عناية الله بخلق هذا الإنسان ابتداء في أحسن تقويم . والله - سبحانه - أحسن كل شيء خلقه . فتخصيص الإنسان هنا وفي مواضع قرآنية أخرى بحسن التركيب , وحسن التقويم , وحسن التعديل . . فيه فضل عناية بهذا المخلوق . وإن عناية الله بأمر هذا المخلوق - على ما به من ضعف وعلى ما يقع منه من انحراف عن الفطرة وفساد - لتشير إلى أن له شأنا عند الله , ووزنا في نظام هذا الوجود . وتتجلى هذه العناية في خلقه وتركيبه على هذا النحو الفائق , سواء في تكوينه الجثماني البالغ الدقة والتعقيد , أم في تكوينه العقلي الفريد , أم في تكوينه الروحي العجيب .












يوضح الحق تبارك و تعالى في أية واحدة من أيات القرآن الكريم سبب خلق الإنسان و الهدف من خلقه ، فيقول جل و علا : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) .




و التعبير القرآني فيه بيان لغوي واضح أبلج عن الهدف من خلق الإنسان ، فالتعبير ( ما) متبوعا بالتعبير ( إلا ) في جوابه ليفيد الحصر في اللغة العربية و عند جميع أهل اللغة ، فأنت إن قلت مثلا : ( ما ذهبت إلى السوق إلا لأشتري خبزا ) فإن مفهوم الكلام يدل أنه لم يكن لديك مأرب آخر من هابك للسوق سوى شراؤك للخبز ، فلو لم تكن تريد شراء خبز لما ذهبت للسوق مطلقا ، و هكذا فمعنى الآية أبلج بأن علة الخلق للإنسام و هدف وجوده هو عبادة الله عز و جل  ذلك الهدف في الحياة الدنيا لهدف آخر أسمى في الآخرة




قد يسأل البعض عن مفهوم العبادة الدقيق ، فأقول بتوفيق الله تعالى أن العبادة تعني الإنقياد ، فالعابد لله منقاد له متبع لأمره مجتنب لنهيه ما استطاع لذلك سبيلا ، و أعظم العبادات قط هي توحيد الله سبحانه و تعالى ، فيجب أن تقر بكل جوارحك أن لا إله إلا الله ، فهو خالق كل شيء و مدبر كل شيء و مستحق العبادة بلا منازع و لا شريك.




أما الهدف الأسمى لخلق الإنسان فهو تنعيمه في نعيم باق لا ينفد ، و إنما جعل الله لذلك هدفا أوليا في الحياة الدنيا ، فمن نجح في بلوغ الهدف الدنيوي بالعبادة و إمتثال امر الله فقد عرف الله حق المعرفة فاستحق على إثر ذلك أن يحصل الهدف الثاني الباقي و هو التنعم في جنات عرضها السموات و الأرض أعدها الله لعباده العابدين المتقين كرما منه و تفضلاً ، نسأله تعالى أن تكونوا منهم و إيانا آمين.




شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

Pages