انه والد لعشرة اطفال.. عاش في هذه الحياة فقيرا.. ومع ذلك مرض بمرض القلب وكان المرض هو سبب عجزه عن الوصول لما يصبو اليه كما انه يقوم ببذل اي جهد لزيادة دخله كي يصرف على هؤلاء الاطفال الذي كان يعولهم.
كانت له زوجة مثالا للزوجة الصبورة العاقلة التي رضيت بما قسمه الله لها ولم تتضايق او تتأفف لقسمتها مع زوجها ابي عايش.. بل ظلت تكافح معه وتجاهد بكل استطاعتها كي تربي اولادها على الخير وعوزهم للناس. وقبل ذلك كانت تريد الاجر والثواب من الله على ما صنعته مع اولادها وزوجها ابي عايش. هكذا بدأ معي الابن عايش ذو الخامسة والعشرين من عمره والذي قال: نحن من منطقة جازان انتقلنا الى المنطقة الشرقية بحجة لقمة العيش الذي كان يسعى لجلبها لنا والدي والذي كان حريصا على تربيتنا انا واخوتي التسعة تربية اسلامية مع ما كان يعانيه من مرض وحرص ايضا على تربيتي انا الابن الاكبر له والذي كان يعتمد علي بعد الله في تحمل كثير من الاعباء وبالفعل فقد تعلمت واصبحت رجلا فاهما وواعيا مدركا لك ما يدور حولي.. حيث كنت اشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقي كثيرا ما كان يحزن نفسي فقد ابي المريض حيث كنت ابذل جهدا كبيرا في مساعدة والدي ومساندته في كسب العيش الحلال.
رغم عقلية الابن عايش المتزنة واحساسه بالمسؤولية الا انه وقع في شراك اصحاب المخدرات!! قد يتساءل البعض كيف كان ذلك؟ وما الشيء الذي جعله يسقط في براثن هذا الداء؟
قال عايش والعبرة تخنقه.. نعم رفاق السوء الذين هم السبب دائما وراء الوقوع في هذا الوباء الخطير لفقد تعرفت على بعض الشباب الذين لا يعرفون بل يتجاهلون معنى المسؤولية. وكانوا على أخلاق بذيئة وأعمال سيئة وفعل المحرمات مثل الزنا والعياذ بالله فقد كانوا يأتون ببنات الناس إلى المكان الذي يقطنون فيه.
قمت بالاحتكاك بهم بحجة قضاء الوقت والترويح عن نفسي معهم فأصبح سلوكي يتغير شيئا فشيئا حتى تمكنوا في اقناعي باستعمال نوع من المخدرات. وأوهموني انها سوف تنسيني مأساتي التي اعيشها وستنقلني الى عالم آخر بعيدا عن المشاكل والهموم. ودعوني بل وشددوا علي بفعل ذلك وبالفعل فما ان جربتها حتى وقع هذا النوع من المخدر في مخي وصرت اسيرا له حتى اصبح عادة لي كالطعام والشراب لا غنى لي عنه.
مرت الايام تلو الايام وعايش في علاقة مع هذا الوباء لا يثنيه عنه نصح ناصح ولا ردع رادع اكمل حديثه عايش متحسرا: في يوم من الايام اصيب والدي بأزمة حادة نقل على اثرها للمستشفى وقد احس بدنو اجله. قالت لي امي كانت دموع والدك وهو على سريره الأبيض تنهمر على خده كالشلال حينما تذكر اخوتك وتذكرني وهو يقول ترى من لكم بعد ان اموت يا أم عايش.. ومن سيصرف عليكم وكيف سيكون مصيركم في هذه الحياة القاسية؟ وفي تلك الليلة التي فارق فيها الدنيا ورحل الى الآخرة دعاني وضمني الى صدره والأسى يثقله والهم يلوح في نظراته ثم اجهش وهو يقول يا بني احس بأن عمري قد انتهى.. سأودع هذه الدنيا وارحل الى الله.. فليس لأخوتك ووالدتك سواك بعد الله.. وقف عايش قليلا بعد ان اجهش بالبكاء ثم اكمل بقوله.
قال والدي قبل موته سأموت وأنا مرتاح البال لأنك موجود بجانبهم ولأنك ستعوضهم عن والدهم الذي سيفقدونه. وقال لي ايضا يا بني كن حنونا عطوفا عليهم. يا بني لا تتبع اهواء نفسك ودروب الشيطان واحذر انت واخوتك من رفقاء السوء الذين يضلونك عن سبيل اخوتك الذين هم في امس الحاجة اليك. وفي اللحظة الاخيرة قال املي يا بني بالله ثم بك كبير فكن عند حسن الظن. بعدها جاءت سكرة الموت وتكرني ابي وقد هذه الالم وبعدها بلحظات جاءت في صدره حشرجة تمتم بعدها بكلمات متقطعة لم افهم معناها الى ان انتقلت روحه الى بارئها.
يقول عايش هنا جاء دوري فقد اثر في موقف والدى فأصبحت جاداً في البحث عن عمل استرزق منه لوالدتي واخواتي وحصلت عليه فكنت ادر منه شيئا فشيئا حتى تحسن الحال قليلا واضمحلت الكآبة والحزن عن وجوه اخوتي ليحل محلها الفرح والسرور.. الا انني لازلت ازاول في استعمال المخدرات لادماني عليها كما انني كنت احضر الى المنزل بشكل غير طبيعي وتصدر مني بعض الحركات التي تدل على اني في غير وعي الطبيعي.
كانت امي -حفظها الله- تعلم باني اتعاطى المخدرات وكثيرا ما كانت تنصحني وتقول لي هذه الحالة التي انت فيها لا ترضى الله ولا رسوله وكانت تقول لي يا بني ان حالك لا يطمئن وان ما انت عليه خزي وعار وكارثة لا تعود بالخير على نفسك ولا علينا. والمجتمع السيىء التي تعيش فيه الآن لن ينفعوك بشيئ في النهاية. فلقد انعم الله علينا واعطانا وحسن من وضعنا وحالنا. يا بني ابتعد واقلع عن جريمة المخدرات. يا بني اسمع هذه الكلمات مني وانت الرابح (إن الله يمهل ولا يهمل). كانت امي تتضرع الى الله وتبكى في حرقة والم على وضعي. وفي احد الايام السوداء قبض على من قبل الشرطة وانا احمل كمية من المخدرات والقيت بعدها في السجن خمس سنوات خلالها وانا في سيارات الشرطة اتى في مخيلتي كلام والدتي (إن الله يمهل ولا يهمل) أدركت بعدها معنى هذه الكلمة. وظل اخوتي ووالدتي تحت مساعدات أهل الخير ودور الخير وكل ما بنيت في سنين خسرته في ثوان وجلست في حسرة وندامة على ما فات أنا الآن خرجت من السجن وعازم بإذن الله على التوبة وعدم الرجوع لتلك الأيام.
تمنى أن لا يروني هنا ، فلم أعد أقوى على الهرب ، ولم تعد تنفعني اشواكي ولا حتى إغلاق أبوابي وقت الخطر كما كنتُ أفعل بالسابق ، بل أصبحت الآن مجبراً على الإختباء والسهر والحراسة ، فلا أدري من أين أتوا لكنهم أتوا ! وحين تراهم تحسبهم مثل اسلافهم لكنهم - ومع أشيائهم تلك - لا يبدون أبداً مثل اسلافهم.
فقبل أكثر من اسبوعٍ ذهبت اصطاد بالقرب من إحدى مستعمراتهم ، وفي فناء أحدهم الخلفي رأيتُ عنكبوتاً سميناً لم أرَ أسمن منه من قبل وكان لونه يبدو غريباً بعض الشيء فالتهمتهُ على الفور - من الجوع - من دون تذوقٍ أو مضغ ، وحتى هذه اللحظة لم يخرج منه شيء ! وهذا لا يعني إلا شيئاً واحداً وهو أن ذلك العنكبوت الذي أكلت لم يكن أبداً من صنع الله ، بل كان من صنع أولئك الحمقى ، لقد كان عنكبوتاً مزوراً.
لا أدري لماذا يفعلون بي ذلك وأنا مسخرٌ لخدمتهم ليلاً وحراستهم من تلك الاشياء الصغيرة التي يخافون كثيراً منها ؟ فكيف إذن يطعمونني شيئاً هم يعلمون جيداً أنه لن يخرج إلا بعمليةٍ قيصرية ؟ أيظنون أن الاطباء حولي متوفرون بكل جحرٍ كتوفرهم في أدغالهم الإسمنتية ؟
ولم يكتفوا بكل ذلك الكذب الذي ملؤوا به عالمهم حتى قرروا أن يكذبوا علينا بعالمنا فقالوا: \\\"أبشروا يا معشر الحيوانات فقد أنشأنا لكم جمعيةً للرفق بكم\\\". تباً لهم , وأين جمعيتهم عن كارثة بطني ؟
نحن لا نهتم بكم ولا بجمعياتكم ، ليتكم فقط تحلون مشاكلكم وتدعون لنا مشاكلنا ، نحن فقط نرجو منكم حين تزورون عالمنا أن تحترموه أثناء وجودكم فيه ، ثم إذا غادرتم فتأكدوا جيداً من أنكم لم تتركوا خلفكم شيئاً من أشيائكم الغبية هناك كي تتربص بنا. فقبل عام كنت اتمشى مع صديق لي جربوع وفجأةً سمعنا اصوات صراخ فمشينا نحو مصدر الصوت ثم هالنا ما رأينا ، لقد رأينا زجاجة عصير ملقاة على الأرض بوضع مائل وتلك الأصوات تخرج منها , فاقتربنا وأقترب الجربوع اكثر ثم لم يصدق ما رأى.
لقد رأى عشرات النمل مسجونات بداخلها , فقال لهن : ماذا تفعلن هنا ؟ , فقلن : رائحة السكر المنبعثة منها اسكرتنا ولم نشعر بحالنا إلا ونحن قد علقنا بداخلها. وهذا بالفعل ما حدث , فمن اجل قطرة سكر هلكت تلك المجموعة ولم نستطع إنقاذ إلا القليل وذلك باستخدام ذيل الجربوع كحبل نجاة.
وليت الأمور وقفت عند ذلك الحد بل تطورت ، فقبل أيام وأنا جالس في مخبئي هذا أنتظر منيتي إذ مرت بي مجموعةٌ من السناجب , فقلت لهم : إلى أين العزم يا إخوة الشجر ؟ فقالوا : الهجرة , فقلت : وإلى أين ؟ , فقال (شايبهم) : قررنا أن نسكن ابراج الكهرباء , فقلت : لا لا .. لا تفعلوا لأنها قد تصيبكم بالسرطان , فقال الشايب : \\\"السرطان يا بني خير من المنشار ، فما نكاد أن نسكن في شجرةٍ حتى تسمع المناشير تعزف لحن إعدام تلك الشجرة , وقد مللنا كثرة الترحال , ولا أظننا سنجد مخبأً من أولئك البشر خير من أبراجهم , فعلا الاقل لن تطولها مناشيرهم , ففي السابق - يا بني - كنا شركاء بالحياة , والآن وبسببهم أصبحنا خارجين عليها\\\".
فانتبهوا لنا قليلاً أيها البشر ، فسعادتنا معكم قد تكون سبباً لسعادتكم يوم تنهضون من الحفر.