هنالك حقوق كثيرة أمر الشارع بأدائها، من ذلك عشرة حقوق ذكرها الله عز وجل في كتابه قائلاً: "وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا" [سورة النساء: 36].
هذه الحقوق سوى حق الرب سبحانه وتعالى تختلف كماً وكيفاً بحسب قرب هؤلاء وبعدهم عن الإسلام، لأنها في حقيقة الأمر هي نوع من الموالاة ومن التعاون على البر والتقوى، ومعلوم أن الموالاة درجات.
فمثلاً الجار، فهناك الجار المسلم القريب، وهنالك الجار المسلم الغريب، والجار الكافر الذمي فهل يستوون؟ الكل له حق الجوار لكن الجار المسلم حقه يزيد على الجار الكافر لأن له حقان؛ حق الجوار وحق الإسلام، والجار القريب يزيد على مثيليه المسلم والكافر الذمي بحق القرابة فهو له ثلاثة حقوق:
1. حق الجوار.
2. حق الإسلام.
3. وحق القرابة.
قال القرطبي رحمه الله في تأويلها: (أجمع العلماء على أن هذه الآية من المُحْكَم المتفق عليه، ليس منها شيء منسوخ. ولذلك هي في جميع الكتب.
وقال عن حق الجار: أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه، ألا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين: "والجار ذي القربى" أي القريب، "والجار الجنب" أي الغريب. قال ابن عباس: وكذلك هو في اللغة.
إلى أن قال: وعلى هذا فالوصاة بالجار مندوب إليها مسلماً كان أوكافراً، وهو الصحيح، والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه) [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5/180، 183 ـ 184].
فإن الناس عموماً في حقوق الجار الكافر الذمي، والمبتدع، والفاسق المجاهران بين مُفـْرِط ومفرِّط، فمنهم من لا يميز في المعاملة والمداخلة والانبساط بين الجار الصالح والطالح، ولا المسلم والكافر، بله منهم من يكون حظ الجار الكافر والمبتدع والفاسق المجاهرين الداعين، أكثر من حظ المسلم الصالح والمستور الحال.
وسبب ذلك كله الجهل بالشرع وتقليد الآباء والأجداد في ذلك.
فما مكانة حق الجوار في الإسلام؟ وما حد التعامل مع الجار كافراً ذمياً، أو مبتدعاً مجاهراً؟ أو فاسقاً معلناً لفسقه؟
هذا ما نريد بيانه في هذه العجالة وذلك لكثرة السؤال عن ذلك، وتنبيهاً للعَالِم بهذه الحقوق وتعليماً للجاهل، والله أسأل أن يوفقنا جميعاً لأداء هذه الحقوق والقيام بها فهو نعم المولى ونعم النصير.
تعريف الجار: الجار قد يكون في المسكن، وقد يكون في العمل؛ في السوق في الزراعة، وقد يكون في الدراسة ونحو ذلك.
فما حد الجار؟
قال القرطبي: (اختلف الناس في الجيرة، فكان الأوزاعي يقول: أربعون داراً من كل ناحية، وقاله ابن شهاب.
وروي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نزلت محلة قوم، وإن أقربهم إليَّ جواراً أشدهم أذى، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً يصيحون على أبواب المساجد: ألا إن كل أربعين داراً جار ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه [بوائقه: غوائله وشروره، وأحدها: بائقة، وهي الداهية ـ هامش الجامع رقم (1) ص185/جـ5].
وقال علي: من سمع النداء فهو جار. وقالت فرقة: من سمع إقامة الصلاة فهو جار ذلك المسجد. وقالت فرقة: من ساكن رجلاً في محلة، أو مدينة فهو جار، قال تعالى: "لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا" [سورة الأحزاب: 60]. فجعل اجتماعهم في المدينة جواراً، والجيرة مراتب بعضها ألصق من بعض، أدناها الزوجة) [المصدر السابق].
ملخص هذه الأقوال بالنسبة للجار
1. الجار الذي تسمع صوته [من غير مكبر صوت] إذا تكلم ورفعه ـ كسماع الإقامة لجار المسجد.
2. الذي يسمع صوته الجهوري ـ نحو سماع جيران المسجد للأذان.
3. سبع جيران من كل جهة.
4. أربعون جاراً من كل جهة.
5. كل أهل الحي ـ المحلة ـ جيران.
6. كل أهل المدينة جيران.
الذي يترجح لدي أن هذا الحد يحده العرف، فمن تعارف عليه الناس أنه جار فهو جار، مع مراعاة أن الدور في الماضي وإلى عهد قريب لم تكن بهذه السعة ولا بهذه الفواصل قالسبعة منازل في الماضي قد لا تزيد مساحتها عن منزل واحد أو منزلين اليوم، وكذلك الأربعون منزلاً في الماضي قد لا تتعدى مساحتها وبعدها بضع منازل الآن وهكذا.
ولا شك أن حقوق الجار تتفاوت كذلك قرباً وبعداً، فالأقرب أَولى بهذه الحقوق من الأبعد وهكذا.
ما ورد في الوصاة بالجار والتحذير من أذاه
1. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" [البخاري].
2. وعن أبي شُرَيْح رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل: يا رسول الله من؟ قال: "الذي لا يؤمن جاره بوائقه" [متفق عليه، البخاري رقم: [6016]].
3. وعن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال: "إلى أقربهما منك بابًا" [البخاري في الأدب رقم: [6020]].
4. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر مائها وتعاهد جيرانك"
5. وقال صلى الله عليه وسلم: "يا نساء المؤمنات، لا تحتقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرقاً" [البخاري في الأدب رقم: [6017]].
6. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاَرهُ أن يغرز خشبة في جداره" [متفق عليه، مسلم رقم: [1609]] ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم.
حقا الجار
للجار على جاره حقان، إن كان مسلماً أو كافراً، صالحاً أو طالحاً:
1. الإحسان إليه قدر الطاقة وحسب قربه وموقفه من الإسلام.
2. كف الأذى والشرور عنه.
حد التعامل مع الجار إن كان فاسقاً مجاهراً، أو مبتدعاً معلناً، أو كافراً ذمياً
أولاً: الفاسق المجاهر..
الفاسق هو المرتكب لكبيرة من الكبائر، كالزنا وشرب الخمر والتعامل بالربا والاشتغال بالملاهي والمعازف ونحو ذلك.
والفساق الفجار ليسوا سواء، فمنهم المستتر المخفي لفسقه، وهذا يعامل معاملة المسلم المستور الحال فله من الحقوق الكفائية ما لغيره من صالحي هذه الأمة. وهذا يستر عليه وينصح سراً مراراً وتكراراً.
أما الفاسق المجاهر بفسقه المعلن له، الذي يمارس ويقترف هذه الكبائر علناً، ويدعو ويُسَوِّق لها فهذا الذي ينبغي أن ينصح له كذلك، ويبين له حكم هذه المخالفات، ويطلب منه الإقلاع والتوبة عنها، فإن استجاب فبها ونعمت، وإلا يهجر ولا كرامة ويحرم من الحقوق الكفائية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه" [متفق عليه، مسلم رقم: [2990]].
وهجر أمثال هؤلاء هجر تأديب وزجر له ولأمثاله كما هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كعب بن مالك وصاحبيه، وكهجره صلى الله عليه وسلم لزوجه زينب بنت جحش، وكهجران ابن عمر لابنه بلال، وعبدالله بن مفقل لقريبه حينما نهاه عن الخزف لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينته، وكهجر ابن مسعود لمن رآه يضحك وهو مشيع لجنازة.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله في شرحه لحديث: "ما زال جبريل يوصيني بالجار...": (واسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والصَّدِيق والعدو، والغريب والبلدي، والنافع والضار، والقريب والأجنبي والأقرب داراً والأبعد. وله مراتب بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جراً. إلى الواحد وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك فيعطى كل حقه بحسب حاله وقد تترجح صفتان فأكثر فيرجح أو يساوي.
قال الشيخ محمد بن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية، والسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك. وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية. وقد نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه، كما في الحديث الذي يليه، وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار، وأن إضراره من الكبائر، قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح، والذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضاً، ويستر عليه زللـه عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلا فيهجره قاصداً تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب ليكف) [الفتح جـ10/442].
يهجر الفاسق المجاهر بالآتي:
1. يترك السلام عليه والرد.
2. عدم زيارته.
3. عدم عيادته إذا مرض.
4. لا يقابل ببشاشة وطلاقة وجه.
5. لا تجاب دعوته.
6. لا يهاديه ولا يقبل هديته.
7. لا يشيعه إذا مات ولا يصلي عليه.
8. لا يواسيه في الأفراح والأتراح.
وفي الجملة يحرم من الحقوق الكفائية التي كفلها الشراع للمسلم على المسلم، سيما إذا خشي أذاه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. فإذا ارتدع ورجع عاد إلى معاملته بالحسنى وحمد الله على ذلك.
وهجر التأديب لا يحد بحد سواء كان للقريب أو البعيد أو الجار وغيره.
فالهجر درجات ويتفاوت بحسب عظم الفسق والفجور، فإن كان فسقه يسير حرم من السلام، والكلام. وإن كان فسقه فاحشاً حرم من بقية الحقوق الأخرى.
قال ابن حجر: قال الخطابي رحمه الله: (هجر الوالد ولده، والزوج زوجته ونحو ذلك، لا يتضيق بالثلاث [ليال]، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهراً، وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضا مع علمهم بالنهي عن الهجرة.
ولا يخفى أن هنا مقامين [للهجر] أعلى وأدنى؛ فالأعلى اجتناب الإعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق، والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره.
إلى أن قال: قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي، وقد استشكل كون هجران الفاسق أو المبتدع مشروعاً، ولا يشرع هجران الكافر وهو أشد جرماً منهما، لكونهما من أهل التوحيد في الجملة. وأجاب ابن بطال [محمد بن الحسن بن بطال المالكي له شرح قيم على صحيح البخاري ضائع]: بأن لله أحكاما فيها مصالح للعباد وهو أعلم بشأنها وعليهم التسليم لأمره فيها، فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه. وأجاب غيره بأن الهجران على مرتبتين: الهجران بالقلب، والهجران باللسان. فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتعاون والتناصر، لا سيما إذا كان حربيا وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالبا، ويشترك كل من الكافر والعاصي في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة، والأمر المعروف والنهي عن المنكر، وإنما المشروع ترك المكالمة بالموادة ونحوها)
وقال الإمام الذهبي رحمه الله: (فإذا كان الجار صاحب كبيرة، فلا يخلو إما إن يكون متستراً بها ويغلق بابه عليه فليعرض عنه ويتغافل عنه، وإن أمكن أن ينصحه في السر ويعظه فحسن وإن كان متظاهراً بفسقه مثل مكاس [الذين يعملون في جباية الرسوم] أو مرابي فتهجره هجراً جميلاً، وكذا إن كان تاركاً للصلاة في كثير من الأوقات [أما التارك لها بالكلية كسلاً فهو كافر في الأرجح] ، فمره بالمعروف وانهه عن المنكر، مرة بعد أخرى، وإلا فاهجره في الله لعله أن يرعوي ويحصل له انتفاع بالهجرة، من غير أن تقطع عنه كلامك وسلامك وهديتك. فإن رأيته متمرداً عاتياً بعيداً من الخير فأعرض عنه واجهد أن تتحول من جواره. فقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم تعوذ من جار السوء في دار الإقامة. فإن كان الجار ديوثاً [الديوث: هو الذي يقر الفاحشة على أهله وحريمه، فلا يمانع في خروجهن سافرات، كاسيات عاريات، ولا في مخالطتهن بالرجال الأجانب]، أو قليل الغيرة، أو حريمه على غير الطريق المستقيم، فتحول عنه، أو فاجهد أن لا يؤذون زوجتك، فإن في ذلك فساداً كثيراً، وخف على نفسك المسكينة ولا تدخل منزله واقطع الود بكل ممكن وإن لم تقبل مني ربما حصل لك هوى وطمع وغُلِـبت عن نفسك أو أمك، أو خادمتك، أو أختك، وإن ألزمتهم بالتحول من جوارك فافعل بلطف وبرغبة وبرهبة) [حق الجار للذهبي ص 46ـ 47].
ثانياً: إن كان جارك مبتدعاً داعياً لبدعته معلناً لها..
البدع دركات بعضها أخس من بعض فمنها:
1. بدع كفرية.
2. وبدع كبرى.
3. وبدع صغرى.
وكلها ضلال بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة.." الحديث.
معاملة المبتدع بدعة كفرية أو كبرى كذلك، تختلف باخفائه وستره لبدعته وبإعلانه ودعوته إليها، فالداعي لبدعته المجاهر بها يهجر ولا كرامة.
أصحاب البدع الكبرى الذين ينبغي أن يهجروا نحو:
1. الشيعة الإمامية، الإثني عشرية، الجعفرية.
2. المرجئة ومن يعتقد عقائدهم من غير انتساب إليهم.
3. الذين ينكرون ما هو معلوم من الدين ضرورة.
4. العلمانيون المتزيون بالإسلام.
5. الخوارج.
فمن ابتلي بجار من هؤلاء أو أشباههم، فعليه هجرهم والتبرؤ منهم، مع تجنب أذاهم والإضرار بهم.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: (فإن كان جارك رافضياً، أو صاحب بدعة كبيرة فإن قدرت على تعليمه وهدايته فاجهد، وإن عجزت فانجع عنه ولا تواده وتصافيه، ولا تكن له مصادقاً ولا معاشراً والتحول أولى بك) [حق الجار للذهبي ص47 نقلاً عن كتيب كلمات في العلم والأدب والطلب والاتباع وذم الابتداع للدكتور جمال عَزُّون ص 105].
إذا أردت أن تعرف مكانة الإسلام من أهل الزمان فانظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة
لله در العلامة ابن عقيل الحنبلي القائل: (إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري عليهما لعائن الله ينظمون وينثرون، هذا يقول: حديث خرافة، والمعري يقول:
تلوا باطلاً وجلوا صارماً وقالوا: صدقنا، فقلنا: نعم
يعني بالباطل كتاب الله عز وجل. وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب. وهذا المعنى قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله) [الآداب الشرعية لابن مفلح المتوفى 763 هـ تحقيق شعيب الأرناؤوط وعمر القيام جـ1/255].
نقل ابن مفلح عدداً من الآثار في هجر الكافر، والفاسق، والمبتدع والداعي إلى بدعة مضلة إليك طرفاً منها[انظر المصدر السابق ص255 واتي تليها]:
قال أحمد: (ويجب هجر من كفر، أو فسق ببدعة، أو دعا إلى بدعة مضلة، أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه، أو خاف الاغترار به، والتأذي دون غيره).
وقال الخلال: (حدثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي: أن أبا عبد الله سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه قال: لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه).
وقال ابن تميم: (وهجران أهل البدع ـ كافرهم وفاسقهم ـ المتظاهرين بالمعاصي، وترك السلام عليهم فرض كفاية، ومكروه لسائر الناس، وقيل: لا يسلم أحد على فاسق معلن ولا مبتدع معلن داعية، ولا يهجر مسلما مستورا غيرهما من السلام فوق ثلاثة أيام).
وقال القاضي أبو الحسين: (لا تختلف [عن أحمد] الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة... وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر، وغيره في المبتدع والفاسق قال: ولا فرق في ذلك بين ذي الرحم، والأجنبي إذا كان الحق لله تعالى).
وهجر المبتدع المعلن والداعي لبدعته يكون بالآتي:
1. عدم السلام عليه ورده.
2. عدم زيارته.
3. عدم عيادته.
4. عدم إجابة دعوته.
5. عدم قبول هديته.
6. لا يشيع ولا يصلى عليه.
قال النووي رحمه الله: (وأماالمبتدع ومن اقترف ذنباً عظيماً ولم يتب منه، فينبغي ألا يسلم عليهم، ولا يرد عليهم، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء) [الأذكار للنووي ص228].
الدليل على عدم السلام والكلام مع المبتدعة الداعين والمجاهرين
1. ما خرجه البخاري في صحيحه عن كعب بن مالك: (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامنا) [صحيح البخاري كتاب الأدب باب ما يجوز من الهجران لمن عصى رقم: [6078]] قال: (وكنت آتي الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، فأقول: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟).
2. وقال البخاري: (وقال عبدالله بن عمرو: لا تسلموا على شربة الخمر).
ثالثاً: الكافر الذمي[الكافر الذمي: هو الذي يعيش بين ظهراني المسلمين، أما أن يهاجر المسلم لديار الكفار ويعيش بين ظهرانيهم فهذا لم يحدث إلا في هذا العصر]..
من ابتلي بمجاورة كافر ذمي غير محارب للإسلام، في السكن، أو في السوق، أو في الزراعة، أو في دراسة ونحو ذلك. فالمطلوب منه مجاورته بالمعروف وعدم إيذائه.
لكن لا يحل له أن ينبسط معه ويداخله ويصافيه ويخاللـه، دليل ذلك قوله تعالى: "لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ" [سورة المجادلة: 22].
وليحرص على هدايته ودعوته إلى الإسلام.
ويمكن تلخيص معاملة الجار الذمي في الآتي:
1. لا يبدأه بالسلام ولا يحييه بتحية الإسلام، ويرد عليه إذا حياه بـ: وعليكم، أو: كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟
2. لا يهنيه بأعيادهم ولا يقبل منه هدية ولا يقدم له هدية فيها.
3. يعوده إذا مرض ليدعوه إلى الإسلام.
4. يعزيه في ميته إن كان كافراً بقوله: أخلف الله عليك.
5. لا يشيع جنازته.
6. يحسن إليه إن كان فقيراً.
7. لا يمكنه من فعل ترانيمهم بصوت عال.
8. فإن كان بينك وبينه قرابة فزد في بره والإحسان إليه.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: (فإن كان جارك يهودياً أو نصرانياً، في الدار أو في السوق أو في البستان، فجاوره بالمعروف ولا تؤذه.
فأما من جعل إجابة دعوتهم ديدنه، وعاشرهم وباسطهم، فإن إيمانه يرق وقد قال الله تعالى: "لا تَجِد قَوماً يُؤمِنونَ بِاللَهِ وَاليَومِ الآخِرِ يوادُّونَ مِن حادَ اللَهَ وَرسولَهُ وَلَو كانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أو إِخوانَهُم أو عَشيرَتَهُم أُولَئِكَ كُتِبَ في قُلوبُهم الإيمانَ وَأَيدهم بِروحٍ مِنهُ" [سورة المجادلة: 22]. فإن انضاف إلى جواره كونه من قرابتك وذوي رحمك فهذا حقه آكد، وكذا إن كان أحد أبويك ذمياً فإن للأبوين وللرحم حقاً فوق حقوق الجوار، فأعط كل ذي حق حقه.
وكذا رد السلام فلا تبدأ أحداً من هؤلاء بسلام أصلاً، وإذا سلم أحد منهم عليك فقل: وعليكم، أما كيف أصبحت كيف أمسيت فهذا لا بأس به، وأن يقول منه غير إسراف ولا مبالغة في الرد، قال الله تعالى: "فَسَوفَ يَأتي اللَهُ بِقَومٍ يُحِبُهم وَيُحِبونَهُ أَذِلَةً عَلى المُؤمِنينَ أَعِزَةً عَلى الكافِرينَ" [سورة المائدة: 54].
فالمؤمن يتواضع للمؤمنين ويتذلل لهم ويتعزز على الكافرين ولا يتضاءل لهم تعظيماً لحرمة الإسلام وإعزازاً للدين من غير أن تؤذيهم ولا تودهم كما تود المسلم) [حق الجار للذهبي ص48 ـ 49].
الدليل على النهي عن بدء أهل الكتاب بالسلام وكيفية الرد عليهم
1. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه" [صحيح مسلم].
2. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا: وعليكم" [متفق عليه].
3. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السَّام [السام هو الموت] عليك، فقل: وعليك" [متفق عليه].
من سلم على من ظن أنه مسلم فتبين أنه كافر طلب منه رد سلامه
التزاماً بهذا النهي كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على رجل ظن أنه مسلم، فتبين أنه كافر طلب منه أن يرد عليه سلامه. فقد روي أنه سلم على رجل، فقيل: إنه يهودي. فتبعه وقال: رد عليَّ سلامي [الأذكار للنووي ص227]. وبهذا قال أحمد ولم يقل به مالك.
الدليل على جواز زيارة الجار الذمي بغرض الهداية
1. روى الشيخان عن المسيب بن حزْن [والد سعيد بن المسيب] رضي الله عنه انه قال: حضرت أبا طالب الوفاة، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا عم: قل لا إله إلا الله" الحديث.
2. وكذلك عندما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي الذي كان يخدمه، قال له: "قل لا إله إلا الله" فقال له أبوه: أطع أبا القاسم. فقالها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي نجاه من النار" أو كما قال.
قال الإمام النووي رحمه الله: (ينبغي لعائد الذمي، أن يرغبه في الإسلام، ويبين له محاسنه، ويحثه عليه، ويحرضه على معاجلته قبل أن يصير إلى حال لا ينفعه فيها توبة، وإن دعا له دعا بالهداية ونحوها) [المصدر السابق].
الانبساط ووالتودد والتذلل لا يحل مع الجار الكافر الذمي
يداخل بعض المسلمين، وينبسط ويصادق ويوادد بعض الكفار، جيراناً كانوا أم غير الجيران، وهذا لا يحل لقوله تعالى: "لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ.." الآية.
فإذا لم يحل هذا للأب والابن الكافر فكيف بالبعيد؟ وعلينا أن نقارن حال سلفنا الصالح وحال بعض المسلمين اليوم.
عاصم بن ثابت رضي الله عنه أقسم أن لا يمس مشركاً ولا يمسه مشرك، فبر الله قسمه حياً وميتاً، وكان الإمام أحمد رحمه الله يغمض عينيه حتى لا تقعان على من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد بن القاسم الطوسي: كان أحمد بن حنبل إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أقدر أن أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه [الآداب الشرعية لابن مفلح جـ1/391] .
وكان يعتذر ويقول: لم أجده عند أحد ممن تقدم ولكني لا أستطيع أن أرى من كذب الله.
الدليل على عدم تشييع الكافر ذمياً أو غير الذمي، الجار والبعيد
يدل على ذلك عندما هلك أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وحاميه من المشركين لم يشيعه بل قال لعلي: "قم فوار هذا الشيخ الضال". ولو قام احد الكفار بهذا لم يأمر علياً بمواراته وهو أبوه.
أما ما يفعله البعض الآن من تشييع الكفار، ودخول الكنيسة لشهود مراسيم زواجهم ومشاركتهم في أعيادهم بالتهنئة والهدايا، فهذا لم يؤثر عن أحد من سلف هذه الأمة وإنما فشي في هذا العصر.