كما لا يمكن قبول منطق أن العالم فقط هو من يقبل بالتراث رغم الاعتراف بأن بعضه يشوبه التشويه، وأن الجاهل فقط هو من لا يقبله، لأن التجارب وما يشهده العالم من عنف اليوم أثبت أن التنظيمات المتطرفة تستند فى تطرفها إلى الجانب المشوه من التراث، وأن أغلب من يمارسون التطرف والعنف جهلاء حتى لو أتموا نوعا من التعليم، فللأسف نظام التعليم لدينا نتيجته «لم يتعلم أحد».
لا يمكن إنكار أن المجتمع يعانى بلبلة وانشقاقًا بسبب بعض الدعوات التى لم نكن فى حاجة إليها فى هذه المرحلة، سببها رؤى البعض حسنى النية الراغبين فى تجديد الدين بما يواكب متطلبات العصر والتغيير وتصحيح المشوه فى تراثه، ولكن للأسف تم طرح تلك الرؤى بالكثير من الغباء، مما يخدم مخططات الأعداء.ولكن الذى يخدم تلك المخططات أكثر هو مقابلة تلك الرؤى بالترهيب والأساليب البوليسية والقمعية والتهديد الصريح والمبطن بإهدار الدم.
ألم يقل الله تعالى فى كتابه الكريم :وجادلهم بالتى هى أحسن ؟(سورة النحل) التى أمر فيها الله نبيه محمد «ص» فى الآية الكريمة أن يجادل خصومه بأحسن طرق المجادلة من ايضاح الحق بالرفق واللين، وقال :«ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن الا الذين ظلموا منهم ».
وحتى موسى وهارون دعاهم الله فى آياته فى شأن فرعون أن «يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (طه).
ويقول فى آياته «إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» القلم آية 7.«إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين» (القصص) آية 56.«ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء» (البقرة) آية 272.
إن تجديد الخطاب الدينى الذى ننشده جميعا لن يحدث إن لم نستمع إلى كل الرؤى بهدوء وعقلانية دون قمع وتنكيل ببعضنا البعض وهدر الدماء.
لابد أن يفهم علماؤنا الأجلاء أن ما كان يصلح من أربعة عشر قرنا لابد أن يتواكب مع متغيرات العصر ومتطلباته دون المساس بثوابت الدين، بل عليهم المبادرة بتنقية تراثنا الدينى من كل ما يحض على العنف والكره وسفك الدماء الذى لا تعرف التنظيمات المتطرفة من الدين غيره، مغمضين أعينهم عن الكتاب الوحيد المقدس وهو القرآن الكريم.إن تجديد تفسير ما أتى به هذا الكتاب هو أملنا الوحيد وملاذنا لدرء الأخطار التى تحيق بنا.
إن التمسك بتراث جزء منه مشوه يؤكد نظرة العالم المتقدم لنا والتى ترى فى الدين «أفيونة» يسيطر على الشعوب الإسلامية.
إن الجميع متفق على ضرورة وحتمية تجديد الخطاب الدينى ولكن للأسف البعض موافقته ظاهرية أو نظرية، والبعض الآخر يعترض على محاولات التجديد مهاجما الشكل والأسلوب والأداء دون مناقشة مضمون هذه المحاولات.
مع الاعتراف بأهمية الأزهر فى عالمنا الإسلامى- دون تقديس- إلا أن الجمود يسيطر على فكر الكثير من علمائه ومخاطبة الناس تحتاج لمن هم أكثر قبولا وأقرب لهم عمرا وفكرا وأبسط فى طرح الأفكار دون شطط، والمحافظين على ثوابت الدين.