قال تعالى حاكياً عن خليله إبراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة بابنه اسحق ) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ( لأن العادة أن الرجل إذا كبر سنه وسن زوجته استبعد أن يولد له منها ، والله على كل شيء قدير فقالت الملائكة ) بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ ( الذي لا ريب فيه فإن الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون ) فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ ( أي اليائسين ، وقال تعالى حاكياً عنه) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ( فإنه يعلم من قدرته وحكمته ما هو أبلغ من ذلك وأعظم .
روى عبد الرزاق في مصنفه من حديث ابن مسعود موقوفاً عليه أنه سئل عن أكبر الكبائر فقال : الشرك بالله واليأس من روح الله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله .
والشرك بالله أعظم الذنوب عند الله قال تعالى ) إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ( واليأس من روح الله أي قطع الرجاء والأمل من الله فيما يخافه ويرجوه ، فإذا كان في كربة أو شدة يستبعد زوالها وذلك إساءة ظن بالله وجهل به وبسعة رحمته وجوده ومغفرته ، قال تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام ) إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ( .
روى الترمذي في سننه من حديث أنس أن النبي r دخل على شاب وهو في الموت فقال " كيف تجدُك " قال : والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي ، فقال r " لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن غلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف " .
وفي هذا الحديث الجمع بين الخوف والرجاء ، فإذا خاف فلا يقنط ولا ييأس بل يرجو رحمة الله ، وكان السلف يستحبون أن يقوي في الصحة الخوف وفي المرض الرجاء ، قال أبو سليمان الداراني : وينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف فإذا غلب عليه الرجاء فسد القلب ، روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله r قبل موته بثلاثة أيام يقول " لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عز وجل " .
روى الترمذي في سننه من حديث عائشة زوج النبي r قالت سألت رسو الله r عن هذه الآية )وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ( قالت عائشة : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال " لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يُقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات " .