أراد الله للمؤمن أن يبنى إيمانه الصادق على تقوى من الله وخوف وتأدب في حفظ أمانة الله في دينه وأمانه رسوله في سنته ودعوته، فنهى الله المؤمنين أن يقدموا بين يدي الله ورسوله أي أمر آخر ويكون الحكم والمرجع في كل أمر لله ورسوله فلا ترتفع أي تشريعات على حكم الله ورسوله ليبقى المجتمع سويا سالماً كما أراد الله له.
وكان للتأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم
في مخاطبته والحديث معه أحرص الأدب من المؤمنين ليكون ذلك من أصل الإيمان الصادق وأساسه بل لعل التقصير في الأدب والمجاهرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم يحبط أعمال المؤمنين ويخالف إعتقادهم الإيماني .
فنجاح المؤمن وتحليه بهذا الأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هو دليل الإحترام لربه ودعوته لهذا الدين المرسل وإعزاز ورفعة له وهو أساس التقوى والخوف والإلتزام مع الله سبحانه وتعالى .
فكان البناء النفسي والإعتقادي للمؤمن على تلك المباديء والقيم الربانية العالية هو أساس النجاح في ثبات مقومات المجتمع الإسلامي لذا انتقلت الأيات من السورة لتعلم الفرد والمجتمع المسلم التحلي بأعظم القيم التي تحفظ الحقوق والواجبات وتبعد الجميع عن الضياع والنقص في الإعتقاد السليم للإيمان كي لا يكون المجتمع المسلم فقط في مظاهره الدين الخارجية يمثل الإسلام ولكنه في الداخل بعيداً عن مفهوم وبناء الإنسان المؤمن فيقع الخلل والزلل في كثير من فجوات المجتمع .
وأمر الله عباده المؤمنين أن يتريثوا عند سماع الإشاعات والأخبار حتى لا يقع الظلم بين الناس وضياع الحقوق وتعم الفوضى وعندها لا ينفع الندم ويصعب الإصلاح .
وبين الله أهمية القيادة الراشدة القائمة على حب الله وزينة الإيمان في القلب وكره الكفر والفسوق والعصيان لتكون قيادة متزنة بعيدة عن إتخاذ الهوى والزيع في الحكم والتعامل بين الناس وإلا كان ذلك فيه المشقة والتعب لجميع مقومات المجتمع .
ثم الدعوة لتحكيم العقل في النزاعات والخلافات والإنقسامات بين المسلمين وأن يكون أسلوب الحوار والإنصات المهيمن عليهم ويحكم بالعدل بين الطائفتين وإن خشي الفتنة ووقوع المجتمع ضحية للضياع والتشرد والهلاك يجب مقاتلة الفئة التي تبغي وتسعى لزيادة الفتن كي تعود لرشدها وإلى صف المجتمع الواحد .
ثم العودة لتذكير المسلمين برابط الأخوة الأقوى القائم على عقيدة الإيمان والمبادئ الربانية التي يجب أن تعيد العقل وتحفظ النفس للبقاء في صف الأمة الواحدة مهما بلغت النزاعات والخلافات بين المسلمين ، وأن تكون دعوة الإصلاح وتصافي القلوب هي المنهج الدائم وعدم اللجوء للقتال والعنف والحروب الأهلية مهما بلغت الظروف لأن ذلك لعله يخرج الجميع من رحمة الله ويكلهم لأنفسهم فيهلكوا
.
ثم أراد الله أن يبين أهمية العدالة الإجتماعية وإلغاء البناء الطبقي بين الأفراد في المجتمع المؤمن ، ولا يكون ميزان الحكم على الفرد من خلال قوته ونفوذه مهما كان نوعه في المجتمع، فحذر المؤمنين من أن يعم الإستهزاء والسخرية بين المسلمين لأن ذلك إنما يدل على ضياع الحقوق والفوضى الإدارية وعدم صلاح السلطة وفقدان الإحترام والتقدير للإنسان وحفظ كرامته، ونهى عن التغامز والتنابز بالألقاب لأن ذلك من أكثر ما يؤذي النفس الإنسانية ويسبب لها الألم والشعور بالتحقير ويجب أن يُلقب الإنسان وينادى بأحب الأسماء إليه فهذا من أعظم قيم الإيمان الصادق مع الله .
ثم التحذير للمؤمن من سوء الظن بأخوته وأن يكون حسن الظن هو المتقدم مع الحرص على عدم الوقوع في الخطأ وبيان أن كثير من الشكوك والظنون التي يقع بها الناس هي مجرد وساوس وأوهام تؤدي لحمل الإثم من ورائها .
كما أن التجسس والتلصص والغيبة على الناس وهم في غفلة أو نيام أو غياب لا بد أن يمتنع المؤمن عنه لأنه خيانة لللآخر وإعتداء على حقوقة وخصوصية والإطلاع على أسرار الناس وكشفها وفضحها يكون من أعظم المهلكات للإنسان حتى وصفت بأشد الاوصاف من الله كمن يأكل لحم أخيه وهو ميت فكم ذلك فيه إشمئزاز للنفس ونفور منه فليحذر المؤمن من ذلك السلوك المشين أن يضيعه ويهلك عمله وإيمانه .
ثم يضع الله الميزان الحقيقي للتميز بين البشر أجمعين فالله سبحانه وضع السنة التي يتكاثر فيها البشر لينتشروا في بقاع الأرض فيكونوا شعوبا مختلفة الألوان والأشكال واللغات ولعل بعض المجتمعات تتحضر وترتفع على غيرها من المجتمعات وتسابقها في التطور والعلم ولكن ميزان الكرامة للناس عند الله هو التقوى والخوف منه سبحانه فكل من سعى في منهج حياته أن يلبس ذلك اللباس ويتخذ هذا المنهج كان من السابقين في الإيمان والمرتفعين في الدرجات العليا عند الله .
ويعاد التأكيد على صفة الإيمان الحقيقي انه لا يكون باللفظ القولي واللساني بل ذلك فقط يدعى الإنتساب للإسلام ولكن الإيمان أعمق وأقوى في مفهومه الذي يقوم على التحرك الدائم نحو تقوى الله وخشيته فيكون سلوك الإنسان وتفكيره وحركته أينما توجه وفي أي حال على تقوى وحرص على مرضات الله سبحانه وتعالى .
فالإيمان الحقيقي لله يجب أن ينطلق من المقومات الأساسية له وهو الإنتساب لله والإيمان به وحده سبحانه والتصديق والإتباع لنبية ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم مع التأدب الدائم أمام حكمهما وما شرع للمؤمن من ربه، ثم بيان صدق الإيمان بالجهاد والبذل في سبيل الله بالإنفاق من الأموال العزيزة على القلب فينفقها إبتغاء مرضات الله وتثبيتا لنفسه على الحق وبذل الروح والنفس وتحمل كل ضر وإبتلاء من أجل الفوز بمرضات الله فهذا محك الصدق للإيمان مع الله لأن المال والنفس والروح هما أغلى ما يملك الإنسان فإن قدمهما وبذلهما في سبيل دعوة الحق ودين الله كان من الصادقين فيما أمنوا وانتسبوا له وإلا الله أعلم بما في قلوب عباده ويعلم المؤمن من الكاذب .