اشكالية تصيب بعض الناس يظن انه هو الذي فعل وهو الذي آمن فقد يمن بإيمانه وانتسابه ودعوته!!













جاءت هذه الايات في سياق أواخر سورة الحجرات ( قالت الأعراب آمنا .......) الى قوله (بل الله يمن عليكم ان هداكم .....) الخ السورة
نزلت هده الايات في بعض الأعراب الذين أسلموا في زمن متأخر بعد فتح مكة وكثير من قبائل العرب كانت تتأنى وتنتظر ما الذي يجري بين هذا الرجل وبين قومه ، وكان تاريخا جهاديا عظيما وسرايا وغزوات وانتهت بفتح مكة فدخل الناس في دين الله أفواجا وجاء عام والوفود والقبائل يعلنون إسلامهم ويلقون خطبهم وقصائد ويسألون عن بعض احكام الدين ، ثم يعودون لأقوامهم ، فكان هناك بعض الأعراب نظروا للتاريخ فجاؤوا من بلاد بعيدة واسلموا وقالوا : يا رسول الله نحن المؤمنون ، نحن آمنا بك ولم نقاتلك ، روى النسائي في السنن الكبرى في قسم التفسير عن ابن عباس قال جاءت بنو اسد فقالوا:يا رسول الله قاتلتك العرب ولم نقاتلك،قال النبي ﷺ :((ان فقههم قليل وان الشيطان ينطق على ألسنتهم )) فنزلت هذه الايات


-خلاصة دعاوى هولاء الأعراب أمران:
الأمر الأول:
دعوى الوصول لمرتبة الايمان، فجاء الرد من الله بقوله ( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) فلم تصلوا من مرتبة الايمان ولكنكم قريبون ، ولما يدخل الايمان أي أنه قريب الدخول، فهم أسلموا متأخرين أرادوا ان يقدموا أنفسهم على المتقدمين السابقين.
الأمر الثاني :
أنهم دخلوا للاسلام بدون قتال وهو تعريض بالصحابة الذين قاتلوا النبي ﷺ ، ومعلوم فضل من أسلم من قبل الفتح وقاتل ، فهؤلاء قالوا اننا آمنا ولم نقاتل فجاء الرد عليهم ( بل الله يمن عليكم ان هداكم للإيمان ..)


(قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل )
- فيه إشارة بالفرق بين الاسلام والإيمان والصحيح: أن بينهما عموم وخصوص فعند إفراد أحدهما يراد به الدين كله واذا أُطلقا معاً كان الإسلام هو الظاهر والإيمان هو الباطن.


-من المهم الإشارة الى مسألة تكلم عنها بعض المفسرين في هولاء الأعراب،هل هم مسلمون أو منافقون؟!
-رجح البخاري أنهم منافقون واستدل:أن الايمان والإسلام شيء واحد ونفي احدهما نفي للآخر ، وهذا القول مرجوح.
-والصحيح أنهم حديثوا عهد بالإسلام ، ولم يصلوا بعد لمرتبة الايمان ، والدليل على ذلك :
١-( وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ) ولو كانوا منافقين لما قبل منهم.
٢-(بل الله يمن عليكم ان هداكم للإيمان ) فأثبت لهم في السياق أصل الايمان.


-قصص هولاء الأعراب وما جاء في هذه الايات من دعواهم والرد عليهم فيها دروس نحب الوقوف معها:
-الوقفة الأولى:
دلت هذه الايات أن الأمة تنقسم الى قسمين :
-أهل الإسلام المنتسبون اليه ، وهم المقصرون.
-أهل الإيمان وهم الذين صدقوا دعواهم وعملوا بمقتضى إيمانهم.
المتتبع لنصوص القران يجد هذه النصوص تعلق دخول الجنة والنصر بالإيمان وليس بالإسلام وهذا يدل انه أعلى وأصحابه يستحقون النصر:
(إنا لننصر رسلنا والذين امنوا )
( وكان حقاً علينا نصر المومنين)
وتتبع آيات الوعد تجده دائماً متعلقاً بالإيمان وهذا الذي يفسر السؤال انه:
لماذا المسلمون عددهم هائل ولا ينتصرون؟!
والسبب: عدم تحقيقهم للإيمان ، ونحن نتكلم عن جملة الامة ، وهذا ينبغي ان يدركه كل من يجيء يسأل عن نظرية الصراع بين المسلمين وأعدائهم.
- هناك أسباب للنصر،منها:
الايمان والثبات عليه ، وهذه المرتبة اذا قامت في النفوس والأبدان فلابد أن يحققوا قوتهم وثباتهم ثم نصرهم بعد ذلك! ، و قد أشرنا أن المسلمين تخلفوا في أحد وكان يقودهم النبي ﷺ لأنهم كان منهم من يريد الدنيا !!



-الجواب عن المتسائلين : أن الأمة لابد أن ترتقي بإيمانها لتحقق انتصارها على نفسها وشيطانها وهواهاثم نتنصر على عدوها في الميادين.
إذن الامة فيها اسلام وفيها إيمان ، بل الفرد الواحد يتردد بين هذه وتلك ، فهل تلك المراتب عنده سواء؟! لا


ومن هنا تلاحظون في هذه الايات قال الله للإعراب : ( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) والآية الثانية تعرّف من هم أهل الايمان ( انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) وهذا فيه إشارة للإعراب الذين تنقصوا السابقين الذين جاهدوا.


-صفات المومنين:
١- صدق الايمان والإخلاص وتحقيق التوحيد وتمام الانقياد لأوامر الله ، فالإيمان هو خضوع القلب واستسلامه وصدقه-وما ادراك ما صدقه!-يتحول تحقيق توحيد الرب فينتفع به القلب فيحلق في مراتب اليقين.


٢- الجهاد في سبيل الله بالأموال والنفس وهؤلاء جهادهم يدل على أنهم خاضعون لله ومن هنا صار الجهاد ذروة سنام الاسلام ، يبذل فيه المرء ماله ونفسه وهي علامة على قمة الايمان


قيد مهم ٣- سلامة قلوبهم من الريب والشك!! ما معنى ذلك؟! هذا شانه عظيم في الايمان لأن المومن في طريق إيمانه تمر به الابتلاءات والنوازل والشدائد والتشكيك فمن الذي يثبت؟! هذا هو المومن ! ، قد يكون المرء في مرتبة الاسلام ويُقبض على ذلك وقد يكون خيرا له ، ولكن الابتلاء يكون لأهل الايمان ، والتاريخ يشهد بذلك ، من ذلك تاريخ رسول الله الذي يقول:(أشد الناس بلاء الانبياء ثم الأمثل فالامثل يبتلى الرجل على قدر دينه)، وقال:(رحم الله اخي موسى لقد ابتلي بمثل هذا فصبر)
هل يعني هذا اننا نحن في عصر آمنون فيه من الابتلاء !! لا بل سنة الله قائمة ،
ومن يرى موجة التشكيك ، يرى كيف تمتحن النفوس في إيمانها ، وأخطر ما يكون أن يدعي الشخص الايمان ! واذا به في الامتحان لا يثبت ، -اسأل الله يثبتنا- المحنة كم تقتلع من نفوس، والأمر شديد واليوم التشكيك خطير من خلال وسائل الاعلام ، وصل الحال من يتجرأ في بلاد التوحيد الى الدعوة الى العلمانية ويراها لا تتعارض مع الاسلام ويتفوه بمصطلحات تشوه دين الاسلام! وهل الاسلام إلا دين ودولة لا يجوز لأحد أن يؤمن ببعض يكفر ببعض !!؟
وانطلق من هذه القضية الى قضايا لتجد كيف يكون التشكيك !


-هذه الاية يوجد آية تشبهها ( ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) هذا القيد مهم (استقاموا)
(ثم) (ثم) ماذا تعني؟!
تعني المحن على طول الطريق !!!
الأمر ليس هينا ، وهؤلاء استقاموا على دين الله فاستحقوا هذه البشرى!





المسألة الثانية :
وهي مؤثرة وهي اجمل ما في السياق لنا نحن المخلطون اصحاب الدعاوى، أتدرون ما هو الجمال ؟!-والله (إنه لقران كريم)-
أعراب ويدعون الإيمان وبعد كل الرد عليهم يقول الله:( وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا انه الله لغفوز رحيم )ما ألذ هذا وأطيبه على النفوس! ، مع كل ما فعلتم ، بل الله غفور ورحيم لمن تاب إليه ورجع ، ما أعظم المنة بعد منة الاسلام عندنا نحن المخلطين عندما يخاطبنا ربنا بهذا الخطاب الجليل العظيم ، أعظم درس في هذه المسألة أن نخلص لله ونطيع الله ورسوله ونتجنب القيل والقال ونبادر الى التجارة في التجارة التي لا تخسر ، والله لو لم تكن من إشارات للسائر إلى ربه الا هذه لكفت معْلما في الطريق!
لأن الشيطان يأتينا ويدعونا للعودة الى وراء! ، والله بمنه وكرمه يدعونا بهذا الدعاء اللطيف لنعود ونكمل الطريق اليه!


المسالة الثالثة :
هذه الايات تحذر المسلم من الدعاوى ، بأن تقول:أنا فعلت وفعلت ، وتأمل هذه الاية (قل أتعلمون الله بدينكم! والله يعلم مافي السموات وما في الارض والله بكل شي عليم) فلا يخفى عليه شيء ، قف مع هذا الاستفهام الاستنكاري ، تقول فعلت وفعلت وقطف النتيجة فلان وفلان ! ، كل عبادة وطاعة ظاهرة او غير ظاهرة لكن اعملوا وانتظروا الثواب وإياكم ان تبرحوا وتبحثوا وتنتظروا نتائج لأنفسكم ! وحديث (ما ذئبان جائعان)مهم في هذه المسالة ! من يتطلب المال والشرف بالدين هذا يفسد الدين وهذا من اعظم امتحانات الدعاة


المسالة الرابعة:
الدرس الكبير (بل الله يمن عليكم)


نزلت هذه الايات في مجموعة من الأعراب ولكنها تتكرر فالنفس تدعي انها أطاعت وعملت تزكي نفسها ،واستعلت وغفلت عن ذنوبها وأنها فقيرة لله محتاجة لعفوه ، وهناك من يظن أنه يمثل الاسلام في كافة أعماله ! لأنه فقط من اهل تلك البلاد ،، فكأنه يقول: (انا الاسلام والاسلام انا) فلا تعترضوا علي، وهذه حالة تكررت في الزمن القديم ،حينما تكون أعمال بعض الناس حاكمة على الحق لا تابعة له!! ومن نماذج التاريخ في هذا ، ان اول من وقف أمام النبي ﷺ قومه ! وأكبر دعاواهم هي أنهم قالوا: نحن على الحق لأننا اهل الحرم!واستمرت الدعوى سنوات والسنوات ، ينشرونها في كل وسائل الاعلام ، ومن هنا جاء الرد واضحا في القران ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الاخر ..) ما يتساوون ، نعم خدمة الحرم شرف ولكن القوم الذين يخدمون الحرم إذا نقضوا إيمانهم وتوحيدهم لم ينفعهم ذلك ، والأمة تنظر الى بلاد مهد التوحيد والرسالة!!
-وليس هذا فحسب فممن ادعى اليهود والنصارى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) كلما تضخم التكليف عظمت المسؤولية أمام رب العالمين ثم امام الخلق فالواجب ان نعود لما جاء في درس هذه الاية (بل الله يمن عليكم...) الذي من عليكم بالتوحيد والمنهج الصافي هو الله اذا لماذا تمنون بإسلامكم؟ ، يجب تذكر هذا دائماً !
-ومن ثم فإننا بعد إقرارنا بان المن لله وحده قمنا بواجبها تجاه دين الله وأمته ، ومن ثم ينبغي أن يولد ذلك التواضع للمسلمين ، نوصي بلادنا وبلاد المسلمين بالتواضع لإخواننا ، الدولة الرافضية تستقبل وتحترم كل من يفد إليها لأنها تريد أن تملك قلبه ، والمسلمون ينظرون لأهل هذه البلاد نظرة خاصة فلماذا لا نتواضع معهم ونكسبهم ، مثلا من يأتي للحج لمدة أسبوعين مثلا ! وكأننا نقول له ارحل قبل ان تصل ونكرهه فينا ، سر المشكلة :( يمنون عليك ان اسلموا ...) ثم ان نشر المنهج الحق القائم على منهج السلف الصالح هو مسؤوليتنا الاولى ، وأخطر ما يحصل ان يظن الواحد انه لانه ولد هنا او عمل بما عمل انه جاوز القنطرة !! مثله مثل ان يقول ( انما وأتيته على علم عندي ) فأياك ايها الداعية المكرم من الله بالدعوة او الجانب الخيري هذا شرف من الله يجب أن يزيدك تواضعا لعباد الله ، ثم بعد ذلك المنة الكبرى التي يستحضر فيها الإنسان أن هداه الله للإيمان فهو أعظم من منة الوجود والصحة والرزق والزوجات المركوبات والأمن
الامة لابد ان تخرج من مأزق المادية الرأسمالية الأوربية ، وهذا ميزان علماني صليبي صهيوني يُكرس على الامة ، المهم كيف نأكل ونشرب ، وضع علوم الشريعة -على جنب-!
استحضر أن الله حماك احمد ربك ان حفظ قلبك فلست زنديقا او عابدا للبقر او ملحدا ، كل هذا مما يبعد عن الله هو القلق والحياة التعيسة التي لا تعاسة بعدها ، بينما رحابة الايمان والسعادة والأمن النفسي كله منة من الله ، نشأت في بلد مسلم نشأت على اخوة الاسلام نشأت على وضوح في الطريق ...الله هو الذي من عليك!






القسم الأخير
هذا الدرس احيانا أشير اليه إشارة لانه تابع لدرس هذه الليلة ولعله يكفي جملة من الإشارات
فقضية الايمان ومنة الله تقتضي جملة من الهدي والقواعد والأسس لسلامة المجتمع واستقراره واسعاده ،وأدعو كل واحد الى أن يرجع الى تفسيرها ويتاملها:
١- الأدب مع الله ورسوله ﷺ في شيئين هما
الاول:(لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) يعني حاكمية الكتاب والسنة وألا يقدم عليهما قول او رأي !
إذن فكيف بمن ينقضه ما ويستبدل بهما أنظمة الكفر! والله يقول للصحابة لا تتقدموا على الله ورسوله بآرائكم فكيف بمن يؤخر حُكم الله كله!!

الثاني:الأدب مع رسول الله (لاترفعوا أصواتكم ....) في قصة ابي بكر وعمر في البخاري فكانا بعد نزول هاتين الآيتين يسران الحديث الى النبي ﷺ وكذلك قصة ثابت بن قيس الذي ظن ان الآية تعنيه !فقال له النبي ﷺ بعد ما حبس نفسه( انك تعيش حميدا وتموت شهيدا) كل هذا فيمن رفع صوته فوق صوت النبي بلا معارضة ،فكيف بمن يعارض ويناقض ما جاء عن النبي بمجرد العقل! ،وكذلك الأعراب الذين نادوا رسول الله بلا أدب !

٢- ادب تلقي الأخبار (ياايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ ..) تأملوا ماذا تصنع الإشاعة الكاذبة خاصة ان كانت مغرضة ، تصيب بها قوما بجهالة.


٣-(ادب الخلاف) حين يكون هناك خلاف (وان طائفتان ) وتفيد هذه الآية:
أ- بقاء الأخوة الإيمانية، وان حصل القتال.
ب- يعالج الخلاف بالأخف فالأخف.
ج- القسط ، قبل ذلك وبعد ذلك تبقى اخوة الايمان
""""""""
٤- عدم السخرية والتنابز بالألقاب ، وأعظم أمراض المجتمع الاستكبار الذي يستحقر لاجله الآخرين ، وهذا الداء يعرفه عدونا فيشعله بيننا !!
ومع الاعلام الجديد وصل الامر الى مرحلة خطيرة في التنابز ،و ذلك جلي في مجال الكرة والرياضة


٥- اجتناب الكثير من الظن والغيبة ، هذا من اخطر أمراض المجتمعات وهو الاعتماد على الظنون (قال عمر كنا في عهد رسول الله بجي نزل الوحي فيبين لنا والآن لا وحي فمن اظهر لنا خيرا قبلناه ومن اظهر لنا غيره رددناه ) قل هاتوا برهانكم ان كُنْتُمْ صادقين، وهذا يؤكد على الاهتمام بالدليل عند الدعوى


-التجسس له حالتان :
-التجسس على اثر الظن السيء فيبدأ يتجسس لتحقيقه! وهذا امر خطير ومنتشر
-التجسس بصفة عامة على عورات المسلمين وخاصتهم ( من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته )


الانسان يعمل بما بان له وما خفي فليس مطالبا به ،
-حرمة الغيبة والنميمة


٦- هذه الايات ختمت ببيان عظيم (يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى ...) خاتمة الآداب ان أكرمكم عند الله أتقاكم فالمفاضلة بالتقوى والعمل والصالح.


هذه الأسس الستة تضبط توازن المجتمع ، والحاصل في عصرنا يحتاج بشدة الى أدب سورة الحجرات !


اللهم أرزقنا الفقه في الدين ، اللهم كما مننت علينا بالإيمان فمن علينا بالثبات عليه حتى نلقاك.





شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

Pages