهضمي على الامتصاص وذلك لتأثير الكحول المباشر على الأمعاء الدقيقة بالإضافة إلى تسببه في التهاب البنكرياس واعتلال الكبد، لهذا كله فإن العلماء لا يعدون الكحول مصدراً غذائيا ؛لأنه لا يحتوي على العناصر الغذائية الهامة بل يؤدي إلى نقصها من الجسم ومن ثم التأثير المباشر على كل من الكبد والدماغ.
ومن الادعاءات أن للكحول القدرة على إدرار البول لمستخدمه في علاج حصى الكلى.
والحقيقة العلمية الطبية القائمة على البحث الدقيق أن الكحول يؤثر على الكلية من خلال تأثيره على الجزء الخلفي للغدة النخامية ،مما يؤدي إلى منعها من إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول ،فيزداد لذلك إدرار البول ، ولكن هل هذا يساعد الجسم على التخلص من الأملاح الزائدة والسموم والحصى ؟
الإجابة : " لا " ، بل إن الضرر كبير، والآثار التي تُلحقها الخمر في الكلية هي:ـ
1ـ رفع نسبة الدهون في الدم مما يؤدي إلى إرهاق الكليتين في التخلص من الدهون الأمر الذي يؤدي إلى ضعفهما وإصابتهما بالفشل فتتراكم السموم في الجسم .
2ـ يزداد طرح المواد الحيوية التي يحتاجها الجسم مع البول مثل الصفائح الدموية وكريات الدم الحمراء والبيضاء والبروتينات وبعض الأملاح .
3ـ تصاب الكلية نتيجة الإدمان بالالتهاب المزمن والتشحم نتيجة لتراكم الدهون عليها , كما تصاب بالتليف .
ومن الادعاءات أن الخمر تنشط الذهن وتتيح للإنسان أن يعمل ويصبر على المشقة أكثر من غيره.
لكن الطب الحديث أثبت أن الجهاز العصبي المركزي ـ ومنه المخ ـ هو أول الأجهزة في الجسم تعرضاً لتأثير الخمر ففي بداية شرب الخمر يشعر المرء بنشوة ونشاط وذلك من خلال توسيع الكحول لأوردة الدماغ ،فتزداد كمية الدم الواردة إليه، مما يؤدي إلى تنبيه مؤقت لا يلبث أن يزول ويتحول إلى خمول وخمود ،فتتأثر من جراء ذلك المراكز العليا في الدماغ والمسئولة عن الوظائف الحيوية في جسم الإنسان مثل الذاكرة والقراءة ، والكلام ، والسلوك ، والحركة وغيرها فيفقد الإنسان آدميته , فيتصرف بلا شعور .
كما تؤثر الخمر تأثيراً مباشراً على المخيخ الذي يقوم بتنسيق حركات العضلات والتوازن ،فيترنح المخمور ويفقد السيطرة على قوامه،أما إذا ارتفعت نسبة الكحول في الدم فإن مركز التنفس في الدماغ قد يتأثر مما يؤدي إلى توقفه ومن ثم الوفاة .
ومن الادعاءات أن الخمرة تثير الرغبة الجنسية وتقويها .
ولكن البحوث الطبية أثبتت أن الخمر تتسبب في إثارة الشهوة الجنسية، ولكنها تعطل أداء العمل الجنسي وذلك من خلال الآتي: ـ
1ـ تأثيرها على الخصيتين : حيث يتسبب الكحول في ضمورها لدى الذكور فيؤدي إلى انخفاض نسبة إفراز هرمون الذكورة كما يؤدي إلى انخفاض عدد المنويات وتكثر فيها التشوهات.
2ـ يؤثر الخمر على الكبد فتزداد نسبة هرمون الأنوثة ، مما يؤدي إلى ظهور الصفات الأنثوية عند الرجل ومن ثم يفقد قدرته الجنسية ، ويصاب بالعنَّة ، وضعف الباءة .
3ـ تتأثر الأعصاب المغذية للجهاز التناسلي مما يؤدي إلى ضعف الانتصاب ، ومن ثم فقدان القدرة الجنسية للسكير.
4ـ المواد المضافة التي ُتكسب الخمرة الطعم اللاذع مثل مادة (اللويولين) تستخدم طبياً كمضاد للباءة حيث تُخَفض من الرغبة الجنسية .
أما المرأة التي تشرب الخمر فإنها تصاب بما يلي:ـ
1ـ ضمور المبيض مما يؤدي إلى العقم .
2ـ اضطرابات في الحيض .
3ـ بلوغ سن اليأس في سن مبكرة .
4ـ تصاب بعض أنسجة الثديين بالانحلال كما تنخفض كمية الحليب عند الرضاعة ، وهذا ما نص عليه تقرير الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا الصادر في عام 1987م بعنوان"شرٌ عظيم ومتفاقم " ما يلي: "إن الاستمرار في تعاطي الكحول يؤدي إلى خلل كبير في الوظائف الجنسية عند الرجل والمرأة وذلك بسبب التأثير المباشر للكحول على الخصيتين والمبيضين وجزء تحت المهاد من الدماغ والغدة النخامية المسئولة عن إفراز الهرمونات الجنسية التي تحفز كلاً من الخصيتين والمبيضين ".
أضرار الخمر على أجهزة الجسم
تأثير الخمر على العينين:
1ـ يؤثر شرب الخمر على الأعصاب المغذية لعضلات العين مما يؤدي إلى فقدان المدمن تحريك عينية ويؤدي في النهاية إلى الإصابة بازدواجية الرؤية .
2ـ يجد شارب الخمر صعوبة في متابعة أي شيء متحرك أمامه ، كما يقول الدكتور"أنتوني آدم" ـ أستاذ البصريات بجامعة كاليفورنيا _ : " إذا نحن حركنا شيئاً أمام شارب الخمر بسرعة فإنه يجد صعوبة في متابعته ، كما أن إلقاء الضوء بشكل كثيف على السائق المخمور تجعل قدرته على الإحساس بالضوء ضعيفة مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة حوادث الطرق عند شاربي الخمور" .
3ـ إذا صنع الخمر من الكحول الميثيلي فإنه يكون سماً ناقعاً للعصب البصري حيث يؤدي إلى ضموره بل قد يؤدي إلى العمى المفاجئ .
4ـ يؤثر شرب الخمر على وظائف العين، فيحدث له غشاوة بصرية تـزيد تدريجياً وتحدث اهتزازاً للعين عند القراءة . هذا ما قاله الدكتور "محمد حسنين عمارة" استشاري طب العيون وجراحتها في مؤتمر الطب الإسلامي في باكستان سنة 1405هـ .
5ـ يذكر تقرير الكلية الملكية للأطباء النفسيين في بريطانيا لعام 1986م ما يلي :
"يحدث تناول الخمر تأثيراً كبيراً في انخفاض حساسية العين لاستقبال الألوان وبخاصة اللون الأحمر , كما تتأثر قدرة العين على التمييز بين الأضواء المختلفة التركيز".
تأثير الخمر على الأذنين:
وجد الباحثون أن شرب الخمر يجعل الأذن الداخلية أكثر تحملاً للأصوات الصاخبة من الحالات العادية،وذلك بسبب تخدير الخمر لحساسية الأذن ، لذا نجد أن شارب الخمر يتحمل صوت الماكينات المرتفع وأصوات الموسيقى الصاخبة ومع الاستمرار في التعرض لتلك المؤثرات يصاب بضعف السمع الذي قد يؤدي إلى الصمم في النهاية .
أضرار الخمر على الجلد:
بعد دراسة علمية على "355" مدمناً على شرب الخمر ، ودراسة أخرى على نحو"351" مدمناً عليها ، يقول الدكتور" تشالز ويتفيلد " أستاذ الأمراض الباطنية المشارك بجامعة ميريلاند بالولايات المتحدة :" إن تعاطي الكحول يسبب مشكلات جلدية خاصة نتيجة للإدمان كما يزيد من تفاقم الأمراض الجلدية الموجودة أصلاً عند المدمنين كما يتسبب في ظهور أمراض جلدية نادرة "ومن أهم تلك الأمراض:ـ
1ـ العد الوردي :
حيث يصاب جلد الوجنتين والجبهة والأنف بالاحمرار ثم تظهر حبيبات صغيرة تتحول فيما بعد إلى بثور مؤلمة ,كما تسبب تشوهاً لوجه المريض .
2ـ داء البروفيرية الجلدية الآجلة :
وهذا المرض يتسبب في ظهور فقاعات على الجلد تكون في الغالب على الأطراف وخصوصاً ظهر الكف ..كما يتغير لون الجلد ، ويزداد نمو الشعر في بعض المناطق مثل الوجه حيث يظهر المصاب وكأنه قد زاد عمره بضع سنين ،كما يصبح الجلد أكثر حساسية تجاه أشعة الشمس ويتأثر بسرعة مع أدنى إصابة ،و ذلك بسبب ترسب مادة (اليورفيرين) في الجلد ، وسبب هذا كله تأثير الخمر على عملية الاستقلاب في الجسم ،وقد وجد أن 90% من المصابين بهذا المرض هم من مدمني الخمر
3ـ داء البلاجرا:
وهو مرض خطير ينتج عن نقص نوع من فيتامينات "ب" وهو النياسين الذي يكثر نقصه عند مدمني الخمور ، وتتمثل أعراض المرض في إصابة جلد المريض بالالتهاب والاحمرار ثم تتغير هيئته وخصوصاً الأعضاء الأكثر عرضة للشمس كالوجه واليدين والساقين والقدمين .
وأول خطوات العلاج من هذا المرض هو الإقلاع عن شرب الخمر .
أضرار الخمر على الجهاز العصبي:
عندما نتحدث عن الجهاز العصبي نقصد به الجهاز العصبي المركزي الذي يشمل المخ والنخاع الشوكي , كما نقصد معه أيضاً الجهاز العصبي الطرفي الذي يشمل الخلايا العصبية المنتشرة في كل أجزاء الجسم ، وتقدر عدد الخلايا العصبية بنحو(20) ألف مليون خلية عصبية وهي تتميز عن غيرها من خلايا الجسم بأنها إذا أتلفت لا تعوض مرة ثانية.
تأثير الخمر على الجهاز العصبي:
هو تأثير تخديري وتثبيطي يحدث الآتي:ـ
1ـ ضمور خلايا قشرة الدماغ حيث يقوم الكحول بتجميع كريات الدم الحمراء ، والصفائح الدموية والتصاقها ، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تكوين جلطة تسد الأوعية الدموية فيقل دفق الدم والأكسجين إلى خلايا المخ فتصاب بالضمور والموت ، فيفقد المصاب القدرة على تذكر الأحداث كما يتعدى ذلك إلى فقد القدرة على الحكم السليم على الأمور.
يقول الدكتور"مالغين كيسلي" ـ أستاذ التشريع بكلية الطب بكارولينا بالولايات المتحدة -: "إن كل كأس من الكحول تؤدي إلى موت بعض خلايا المخ، كما أن الإصابة الدماغية ليست حدثاً يظهر في أواخر أدوار مرضى الإدمان ، بل يبدأ الضرر في الخلايا العصبية عندما يبدأ الشارب كأسه الأول للمرة الأولى، ثم يتراكم الضرر ويزداد مع كل كأس أخرى يشربها"وفي هذا تصديق للحديث الذي رواه جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما أسكر كثيره فقليله حرام »(8).
وقد قام الدكتور (هانج) من النرويج باستعمال الأشعة المقطعية في تصوير أمخاخ الذين يتعاطون الخمور فوجد أن المخ ينقص بدرجات متفاوتة وذلك لموت كثير من الخلايا أكثرها المتحكمة في التفكير والإرادة والنطق .
2ـ السكتة الدماغية"الجلطة الدماغية أو الفالج"
يقول علماء الطب: "إن تعاطي الخمور من أهم الأسباب المؤدية للإصابة بالسكتة الدماغية وذلك؛ لأنه يؤدي إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتخثر الدم مما يزيد عدد الصفائح الدموية، كما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدهنيات واضطرابات نظم القلب ، وكل هذه عوامل تؤدي إلى تكون الجلطة الدماغية" .
3ـ ضمور خلايا المخيخ .
يقوم المخيخ بتنسيق حركات الجسم بالإضافة إلى اشتراكه في المحافظة على توازن الجسم , لكن إصابة هذه الخلايا بفعل الخمر تجعل الشخص لا يستطيع الوقوف إلا ويترنح يميناً وشمالاً كما تظهر رعشة شديدة في اليد والعين .
4ـ اعتلال الأعصاب الطرفية .
يؤدي تعاطي الخمر إلى تحلل في محاور الخلايا العصبية فيفقد المدمن الإحساس بالحرارة والبرودة والألم في أطرافه مع ضعف في المنعكسات العصبية الأمر الذي يؤدي بالمريض إلى عدم استطاعته الوقوف مع آلام يفقد معها الراحة والاستقرار، كما تتأثر حركة الفم عند الكلام وعند البلع ويظهر وجه المريض وكأنه قد جمع إلى جهة واحدة ، وخصوصاً عند الكلام أو التبسم .
أضرار الخمر على القلب والأوعية الدموية
أثبتت البحوث العلمية بأن تعاطي الخمر يجعل القلب يستقطب الدهون من الدم كما يحفز خلايا القلب لتكوين هذا النوع من الدهون بنفسها فيكثر بذلك مخزون القلب من الدهون .
كما أن الخمر يساعد على امتصاص الدهون من الأمعاء فيؤدي إلى ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم الأمر الذي يؤدي إلى تصلب الشرايين حيث تتجمع الدهون وبخاصة الكوليسترول على جدران الأوعية الدموية ،فتضيق مجاري الدم وتكوِّن جلطة دموية ،فلا يحصل العضو على كمية الدم التي يحتاجها فيصاب بالاحتشاء ثم الموت.
كما أن تعاطي الكحول ولو مرة واحدة يؤدي إلى انسحاب عنصري البوتاسيوم والفوسفات من خلايا عضلة القلب مما يزيد من تركيز الصوديوم داخل هذه الخلايا الأمر الذي يؤدي إلى اختلال في نظم القلب قد يكون بعضها مميتاً كما أنها تعتبر من أهم أسباب موت الفجأة ، كما تصاب عضلة القلب عند المدمنين على الخمور بالاعتلال، وهو عبارة عن ضعف واسترخاء تتوسع على إثره حجرات القلب وخصوصاً البطين الأيسر مما يؤدي إلى انخفاض قدرته على ضخ الدم إلى بقية أجزاء الجسم فيؤدي إلى ضعف الحركة وضيق التنفس وأحياناً يشعر بآلام في الصدر وقد تضطرب ضربات قلبه ، وقد تكون النهاية بإصابة القلب بما يعرف بالهبوط الاحتقاني فتتجمع السوائل في رئتي المريض ويكبر حجم كبده وتتورم قدماه .
أضرار الخمر على الجهاز التنفسي:
الجـهاز التـنفسي في الإنـسان يتكون من:
الأنف، البلعـوم، الحنـجرة، القصبة الهوائية، الرئتان .
أما تأثير الخمر على الأنف فتـصيبها بالورم الفقاعي حيث يحدث تشوهاً بالغاً قد يحتاج إلى أجراء عملية تجميل.
أما البلعوم فيؤثر عليه الخمر بتخدير لسان المزمار فلا يستطيع إغلاق الحنجرة بسرعة عند نزول الطعام إلى المريء ولذلك كثيراً ما تحصل للسكران إصابة بالاختناق والسعال الحاد من نزول شيء من الطعام أو الشراب عبر الحنجرة إلى القصبة الهوائية ، كما تتسبب الخمر بإصابة البلعوم بالإلتهابات المتكررة فيصاب بصعوبة في البلع ،وأما الخطير في ذلك فهو دور الكحول في الإصابة بسرطان البلعوم.
وأما تأثير الخمر على الحنجرة فهو يؤدي إلى التهابها الحاد بسبب طعم الكحول اللاذع ،كما يصاب بسعال دائم ، وبحة ، وخشونة في صوته وذلك بسبب تورم الحبال الصوتية نتيجة للالتهاب الذي يؤدي في النهاية إلى ضعف مقاومتها تجاه الجراثيم فتصبح فريسة سهلة للجراثيم التي منها بكتريا السل ، وربما أصيب بسرطان الحنجرة .
وأما تأثير الخمر على القصبة الهوائية فيتمثل بالآتي :ـ
أ ـ التهاب القصبات المزمن ، حيث يصاب السكير غالب الأحيان ببلغم ، وقد يكون البلغم مخلوطاً بدم أحياناً .
ب ـ توسع القصبات ، ويحدث ذلك نتيجة للالتهابات الرئوية وتراكم الإفرازات التي تؤدي إلى انسداد القصبات ومن ثم تصاب بالإنتانات مما يجعل القصبات تفقد قوامها فتتوسع توسعاً يزيد معه نوبات السعال حدة وتكرراً وخروج بلغم يرافقه الدم .
ج ـ هبوط عملية التنفس، وهو عبارة عن فشل عملية النفس والانسداد المزمن وذلك؛ لأن الخمر تؤثر على مراكز التنفس في الدماغ مما يؤدي إلى تثبيطها .
كما تتعرض عضلات التنفس للضعف نتيجة لنقص الفوسفات الذي تحتاجه العضلات .
وأما تأثير الخمر على الرئتين فقد أثبتت الأبحاث العلمية تأثيره على وظائفها التي منها قدرتها على استيعاب أحجام معينة من الغازات، والسعة الانتشارية .
كما يتسبب الخمر في تقليل كمية الأكسجين في الدم ورفع نسبة ثاني أكسيد الكربون لذلك نلاحظ محاولة الرئتين التخلص من هذا السم الخبيث لهذا تشم رائحة الكحول في زفير السكِّير .
كما أن الخمر تؤثر على وسائل الدفاع عن الرئتين مما يجعل الجسم أكثر عرضة للإنتانات والأمراض الرئوية الأخرى .
كما يتسبب الخمر في نقص الأحماض الدهنية التي تعتبر مصدراً لتكوين الدهون والحويصلات الهوائية فيؤدي إلى تحطيم الهيكل البنيوي للرئتين.
كما أن التنفس عند مدمني الخمر يمكن أن يتوقف أثناء النوم ويعود السبب في ذلك إلى تأثير الخمر التثبيطي على الجهاز العصبي .
أضرار الخمر على الجهاز الهضمي :
يتكون الجهاز الهضمي من الفم مروراً بالبلعوم فالمرئ فالأمعاء وينتهي بفتحة الشرج ويضاف إليه البنكرياس والكبد والغدد اللعابية .
ويتسبب شرب الخمر في الآتي :ـ
أما الفـم فيـسبب تعاطي الخـمور نقص فيتامين "النياسين" فيحدث تقرحات في الفم والتهاب في اللـسان. أما إذا صاحب ذلك نقص في فيتامين" الريبو فلافين" فإن الالتهابات والتشققات في زوايا الفم تظهر عند المدمنين،كما تصاب اللثة بتورم وتصبح الأسنان رخوة ويصبح النزيف منها سهلاً جداً عند فقد فيتامين(ج)،وأحياناً يظهر مرض الطلوان على اللسان وهي بقع بيضاء تتحول أحياناً إلى سرطان، وإصابة اللوزتين بذلك.
وأما البلعوم: فيتسبب الكحول في إصابته بالالتهاب المنتن الذي يحدث بسبب نقص المقاومة لدى المدمنين مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المصاب كما يشعر بصعوبة في البلع والتنفس الذي قد يؤدي إلى الاختناق .
وقد ثبت لدى الباحثين أن تعاطي الخمر مع السيجارة يؤدي إلى الإصابة بسرطان البلعوم والحنجرة
وأما المرئ فتؤثر عليه الخمر من نواحي عدة هــي:
1- الصمام العلوي للمرئ: وهو عـبارة عن مجـموعة من العضلات تقوم بحجز مواد تحاول أن تتسرب من المعدة إلى البلعوم ومن ثم منعها من الوصول إلى الرئتين فتقوم المواد الكحولية بإضعافه .
2- الصمـام الســفلي للمرئ يصاب بالضعف فيؤدي إلى مرض المرئ الارتدادي كما يصاب المدمن بضعف في الحركة الدودية للمرئ مما يسبب صعوبة البلع .
3- التقليل بشكل كبير من كمية اللعاب الذي تفرزه الغدد اللعابية , كما يجعل اللعاب ثخيناً فيشعر المدمن بالغثيان والقيء كل صباح لتراكم المواد المخاطية وإفرازات المعدة .
كما يحدث عند المتمادين في شرب الخمر وخاصة في الحفلات الساهرة أن المريء يتعرض للتمزق تلقائياً دون معرفة السبب ويعتبر هذا المرض مميتاً إذا لم يتم عمل جراحي لترقيع ذلك التمزق .
وأما المعدة فإن شارب الخمر المدمن يصاب بتمزق في الغشاء المخاطي المبطن لمنطقة ما تحت الفؤاد ـ وهي المنطقة الفاصلة بين المرئ والمعدة وتحدث المشكلة عند ما يصاب المدمن بنوبات من القئ الشديد والمستمر والذي يكون في أول الأمر محتوياً على إفرازات المعدة الشديدة ولكن فجأة وبدون سابقة إنذار يتقيأ المريض دماً ، ويكون بشكل غزير ومستمر مع مصاحبة تهوع عنيف .
والخطير في هذا المرض أنه يمكن أن يفقد المصاب حياته لشدة النزيف وغزارته ما لم ينقل سريعاً إلى المستشفى ويعطي دماً.
أما تقرحات المعدة والالتهابات الحادة فهي تصيب 96% من مدمني الخمور على الأقل نتيجة لتناقص نشاط الإنزيم النازع للهيدروجين .
وأما الأمعاء الدقيقة فإن الخمر يزيد من سرعة تقلصها مما يؤدي إلى سرعة مرور المواد المهضومة خلال الأمعاء فلا تتاح الفرصة لعمل الإنزيمات الهاضمة فيقل الامتصاص فيصاب شاربو الخمور بنوبات من الإسهال مما يؤدي إلى الجفاف ونقص كبير في أملاح الجسم مثل البوتاسيوم والمغنسيوم والفوسفات ، كما تصاب جدران الأمعاء وغشاءها المخاطي بالتهتك مما يؤدي إلى تعطيل الاستقلاب وتكوينها للإنزيمات .
وأما الأمعاء الغليظة فإن الخمر يصيبها بمرض القولون المتهيج الذي يؤدي إلى اضطرابات في التبرز وأحياناً الإمساك مع وجع في البطن ,كما أنه قد يصاب بسرطان القولون والمستقيم .
وأما البنكرياس فتصيبها الخمر بالالتهاب الحاد بنوعية النخري والتورمي ، وتشير الدراسات إلى ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان البنكرياس عند المدمنين على تعاطي الخمور كما أنها تقوم بإتلاف خلايا البنكرياس مما يسبب ظهور مرض السكر بكثرة عند المدمنين عليها .
وأما الكبد فتأثر عليها الخمر في الآتي:
1ـ رفع نسبة الحموضة في الدم .
2ـ ارتفاع نسبة حامض (البوليك) في الدم نتيجة لانخفاض معدل إفرازه في الكلية فيصاب المريض بنوبات من داء النقرس .
3ـ تراكم الدهون في الكبد نتيجة لانخفاض قدرة الكبد على أكسدة الأحماض الدهنية فيؤدي إلى تشحم الكبد .
4ـ تثبيط عملية تكوين السكر في الدهون أو البروتينات مما ينتج عنه نقص السكر في الدم فيؤدي إلى غيبوبة أو موت بسبب التسمم الكحولي .
5ـ إصابة الكبد بالتليف ويكون الموت هو الغالب في معظم الحالات.
6ـ حدوث يرقان عند المدمنين ينتـج عن تحـطيم كريات الدم الحمراء , كما يحدث له انتـفاخ البطن نتيجة لتراكم السوائل في تجـويف البطن، بسبب نقص بروتين الألبومين الذي يصنعه الكبد واحتباس الصوديوم في الجسم نتيجة لتأثر الكليتين .
7ـ ضعف قدرة الكبد على التخلص من السموم مثل مادة النشادر فتتراكم وتؤثر تأثيراً بالغاً في الدماغ فيؤثر على القدرات العقلية والاتزان في السلوك .
8ـ ضمور عضلات الجسم نتيجة لنقص البروتينات التي يصنعها الكبد .
9ـ يسبب الكحول ترسب الحديد في الكبد مما يؤدي إلى تضخمه وفقدانه لوظائفه الحيوية والأخطر في ذلك كله التحول السرطاني للتليف الكبدي .
أضرار الخمر على الجهاز التناسلي:
يؤثر الخمر مباشرة على الغدة النخامية التي بدورها تؤثر على الغدد التناسلية مما يؤدي إلى نقص الهرمونات التي تحفز خلايا الخصيتين حتى تفرز هرمون الذكورة الذي يساعد في تكوين المنويات .
أما عند المرأة المدمنة على شرب الخمر فينقص إفراز هرمونات الأنوثة كما يؤدي إلى ضمور في المبيضين وقنواتهما مما يؤدي إلى العقم واضطراب الدورة الشهرية، كما يضعف تعلق الجنين فيكون الإجهاض المستمر مع بلوغ المرأة سن اليأس بوقت مبكر، كما أن للكحول دوراً كبيراً في سرعة انتقال الأمراض الجنسية كالزهري والسيلان والهربس والإيدز .
أضرار الخمر على الحمل والنسل:
يتميز الخمر بأن له قدرة فائقة في النفاذ خلال المشيمة ، فيصاب الجنين بمرض يعرف بمتلازمة الجنين الكحولي ويولد الطفل المصاب مشوهاً خلقياً وناقص الوزن ومتخلفاً عقلياً .
كما يعيق شرب الخمر إفراز الهرمون الذي بدوره يعيق إدرار اللبن إلى ثدي الأم ، وعودة الرحم إلى وضعها الطبيعي بعد الولادة .
أضرار الخمر على الجهاز البولي :
ويتكون الجهاز البولي: من الكليتين، والحالبين، والمثانة، والإحليل .
فأما تأثير الخمر على الكليتين فإنه يقوم بمنع إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول الأمر الذي يؤدي إلى التبول المتكرر لدى السكير، كما يؤدي إلى الإصابة بالمغص الكلوي مع ترافق وجود حصى في المسالك البولية.
أما الإحليل فيتسبب الكحول في إثارة غشائه المخاطي .
تأثير الخمر على العضلات والعظام والمفاصل:
قد تكلمنا عن تأثير الخمـر على عضـلة القلب والعضلات اللاإرادية مـثل المعـدة والأمعاء أمـا العضـلات الإرادية كالـرأس والجـذع والأطراف فإنها تصـاب بالاعتلال الكـحولي الذي يؤدي إلى الآم شديدة مفاجـئة وتورمات تؤدي إلى الإصـابة بالنخر لألياف العـضلات.
وأما العظام فقد أثبتت الدراسات أن الخمر يجعلها لينةً وعرضة للكسر في أبسط حادث للمدمن .
وأما المفاصل فأول تأثير للخمر عليها الإصابة بداء النقرس حيث يصاب المريض بنوبات وآلامٍ شديدة وخصوصاً مفصل إصبع القدم الكبير ،كما تصاب المفاصل بتشوه بالغ مع مرور الوقت .
كما يحدث عند المدمنين لفترات طويلة ما يسمى بداء (مفصل تشاركوت) وهو عبارة عن تخدير للمفاصل المصابة حتى تدمر وتحطم دون أن يشعر المريض .
وجه الإعجاز:
كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعتقدون أن الخمر دواء ينفع لبعض الأمراض , كما ينفع لمقاومة البرد , واستمر هذا الاعتقاد عند غير المسلمين بعد زمن النبوة إلى الثمانينات من القرن العشرين .
والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين قبل أربعة عشر قرناً أن الخمر داء وليست بدواء، وكما أن كثير الخمر مضرٌ فإن قليله مضرٌ كذلك, وأن شرب الخمر لا ينفع في مقاومة البرد, فلما تقدم العلم اليوم ووصلت أبحاثه إلى الحقائق العلمية الدقيقة أثبت بأن الخمر داء وليست دواء مصداقاً لما أخبر به الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قبل أربعة عشر قرناً من الزمان, فمن أخبره بأن الخمر داء وليست بدواء, وأن قليل الخمر مضرٌ كما أن كثيره مضر, وأن الخمر لا ينفع في جلب الدفء , ومقاومة البرد , بينما المشاهد لظاهر جسم السكران يرى الحرارة .
فلا شك ولا ريب أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند العليم الخبير بما خلق ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك14], وهذا مصداقاً لقوله تعالى ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ [ص88] , وقوله تعالى ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل93] , وقوله تعالى ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت53] .