يتعجب الكثيرون من كثرة دعائه لله تبارك وتعالي ومع ذلك لا يستجاب له، ويترك آخرون فريضة الدعاء عمدا لعدم الاستجابة لدعائه، تري ما سبب ذلك ومتي يستجب الله لنا؟ هذا ما نعرفه من المهندس عبدالدائم الكحيل الباحث في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فيقول فضيلته: في هذا سر من أسرار إجابة الدعاء ألا وهو الإخلاص، هكذا كان أنبياء الله عليهم السلام، فهل نكون مثلهم فنقتدي بهم في دعائنا؟! بحثت طويلا في كتاب الله تعالي عن سر استجابة الله لدعاء أنبيائه، وبدأت أتساءل: لماذا ندعو الله تعالي أحيانا ولا يستجاب لنا؟ ولماذا لا نحس بوجود الله عز وجل قريبا منا؟ لماذا نضع ثقتنا بمن حولنا من البشر وننسي خالق البشر جل وعلا؟ لقد بدأت ألاحظ شيئا في القرآن عندما بحثت في «الإخلاص» فقد ارتبط الإخلاص بالعبادة أحيانا وبالدعاء أحيانا أخري. ولكن في كلتا الحالتين كان الإخلاص مرتبطا بالله عز وجل. فهذه آية يحدثنا بها سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «قل إني أمرت أن أعبدالله مخلصا له الدين» (الزمر: 11)، ومعني «مخلصا له الدين» أي مخلصا له العبادة، فكان سجود رسول الله صلي الله عليه وسلم خالصا لله، وركوعه لا يبتغي به إلا وجه الله، وكل كلمة ينطق بها لا يريد من ورائها إلا رضوان الله تعالي، وهذا هو الإخلاص الذي أمره الله به، ولكن أين نحن من هذا الإخلاص؟!
الإخلاص مفتاح الإجابة
ويضيف المهندس عبدالدائم الكحيل أن الإخلاص في العبادة لابد أن يؤدي إلي الإخلاص في الدعاء، وهذا ما أمرنا الله به في قوله: «فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» (غافر: 14). فنحن عندما ندعو الله يجب أن يكون دعاؤنا فقط له هو، وعندما ندعو ملحدا للإيمان يجب أن يكون عملنا ذا هدف واحد ألا وهو رضاء الله تعالي، في هذه الحالة أخي المؤمن أضمن لك الإجابة في الدعاء بإذن الله تعالي، وهذا هو سيدنا يونس عليه السلام عندما ابتلعه الحوت ونزل به في ظلمات البحر: ماذا فعل؟ لقد دعا الله بإخلاص فقال: «وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادي في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» (الأنبياء: 87).
ولكن هل استجاب الله دعاءه أم تخلي عنه في هذا الظرف الصعب؟ لقد استجاب الله له علي الفور فقال: «فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين» (الأنبياء: 88). لقد كانت الاستجابة سريعة، حتي إن الله تعالي استخدم حرف الفاء في كلمة «فاستجبنا» ونحن نعلم من العربية أن هذا الحرف يشير إلي سرعة تعاقب الأحداث بعكس واو العطف التي تحمل شيئا من التباطؤ في توالي الأحداث.
ما سر استجابة الله لأنبيائه؟ ولكن هذه الاستجابة السريعة لسيدنا يونس لها سر! وعندما بحثت عن هذا السر وجدته في الآيات التي تلي هذه الآية في حديث الله عن أنبيائه واستجابته لهم الدعاء، لماذا يارب؟ ماذا كانوا يفعلون حتي نجيتهم وهم في أصعب مراحل حياتهم؟
والجواب: «إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين» (الأنبياء: 90). إذن السر يكمن في المسارعة في الخيرات، والدعاء رغبة بما عند الله من نعيم وجنات، ورهبة من عذابه وعقابه، والخشوع لله وحده.
إعجاز نفسي
ويشير المهندس عبدالدائم الكحيل إلي أن الذي لفت انتباهي أثناء البحث آية تتحدث عن أناس يدعون الله بإخلاص، وتصف لنا هذه الآية المشاعر الدقيقة التي يمر بها هؤلاء في أصعب ظروف حياتهم وهم في وسط البحر بين الأمواج العاتية، يقول تعالي: «وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلي البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور» (لقمان: 32). في هذا الموقف والسفينة تشرف علي الغرق يكون الإنسان في حالة من الإخلاص التام لله عز وجل، هذا ما تصفه لنا الآية، فماذا يقول العلم في ذلك؟ لقد غرق العديد من السفن علي مر الزمن، وربما يكون آخرها عبارة غرقت في البحر الأحمر وتوفي أكثر من ألف إنسان، ونجا أقل من نصف هذا العدد. لقد قام بعض العلماء بدراسة للمشاعر التي مر بها هؤلاء الناجون من الموت المحتم.
لقد أكد الجميع وبلا أي استثناء أن اللحظة التي أشرفوا فيها علي الغرق كانت أهم لحظة في حياتهم، وكان التوجه فيها إلي الله تعالي في قمة الإخلاص، حتي إنهم يؤكدون أنهم رأوا عشرات الغرقي قد ماتوا أمامهم وكانت آخر كلمة نطقوا بها هي «يارب»! إذن الشيء الثابت علميا.