في هذه الدنيا تختلف فيها مراتب الناس ومقاماتهم ومنازلهم , وكلاً وهبه الله شيئاً تميز به عن غيره ,منا من رزق مالاً , ومنا من وُهب جاهاً , ومنا من أعُطي علماً , ومنا من أتاه الله منصباً , ومنا رزقه الله السوُدد في قومه وبين عشيرته,ومنا من مُنع أبتلائأ , ومن أعطاه الله امتحاناً, وكل هذا لحكمة أرادها سبحانه وتعالى , ولابد لنا إن نعرف كيف نخاطب العالم وكيف نتحدث مع الجاهل ,قال صلوات الله وسلامه عليه ( انزلوا الناس منازلهم ), ولابد إن نقدر الشيخ الكبير , فلما دخل أبو بكر مع أبيه أبى قحافه عليه صلوات الله وسلامه عليه قال (هلاّ تركتَ الشَّيْخَ في بيته حتى آتيه)ولابد إن نتعامل بالرفق والترغيب مع الصغار , وكلاً حسب موضعه وموقعه وعلمه وعمره , وهذا ما دل عليه الشرع والعقل والعرف , وان نحترم من ساد في قومه وان لا نسفه كلامه , قال صلى الله عليه وسلم للأنصار ( قوموا لسيدكم ) وأجمل ماقيل * لا تتقدم على من قدموه الناس *
لا يخفى على أحد ما تحقق للناس من تمدن وتحضر واستقرار وتعليم ورفاهية , مما يستوجب الحمد لله والثناء عليه , لكن من المهم ألا ننسى أن لدينا شواهد كثيرة على أن ( التوحش ) وما يصحبه من ظلم وبغي وجفاء , أشبه بالفيروس الكامن كي نحمي مجتمعاتنا من الانحطاط والعدوان . إن الله - تعالى - وجهنا إلى شيء عظيم , يرسخ فضيلة الاحترام حيث قال : ( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) .
أي كلموهم بالكلام الطيب , وألينوا لهم جانباً , ولاطفوهم , وناصحهم بما يصلح شأنهم . كلما درج الناس في سلم الحضارة يا بناتي وأبنائي توقعوا من بعضهم احتراماً أكبر ولطفاً أعظم , ولهذا فإن علينا جميعاً أن نكون دقيقين في تعبيراتناوتصرفاتنا حتى لا يؤذي بعضنا بعضاً من غير قصد . القاعدة الذهبية في هذا هي أن نخاطب الناس بالأسلوب الذي نحب أن يخاطبونا به , ولو أننا عملنا بهذه القاعدة لتخلصنا من كثير من مشكلاتنا الاجتماعية , وما أجمل قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) الناس بفطرتهم يحتاجون حاجة ماسة إلى من يعترف بهم , ويقدرهم , ويثني عليهم , يحفزهم ويهتم بهم , وقد قال أحدهم : ( من الأساطير المتداولة : مكتوب على جبين كل إنسان : أرجوك أعرني اهتمامك , ولا تمر بي غير آبه ) .
إلقاء السلام على من نلقاه في طريقنا , والتبسم في وجهه , وسؤاله عن حاله , والاعتذار إليه عند الخطأ والمسارعة إلى مساعدته في ساعة ضيق أو كرب , والثناء على أعماله الحسنة ... كل ذلك من الأمور التي تعبر عن الاحترام والاهتمام .
احذروا يا بناتي وأبنائي من التكبر على الآخرين وإهمالهم والاستخفاف بهم , وقد أحسن من قال : إن المتكبر مثل الصاعد في الجبل , يرى الناس صغاراً , ويرونه صغيراً ! كأني بالمتكبر ينشر معادلة الاحتقار المتبادل , على حين أن تعاليم ديننا توجهنا إلى أن ندعم قاعدة الاحترام المتبادل وقاعدة الاهتمام المشترك . نحن جمعياً في حاجة إلى أن ننمي في نفوسنا مشاعر ( الاستحياء من الذات ) ؛ لأننا حينئذ سنقوم باحترام الناس وتقديرهم ؛ وعلى رأسهم الأبوان والمعلمون وكبار السن , ومن لهم أيادٍ بيضاء في خدمة الناس والإحسان إليهم , وفي خدمة البلاد ورفعة شأنها , وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا , ويعرف لعالمنا قدره ) . وقال : ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم , وحامل القرآن غير الغالي فيه , ولا الجافي عنه , وإكرام ذي السلطان القسط ).
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي ؟
إنها يعني الآتي :
1- من أراد منكم أن يكون محترماً جداً , فليعامل الناس على أساس قيم واحدة ؛ لأن الشخص المهذب اللطيف الكريم , لا يستطيع أن يتلون في سلوكه , ولا أن يلقى الناس بوجوه متعددة , إنه يكرم الجميع , ويصبر على الجميع , ويحاول فهم الجميع , ويعمل على مساعدة الجميع , ولهذا فإنه محترم ومقدر من قبل الجميع .
2- احترام الناس يعني فيما يعنيه احترام اجتهاداتهم واختياراتهم وأذواقهم ما دام ذلك في إطار المباح والمشروع .
3- حاولوا دائماً اختيار الكلمات والجمل المعبرة عن أصالتكم وترفعكم عن الدنايا واهجروا الألفاظ السوقية التي يستخدمها الأشخاص غير المحترمين .
4- اعملوا دائماً على ألا تكونوا مصدر إزعاج لأحد , وألا تفاجئوا أحداً بمكروه , وتعلموا التأنق في التصرف , وطالعوا شيئاً من الكتب المؤلفة في ذلك .