بسم الله الرحمن الرحيم
وكان هؤلاء المجرمون الذين قال رب العباد سبحانه وتعالى عنهم: (وَإِذَا
لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
(البقرة:14-15). حتى إن بعض المنافقين وبعض البعيدين عن رحمة الله،
والعياذ بالله رب العالمين، وصفهم الله عز وجل وقال: ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ
إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(المائدة:58).
وكان رب العباد سبحانه وتعالى يطيب قلب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم،
فيقول سبحانه وتعالى: ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ
فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِئُونَ)
(الأنعام:10). وقال له: ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ)
(الحجر:95)، وقال عز وجل في سورة الأحقاف: (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الأحقاف: من الآية 26).
قضية الاستهزاء موجودة على مر الزمن، فقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ
أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا
بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا
فَكِهِينَ)(المطففين:29-31)، هؤلاء الناس الذين يستهزئ الواحد منهم أو
الجماعة منهم بمؤمن أو مؤمنة؛ فحسابهم عند الله عسير، نسأل الله سبحانه
وتعالى أن يتوب على المبتلى بهذه الآفة الخطيرة. ولذلك ورد عن الحسن
البصري، رحمه الله، أنه قال: "إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من
الجنة، فيقال: هلمّ هلمّ، (أي: تعال تعال) فيجيء بكربه وغمه ( لأنه في جهنم
والعياذ بالله)، فإذا أتاه أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر فيقال: هلمّ
هلمّ فيجيء بكربه وغمه، فإذا أتاه أغلق دونه فما يزال كذلك حتى أن الرجل
ليفتح له الباب فيقال له: هلمّ هلمّ، فلا يأتيه" (2).
لذلك روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من عيّر أخاه بذنب قد تاب منه؛ لم يمت حتى يعمله" (3) لأن الله سبحانه
وتعالى ينبهنا إلى ذلك بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا
نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا
تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11) يعني لا أسخر من أي إنسان، من يدري؟!!من
الواجب على كل مسلم أن يقول عند التعامل مع أي إنسان، أنا أتعامل مع أصناف
ثلاثة:
1. من يكبرني سناً
2. ومن يساويني سناً
3. ومن هو أقل من سني وعمري
فالإنسان الذي يكبرني سناً؛ بمجرد أن أبدأ في التعامل معه، يجب أن يخطر
ببالي ويقر في خلدي، أن هذا الإنسان الذي يكبرني سنا أفضل مني عند الله عز
وجل، لأنه سبقني إلى الطاعات وسبقني إلى الإسلام.والذي يصغرني سناً أقول هو
أفضل مني عند الله عز وجل؛ لأنني سبقته بالذنوب.والذي يساويني سناً أقول
في نفسي لابد أنه أفضل مني لأنني أعرف من ذنوبي مالا يعرفه غيري.
إذاً الإنسان الذي يستسهل أو يتساهل في مسألة الاستهزاء بالناس يرتكب شيئاً
حرمه رب العباد سبحانه وتعالى والإنسان يجب أن يحترم وأن يجلّ الناس، وأن
ينزلهم منازلهم، وألا يستصغر بإنسان