الحمد لله على آلائه ونعمه، ونشكره على إفضاله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغفور الشكور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله وخيرته من خلقه، سيد الشاكرين، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين




 "تقييد النعم بالشكر"
نعم الله تعالى لا عدّ ولاحصر لها
والنعم أولاً، نعم الله عزّ وجلّ على عباده هي مننه التي يمتن بها عليهم، وهي لا حدّ لها ولا حصر؛ كما قال الله عزّ وجلّ: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم : 34] ويقول سبحانه وتعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان : 20] ويقول سبحانه: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}[النحل : 53] فنعم الله عزّ وجلّ على عباده لا تعدّ ولا تحصى،
]أعظم النعم على الإطلاق نعمة الرسالة[
وأعظم نعمة أنعم الله بها على هذه الأمة؛ أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ هي بعثته هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فهي أعظم نعمة وأجل منّة امتنّ الله تعالى بها على هذه الأمة، وقد نوه الله تعالى بهذه النعمة بهذه المنّة العظيمة بقوله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران : 164] وإنما كانت هذه النعمة هي أجلّ النعم وأعظم النعم؛ لأنه حصل بها الخروج من الظلمات إلى النور والظفر بالهداية والسلامة من الغواية، فهي أجل نعمة وأفضل نعمة امتنّ الله تعالى بها على عباده المؤمنين،
]الشكر سبب بقاء النعمة وزيادتها[
وهذه النعم لا بدّ لنمائها وبقائها من أن تُقابَل بشكر الله عزّ وجلّ عليها؛ حتى تزيد وحتى تبقى وتستقر، فشكر الله عزّ وجلّ على هذه النعم العظيمة هو الكفيل ببقائها وزيادتها، وكفر هذه النعم مؤذن بزوالها وبذهابها؛ كما قال الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم : 7].
تعريف الشكر في اللغة





فالشكر هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف، ويقال: شكرتُه وشكرتُ له، وباللام أفصح، ويقولون: دابة شكور إذا كان يكفيها العَلَف القليل، ويقال أيضًا: دابة شكور إذا كانت تُظهِر من السِّمَن أكثر مما تُعطى من العَلَف، وهذه المعاني تدل على النماء وعلى الزيادة.
أركان شكر الله عزّ وجلّ
وشكر الله عزّ وجلّ يكون باجتماع ثلاثة أمور، هي أركان لهذا الشكر التي إذا توفرت واجتمعت حصل الشكر وصار صاحبها شكورًا:
1- الاعتراف بالنعم
2- والثناء على الله المنعم بها
3- واستعمال هذه النعم فيما هو طاعة لله عزّ وجلّ وكفّها وصرفها عما هو معصية لله عزّ وجلّ.
فشكر الله عزّ وجلّ يكون بالاعتراف بهذه النعم، وبالثناء على المنعم بها سبحانه وتعالى، وباستعمالها فيما هو طاعة لله عزّ وجلّ ولرسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الشكر الشرعي، إذا توفرت هذه الأركان في شخص كان شكورًا واتصف بهذه الصفة التي هي كونه شاكرًا.
الاعتراف بالنعم: كون الإنسان يستذكرها في قلبه، وتكون دائمًا على باله، ويتحدث بها بلسانه، ويثني على الله عزّ وجلّ ويحمده بلسانه على هذه النعم، ويشكر الله بأفعاله باستعمالها في طاعة الله عزّ وجلّ وعدم صرفها فيما يسخط الله عزّ وجلّ، فهو يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالجوارح، فشكر القلب بالمحبة والمعرفة، وشكر اللسان بالحمد والذكر والثناء، وشكر الجوارح يكون باستخدام هذه الجوارح فيما هو طاعة لله عزّ وجلّ؛ لأنها كلها نعم من الله عزّ وجلّ، هذه الجوارح التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان عليه أن يشكر الله تعالى عليها؛ بأن يستخدمها في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذاجاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه وهو أول حديث عنده في كتاب الرقاق: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) فهذه الصحة والعافية نعمة عظيمة من الله عزّ وجلّ، الواجب أن يُشكَر الله عزّ وجلّ عليها 




باستخدام هذه الجوارح فيما هو طاعة لله عزّ وجلّ والابتعاد عن استخدامها فيما هو معصية لله سبحانه وتعالى.
والفراغ هذا الوقت الذي إذا لم يستخدمه الإنسان فيما ينفع فإنه يكون وبالاً على صاحبه، يستخدمه الإنسان في صرفه وشغله فيما هو طاعة لله عزّ وجلّ وإذا لم يفعل ذلك فإنه مغبون، مغبون في ضياع صحته في غير نافع ومغبون في ضياع وقته في غير نافع، فإذن الشكر لله عزّ وجلّ يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالجوارح.
]الفرق بين الحمد والشكر[
وبينه وبين الحمد تقارب، حمد الله وشكر الله عزّ وجلّ بينهما تقارب؛ ذلك أنّ كلاً منهما يكون أعمَّ في شيء وأخصَّ في شيء، فحمدُ الله عزّ وجلّ، ما يحمد الله عليه؛ الحمد يكون أعم به، يعني: ما يكون عليه الحمد فالحمد يكون أعم؛ ذلك أن الله يُحمد على أسمائه وصفاته وعلى نعمه الظاهرة والباطنة، وأما الشكر فإنما يكون على النعم، فالحمد أعم من الشكر فيما يكون عليه الحمد، وأما الشكر فإنه أعم فيما يكون به الشكر والحمد، وهو أن الله عزّ وجلّ يشكر بالقلب واللسان والجوارح، وأما الحمد فإنه يكون بالقلب وباللسان، فالحمد أعم فيما يكون عليه الحمد، والشكر أعم فيما يكون به الشكر؛ لأنه يكون بالقلب واللسان والجوارح.تر
معنى "تقييد النعم بالشكر"
تقييد النعم بالشكر ما المراد به؟ ما المراد ب"تقييد النعم بالشكر"؟
هذه النعم العظيمة التي أنعم الله تعالى بها علينا وهي لا حدّ لها ولا حصر، والشكر لله عزّ وجلّ عليها بما يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، كيف يكون هذا التقييد؟
تقييدها معناه: الإبقاء عليها حتى لا تذهب وحتى لا تزول إنما يكون بالشكر، كما يقول بعض السلف: "النعم إذا شُكرَت قرّت وإذا كُفرَت فرّت" إذا شكرت حصل استقرارها وبقاؤها وإذا كفرت فرت يعني: زالت وذهبت ولم يبق منها شيء، ويقولون:"لا بقاء للنعم مع الكفر ولا زوال للنعم مع الشكر" بل إن الشكر – كما هو معلوم- سبب في الإبقاء على الموجود وفي الزيادة منه وفي اكتساب الشيء المفقود من النعم، ويقولون: إن الشكر يقال له (الحافظ) ويقال له (الجالب)، لأنه حافظ للموجود من النعم وجالب للمفقود من النعم، لأن الله عزّ وجلّ وعد بالزيادة تأذن بالزيادة لمن شكر، كما قال الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم : 7] ويقول بعض السلف: "النعمة وحشية فاشكلوها بالشكر" معنى كونها (وحشية) يعني: غير مستأنِسة حتى تُشكَر، فإذا عُمل الشيء الذي يكون به بقاؤها استقرت واستأنست وإلا فإنها تنفر وتذهب وتزول عن صاحبها، "النعمة وحشية فاشكلوها بالشكر" يعني: قيدوها واربطوها بالشكر حتى لا تذهب وحتى لا تفر، لأنها تشبه الحيوان المستوحش الذي هو بحاجة إلى من يؤنسه حتى يألف ويستقر ويبقى، وهذا الإبقاء عليها وربطها وحفظها إنما يكون بشكر الله عزّ وجلّ عليها، ولهذا جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: "قيدوا نعم الله بشكر الله عزّ وجلّ" فإن النعم إذا شُكرت فإنها تبقى وتستقر، وإذا كُفرت فإنها تزول وتضمحل وتذهب عن أصحابها، ولا يكون لها قرار ولا يكون لها بقاء.
والله سبحانه وتعالى بين جزاء الشاكرين وثوابهم وعقوبة الكافرين لهذه النعم، وقد جمع بين الاثنين في هذه الآية الكريمة التي تقدم ذكرها وهي قول الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم : 7].
نماذج مما جاء في القرآن من شكر الشاكرين






وقد جاء في الكتاب العزيز نماذج من شكر الشاكرين ومن الجزاء الذي حصل لهم على شكرهم، وكذلك نماذج من كفر كافري النعم وما حصل لهم من العذاب العاجل قبل الآجل في هذه الحياة الدنيا؛ نتيجة لكفرانهم النعم.
فبالنسبة لشكر الشاكرين الله سبحانه وتعالى ذكر عددًا من الأنبياء صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، وشكر هؤلاء الأنبياء، وثناء الله عزّ وجلّ عليهم باتصافهم بهذه الصفة،
]شكر نبي الله نوح عليه السلام[
فالله تعالى ذكر عن أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض بعد أن وُجد فيها الشرك وهو نوح عليه الصلاة والسلام، ووصفه بأنه عبد شكور، فقال سبحانه: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} [الإسراء : 3] وأهل الموقف يوم القيامة عندما يصيبهم الكرب وتصيبهم الشدة ويبحثون عمن يشفع لهم إلى ربهم ليخلصهم مما هم فيه ليفصل بينهم في الحساب حتى يذهب أهل النعيم إلى النعيم وأهل الجحيم إلى الجحيم، عندما يذهبون ويبحثون عمن يشفع لهم إلى ربهم يأتون إلى آدم أولاً فيذكرون بعض صفاته التي اتصف بها فيقولون: يا آدم أنت أبو بشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته فاشفع لنا إلى ربك فيقول: اذهبوا إلى نوح، فيأتون إل نوح فيقولون: يا نوح أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض وسماك الله عبدًا وشكورًا[1]، فذكروا هذا الوصف الذي وصفه الله تعالى به، يذكرون هذا الوصف الذي وصفه الله تعالى به ويعتبرونه من جملة الأمور التي تجعلهم يأتون إليه ليطلبوا منه أن يشفع لهم إلى ربهم، وإنما وصف نوح عليه الصلاة والسلام بأنه عبد شكور – كما قال بعض العلماء- يعني: ذكرت الذرية وذكر وصفه بأنه عبد شكور؛ ليكون في ذلك إشارة وتنبيه إلى أن يقتدوا به في الشكر لأنه هو أبوهم الثاني بعد آدم، لأن كل بني آدم من بعده فإنما هم من ذريته لأن الله تعالى أهلك أهل الأرض إلا من حُمل في السفينة، فذريته هم الباقون، كما قال الله عزّ وجلّ: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} [الصافات : 77]، فذُكرت الذرية وذكر وصفه بأنه عبد شكور لتقدي الذرية به في شكر الله عزّ وجلّ، لتقتدي به لأنه عبد شكور، وقد ذكرت الذرية في هذه الآية التي ذكر فيها بأنه عبد شكور إشارة إلى أن يقتدوا به في الشكر وأن يأتسوا به لأنه أبوهم الثاني عليه الصلاة والسلام.
شكر نبي الله إبراهيم عليه السلام
وقد ذكر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأثنى عليه بأنه شاكر لنعم الله عزّ وجلّ قال:{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ]النحل:120-121[ فمن جملة ما أثنى الله تعالى به على إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أنه شاكر لأنعم الله عزّ وجلّ،
شكر نبي الله لوط عليه السلام
ولما ذكر الله لوطًا في سورة القمر وتكذيب من كذبه وإهلاكه للذين كذبوه وعارضوه ذكر إنجاءه لوطًا ومَن معه وأخبر بأن هذه نعمة من الله عزّ وجلّ يجزي بها من شكر؛ فقال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ* نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ} ]القمر:33-35[ فهؤلاء لوط ومن معه نجاهم الله من العذاب الذي أحاط بقوم لوط الذين كذبوه وقال الله عزّ وجلّ: {كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ} يعني: كهذا الجزاء الذي جزينا به لوطًا ومن معه لكونهم شاكرين، نجزي من شكر نِعَمَنا، إذن من يشكر نعم الله عزّ وجلّ فإنّ الله يخلصه من البلاء وينجيه من البلاء كما نجى لوطًا ومن معه.
شكر داود وسليمان عليها السلام





ثم ممن ذكره الله تعالى في القرآن وأثنى عليه كثيرًا وذكر شكره في القرآن كثيرًا سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام فإنه جاء شكره في القرآن في مواضع متعددة، وكذلك جاء عن داود عليه الصلاة والسلام، فالله ذكر قصة داود وسليمان في سور من القرآن، فجاء ذكر هذه القصة قصة هذين النبيين الكريمين في سورة النمل وفي سورة سبأ، ففي سورة سبأ قال الله عزّ وجلّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ* يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ]سبأ:10-31[ فأمرهم الله تعالى بالعمل شكرًا لله عزّ وجلّ على هذه النعم العظيمة التي أنعم الله تعالى بها عليهم، وهي تليينه لهم الحديد، وكونهم تُسخَّر لهم الجبال والطير، هذه نعم عظيمة، قال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً} ثم قال: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، وفي سورة النمل الله تعالى قال:{ولَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} ]النمل:15[ هذا القول الذي قالاه صلوات الله وسلامه وبركاته عليهما هذا من شكر الله وحمده والثناء عليه باللسان، آتاهما الله علمًا فقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين، آتاهم الله هذه النعمة فشكروه عليها بالثناء عليه وحمده سبحانه وتعالى على هذه النعم، ثم قال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ} قال سليمان متحدثًا بنعمة الله عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ}ثم يقول: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} يتحدث بالنعمة ويعددها ويستشعر عظم الفضل بها وجسامتها وأنه عظيمة وكبيرة وأنه فضل مبين من الله عزّ وجلّ عليهم {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} ثم يقول: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا} ثم ماذا قال بعد أن تبسم ضاحكًا من قولها؟ {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} هذا شكر سليمان بن داود صلوات الله وسلامه وبركاته عليه على هذه النعم العظيمة التي أنعم الله تعالى بها عليه، الجن والإنس والطير تسخر له، ثم يأتي بهذا المثال مما حصل من سماعه لهذه النملة التي تحدث زميلاتها وترشد زميلاتها إلى أن يدخلن في مساكنهن حتى لا يحطمَهُن سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، ففي كلامها مع زميلاتها نداء وإرشاد واعتذار، نداء لزميلاتها، وإرشاد لهن بأن يدخلن مساكنهن لئلا يحطمهن سليمان وجنوده، واعتذار عما حصل من سلميان وجنوده لو حصل بكونهم لا يشعرون، ثم بعد ذلك يتبسم ضاحكًا من قولها {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا} هذه نعمة عظيمة، النمل حيوان صغير لا يكاد يُرى لصغره، ثم الله سبحانه وتعالى يُسمِع نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام هذا الحديث وهذا الكلام وهذه الموعظة التي وعظت بها هذه النملة زميلاتها، وهذا الكلام الذي صدر منها موجهًا إلى زميلاتها الله تعالى مكّن عبده ونبيه سليمان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه من سماع هذا الصوت ومعرفة هذا الحديث، فهو نعمة عظيمة من النعم التي امتن الله تعالى بها عليه، فهو يقابلها بشكر الله عزّ وجلّ ويسأل الله عزّ وجلّ أن يوزعه شكر هذه النعم التي امتن بها عليه وعلى والديه {قال رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} فهو يسأل الله أن يوفقه لأن يشكر هذه النعم وأن يوفقه للعمل الصالح الذي يرضاه سبحانه وتعالى، وأن يدخله برحمته في عباده الصالحين، هذا شكر نبي الله سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام، ثم تأتي القصة التي جرت حول تغيب الهدهد وعدم وجوده مع من حشر، فيقول: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} ثم تأتي القصة أنه جاء بعد 







ذلك وقال إنه اطلع على شيء لم يطلع عليه، وأنه وجد قومًا تملكهم امرأة وأنها أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وأنه وجدها تسجد وقومها للشمس من دون الله، وقال له عليه الصلاة والسلام: سننظر أصدقتَ أم كنت من الكاذبين؟ ثم أعطاه كتابًا يذهب به إليها ليلقيه عليها وعلى قومها، فذهب بالكتاب وألقاه، فجمعت قومها وقالت: {يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ* إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ]النمل:29-30[ ثم استشارتهم بما تصنع، وأشاروا عليها بما رأوا، ثم هي رأت إرسال رسول بالهدية التي أرسلت بها إليه، ولما جاء الرسول إلى سليمان قال: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم} وهذا اعتراف بنعمة الله عزّ وجلّ عليه {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم} ثم بعد ذلك يقول للملأ الذين معه من جنوده الذين حُشروا { قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي} يأتيه عرش بلقيس في لمح البصر ويجده مستقرًا أمامه فيلهج بالشكر والثناء على الله عزّ وجلّ الذي أولاه هذه النعم العظيمة {قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي}يعني: هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه وهي أن سخر لي هذه الجنود التي تعمل ما أريد بإذن الله عزّ وجلّ {قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي} ثم يبين أن هذه النعم ابتلاء وامتحان {قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} هذا شكر الشاكرين، شكر نبي الله الكريم سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام بعد ما حصل له ما حصل من هذه النعمة العظيمة وهذا التمكين العظيم آتاه الله ملكًا لا يصلح لأحد من بعده، ويحصل به هذه الأمور العظيمة التي لا يمكن أن يوجد مثلها ونظيرها في القرن العشرين – كما يقولون- يثني على الله فيها بهذا الثناء العظيم ويقول:{قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.
شكر سيد الشاكرين محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ثم سيد الشاكرين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، الله تعالى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ثم بعد ذلك ومع ذلك يقوم على قدمه الشريف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه مصليًا لله عزّ وجلّ شاكرًا ذاكرًا لله عزّ وجلّ حتى تفطرت قدماه، كما ثبت ذلك في الصحيح، ولما قالت له عائشة رضي الله عنه: كيف تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ كان جوابه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!))[2] فصلاته لله عزّ وجلّ واشتغاله بطاعة الله عزّ وجلّ شُكرُ هذه النعمة 




العظيمة التي أنعم الله تعالى بها عليه وهي كونه غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كان يشكر الله عزّ وجلّ بقلبه ولسانه وجوراحه؛ فيقوم على قدمه الشريف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه حتى تفطرت قدماه من طول القيام، وكان جوابه عليه الصلاة والسلام عند ذلك: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!)) يعني: هذا الذي أعمله شكر لله عزّ وجلّ؛ لأن الشكر يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالجوارح، وشكر الجوارح أن تُستخدم في طاعة الله عزّ وجلّ وأن تُصرف قوتها وطاقتها فيما هو طاعة لله عزّ وجلّ، فهذه أمثلة من شكر الشاكرين لنعم الله عزّ وجلّ التي جاء ذكرها في القرآن.
نماذج مما جاء في القرآن من كفر الكافرين للنعم
أما كفران النعم فالله تعالى ذكر في القرآن عقوبات حصلت لمن كفر نعمة الله عزّ وجلّ عليه،
مَثَل القرية التي كفرت بأنعم الله
فقال عزّ وجلّ: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[النحل : 112] فبين سبحانه وتعالى في هذا المثل الذي ضربه الله عزّ وجلّ لهذه الأمة بهذه القرية من الأمم السابقة التي كان هذا شأنها؛ أغدق الله تعالى عليها النعم وأولى عليها النعم؛ يأتيها رزقها رغدًا من كان مكان، فلما كفرت بهذه النعم؛ أذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كسبته أيديها، حصل لها ما حصل {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد : 11]؛ فبدل الله الأمن خوفًا والنعمة بؤسًا وشقاءً، فكل ذلك نتيجة لكفران هذه النعم.
]قصة قارون وكفره بالنعم[
وذكر الله عزّ وجلّ قصة قارون في سورة القصص، وما حصل له من النعم العظيمة التي توالت عليه؛ حتى إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، وقال إن ما أوتيه من هذه النعم لكونه حقيقًا بذلك وأنه أهل لذلك؛ فكَفَر هذه النعم ولم يشكرها، ولم يضفها إلى المنعِم بها، ولم يصرفها في طاعة الله عزّ وجلّ {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} هذه نتيجة كفران النعم، نتيجة كفران النعم، أن الله خسف به وبداره الأرض، فهذه النعم التي أنعم الله تعالى بها عليه، لما لم يشكرها صارت وبالاً عليه، وذهبتْ وذهب معها من غير أن يستفيد، بل تضرر وخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
]قصة سبأ وكفرهم بالنعم[
وذكر الله عزّ وجلّ في سورة سبأ قصة سبأ بعد أن ذكر قصة النبيين الكريمين داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام اللذين هما من الشاكرين لنعم الله عزّ وجلّ، ذكر بعدهم قصة الذين كفروا بنعم الله عزّ وجلّ وما حصل لهم من العذاب وما حصل لهم من قلة الخير وقلة النعم، ثم تمزيقهم وتشتيتهم وكونهم ذهبوا – كما يقال - "أيادي سبأ"يعني: أحاديث يتحدث بهم الناس، قال الله عزّ وجلّ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} ثم بعد ذلك ذكر ما حصل منهم، ثم ختم الآيات بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}يعني: هذا الذي وقع عليهم وهذا الذي حلّ بهم فيه عبرة.





هذه نماذج وأمثلة مما جاء في كتاب الله عزّ وجلّ من شكر الشاكرين، ومن العقاب الذي حلّ بمن لم يشكر النعم وكفر بها ولم يصرفها في طاعة الله عزّ وجلّ؛ فإنها ذهبت عنه وناله ما ناله من العذاب في الدنيا، وما يناله في الآخرة أشد وأعظم من ذلك.
]من أسباب التقصير في شكر النعم[
ثم إن شكر النعم يكون التقصير فيه، التقصير في الشكر ينشأ عن:
1- الجهل
2- والغفلة
الإنسان عندما يكون جاهلاً بقيمة هذه النعم وبتذكر هذه النعم؛ فإن ذلك من أسباب عدم شكره للنعم، وتقصيره في شكر الله عزّ وجلّ على هذه النعم، وكذلك الغفلة والسهو عن هذه النعم، يغفل عنها فلا يشكر الله عزّ وجلّ عليها، فإذن الغفلة والجهل هما من الأسباب التي تفضي وتؤدي إلى عدم شكر النعم.
من أسباب شكر النعم
ومن عدم شكر النعم: كون الإنسان لا ينظر إلى مَن هو دونه وإنما ينظر إلى مَن هو فوقه؛ فهذا يجعله يقصّر فيما هو واجب عليه من شكر الله عزّ وجلّ على هذه النعم، ينظر إلى من هو فوقه ويغفل عمن هو دونه فيكون ذلك صارفًا له عن أن يشكر الله على ما أعطاه من النعم، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: ((انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم))[3]هذا توجيه من النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه أن الإنسان لا ينظر إلى من هو أكثر منه مالاً وأكثر منه جاهًا وأعظم منه جاهًا وإنما ينظر إلى من هو دونه، أنت عندما ترى أناسًا فوقك – يعني: في أمور الدنيا- فهناك أناس هم دونك، فأنت في نعمة هم ليسوا فيها، فأنت عندما تلاحظ هذا المعنى؛ يكون ذلك دافعًا لك على الشكر، والله تعالى يزيدك على الشكر من النعم التي لم تتحصلها من قبل، يزيدك في الموجود ويعطيك نعمًا غير موجودة؛ جزاء شكرك لنعم الله عزّ وجلّ عليك، أما إذا نظرتَ إلى من فوقك وغفلت عمن تحتك فإنك لا تشكر الله عزّ وجلّ على ما أعطاك من النعم.
ويقال: إنّ رجلاً جاء إلى رجلٍ يشكو إليه الفقر، ويبالغ في بيان اغتمامه وما عنده من الغم والحزن على ما حصل له، فقال له: أتحب أن تكون أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا، قال: أتحب أن تكون أخرس ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا، قال: أتحب أن تكون أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألف درهم ؟ قال: لا، قال: أتحب أن تكون مجنونًا ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا، قال: أما تستحي تشكو مولاك وله عليك عروض – نِعَم – قيمتها تساوي خمسين ألف درهم؟!! فالإنسان عندما يجد أنه حصل له نقص وحصل له شيء بقدر الله وحكمته، الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ابتلاءً وامتحانًا للعباد، ولكن هذا الذي حصل لك من قلة ذات اليد فأنت غني في أمور أخرى، قد يكون هذا الذي عنده هذا الغنى عنده نقص فيما عندك، عنده ثقل في السمع، يعني: لا يسمع إلا بشدة، قد يكون ليس له إلا يدٌ واحدة، قد يكون ليس له إلا رجل واحدة، وأنت عندك هذه النعم العظيمة، فالإنسان يشكر الله عزّ وجلّ على نعمه، وينظر إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، فهذا من أسباب شكر النعم؛ أن الإنسان يتنبه لهذا الأمر العظيم، وهو ما أرشد إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن يلاحظ من هو دونه ولا ينظر إلى من هو فوقه، وبذلك يكون شاكرًا، والله تعالى يجزيه على شكره بأن يزيده من فضله ومن كرمه ونعمه، والله تعالى قد تأذن بالزيادة لمن شكر؛ بقوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.






ويُذكر أن رجلاً جاء إلى هارون الرشيد ووعظه بموعظة، فبكى، فطلب ماءً ليشرب، فأُتي بالقَدَح فيه الماء، فقال له هذا الذي وعظه: لو أنك مُنعتَ هذه الشربة أكنت تدفع ما تملكه في مقابلها؟ قال: نعم، قال: اشرب، فشرب فلما شرب قال: يا أمير المؤمنين! لو أن هذه الشربة التي شربتَها حُبستْ في جوفك فلم تخرج أكنت تدفع ما تملك في إخراجها؟ قال: نعم، قال: فما تصنع في شيء هذه الشربة خيرٌ منه؟! يبين أن عِظَم النعم وأن جزالتها وأن ما أعطاه الله عزّ وجلّ من النعم، هذه الشربة القليلة التي لو لم تحصل له وأشرف على الهلاك فإنه يسعى للحصول عليها بكل ما يملك ولو بقيت وحبست فلم تخرج لسعى بكل ما يستطيع في سبيل إخراجها حتى يسلم من هذا الأذى الذي في جوفه، يسعى في سبيل إخراجها، فهذا يدلنا على أن نعم الله عزّ وجلّ الإنسان يتذكرها دائمًا وأبدًا، ويشكر الله عزّ وجلّ عليها ويثني عليها بها بقلبه ولسانه وجوارحه؛ فيكون ذاكرًا شاكرًا مستقيمًا على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليظفر بسعادة الدنيا والآخرة، وليظفر بجزاء الشاكرين الذي أعده الله سبحانه وتعالى لهم في الآخرة والذي يعجله في الدنيا؛ جزاءً لهم على ما قاموا به من شكر نعم الله عزّ وجلّ في القلب واللسان والجوارح.
وأسأل الله عزّ وجلّ أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه، وأن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين، وأن يوزعنا شكر نعمه وأن يوفقنا لشكره عليها بالقلب واللسان والجوارح، إنه سبحانه تعالى جواد وكريم، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه وأفضل أنبيائه ورسله نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، والحمد لله ربّ العالمين.




شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

:)
:(
hihi
:-)
:D
=D
:-d
;(
;-(
@-)
:P
:o
:>)
(o)
:p
:-?
(p)
:-s
(m)
8-)
:-t
:-b
b-(
:-#
=p~
$-)
(y)
(f)
x-)
(k)
(h)
cheer

Pages