بسم الله الرحمن الرحيم
فقد اعترفت جميع الأرواح بربوبية الله تعالى قبل اقترانها بالأجسام.
ولكنها بعد أن اقترنت بالجسم الظلماني أصبحت لا تدرك ذلك إلا بواستطه وبواسطة النظر والتعليم والاعتبار.
وإذا انفصلت عنه عادت إلى وضعها السابق تدرك دون حواس وتعمل دون جوارح، لذلك يرى النائم في الرؤيا بدون عين ويسمع بدون إذن ويتكلم بدون لسان ويبطش بدون يد ويمشي بدون رجل.
ومن هنا يتبين أن للإنسان روحين: روح الحياة، وروح الإدراك.
1. روح الحياة: هي أثر جريان الدم في أوردته وشرايينه نتيجة ضخ القلب له، وهي التي يتحدث عنها الطب، وتبقى مع النائم والمجنون، وهي الأساس في حياة الجسم، وهي ليست خاصة بالإنسان بل يشاركه فيها بقية الحيوانات.
2. روح الإدراك: وهي العاقلة والمفكرة تقترن بالإنسان وتفارقه عند النوم لذلك تستقل بمعرفة الأشياء عن طريق الرؤيا.
وإذا مات الإنسان انفصلت عنه وأخذت تدرك بنفسها وتنعم وتعذب في عالم البرزخ –وهو عالم القبور- ولها اشعاعات على الجسم الميت دون اقتران.
وروح الحياة تذهب من الميت، فالموت هو عكس النوم، فالنائم تبقى معه روح الحياة وتنفصل عنه روح الإدراك، والميت تنفصل عنه روح الحياة وتبقى معه روح الإدراك مشعة عليه غير مقترنة به؛ لذلك لا يحتاج النائم في كشف المعلومات والعذاب والنعيم إلى الحواس والجوارح، والدليل على ذلك قوله تعالى: (الله يتوفى الانفس حين موتها) أي روح الحياة (5) (والتي لم تمت) -وهي روح الإدراك فإنها لا تموت أبداً- (في منامها) أي يتوفاها في منامها فقط (والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (6).
صورة ذلك: اثنان في غرفة واحدة ناما بعد منتصف الليل، تبقى معهما روح الحياة وتتوفى منهما روح الإدراك التي لم تمت بل يتوفاها في منامها.
ثم إنَّ أحد الشخصين انتهى أجله الساعة الرابعة بعد منتصف الليل والآخر أجله ينتهي بعد مدة أخرى، فالله تعالى يمسك لديه التي قضى عليها الموت لا يرسلها لصاحبها ويرسل التي لم يقض عليها الموت إلى صاحبها إلى أجل آخر مسمى عنده.
هل عذاب القبر على الجسم والروح؟
العذاب كما ذكرناه تشعر به الروح -كما يشعر به النائم- ولكن لا مانع من أن يجعل الله في رفاة الميت نوع إحساس بما يجري على الروح من تعذيب، وذلك لأن الروح بعد اقترانها بالجسم يصبح لهما نوع تعاشق وترابط، فيتألم أحدهما بما يجري على الآخر حتى في الحياة الدنيا.
بدليل أنك إذا تَكَلَّمَ عليك شخص بكلمات نابية تَغَيَّر وجهُك، فتغيره لأجل غضب الروح، وإلاَّ فالوجه لم يمس بصفعة أو ضربة.
وإذا حصل أي ضرر في الجسم تألمت الروح، لذلك يرى النائم ما يحزن ويُخَوِّف وما يفرح، وحينما ننظر إليه لا ترى لذلك أثراً على جسمه؛ لأن الروح لا تزال منفصلة عنه.