
بسم الله الرحمن الرحيم
وبدليل أن النائم إذا احتلم بأن رأى أنه يمارس الجنس فإن الممارس هي الروح لا الجسم ومع ذلك فإنه قد يقذف المادة المنوية وهي من خصائص الجسم تأثراً بالروح.
وإذا انتبه وهو على هذه الحالة وعادت تلك الروح المعذبة إلى الجسم رأيت أثر الفزع والرعب على جسمه، وكم من إنسان يُضرب في الرؤيا ثم بعد استيقاظه يرى أثر الضرب قد أثَّر في جسمه.
وهكذا الميت إذا أُوذي جسمه أو رفاته أو عظامه بكسر أو نبش أو جلوس على قبره تألمت له الروح المشعة عليه (7)، وكذا إذا حصل تعذيب على الروح لربما يجعل الله في رفاته نوع إحساس فيحصل الألم، وقد سمعت -ولا أدري ما صحة ذلك- إن العلم قد اكتشف أن في رفاة الميت نوع إحساس، والنصوص الشرعية تؤيد ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بقبرين يعذبان فقال: (إنهما ليعذبان...) الحديث.
فقد اكتشف -صلى الله عليه وسلم- عذابهما عندما وقف على قبريهما ووضع الجريدتين على قبريهما وقال: {إنه يُخَفَّف عنهما ما دامتا رطبتين}، وهذا دليل على أن للجسم نصيباً من عذاب الروح.
أما القول: بأننا نرى بعض أجسام الموتى ولا نرى أثر التعذيب عليه فقول خطأ؛ لأن عذاب القبر عَرْضٌ على النار وليس دخولاً فيها (8)، والعذاب قد يحصل على الجسم ولا يراه الناظرون كجسم المريض يعذب ولا يرى أثر لعذابه، وكذا الكافر عند نزع روحه يضرب وجهه ودبره ولم ير أثر الضرب عليه مع أن جسمه يشعر بذلك (9)، ولو لم يكن للرفاة أو الجسم نوع تعذيب لاكتشف -صلى الله عليه وسلم- ذلك في موضع آخر وقبل مروره بالقبرين.
هل الروح تحتاج إلى زمان أو مكان؟
المكان والزمان تحتاجهما الأجسام فقط، والروح لا تحتاج إليهما، بدليل أن الجسم إذا أراد قطع مسافة احتاج إلى مكان وإلى زمان.
أما الروح فإنها قد تستعرض لك المسافة بلحظات، وقد يرى النائم رؤيا طويلة قد تحتاج إلى أيام لو كانت في عالم اليقظة، وإذا بها قد استغرقت بضع ثوان؛ لأن الرؤيا من خواص الأرواح والعقول لا من خواص الأجسام، وقد يستذكر الإنسان -وهو مختل مع نفسه- أحداث خمسين سنة مضت ببعض ثوان.