بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اكتشفْتُ من خلالِ الحديثِ عن الصلاةِ الصحيحة بجميعِ أركانِها وسُنَنها وفرائِضِها ، أنني لا أعرفُ منها إلا حركاتٍ تقليديةً متوارَثةً مع الخَطأ والجهلِ .. هذا التقليدُ المتوارَثُ الذي هو من أكبَر المصائبِ على ديننِا ، وهو أكبر سببٍ للتراجع الديني بسببِ أخطائه المتوارَثَة والدين منها برئ .. لم أكنْ أَعلَمُ أن الدُّخولَ في الصلاة وَقْفَةً بين يدي الله جلَّ وعلا الذي يرانا ويَسمع تلاوَتنا القرآنيةَ ، ويرى حركاتِنا فيها وما يَجيشُ في خواطِرنا ، كنتُ أَعتَقِدُ أن الصلاةَ مجرَّدَ فرضٍ يجب علينا أداؤه وبالوقت الذي ما يتسنى لنا ذلك ! ، وكم كنتُ أُؤَخِّرُ صلاةَ الظهيرةِ إلى قُربِ مَوعد صلاةِ العصرِ حتى أُصليَهما بوقتٍ واحدٍ تقريباً ، وكذلك صلاةُ المغرب إلى صلاةِ العشاء ، وكلُّ ظني أنني على صوابٍ ، المُهِمُّ عندي أنني أُصلي كلَّ وقت بوقْته وهو قبل دخولِ الوقتِ للصلاةِ التاليةِ وشتانَ !. شتانَ بين ما كنتُ أفعلُ وبين ما تعلَّمتُ ، بأن وقْتَ الصلاة الحقيقيّ هو عقِب انتهاءِ الآذان مباشرةً ، وأنني كلما توضَّأْتُ أَكْسَب أجراً أكبر ، وتعلَّمْتُ كيف أقرأُ سورة الفاتحةِ بشدَّاتها الأربَعَة عَشَر ، وكيف الوقوفُ بين يدي الله بخشوعٍ خالصٍ ، لا أُفَكَّرُ إلا بمعاني ما أقرأُ من كتابِ الله الكريمِ ، وأنا أتخَّيلُ قُربَ الله مني ، فأقفُ بأحسنِ حالٍ ، وأقرأُ بأسَلمِ لفظٍ ، وأَعيشُ مع ما أَقرأُ راجيةً وخائِفَةً ، وتعلَّمْتُ كيفيةَ الركوعِ ومَعناهُ ، والوقوفَ بَعده لحظاتٍ ، أقولُ فيها بعد سمع الله لمن حَمِده .. اللهم لكَ الحمدُ ، حمداً كثيراً طيباً مبارَكاً فيه .. ثم السجودُ المستكينُ ، ومعناه ، والجلوسُ بين السجدتين والدعاءُ هنا .. اللهم اغفر لي وارحَمني ، وارزْقني ، واهدِني .. وتكونُ الجلسةُ قريبةً من مُدَّةِ السجودِ ، والدعاءُ قبلَ التسليمِ ، بما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يدعو به ويعِلّمُه للناسَ .ها بما مَنَّ اللهُ من فضْلِه على والدتِها من الهدايةِ ، اشتريْتُ الملابسَ الشرعيةَ ووضْعتُها بالخِزانَةِ ، أمَّا التنفيذُ ، فما أحوجَني إلى قوةٌ إلهية تعينني عليه ، إنني أتحيَّنُ فُرصَةَ المَقِدرَةِ على مقاومةِ إيحاءاتِ الشيطانِ الذي يُوهِمُني بَعَدم المَقْدِرَة وأنا في بيتي هذا ، يجب أن أُغَيِّر منزلي إلى مكانٍ آخر لأنني لا أرغَبُ مشاهدَةَ جيراني لي بمَظْهري الجديدِ ، بعد أنِ اعتادوا مشاهدتي بأشْيَكِ حالاتي ، ومن ثم أبدأُ مرحلةَ التغيير هذه ، وقد أوحى لي ذلك اللعينُ أنه لا مانِع من الانتظار إلى ما بعدَ الحجِّ فتكونَ خطوةٌ مُقنِعَة لي ولجميع من حولي .
واستمرَّتْ لقاءاتي مع ابني ، وسَردِ أحاديثهِ الدينيَّةِ ، وأنا أشعرُ بقلبي يشتَعلُ غَيظاً ورَهَباً من عنادي في هذا ، ومما سيوصِلُني إليه بعد قناعتي التامَّةِ بوجوبهِ ، وأنني لم أَعُد مقصرةً في شيء من عبادتي إلا هو ، وعرفت من خلال أحاديث ابني أنَّ هذا الأمرَ من تلبيسِ إبليسِ، ومن بين المواضيعِ التي طَرَحها علينا ابني أيضاً موضوعُ الصلاة ، وياله من موضوعٍ كنتُ في أَمَسِّ الحاجةِ لمعرفَته ، لم أكن أَدري بأنها مفتاحُ الوصولِ إلى باب الحقِّ ، وإنَّه من خلالها فقط يستطيع الإنسانُ أن يتناجى مع ربِّه بصورةٍ حقيقيةٍ ألا وهي الصلاةُ الخاشعةُ .

لقد اكتشفْتُ من خلالِ الحديثِ عن الصلاةِ الصحيحة بجميعِ أركانِها وسُنَنها وفرائِضِها ، أنني لا أعرفُ منها إلا حركاتٍ تقليديةً متوارَثةً مع الخَطأ والجهلِ .. هذا التقليدُ المتوارَثُ الذي هو من أكبَر المصائبِ على ديننِا ، وهو أكبر سببٍ للتراجع الديني بسببِ أخطائه المتوارَثَة والدين منها برئ .. لم أكنْ أَعلَمُ أن الدُّخولَ في الصلاة وَقْفَةً بين يدي الله جلَّ وعلا الذي يرانا ويَسمع تلاوَتنا القرآنيةَ ، ويرى حركاتِنا فيها وما يَجيشُ في خواطِرنا ، كنتُ أَعتَقِدُ أن الصلاةَ مجرَّدَ فرضٍ يجب علينا أداؤه وبالوقت الذي ما يتسنى لنا ذلك ! ، وكم كنتُ أُؤَخِّرُ صلاةَ الظهيرةِ إلى قُربِ مَوعد صلاةِ العصرِ حتى أُصليَهما بوقتٍ واحدٍ تقريباً ، وكذلك صلاةُ المغرب إلى صلاةِ العشاء ، وكلُّ ظني أنني على صوابٍ ، المُهِمُّ عندي أنني أُصلي كلَّ وقت بوقْته وهو قبل دخولِ الوقتِ للصلاةِ التاليةِ وشتانَ !. شتانَ بين ما كنتُ أفعلُ وبين ما تعلَّمتُ ، بأن وقْتَ الصلاة الحقيقيّ هو عقِب انتهاءِ الآذان مباشرةً ، وأنني كلما توضَّأْتُ أَكْسَب أجراً أكبر ، وتعلَّمْتُ كيف أقرأُ سورة الفاتحةِ بشدَّاتها الأربَعَة عَشَر ، وكيف الوقوفُ بين يدي الله بخشوعٍ خالصٍ ، لا أُفَكَّرُ إلا بمعاني ما أقرأُ من كتابِ الله الكريمِ ، وأنا أتخَّيلُ قُربَ الله مني ، فأقفُ بأحسنِ حالٍ ، وأقرأُ بأسَلمِ لفظٍ ، وأَعيشُ مع ما أَقرأُ راجيةً وخائِفَةً ، وتعلَّمْتُ كيفيةَ الركوعِ ومَعناهُ ، والوقوفَ بَعده لحظاتٍ ، أقولُ فيها بعد سمع الله لمن حَمِده .. اللهم لكَ الحمدُ ، حمداً كثيراً طيباً مبارَكاً فيه .. ثم السجودُ المستكينُ ، ومعناه ، والجلوسُ بين السجدتين والدعاءُ هنا .. اللهم اغفر لي وارحَمني ، وارزْقني ، واهدِني .. وتكونُ الجلسةُ قريبةً من مُدَّةِ السجودِ ، والدعاءُ قبلَ التسليمِ ، بما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يدعو به ويعِلّمُه للناسَ .
آه .. ثم آه ، ما أجمَلَها من صلاةٍ ، وما أَرْوَعَه من شعورٍ ، شعورُ صِلَةِ الإنسانِ بربهِ ، كنْتُ محرومةً من كل هذا بسببِ جَهلي بالصلاةِ الحقيقيةِ الصحيحةِ ، وكم شَعَرْتُ بالقُرْبِ والمحبَّة من الله ، وبالسعادةِ والاطمئنانِ ، وأنا أَقرأُ آياتِ اللهِ وفيها الأَمَلُ برحْمَته لمن أطاعَه وأتمر بأمر رسولهِ ، وبعفوهِ عمن تاب عن معصيتهِ ..
مرحلة العبادة
الآن فقط عَرْفتُ سَبَب تكاسُلي الوهميّ ، وسيطرةِ الشيطانِ على هِمَّتي ، وإحباطِ رغبتي في طاعةِ أوامرِ ربي وتنفيذِها ، عرَفْتُ بأن الصلاةَ هي أهمُّ صِلةٍ وأَوْلاها بين العبدِ وربِّه ، فكيف تكونُ صلةٌ من غيرِ خشوعٍ ومن غيرِ علم تامِّ بكيفيِتها وصلاحيتها ؟ كيف تأتينا رحمةُ الله ، ما لم تَخْشَع قلوبُنا بذكْره ونحن بين يديه ؟.
وجاءني القَبولُ ، جاءني النورُ الإلهي الذي لا يَقِف بطريقه عائقٌ.. إلهي .. لا مانِع لما أعطيْتَ ، ولا مُعطِي لما منَعْتَ ، سبحانَك ، لقد ذُقْتُ بعد أيامٍ طعْمَ الصلاةِ الخاشعةِ وأنا أَهيج ببكاءٍ حاد ، أبكي بين يدي ربّي بدمعٍ حارقٍ من ذنوبي ، ومن ما ضيّعْتُ بجنب الله ، كلَّما قرأتُ وتمعَّنت آياته ، وأيقَنْتُ عَظَمتَه وقُدرَتَه وشِدةَ عِقابه للغافلينَ عن عبادَتِهِ ، والعاصين لأمرِه ، وعظيمَ رحمتهِ بأحبابه ، فعزَمْتُ أن لا أكونَ إلا من أحبابِه مهما شقَّ عليَّ ذلك ، فأنا أسأَلُه آناءَ الليلِ وطيلةَ النهار أن يَهَبَني رحمَته ، ويُعينُني على حُسْنِ طاعَتِهِ .
وقد منَّ اللهُ عليَّ بها ، إنَّه نِعْم المَولى ، ونعم المجيبُ ، ويالها من استجابة إلهيةٍ كريمةٍ ، من ربٍ رحيمٍ كريمٍ ، عفوٍّ ، غفورٍ ، توابٍ عظيمٍ ، فرزقَني التوبةَ من واسع رحمَتِه وأفضلِ أبوابها ، فوهَبَني الزُّهْدَ بالدنيا بما فيها ، بعد أنِ استَحْوَذَتْ على عقلي ، وأخَذَني متاعُها الفاني نحو ثلاثينَ عاماً ، فلم يَعُد يهمُّني شيئاً من أحوالِها ، ولم تَعُد تعني عندي شيئاً ، إلا التزوَّدَ فيها بما يجعلني أهلاً لرحمةِ ربي في الآخرةِ ، فنذْرتُ نفسي لله ، وأعانني اللهُ جل وعلا على أن أُبِّدل جميع أعمالي السيئةَ بأعمالٍ صالحةٍ .
1ً ـ فبعد أن كان كلُّ همي باعتنائي بمظهري حتى أبدوَ في مرحلة السن الخامسةِ والعشرين ، وذلك ما كان يدور على مسامعي ، وأنا في الخمسين تقريباً ، فرحةً بهذه الميزة التي دَفعْتُ ثمنها كلَّ وقتي وفِكري ومالي ، حتى لا أَخَسَر المديحَ والإعجابَ الذي لم أَحصُدْ منه إلا الغَيرةَ والحسَدَ والكَيد ممن حولي ، وبالتالي احتقارَ الذاتِ كلما خلوتُ بنفسي ، فأصبَحْتُ الآن بحمد الله وفَضلِه لا يُؤَخّرُني شيءٌ عن أمرِ ربي.
فأخَرجَتُ الحجابَ والجِلبابَ من خِزانَتي التي وضعتُهم فيها متردِّدة كيف ألبسها ؟ وهل أستطيع ذلك ؟ وها قد جاءني الدافعُ الرباني فلبستُه وكأنني تعوَّدْت عليه منذ سنواتٍ ، إلا أنني لم أُتْقِنْ وضْعَه لأنَّه لم يَعُد يَهمُّني حُسنُ المظهرِ ، إلا ما يُرضي الله ، فجاءَتْ ابنتي وأَصْلَحَتْ لي من شأنِه ، وذهبْتُ ، وأوَّل ما ذهبْتُ مرتديةً إياه إلى أحدِ المساجدِ لتلقّي العلم من صاحبِ الكتاب ، أي مؤلِّفهِ الرائعِ ، ذاك الكتابُ المنيرُ الذي بدأَتْ مسيرتي من خلالِه ، جزى الله ذلكَ الشيخَ الكبيرَ ، والمؤلِّفَ القديرَ كل الخير ، وأكثَر اللهُ من أمثاله لفائدةِ عبادهِ .
وكم كانَتْ فَرْحَةُ العائلة كلِّها بلبسي الحِجابَ ، وكلُّهم كانوا يعلمون مدى رفضي له ، وبما أنهم يحبونني جداً ويتمنَّون لي الخيرَ ، فرِحوا لرعايةِ الله لي وفضلهِ عَليّ ، وكانت ردةُ فعلهِم موحدةً ، بأنهم قالوا : إنكِ تستاهلينَ هذه الهدايةَ الإلهيةَ ، لأن طيبَتَكِ ورحمتكِ بالناس ، وحُبَّك للخيرِ لا ينقصهما إلا طاعةُ اللهِ ، وكلُّهم يدعون لي بالهدايةِ خُفيةً عني ، وكنتُ حينذاك كما قال الله في كتابه الكريم :
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾