النظر المحرم
أكدت الكثير من الروايات الشريفة على خطورة هذا النظر على روح الإنسان المؤمن وقلبه لدرجة أنها تفسد الإيمان وتنسي الآخرة والحساب ففي الحديث عن الامام علي (عليه السلام) : " إذا ابصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة" .
وعن الامام الصادق (عليه السلام) : يا بن جندب إن عيسى بن مريم (عليه السلام) قال لأصحابه :" إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه ".
عواقب النظر المحرم
إن جزاء النظر المحرم عند الله تعالى شديد جدا بحيث أن بعض الروايات عبرت عن صور عجيبة للذي يملأ عينيه من النظر الحرام ومن هذه العواقب :
يملأ عينيه ناراً : ففي الرواية عن الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) " من يملأ عينيه من حرام ملأ الله عينيه يوم القيامة من النار , إلا أن يتوب ويرجع ".
الحسرة يوم القيامة : فعن الامام علي (عليه السلام) : " كم من نظرة جلبت حسرة " , والله أعلم بمقدار هذه الحسرة والندامة التي ستعتري الإنسان يوم القيامة حين يرى النعيم ويمنع منه لأجل نظرة إلى الحرام .
الغضب الإلهي : فعن الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) : " اشتد غضب الله عز وجل على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها " .

آثار غض البصر
كما أن للنظر إلى الحرام عواقب فإن لغض البصر عن محارم الله تعالى آثاراً حميدة في الدنيا والآ خرة , ومن هذه الاثار :
حلاوة العبادة : فإن الشيطان يسعى جاهداً ليوقع الإنسان في المحرمات , التي يسهل الوقوع بها تحت ضغط الشهوات , كالنظر المحرم فعندما ينتصر الإنسان على شيطانه بعد جهاد النفس يجد حلاوة الإنتصار من جهة ويزداد إيمانه رسوخاً وقلبه نوراً من جهة أخرى, كما يحصل للجيوش التي أنهكها التعب بعد انتصارها وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " ما من مسلم ينظر امرأة أول رمقة ثم يغض بصره إلا أحدث الله تعالى عبادة يجد حلاوتها في قلبه ".
راحة القلب : ففي الحديث عن الامام علي (عليه السلام) : " من غض طرفه أراح قلبه " , ولعل راحة القلب تأتي بسبب التخلص من هذا المرض القاتل للحسنات والذي يجر صاحبه إلى النار .
الحصانة : وهي تحفظ الإنسان عن الوقوع في الذنوب ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) : " ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغض البصر , فإن البصر لا يغض عن محارم الله إلا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال "

يتساءل الإنسان عن تصرفات كثيرين فلا يجد لها مبرراً معقولاً فيحتار لأن العقل يرفضها , و المراد بالعقل هنا :العقل السّوي في أقل مراتبه, و تعظم المسألة عندما يكون التصرف , أو حتى الرأي تجاه قضايا فكرية أو منهجية لأن لها أثراً متعدياً للأخرين سلباً و إيجاباً .
ومن هنا ندرك تماماً لماذا كثرت الايات القرآنية التي تدعو الإنسان إلى النظر و التفكر , كما تدعو إلى البعد عن العقل الجمعي الذي يتبع فيه الفرد المجموعة من الناس أو كما يسمى صوت الجمهور أو الجماهير دون تأمل و نظر فيما يطرحون_ كما يسميه علماء النفس_ لان العقل الجمعي يسوق الإنسان إلى أراء و مواقف قد لا يرتضيها هو لو فكّر و تأمل قليلاً , يقول الله سبحانه و تعالى داعياً إلى هذا النوع من التفكر أقصد البعد عن العقل الجمعي : (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) بمعنى أن كل و احد أو اثنين يفكرون هل النبي صلى الله عليه و سلم أصيب بجنون حتى ترفض دعوته ؟ الجواب في العقل الجمعي لقريش : نعم , أما عند التفكير البعيد و عدم الأنسياق خلف الجموع : فلا . و هنا اختلف نمط التفكير فاختلفت النتيجة .
و هذا ماتقصده المقالة بعنوانها : عندما يتعطل التفكير الصحيح فينساق خلف المجموع بدون تأمل و نظر في العواقب و النتائج.
فعندما يتعطل التفكير يلغي الإنسان منحة من منح الله تعالى التي ميزها بها عن سائر الحيوان , وهي العقل الصحيح فيسلم عقله لغيره , وهذا فيه جحدان لهذه النعمة العظيمة , و يترتب على ذلك اختلال العقل الموازين لدى هذا الإنسان , و إختلال أحكامه , و اختلال مواقفه , و ضلاله في مسيرته الحياتية فليس منهج يسير عليه و لا ضوابط يتعامل بها.
عندما يتعطل التفكير يبقى الإنسان أسيراً لغيره فلا يدري أي اتجاه يتجه , فلتنظر مثلاً لكفار قريش عندما وقفوا موقفاً عنيفاً من دعوة محمد صلى الله عليه و سلم فهم في اتجاه المعارضة , و عندما ينفرد أحدهم بمناقشته عليه الصلاة و السلام تتغير مواقفه كما في قصة الوليد بن المغيرة المعروفة .
عندما يتعطل التفكير تقبل الدعاوي العريضة من الاسياد دون تأمل و نظر , ولو كان مخالفاً لأبسط البدهيات , خذ مثلاً لطم الخدود و ضرب الأجساد بالسيوف و السلاسل من الاتباع بينما كبيرهم لا يفعله ولا أولاده فأي تفكير سليم يقبل هذا.
و عندما يتعطل التفكير يصل بعض هؤلاء إلى جحدان الخالق عز وجل الذي يتعين الأقرار بوجوده سبحانه و ألوهيته بمختلف الأدلة النقلية و العقلية و الحسية . لأن الإنسياق وراء المنكر و الجاحد يوقع في التسليم بهذا الجمود , بل يلبس اللبوس السيء وهو العكس .
وعندما يتعطل التفكير تختل الموازين , وتضطرب المعايير حتى تصل إلى أعظم الأشياء , و قد تصل التعدي إلى حق من حقوق الله تعالى أو تعظيمه سبحانه , أو حقوق رسوله صلى الله عليه و سلم , أو أحترامه و تقديره . فيصل هذا الإنسان إلى مرحلة الغرور المعاكس.
عندما يتعطل التفكير يصل الإنسياق وراء الشعارات البراقة و المصطلحات الفضفاضة دون وعي بمدلولاتها , بل عند البحث و النظر تجد أن أصحابها مختلفون في تحديدها , مثل مصطلحات الإشتراكية , و الحداثة , والتنوير , فضلاً عن المصطلحات القديمة في أسمائها و الجديدة في أسماء أخرى مثل مختلف الفرق الضالة كالمعتزلة ، و الخوارج ، وغيرها.
ومن هنا يحتاج المرء إلى وقفة أو وقفات تأمل مع النفس لتسترشد بالتعاليم الربانية في كتاب الله تعالى و سنة نبيه رسول الله صلى الله عليه و سلم مع إعمال القواعد و الضوابط للتفكير السليم المهتدي بهدي الوحيين .