إنه أمل وشعور ينبع من يقين صادق وثقة كبيرة بالله تبارك وتعالى، أن الله ناصر دينه ودعوته، ومؤيد عباده وأولياءه، ولكنها فقط طبيعة الطريق، وحقيقة الصراع بين الحق والباطل، وما هي إلا جولات وصولات، لكن الغلبة والنصر للحق وأهله، والخزي والخذلان للباطل وحزبه.. }وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً{ (الإسراء 81)، }بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ{ (الأنبياء 18).
والواثق من وعد الله الحق، والمدرك لطبيعة الطريق وحقيقة الصراع، لا يتطرق اليأس والقنوط إلى قلبه ونفسه، بل يكون دائما في أمل وبشر مع العمل والجهد.
وقد كتب الإمام حسن البنا في رسالة (دعوتنا)، تحت عنوان: (أمل وشعور)، بعد أن شخص الداء العضال الذي جثم على صدر الأمة الإسلامية قرونا عدة، فقال ما يلي:
"وأحب أن تعلم يا أخي.. ياختي.. أننا لسنا يائسين من أنفسنا، وأنا نؤمل خيراً كثيراً، ونعتقد أنه لا يحول بيننا وبين النجاح إلا هذا اليأس، فإذا قوي الأمل في نفوسنا فسنصل إلى خير كثير - إن شاء الله -، لهذا نحن لسنا يائسين، ولا يتطرق اليأس إلى قلوبنا والحمد لله. وكل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين".
نعم، إنه اليقين في موعود الله، وقدرة الله ومشيئته سبحانه في تربية الأمم وإنهاض الشعوب، وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
والمتأمل في آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه ويسلم، وما قص علينا القرآن من قصص السابقين، يجد ما يبشره ويسره في هذا الباب، حيث ينادينا بالأمل الواسع في النصر والتمكين للحق وأهله، ويرشدنا إلى طريق النهوض الصحيح.
ومما يذكره الإمام البنا في هذا السياق أيضاً:
"وإنك لتقرأ الآية الكريمة في أول سورة القصص: }طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ{ (القصص: 1 - 6).
تقرأ هذه الآية الكريمة فترى كيف يطغى الباطل في صولته و يعتز بقوته، ويطمئن إلى جبروته ويغفل عن عين الحق التي ترقبه، حتى إذا فرح بما أوتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين وتأخذ بناصر المهضومين المستضعفين فإذا الباطل منهار من أساسه وإذا الحق قائم البنيان متين الأركان وإذا أهله هم الغالبون.
وليس بعد هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات كتاب الله عذر في اليأس والقنوط لأمة من أمم الإسلام تؤمن بالله ورسوله وكتابه. فمتى يتفقه المسلمون في كتاب الله؟
لمثل هذا يا أخي .. يااختي وهو كثير في دين الله، لم ييأس الإخوان المسلمون من أن ينزل نصر الله على هذه الأمم، رغم ما يبدو أمامها من عقبات، وعلى ضوء هذا الأمل يعملون عمل الآمل المجد، والله المستعان".

بين الإيمان والأمل
والأمل في روح الله، واليقين في وعده الصادق من مقتضيات الإيمان، }وَلا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ الله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87).
وفى هذا الباب يقول الإمام الشهيد، في رسالته إلى الشباب: "لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد ولازال في الوقت متسع ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته، }وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{ (القصص: 5)".
الأمل ضرورة للأمم الناهضة
الأمل وعدم اليأس ضرورة من ضرورات الإصلاح والنهوض، وأحد الصفات اللازمة للمصلحين أمام المحن والعقبات، خاصة وإذا كان الأمل فيما عند الله من وعد حق. ويقول الإمام حسن البنا في(رسالة نحون النور) حول هذا المعنى ما يلي:
"تحتاج الأمة الناهضة إلى الأمل الواسع الفسيح، وقد أمد القرآن أممه بهذا الشعور بأسلوب يخرج من الأمة الميتة أمة كلها حياة وهمة وأمل وعزم، وحسبك أنه يجعل اليأس سبيلا إلى الكفر والقنوط من مظاهر الضلال، وإن أضعف الأمم إذا سمعت قوله تعالى: }وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ{ (القصص: 5 - 6).
وقوله تعالى: }وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ{ (آل عمران: 139 - 140).
وقوله تعالى: }هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ{ (الحشر: 2).
وقوله تعالى: }أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ{ (البقرة: 214).
إن أضعف الأمم إذا سمعت هذا التبشير كله، وقرأت ما إليه من قصص تطبيقية واقعية، لا بد أن تخرج بعد ذلك أقوى الأمم إيمانا وأرواحا، ولابد أن ترى في هذا الأمل ما يدفعها إلى اقتحام المصاعب مهما اشتدت، ومقارعة الحوادث مهما عظمت، حتى تظفر بما تصبو إليه من كمال)".
أيها الأحبة..
في الوقت الذي تتعرض فيها الدعوة لأشد محنة في تاريخها، ويتكالب الخصوم والأعداء عليها، ينالون من قادتها، ويقتلون خيرة شبابها، ويعتقلون نساءها، ويغلقون مقراتها ومراكزها، ويتحفظون على مؤسساتها، ويصادرون أموالها وأموال الشرفاء من أبنائها، ويلصقون التهم الكاذبة والشبهات المضللة بتاريخها ومنهجها، وجب علينا أن نثبت على طريقنا، ونوقن بنصر الله لنا، ولا يتطرق اليأس لقلوبنا، ما دمنا مخلصين لله، نبتغي وجهه ولا نرجو سواه، معتصمين بحبله، ثابتين على منهج نبيه.
ولنعلم أن ذلك لن ينال منا ولا من دعوتنا ما دمنا معتصمين بحبل ربنا، وأن الله سبحانه عليم بما يفعلون، ولكنها سنة الله في الدعوات، أن يتربى أهل التمكين، وتمحص الصفوف، ويتخذ الله منهم شهداء، فتكون دماؤهم الذكية وأرواحهم الطاهرة ضريبة للنصر والتمكين. فلا تيأسوا، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا.. }وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{ (الحج: 40)، }وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ{ (يوسف: 21).