
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
( آل عمران < 102 > )
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } .
( النساء < 1 > )
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } .
( الأحزاب < 71 > )
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعه وكل بدعةٍ ضلاله,
ثم أما بعد
أيها الأحباب إن العبد في سيره إلى الله عز وجل يحتاج إلى زاد يحتاج إلى ماهر بصيرٍ خريت يدله على الطريق إلى الله سبحانه وتعالى فإن الطريق طويل وشاق وعلى جنبتي الطريق معوقات بل مثبطات بل ربما يُحال بين العبد وبين السير إلى الله عز وجل .
روى الإمام أحمد والنسائي أيضاً عن سبرة بن فاكه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه, فقعد له بطريق الإسلام فقال أتُسلم وتذر دينك ودين آبائك فعصاه فأسلم , فقعد له بطريق الهجرة , فقال أتُهاجر وتذر أرضك وسمائك , فإنما مثل المهاجر , كمثل الفرس في الطول فعصاه فهاجر , فقعد له بطريق الجهاد , فقال أتُجاهد إنما الجهاد بذل فتُنكح المرأة , ويقسم المال , فعصاه فجاهد , فإن مات كان حقاً على الله أن
يُدخله الجنة , وإن قُتل كان حقاً على الله أن يُدخله الجنة , وإن غرِق كان حقاً على الله أن يُدخله الجنة , وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يُدخله الجنة" .
( أحمد "مسند" < 3 / 483 > ) , ( النسائي < 6 / 21 > )
إن الحوار مع النفس أصلٌ في سير العبد إلى الله عز وجل , وإن تذكر العاقبة من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى نيل المراد, وإن كلً منا يحتاج أن يعرف الهدف , ماذا أُريد , وماذا تُريد , ما هي أهدافنا جميعاً, الجوابُ قولُ واحد الجنة , ولكن لابد أن الجنة تحتاج إلى أسباب , وتحتاج إلى بذل , ولابد أن نعلم قيمة هذه الثمرة إن الآخرة هي دار البقاء , هي دار الحيوان , هي الدار التي ليس بعدها دار , ولابد أن نعلم أن من أخطأته الجنة , دخل النار .
فالقضيةُ عظيمة والأمر لا يحتاج إلى مزيدٍ من التفكير بل يحتاج منك إلى عزمةٍ صادقة , أن تحدد الهدف , الهدف الجنة .
كيف الطريق ؟ كيف السبيل ؟
وماذا أريد ؟
أنا وأنت حتى نحقق هذا الهدف العظيم , وحتى نسمو على هذا الواقع الذي نعيش فيه وحتى يشتد العزم ويقوى القلب وتعلو النفس فنسير إلى الله عز وجل بلا تعثر , إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ما من سبيل ولا طريق ما من طاعة إلا وثبطك الشيطان عنها , وحال بينك وبين الوصول إليها بالإغواء والإغراء , مع نفسٍ دنية ترضى بقول هذا الشيطان وما من معصية إلا ويجذبك إليها بشهوة بغواية مع نفس ٍدنية حتى يقع فيها العبد , فنحن في حاجة إلى أن نعرف الطريق , وأن نعرف حقيقة العدو الذي يحيل بيننا وبين استمرار السير إلى الله عز وجل لِما تنكب أكثر الناس عن الطريق .
لِما نرى أن الجميع يتفقون أن الهدف وأن المراد الجنة رغم أن الغالب لا يسعى إليها ولا يبذل إليها أدنى أدنى الأسباب , بل نرى أن من رحمة الله عز وجل بخلقه وعباده أن القليل عند الله عز وجل كثير, أن القليل عند الله عز وجل كثير, ومهما تعثر العبد في سيره إلى الله عز وجل وانقطع ينادي عليه ربه بنداءٍ جميل
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .
( الزمر < 53 > )
كل ما مضى بعد عودٍ مغفور يمحُه الله عز وجل ويزيله لك, بل ينادى على هذا العاصي وهذا المذنب وهذا المفرط وأنه ما زال لله عبد
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا }

من تعثر ثم عاد قَبلهُ الله عز وجل وأعطاهُ بل ومنحه من العطايا ما إن نظر إلى ماضيه ارتعد قلبه واشتد عزمه وسعى سعياً إلى الله عز وجل بل ربما لا يقف قط , ولذلك كما قال بعض أهل الفضل رُبَ ذنب يكون في تقلب حال أو في تقليب حال العبد من حالٍ إلى حال , إن وقف أمام هذا الذنب وعلم وأيقن أنه عصى الملك , وأن هذا الذنب في حق هذا المنعم عظيم , فيرى ذنبه أمامهُ إلى أن يَلقى الله عز وجل وهو مُنكسر , انكسار قلب وذُل لله عز وجل, فلا يزال يطيع ويستمر في الطاعات والقربات حتى يلقى الله عز وجل بخيرٍ كثير .
إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كل الطرق من الطاعات إلى المستحبات إلى المباحات إلى المحرمات إلى المكروهات , ما من طريق إلا والشيطان عليه , إما بتثبيط ومنع , وإما بغواية ودفع ,
فقعد بطريق الإسلام الأصل
ونرى أن الشيطان جرئ , قد تجرئ على رب العزة
{ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } .
( ص < 82 , 83 > )
تجرئ على رب العزة فأنت يا مسكين ألا يتجرأ عليك قال
و{ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } . ( الأعراف < 17 > )
من ثم كان لزاماً أن يكون عندك عُدة , أن تكون مستعد لهذه المعركة العظيمة من عدوٍ شديد البأس , قويُ الإرادة , لا يزال يغوي العبد إلى آخر رمق .
وهذا العدو يأتيك من الأصول وليس من الفروع , فقعد عند أولِ طريق , طريق الإسلام , قعد له بطريق الإسلام قال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك , أراد أن يرده إلى أُلف العادة , إلى ما عليه الآباء من ضلالات, من خرافات, من شِركيات ولذلك كما قيل ما أفسد العباد إلا العادات كما قال الأول
{ إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } .
( الزخرف < 23 > )
فمن ثم كان لزاماً على كل عبد أن يستعد وأن يعُد العُدة , لا بسلاحٍ ولا بغيره , ولكن بتقوى من الله عز وجل أن يلوذ بجناب الملك , بجناب من بيده كل شئ, من ينعم عليك ظاهراً وباطناً , أسبغ عليك جميع النعم , بما طلبت وبما لم تطلب
{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } .
( إبراهيم < 34 > )
ومن عجيب هذا الأمر , ومن عجيب هذا الطريق , أن الملك سبحانه وتعالى دلنا على الطريق وأمرنا أن نطلب الله عز وجل أن نطلبه منه
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ } { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } . ( الفاتحة < 5 > )
لك ربنا نطلب الهداية والتوفيق والسداد والرشاد , فلا نعبدُ سواك
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ } . ( الفاتحة < 5 > )
ثم دلنا مع العبادة على الاستعانة إذ هي كبيرة , فأنت بنفسك ضعيف , ربما نرى أن بعض العباد قد ينحِت في الجبال ويأتي بعظيم الأمور من الدنيا وبالنسبة للآخرة مُفلِس , لا يستطيع أن يقيم لله عز وجل صلاة , ولا عبادة , ولا طاعة , ولذلك ربنا عز وجل بين لنا هذا
{ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } .
( البقرة < 45 > )
فأمرنا بالعبادة ثم مع العبادة الاستعانة , إنه رحيم , إنه رؤف , إنه ودود , أرحم بك من نفسك , فمهما بلغت بك الغاية فأنت ضعيف , إن استعنت بالملك أعانك مهما عظُمت الطاعة ومهما اشتد السير , ومهما عظم الكرب , ورأيت الصعوبة في سيرك إلى الله عز وجل بالاستغاثة والاستعانة ترى أن اللهيسر لك الأمر كله .
إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام قال أتُسلم وتذر دينك ودين آبائك , فعصاه فأسلم دافع نفسه , اشتد عزمه , وعلم أنه لا خلاص ولا نجاةٍ إلا في هذا الدين , لا سبيل , لا سبيل لدخول الجنة إلا بالإسلام
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } .
( آل عمران < 85 > )
فتمسك بهذا الدين , عض عليه بالنواجذ , تمسَك تمسُك عبدٍ أيقن أنه لا سبيل له لرضا الله عز وجل ولا طمع في دخول جنته إلا بهذا الدين فانتقل إلى المرحلة التالية مع هذا الدين , لابد من الإيذاء , لابد من المحن , لابد من الفتن , قد تُبتلى على أقل وأدنى الطاعات , فعندها إن ضاقت بك الأرض التي أنت فيها وحيل بينك وبين الطاعة
أوجب الله عليك الهجرة
فقعد له بطريق الهجرة , قال أتُهاجر وتذر أرضك وسمائك , أنت في وطنٍ مألوف يعرفك الناس القاصي والداني , أنت أنت معروفٍ مميز , فإن فارقت هذا الوطن وتركت هذه الأرض حيل بينك وبين كثيرٍ من الخير , فعندها قال له الشيطان , إنما مثلُ المُهاجر كمثل الفرسٍ في الطول , كالفرس في آخيته في هذا الحبل الذي هو مربوطٍ في وتد أقصى ما يتحرك بطول هذا الحبل , مكبل مقيد , لا تستطيع أن تؤدي أو أن تفعل ما تريد فعصاه فهاجر .
فقعد له بطريق الجهاد
والجهاد بالنفس والمال وربنا عز وجل جعل ثمن الجنة نفسك فما دونها , فالجنة غالية غالية , ثمنها أن تبذل , كم تعطي من ثمن , كم تقرب لربك قال عز وجل
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } .
( التوبة < 111 > )
مهما تصور عقلك , ومهما تدنت نفسك أن تظن أن تقرب إلى الله عز وجل الدون من القول والفعل من النفس والمال لا , لن تدخل الجنة إلا بالنفيس , أن تجعل هذه النفس خالصة لله عز وجل لا حظ لمخلوقٍ فيها قط النفس, فقعد له بطريق الجهاد , أتُجاهد فإنما الجهاد بذل النفس والمال , فتُنكح المرأة , ويقسم المال , ضاعت دنياك , ولكن حينما علم العبد أن الدنيا مرحلة , وأن الدنيا لحظة , وأن القرب من الله عز وجل أعلى وأغلى وأجل , فعصاهُ فجاهد , يقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإن مات ولو على فراشه " طالما أن القلب مع الملك لم ينحرف عن الله عز وجل طرفة عين وإذ انحرف عاد سرعان ما تذكر وعلم أنه لا حياة له إلا في جوار الله سبحانه وتعالى ,
عندها إن مات حتى على الفراش دخل الجنة , إن قُتل دخل الجنة , إن غَرِقَ دخل الجنة , إن وقصته دابته دخل الجنة , أيها الأحباب ما أحوجنا أن نبحث في نفوسنا في حظ هذه
النفس , ما فيها لله عز وجل وما فيها لغير الله .
هل هيأت نفسك لأمر الله سبحانه وتعالى ؟
ولذلك هناك فرقُ بين من يبذر بعد إصلاح التربة , وبين من يأتي لأرضٍ صحراء جرداء فيلقي فيها بذرة , فرقُ بينهما كما بين السماءِ والأرض .
العقلاء يقولون من أصلح التربة وأتقن إصلاحها ثم هذبها وقسمها وبذر بذره وسقى مائه أثمر , أما من جاء بالبذر ورماه في صحراء قاحلة لا ماء ولا نماء يقال عنه مجنون , فلِما نرى أن غالب المسلمين ما أصلحوا التربة , ما هيئوا النفس لأمر الله عز وجل , نسمع ويعجبنا السمع , نسمع أوامر كثيرة , ونسمع نواهي كثيرة , ولكن من يجيب , من ينفذ , كم سمعنا من أمرٍ لله عز وجل يهتز منه القلب ويقشعر منه البدن لأنه نداءُ من الملك , أمرُ من الله سبحانه وتعالى ثم نسوف نتعامى , أو نتغابى , أو بعد سماع هذا القول ننتقل إلى قولُ آخر .
روى الإمام مسلم عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في يوم بدر فوعظ وحث على الجنة
" سارعوا إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض "
فإذا بأعرابي بدوي سمع هذا الكلام , سمع صفة من صفات الجنة , جنة عرضها السموات والأرض , فقال بَخٍ بَخٍ تعجب , فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما حملك على قولك بَخٍ بَخٍ , قال والله يا رسول الله ما قلت هذا إلا رجاءً أن أكون من أهلها , فقال أنت من أهلها , ليس مجرد طرب , يُطرب الأذان , وتشعر بقشعريرة وتعرف أن هذا
يجيد الكلام , وهذا لا يجيده ,
سمع هذه الصفة
بدأت المعركة مع المشركين كان معه جراب وسقاء , جراب فيه تمرات , أراد أن يتقوى للمعركة فأكل تمرة ثم كلم نفسه , ما أطول عمراً أن أُتم هذه التمرة , فألقى بالتمرة , وألقى بالجراب , ودخل فقاتل حتى قُتل .
هؤلاء القوم بذلوا ومن ثَمَ أوصلوا لنا الدين تاماً كاملاً .
علِموا أين الطريق
تربوا على أن الأمر هو أمر الله عز وجل , وأن النهي هو نهي الله سبحانه أن الدنيا مزرعة , وأن الآخرة هي دار الحصاد ,وأن العبد إن لم يكن مع الله عز وجل تشتت قلبه وهام في كل واد ولم ينل من لذة القرب مثقال ذرة .
رجلُ آخر
أعرابي تبِع النبي صلى الله عليه وسلم ثم اشترط أبايعك على أن أتبعك فوافق النبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك كان في غزوةٍ من الغزوات فجئ له بقَسمٍ , بنصيبه من الغنائم , فقال ما هذا يا رسول الله , مقامُ ليس مقام رياء ولا سمعة , إنما رأى في قلبه صدق وفي نفسه علو, فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم يصف حاله ما هذا يا رسول الله ما على هذا بايعتك
إنما بايعتك على أن أصاب بسهم يدخل من هنا وأشار إلى حلقه ويخرج من هنا قال له النبي صلى الله عليه وسلم اصدق الله يصدق
إن كنت صادقاً نلت ما أردت في معركة قابلة قيل قتل فلان هو نفس هذا الأعرابي فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه
فرى سهماً دخل في الموضع الذي أشار إليه
فقال لأصحابه هو هو هذا هو الرجل الأعرابي الذي قال مقالته , قالوا نعم يا رسول الله قال صدق الله فصدقه الله .
في غزوة أحد
أنس بن النضر يرى أن المسلمين صاروا شذر ما تفرقوا بعد مخالفة الرماة , فمر على قوم يبكون من الأنصار فقال ما أقعدكم , قالوا أما بلغك ، أن رسول صلى الله عليه وسلم قُتل فقال لهم وما أقعدكم قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم القوم كيف يسيرون إلى الله عز وجل بلا تعثر .
كيف ينطلقون إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض ؟
أيها الأحباب في كل باب كانوا هُم الأسود, في كل باب كانوا يسابقون ويسارعون , جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوماً مع أ صحابه فقال
من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر أنا
وأظنه يوم غير عادي يومُ مميز والصحابة متوافرون , قال أبو بكر أنا , قال
من تبع جنازة ؟ قال أبو بكر أنا
من عادَ مريضاً ؟ قال أبو بكر أنا
من تصدق بصدقة ؟ قال أبو بكر أنا
كيف كانوا هؤلاء ؟
على جميع الأبواب ما من طاعة إلا وهم يسابقون حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم
"ما اجتمعن لعبدٍ في يومٍ إلا دخل الجنة " .
(عُمر) كان عنده مهمة غريبة كان يتمنى أن يسبق أبا بكر مرة جيء له بمال فقسمه قسمين وتصدق بنصف وأبقى النصف الباقي وقربه وقيل هذا في غزوة العسرة , وقربه للنبي صلى الله عليه وسلم ثم سأل عن حال أبي بكر فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تصدق بماله كله .
أيضاً بعض الأصحاب كان يعيش مع القرآن ويتفاعل كعمر أيضاً , عمر رضي الله عنه قرأ قول الله تعالى
{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . ( آل عمران < 92 > )
كانوا يقرؤون القرآن للعمل لا للتلذذ فقط ولا لمجرد أن هذا هو كلام الله عز وجل فيطرب أسماعهم فقط إنما علموا أن هذا القرآن فيه أوامر يجب على العبد أن يقوم بها , وفيه نواهيٍ يجب على العبد أن يجتنب هذه النواهي , قرأ هذه الآية
{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } . ( آل عمران < 92 > )

كان له سهماً بخيبر فتصدق به .
وفعل أيضاً ولده بن عمر مر بنفس الآية ماذا يفعل عنده جارية قيل تصدق بها وجعلها حرة أعتقها وزوجها لمولاه نافع .
قرأها أبوطلحه الأنصاري مر عليها وهو يقرأ كتاب الله عز وجل فتش في نفسه عن أحب الأشياء إلى هذه النفس فإذا ببستانٍ عظيم قبالة المسجد النبوي بيرحاء يسمى باسم البئر الذي بداخل هذا البستان فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن من أحب مالي إلي بيرحاء وإني جعلتها لله ورسوله فانظر فيها أمرك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بَخٍ بَخٍ ذاك مالٍ رابح وفي رواية ذاك مال رايح .
عُمَرُ بعد موت الصديق تحمل أمانة , أمانة أمة , مُلك , سلطان , جاه , ولكن كان عنده هدف , هدف عُمر يريد أن يكون مع صاحبيه في المنزلة والمنزل , مر من عمرِ عُمر مدة عاش في شدةٍ من العيش ثم فتحت الدنيا على عمر فظل على الحال الأول ,
قيل يا أمير المؤمنين قد فُتحت عليك الدنيا , وُسع عليك , فوسع على نفسك وأهلك , فكان يقول وجدت صاحبي على جادة , على طريقة , على سبيل , فأخشى إن خالفتهما ألا ألحق بهما , في ليلةٍِ ليلاء جاءت كنوز فارس وملئت المسجد خرج عمر يبكي فقال له أبوالدرداء
ما الذي يبكيك يا أمير المؤمنين ؟
فنظر إلى هذا المال إلى الدنيا التي ملئت المسجد من أموال وذهب ومجوهرات فقال ما فُتحت الدنيا على قومٍ إلا وضربت بين قلوبهم هذا ما حذرنا منه نبينا صلى الله عليه وسلم , عمر جاءه الوفود فجلس معهم ثم بات ليلهُ يتململ حتى كان بعد الفجر نادى الصلاةُ جامعة ثم صعد المنبر وقال أنا عمر بن الخطاب أنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين كنت أرعى لخالاتٍ لي من بني مخزوم غنيمات وكنت أجلب إليهن الماء على حفنٍ من تمرٍ أو شعير , ثم نزل من على المنبر فقال له عبد الرحمن بن عوف ماذا فعلت يا أمير المؤمنين ما زدت على أن أزريت بنفسك , أنقصت من قدرك , والناس لا يعرفون هذا , فقال اسكت يا بن عوف فقد وجدت في نفسي نخوة , أحسست حينما جاءني الوفود البارحة أني أمير المؤمنين , وجدت في نفسي نخوة فأردت أن أكسرها أو أن أذلها , كان هدف عمر أن ينال المنزل .
جاءه رجلٌ زائرٌ ضيف وكان قدام عمر طعام من زيت وخبز من شعير فدعا الرجل للطعام فتقزز الرجل ففطن عمر ثم قال يا هذا أتظن أني لا أجيد الطعام بل والله إني لأجيد أفخر وأعلى أنواع الطعام , والثياب , والمسكن , ولكني وجدت صاحبي على جادة , على أمر , فأخاف إن خالفتهما ألا ألحق بهما . أيها الأحباب ما أحوجنا أن نقف مع هذه النفس وقفات ماذا أريد ما هو هدفي في هذه الحياة ؟ أن آكل , وأشرب , وأتزوج , وأسكن , وأتنعم , هل هذا هدفك هدفُ خسيس , إن استعملت هذا كله في طاعة الله عز وجل فأنت أنت , وإن وقف بك المنزل عند هذا فقط فبأس ما فعلت , لا يزال العبد في غفلة وفي غفلة الوقت يمضي الساعاتُ تمر , يتعاقب عليه الليل والنهار وهو في مكانه , لا طاعات , لا قربات , يُمني ويُمني ويُمني حتى جاءت سكرة الموتِ بالحق , أتدري أيها الحبيب حال الظالم حال الباغي حينما يعاين أنه من الدنيا خارج يقول
ربِ إرجعون
ربِ إرجعون
لعلي أعملُ صالحاً فيما تركت , يتمنى أن يعود فيركع ويسجد , يصلي , يصوم , يتصدق , يفعل الطاعات , يجتنب المحرمات , يتمنى تلك كلمة هو قائلها , يقول هذا على سبيل مجرد الحال ولذلك نحن في حاجة إلى إفاقة هم كان معهم من يعينهم على الطاعات ومن يدلهم على القربات , ونحن في زمن قل فيه المعين , قل فيه الناصح , إن أردت الدنيا وجدت آلاف يدلونك عليها وإن أردت الآخرة تعثرت , تعثر قلبك قبل بدنك ولذلك نحن في حاجة أن نوقف القلب أمام أمر الله عز وجل أن نحفظ الطريق أن ننادي على أنفسنا في كل وقت
أين الطريق ؟
كيف الطريق ؟
ما هو السبيل لرضا الله عز وجل ؟
كيف أنجو غداً من المُسائلة ؟
والله الذي لا إله غيره لو لم يكن في القيامة إلا أن تقف أمام الملك , أمام من يعلم السر وأخفى فيحاسبك فقط على الصغير , والحقير, والفتيل , والنقير , والقطمير لكفى هذا عذاباً , فكيف بأقوامٍ صُرفوا إلى النار ؟
أيها الحبيب قف مع نفسك وقفة وقل لها يا نفس ماذا تريدين الدنيا عما قريب ستفارقها وأنت أحوج ما تكون إليها , ستفارق هذه الحياة لا محالة , فانظر لنفسك منزل وانظر لنفسك موضع , لا موضع لك , ولا مكان لك إلا في الجنة , فإن أيقنت بهذا إن أيقنت بهذا حَسنت العمل , وأتقنت الفعل , وعلمت أما هي لحظة إن أديتها في طاعات وقربات وعلمت كيف تصل إلى رب البريات لنجوت , ربما يظن ظان ويقنط قانط ويقول ذنوبي كثيرة ونفسي دنية والمعاصي أوثقتني وقيدتني والجنة بالنسبة لي بعيده .
أتذكرون حال الرجل الذي قتل تسعةً وتسعين نفس
رجل ما ترك لله عز وجل ذنب إلا فعله بل أعلى الذنوب القتل , ولكن تحرك في نفسه باعث , يريد أن يتوب , يريد أن ينيب , يريد أن يرجع إلى الله عز وجل , هل من سبيل , هل من سبيل بعد قتل تسعةٍ وتسعين نفساً فدلوه على رجلُ عابد , رجل لا علاقة له بالعلم , لا بالأصولِ ولا بالفروع , ورجلُ يستبشعُ أدنى معصية فكيف هو أمام رجلٍ قتل تسعةً وتسعينا نفسا فلما شرح نفسه وعرض حاله قال لهذا الرجل هل لي من توبة , قال لا وأنا لك التوبة , ولكنه كان قد استسهل القتل وضاق صدره وغلق الباب فأتم به المائه , أتمها بعابد الذي قد يعدل ربما نصف أهل الأرض عابد أتم المائه ولكن النفس تريد أن ترجع , تريد أن تتوب , تريد أن تصل إلى الله عز وجل هل من سبيل , هل من سبيل , فسأل فدلوه على عالم وقف بين يديه قتلت مائه منهم عابد هل لي من توبة , فقال له العالم ومن يحيل بينك وبين التوبة , ربُ كريم , جواد يتودد لخلقه وعباده وهو الرب الملك .
روى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقولُ رب العزةِ تبارك وتعالى
" يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي , يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي , يا بن آدم لو أتيتني بتراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا للقيتك بترابها مغفرة"
أين منزلك ؟
أين مكانك ؟
أين موضعك ؟
أين أنت من ربك الكريم الذي يناديك أن تنيب , أن تتوب , أن تسابق , أن تسارع إلى هذا الخير العظيم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .
( الصف < 10 , 11 > )
تجارة ربحها الجنة وخسارتها النار , ذُكر العذاب حتى يعلم العبد أنها خسارة فادحة , ما هو الربح , الجزاء , ما هو بعد هذا
{ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
( الصف < 10 , 11 , 12 > )
ليس بعد هذا فوز , أن تحط برحلك في الجنة آخر المصاعب , آخر التعب , آخر الكد حينما تعبر من باب الجنة إلى الجنة هنيئاً لك
{ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } . ( الصف < 13 > )
جاء ولم يأتي ولكن عيش السعداء مع الله عز وجل .
أيها الأحباب ربما تتعنى , ربما تتعب , ربما ترى ما ترى , ربما تتعثر عليك الأمور ولكن إن علمت أن الطريق لحظة , لحظة , نعم هو طويل , هو شاق ولكن بصبرك وباستعانتك بالله عز وجل وبتعظيم القيمة التي أنت ترجوها في نفسك يهون عليك الأمر , ألا ترونا أن المحب إن أحب بذل الغالي والنفيس , ألا ترونا أن المحب ربما يسافر البلد بشقِ الأنفس من أجل أن يلقي من أحب والسفرُ طويلٌ حقا ولكن الحب هون عليه السفر , نعم قد ترى نفسك في ضيق وفي شدة وفي تعب ولكن إن علمت أنك مسافر وأن في هذا الطريق سبقك أقوامٌ إلى الله عز وجل أقاموا أمره وتجنبوا نهيه ولابد أن تلحق بهم إن تخلفت عنهم خسارة ما بعدها خسارة , قال عز وجل
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } . ( النساء < 69 > )
كأنك بعد مدة ستلحق بهؤلاء الذين سبقوك حتى وإن كنت في المؤخرة , إن اجتهدت وأطعت وتقربت إلي الله عز وجل لا بد أن تلحق بهم , قال رجلٌ لسفيان الثوري يا إمام إن من سبق مضوا على خيلٍ عتاق سبقونا إلى الله عز وجل بسرعة ونحن على حمير دبرة فقال سفيان أما لو كنا كذلك , المهم أن تمشي لا تقف لا ترجع أما لو كنا كذلك فسنلحق بالركب
{ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } . ( النساء < 69 > )
فتش في قلبك ما الذي تحسنه حتى تسبق به أ هل زمانك وأعني ما الذي تحسنه في سيرك إلى الله عز وجل ربما تتشعب عليك الأبواب ويتشتت الذهن وترى نفسك واقفاً حائرا بين طلب علمٍ , بين عبادة , بين طاعات بين قربات , ترى نفسك مشتت انظر ما الذي تحسنه وسابق فإنك أن سابقت سوف تتقن باقي الطاعات والقربات أما لو وقفت على الأبواب ربما لا يفتح لك باب قط , لو رجعنا إلى العشرة المبشرين بالجنة أبو بكر , عمر , عثمان , علي , طلحه , الزبير , عبد الرحمن منهم سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل .
من هو سعيد ؟
نعلم ونعرف أنه من العشرة المبشرين بالجنة , ما الذي تميز به سعيد له خبيئة ربما لا نعلمها نحن ولكن الله عز وجل يعلمها إذ في كثيرٍ من المجالات سبق سبق ولكن اعلم أن بقدر ما في قلبك بقدر الأجر عند الملك سبحانه وتعالى ولكن إياك ثم إياك أن تغتر بقولك قلبي دون عملي لا , لابد أن يكون ما في قلبك أعظم وأجل من عملك , ولابد أن تعمل , ولابد أن تجتهد مَن مضى سبقوا إلى الله عز وجل كلٌ نظر في بابٍ من الأبواب ومنهم من جمع جميع الأبواب وما فرطوا في بابٍ من هذه الأبواب ولذلك سعيد بن زيد لو نظرنا وتأملنا في العلم لوجدنا أن من هناك من ذاع صيته , وعلى بعلمه على سعيد , وكذلك كثيرٍ من الأمور , ولكن سعيد بُشر بالجنة لعلم الله عز وجل بخبيئة وحاله ومن فتش رأى أن الرجل كان يحب الخفاء أكثر من الإعلان , ولكن كان على طاعات وعلى قربات ربما عجز غيره أن يؤديها , إياك أن تغتر أنك فلان , أنك عِلان , أنك تفعل , أنك طالب علم , أنك منفق , أنك متصدق , إياك إياك أن تغتر بثناء الناس عليك مهما كنت انظر في قلبك , ما الذي في قلبك لله عز وجل , انظر إلى نفسك أيرفعها الثناء , هل تتبجح عند المديح أم أن نفسك تعرف قدرها وتعلم حجمها وتعلم أنها مفرطة وأنها مقصرة وأن ثناء الناس عليك لا يغني عنك من الله شيئاً فكلما أثنى عليك شخص تصاغرت نفسك وقلت اللهم اجعلني خيراً مما يقولون , وما حسنت ظنك بنفسك .
عالمٌ من العلماء من القراء هو طلحه بن مصرف , طلحه ذاع صيته وانتشر بين القراء حتى لقب بقارئ الكوفة , نظر طلحه في نفسه فوجد أنه وصل إلى منزل وصل إلى مكان خاف على نفسه , فتأمل من يساميه ويساويه في المنزل فإذا بالأعمش سليمان بن مهران كان من القراء المشهورين أيضا إلا أنه بالحديث أشهر فأراد حيلة , أراد أن يصرف الاسم وأن يصرف اللقب لسليمان بن مهران وأراد أن يقوم بأمر الله عز وجل على قدر لاستطاعةِ مع إصلاح النفس , المهم أن هذا اللقب العظيم أراده أن يحيله لغيره , فكان يجلس على باب سليمان بن مهران الأعمش يقرأ عليه كلما مر مار قالوا ما جالس طلحه أمام بيت ِلأعمش إلا أن الأعمش أعلم منه حتى قال سليمان بن مهران ما سمعت منه لحنة قط , يعني ما كان أفضل من قراءة طلحه بن مصرف كما قال الأعمش , فعندها انصرف الناس إلى الأعمش سليمان بن مهران وخف الحمل على طلحه وهذا ما أراد .
أيها الحبيب إن القلب يحتاجُ إلى جهد كي ينصلح وإن النفس تحتاجُ إلى جهد حتى تستقيم لك , إياك إياك أن تكون عند السكرات فترى أن أشد أعدائك هي نفسك , وأن ما أوثقك في ذنوبك ومعاصيك إلا نفسك عندها قد فات ما فات ومر العمر وما حصل المقصود .
أيها الحبيب إن الذنب بعد الذنب يُوقع في القلب ظلمة , فإن صرفت الذنب عند أول وقوعه نِلت خيراً كثيراً .
روى الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال
" تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير ِعوداً عوداً "
والمقصود بالفتن كل ما يصرف القلب عن الرب من ذنوب , من معاصي , من تفريط , من غفلة , كل ما صرفك عن الله عز وجل ( فتنة ) تعرض الفتن على القلوب أي تلامس القلب , عينك تنظر إلى الحرام ولكن القلب إن استقرت عينك على النظر طُبعت النظرة في القلب لا في العين , فإن العين هي الوسيلة , هي الموصلة للقلب , السمع تسمع الحرام سماع الأذن وسيلة , ولكن استقرار الذنب استقرار الفتنة في القلب , كعرض الحصير أي كالحصير حينما يلامس البدن بلا حائل كذلك هذه الآثار التي تمر على هذه الجوارح تصل إلى القلب مباشرة بلا حائل, الإنسانُ يتكلم يصل إلى القلب , الأذن تسمع تصل إلى القلب , العين تنظر تصل إلى القلب , اليدُ تبطش تصل إلى القلب , كل جارحةٍ فيك وقعت عليها فتنة إن لم تدفعها أثرت في قلبك كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلبٍ أُشربها تلذذ بالذنب قَبِلَ هذا الذنب وقف أمام هذه الفتنة موقف معجب , أُعجب بذنبه , أُعجب بخطيئته , أعجب بهذه الشهوة التي عرضت على هذا القلب فقبلها نكتت فيه نكتة سوداء ظلمة في القلب إن دفعها وأسرع في إزالتها نجا وإن سكن إليها استقرت في القلب إلى أن تأتي أختها فإن تاب وأناب ورجع ثقل القلب وعاد وإلا تلف القلب ذنب بعد ذنبٍ حتى يصل إلى سواد إلى ظلمة مثبَطة والعياذُ بالله .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , ثم أما بعد....
أيها الأحباب نفسك نفسك إن شغلتها بالحقِ هذبتها وقومتها وجعلتها على الصراط المستقيم وإن تركتها شغلتك بالباطل ولا تزال بك حتى تسقطك , تعرض الفتن على القلوبِ كعرض الحصيرِ عوداً عوداً فأيُ قلبِ أُشربها أي قَبِلَ هذه المعصية أو هذه الفتنة , أو هذه البَلِية نكتت فيه نكتهٍ سوداء , وأي قلبٍ أنكرها مجاهدة , معركة بينك وبين نفسك , معركةٌ بينك وبين حمايةِ هذا القلب من أي مؤثرٍ يعطلُ سيرك إلى الله عز وجل تنظرُ في نفسك تراعي أمر قلبِك .
كيف أسيرُ إلى الله عز وجل بلا تعثر؟
كيف أنجو من أغلال الذنوبِ والمعاصي والآثام ؟
كيف أنجو من أغلال الغفلة التي تحيل بيني وبين سيري إلى الله سبحانه؟
هذا يحتاج منك إلى قومه , إلى إفاقة , وأي قلبٍ أنكرها جاهد النفس وهذب القلب وعدل السير إلى الله سبحانه وتعالى نُكتت فيه نُكتةٌ بيضاء ولا يزال القلب في مجاهدة دفع , دفعٌ للفتنة , قبولٌ للحكمة , قبولٌ لأمر الله عز وجل وأن يؤدى الأمر على مراد الله سبحانه فإذا بك ترى في قلبك نور , وترى في قلبك ضياء , وترى في نفسك انشراح فترى نفسك تؤدي أمر الله عز وجل بلذة .
أما سمعتم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرحنا بها يا بلال , وجعلت قرة عيني في الصلاة , فلا لذة , ولا نعيم أعظم من أن تكون مع الله سبحانه , مجاهدة حتى يستقر القلب على أمر الله عز وجل إياك ثم إياك أن تقلبك نفسك كالليل والنهار , بين ظلمة وبين ضياء , بين ظلمة وبين ضياء فربما تقبض عند الظلمة فتهلك .
روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن قافلون من غزوة قال فنزلنا في شِعب كثير الأعضاد كثير الشجر ,
فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
من يكلؤنا الليلة ؟
فقام رجلان رجلُ من المهاجرين ورجلُ من الأنصار فقالا نحن يا رسول الله فقالا لهما كونا بفم الشِعب لأن هذا المكان محاطِ بجبال وله مدخل , كونا بفمِ هذا المدخل أو عند هذا المدخل حتى لا نؤتى من قِبلكما ثم استراح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقام الرجلان الأنصاري والمهاجري , فقال الأنصاري للمهاجري أنا أكلأك من أول الليل وأنت من آخرة نقسم الليل إلى قسمين ,
أنا في أول الليل وأنت في آخر الليل
وكان الرجل هذا المهاجري عند قدميه , وقام هذا الرجل الذي طُلب بالحراسة عيناه تنظران إلى فمِ الشِعب كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولن تُرى هل يضيع الليل سُدى , هل يضيع هو الآن على ثغرٍ من الثغور ولا يضيعه ولن يضيعه , فأراد أن يجمع بين عبادتين وبين طاعتين , بين حراسة المسلمين وبين القيام بين يدي الملك سبحانه وتعالى يصلي , فقام يصلي وعيناه تنظران لفمِ الشِعب فإذا برجلٍ من المشركين قد نذر دماً في أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان يتبعهم من أول مسيرهم حتى حطوا برحالهم في هذا الشِعب وقف هذا المشرك فرى هذا الصحابي قام , قلنا جمع بين الحراسة وبين هذه العبادة القيام وقام يصلي , فلما رآه المشرك عَلِمَ أنه ربيئة القوم فرماه بسهم هو الحارس وقع السهم في مقتل فظن أنه أخطأه , فرماه بسهمٍ آخر وقع في مقتل , فرماه بسهمٍ ثالث الدمُ ينزف يسيل والرجل مازال في القراءة مازال يصلي وعيناه إلى فَمِ الشِعب فلما خاف على نفسه من الموت ركع ثم سجد ثم أيقظ المهاجري , قام المهاجري فرى الدمَ يسيل قال ما حملك على هذا , ما حملك على هذا , لِما لم تُقظني عند أولِ سهم فقال كنت قائماً أصلي , وكنت في سورةِ كذا وواللهِ الذي لا إله غيره لولا أني خشيت أن أقطع على المسلمين ثغر ما تركت السورة حتى تذهب روحي .
هؤلاءِ عَرِفوا الطريق , عَرِفوا كيف يسيرون إلى الله عز وجل بلا تعثر ما كانوا يعبثون على الأبواب ويلعبون بالطاعات وينغمسون في الشهوات ما كانوا هكذا أبداً , كان همهم رضا الله عز وجل .
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى مؤته قال أميركم زيدُ بن حارثة فإن قتلَ فجعفر بن أبي طالب فإن قتلَ فعبدُ اللهِ بن رواحة وانطلقت السرية تأتي بخبرٍ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فوجيئوا في الموطن الذي وصلوا إليه بجيشٍ عرمرم لا قِبَلَ لهم به معركةٌ غير متكافئة قُتِلَ زيدُ بن حارثة في أول المعركة , حمل الراية جعفرُ بن أبي طالب قطعت يده اليمنى فحملها باليسرى , قطعت اليسرى فحملها بين عضديه , خاف أن يضعف من بعده من خلفه , فقال :
يَا حَبَّذَا الجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا * طَيِّبَةٌ وَبَارِدٌ شَرَابُهَا
وَالرُّوْمُ رُوْمٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا * عَلي إِنْ لاَقَيْتُهَا ضِرَابُهَا
ثم مات قُتِل , حملها عبدُ اللهِ بن رواحة رأى في الجيشِ هزة فقال أيها الناس إن التي منها تفرون للتي خرجتم تطلبون إنها الجنة , لِما تخافون ما خرجنا إلا للجنة الهدف حولَ كل شئ نُدند ما أردنا إلا الجنة , نُريد كل السبل التي توصلنا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض , ثم قال لنفسه :
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... طائعة أو لتكرهنه
إن اجلب الناس وشدوا الرنة ... ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طالما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة في شنه
ثم قاتل حتى قتل , حملها خالد استشار الناس قال بعضهم إلى سلمى أي الفرار إلى جبال , جيش قوامه أكثر من مائتي ألف , وهم قرابة ثلاثة آلاف , قالوا إما إلى سلمى وإما إلى أجا ,
فقال لا إلى سلمى ولا إلى أجا ولكن إلى الله الملتجأ ,
غير في الجيش ثم خوف الروم وعادا ظافرا .
أيها الأحباب إن سِير هؤلاء عطرة , ما أحوجنا أن نتأسى بهم , أن نجعل لنا هَم , هَم , ما الذي يفرحك , ما الذي يحزنك , ما الذي يبكيك , ما الذي يشغلك دنيا ستفارقها لا محالة الآخرة أين عملك لها ما هو جهدك , أين أنت عند دخول المسجد , أنت رقم كام لو أن كلاً منا ضبط الصلاة التي هي آخر معاقل الإسلام , روى الإمام أحمد عن أبي أُمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" لتنقضن عرى الإسلام عروةٌ عروة , أوُلاهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة "
أين أنت من آخر عروة ؟
من آخر معاقل الإسلام , أين أنت كم أنت الداخل للمسجد , في أي صفٍ تُصلي , أين قلبك حينما تقف أمام الملك , في تجارة , بيع , شراء , في مشكلة , في محنة في ربما البعض يقول الله أكبر, الله أكبر, ولا يجد نفسه إلا يقول السلام عليكم ورحمة الله , السلام عليكم ورحمة الله , وما عقلَ من صلاته شيئاً قط , قط , وليس لابن من صلاته إلا ما عقل .
فأيها الأحباب الأمر جد خطير , خطير ,
كيف ندخل الجنة ؟
ما هو السبيل ؟
كيف ندرك ما فات ؟
دعنا مما فات , فيما نحن الآن وما هو آت , كيف ستضع قلبك على أول الطريق حتى تسارع ؟
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } .
( آل عمران < 133 , 134 > )
كن من المحسنين لنفسك قبل غيرك , أحسن على نفسك بطاعات وقربات وبترك محرمات ومنهيات حتى نسلم غداً وندخل الجنة .