هل يمكن للحب أن يستمر حتى بعد الوفاة
إلى من يظلمون هذه الكلمة المقدسة فيدنسونها وينزعون عنها طهرها ونقاءها .. إلى من يفهمون الحب على أنه الرغبة ، إلى من يدعونه ولم يذوقوه أبدا .. إياكم أن يفوتكم الحب الحقيقي
موضوعنا هو أهم موضوع يعرفه الأولاد والبنات بشكل عميق جدا وهو الحب .. ونريد أن نتكلم عنه من القلب فعلا ، ولنتكلم بشكل واضح عن الصداقة بين الأولاد والبنات ، فلنحاول أن نكون صادقين وأن نفتح قلوبنا ، وطبعا أنا حَذِر جدا في الدخول لهذا الموضوع مباشرة ، فبعض الأولاد والبنات سيقولون نحن نعرف ما سيقال ويرفضون أن يكملوا الموضوع
في البداية أحب أن أسأل سؤالا هاما
هل الحب غريزة فطرية كتبها الله على الإنسان؟ وهل يقدر إنسان أن يعيش بغير الحب؟
وطبعا أنتم تعرفون أننا نتكلم في الدين وتتوقعون أن نقول أن الحب هو حبك لأبيك وأمك وأخواتك .. وصحيح أن هذا نوعاً من الحب ، والأصل في الحب هو حب الله طبعا ، ولكن دعونا نتكلم عن الحب بمعناه الدارج .. حب الرجل للمرأة ، هل يستطيع إنسان أن يستغني عن الحب؟ ويعيش دون أن يُحِب أويُحَب؟ بالطبع لا .. فلا يوجد من يعيش دون الحب ، فهذه فطرة وغريزة ولولا أن الله خلقها فينا لما كان للبشرية أمل في الإستمرار والتناسل
فالغريزة هي إحدى الأسباب التي جعلت العالم يستمر .. إذن لا يمكن التفكير في قهر الغريزة ولا يمكن لنا أن نلغيها من حياتنا ، ولا يمكن أن نتجاهلها ونحن نتكلم
والغريزة بدأت منذ أن بدأت الحياة ، منذ خلق آدم عليه السلام ، فالحديث الشريف يذكر أن آدم لما دخل الجنة استوحش .. رغم أنه يعيش في الجنة لكنه أحس أن شيئا ما ينقصه ، شعر أنه محتاج لحواء ، وهذا الكلام ليس من الخيال لكنه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (فبينما هو نائم إذ خلق الله من ضلعه حواء ، فاستيقظ فرآها بجواره ، قال : من أنتِ؟ قالت : امرأة ، قال : ما اسمك؟ ، قالت : حواء ، قال : ولما خلقتِ؟ قالت : لتسكن إليَّ) يعني أنها رمز الإطمئنان ليسكن إليها آدم ، ليس أنها أم له ، ولكن يعني أنه يا كل آدم في الأرض إلى يوم القيامة لا سكن لك ولا إطمئنان إلا بجوار حواء .. هذا هو ديننا وإسلامنا
والعجيب أنك لو قرأت في بعض الكتب السماوية وغير السماوية في الديانات الأخرى لوجدت النظرة إلى حواء نظرة ظالمة - وآسف في الكلمة - بل تنظر للمرأة كأنها ليست من جنس الإنسان ، أي مرتبة أقل قليلا وأدنى من الرجال ، وهناك من ينظر إلى أنها السبب في معصية آدم وسبب نزوله للأرض ، لكن القرآن لم يقل هذا الكلام أبدا ، بل وضع الإثنين معاً في نفس الدرجة والمسئولية ، واقرأ الآية (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما) فالآيات لم تتحدث أن إبليس وسوس لحواء أو خدعها هي فقط ، لكنه أزلَّهما ووسوس لهما معا ،فالمسئولية مشتركة والإثنان أكلا من الشجرة فنزلا إلى الأرض
وتحكي الآثار وقصص السابقين أن آدم نزل في الهند وحواء في جدة ، وربما من هنا جاء إسم جدة أي (الجدة) الكبرى لبني آدم ، ويقال أن آدم ظل يبحث عن حواء حتى التقيا عند جبل عرفات ، ولو انتبهتم أن عرفات قريب لجدة وبعيد جداً عن الهند ، إذن آدم هو الذي تعب وظل يبحث عن حواء كثيراً حتى وصل إليها ، وتجد في كتب المفسرين كلاماً جميلاً جدا ، فالموضوع فيه هدوء وليس فيه التعصب الذي يراه البعض .. فالقرطبي يذكر أن الملائكة سألت آدم أتحب حواء؟ فقال : نعم ، فقالوا لحواء : أتحبين آدم؟ فقالت : لا ، وفي قلبها أضعاف أضعاف ما في قلبه من الحب ، أنا أحكي ذلك حتي نقول إن الغريزة بدأت منذ خلق آدم وحواء
والمعلوم أن آدم خُلق من تراب ، بينما حواء خُلقت من ضلع .. أي من شيء حي ، لذا نجد آدم حين يتعامل في الدنيا فإنه سواء كان تاجراً أو صانعاً أو محاربا أو مزارعاً فإنه سيتعامل مع المادة التي خلق منها .. سيتعامل مع الأرض ، أما حواء فستتعامل مع الروح .. مع الإنسان ، فهي ستربي وستكون أماً ، فهي تتعامل مع شيء حي ، لذا سميت (حواء) لأنها خلقت من الحياة
فقد كان يحبها حباً شديداً حتى أنه عاش معها ثمانين عاماً وهي لا تنجب ، لكنه من أجل حبه لا يريد أن يتزوج عليها لدرجة أنه لم يتزوج من السيدة هاجر (أم إسماعيل) إلا حين طلبت منه سارة ذلك ، وأصرَّت على أن يتزوج حتى ينجب ، هل يمكن للحب أن يصل لهذه الدرجة؟! ثمانين عاما لا يريد أن يؤذي مشاعر زوجته
ثم بعد أن تزوج هاجر وأنجبت إسماعيل غارت سارة (وهذه هي طبيعة المرأة) فرغبت ألا تعيش مع هاجر في مكان واحد .. فوافق إبراهيم عليه السلام وأخذ هاجر وإبنه الرضيع (إسماعيل) لمكان بعيد إرضاءً لزوجته الحبيبة .. فما رأيكم في هذه العلاقة الراقية السامية؟
فالحب مطلوب وجميل ولكن .. أي حب؟ وهذا ما نريد أن نصل إليه
واسمعوا حكاية سيدنا عمرو بن العاص لما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : مَن أحبَّ الناس إليك؟ فقال : عائشة
هل صادفت يوما عن شخص يقول أن أحب الناس إليه هي زوجته
اتحدى أن نفتح جريدة ونقرأ لأحد العظماء أن أكثر من يحبه في الدنيا هي زوجته .. لكن نبي الله صلى الله عليه وسلم قالها ببساطة وقالها باسمها كذلك
وتعالوا كذلك لحب عمر بن الخطاب لزوجته .. فأحد الصحابة كان يضيق بزوجته جداً لأن صوتها عالي ، وتعرفون أن من النساء من لديها حنجرة دائمة الصياح .. فالصحابي من ضيقه ذهب يشتكي لأمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب ، فذهب ليطرق الباب فوجد صوت زوجة عمر يعلو على صوت عمر ويصل للشارع ، فخاب أمله ومضى .. وبينما هو ينوي المضي إذا بعمر يفتح الباب ويقول له كأنك جئت لي .. قال : نعم ، جئت أشتكي صوت زوجتي فوجدت عندك مثل ما عندي .. فانظرإلى رد عمر وعاطفته ، يقول : (تحملتنِّي ، غسلت ثيابي وبسطت منامي وربَّت أولادي ونظَّفت بيتي ، تفعل ذلك ولم يأمرها الله بذلك ، إنما تفعله طواعية وتحملَّت كل ذلك ، أفلا أتحمَّلها إن رفعت صوتها) فهذا هو الحب والعاطفة