مخافة الله







 بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع اليوم يحتاج إلى تمهيد، هذا التمهيد ينطلق من أن السيارة لماذا صنعت؟ من أجل أن تسير، ولماذا وضع فيها المكبح والمكبح يتناقض مع علة صنعها، والمكبح من أجل سلامتها؟ السؤال لماذا يخاف الإنسان؟ كان من الممكن أن يجعله الله قوياً لا يمرض ولا يفتقر، كل هذه المصائب الذي ترونها في الحياة يمكن ألا تكون، لأن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود لكن ما سواه ممكن الوجود، ممكن الوجود أي ممكن أن يكون أو لا يكون، وممكن أن يكون على ما هو عليه أو على خلاف ما هو عليه، أي كان من الممكن أن يتمتع الإنسان بصحة حتى ساعة الوفاة، وكان من الممكن أن يكون مع الناس الأموال التي لا تأكلها النيران لكن شاءت حكمة الله أن يكون المرض، أن يكون الفقر، وأن يكون الخوف، فكما أن المكبح في المركبة يتناقض مع علة صنعها لكنه ضمان لسلامتها كذلك المصيبة تتناقض مع علة وجودنا، الله عز وجل خلقنا ليسعدنا، خلقنا ليرحمنا، خلقنا كي نسعد به في الدنيا والآخرة،

(إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم)

[سورة هود الآية: 119]

ولكن الإنسان مخير، وحينما يقصر يحتاج إلى شيء مخيف حتى يحمل على طاعة الله:

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21))


[سورة السجدة]

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))

[سورة البقرة]

الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا و الآخرة:

أيها الأخوة الكرام، يقول بعض العلماء: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله، أنا أتصور وأنا متأكد إن شاء الله أن هذه الدنيا لا تصلح إلا بالخوف من الله، نحن اخترعنا كلمات ليس لها معنى، يقول لك: ضمير مسلكي، ما هو الضمير المسلكي؟ يترفع عن ألف ليرة، ألفين، أما خمسة ملايين ينهار أمامهم، أين الضمير المسلكي؟ انتهى، أما الخوف من الله والله سمعت عن سائق وجد في سيارته عشرين مليوناً (قصة طويلة) بحث عن صاحبها أربعة أيام، يحوم حول المكان الذي ركب معه، إلى أن عثر عليه، أعطاه العشرين مليوناً، صاحب هذا المال شهم سأله هذه السيارة لك؟ قال: لا، أنا سائق بالأجرة عليها، أخذه إلى سوق السيارات واشترى له سيارة بمليوني ليرة، لماذا ترك العشرين مليوناً؟ خوف من الله، كلما ازددت خوفاً منه كلما ارتفعت عنده، كلما أعطاك، أيها الأخوة، عندنا قاعدة أنا أتصور أن زوال الكون أهون على الله من ألا تطبق هذه القاعدة:

ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه

[الجامع الصغير عن ابن عمر]

شيء مغرٍ، ضغط كبير، صفقة فيها شبهة، بضاعة مصادرة رخيصة جداً، لكنك إذا أيقنت أنها مصادرة ظلماً ينبغي ألا تشتريها:




ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه

[الجامع الصغير عن ابن عمر]


أيها الأخوة، أصل كل خير في الدنيا وفي الآخرة الخوف من الله، بعضهم قال: قلة الخوف من قلة الحزن في القلب، وإذا قلّ الحزن في القلب خرب كما يخرب البيت.
هناك بيت خرب وهناك قلب خرب، فإذا لم يكن هناك معرفة بالله، لم يكن هناك خوف من الله، لما المؤمن خاف من الله أذهب عنه الحزن:

(إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)

[سورة الطور]

الآن بالجنة، غير المؤمن كان في أهله مسروراً، كان في الدنيا ببحبوحة، بيت وأولاد يرتدون أجمل الثياب، يقيم أفخر الولائم، يسافر، يتبجح، يتكلم عن سفرياته، عن مشاهداته، عن بيته، عن ثمن بيته، عن جمال زوجته، عن أولاده النجباء:

(إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13))

[سورة الانشقاق]

أما المؤمن دقق:

(وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9))

[سورة الانشقاق]

لذلك البطولة من يضحك آخراً، الإنسان يضحك، هناك من يضحك أولاً وهناك من يضحك آخراً، الذي يضحك أولاً يبكي كثيراً، والذي يضحك آخراً يضحك طويلاً إلى ما شاء الله:

(فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)

[سورة المطففين]

أما الكفار في الدنيا يضحكون من المؤمنين، بعض الأئمة يقول: الحزن تلقيح العمل الصالح،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن الله تعالى يحب كل قلب حزين

[رواه الطبراني والحاكم عن أبي الدرداء رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ‏ تصحيح السيوطي]

الحزانى معرضون للرحمة، الحزانى في كنف الله.
الإنسان الله عز وجل أودع فيه الشهوات، والشهوات التي يراها كلها محرمة، امرأة سافرة، كاسية عارية، مائلة مميلة، هو يخاف من الله يبحث عن امرأة صالحة، مؤمنة، طاهرة، محجبة، تربي أولادها، قد يتأخر زواجه كثيراً، عنده مشكلة، عنده دافع قوي للزواج و لا يوجد امرأة صالحة يتألم، صار عنده حزن، قال الحزانى في كنف الله:

إن الله تعالى يحب كل قلب حزين

الحزانى معرضون للرحمة، الحزن تلقيح للعمل الصالح، لكن بعد أن تحزن ويأتي الفرج تقول: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن:

(إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26))

[سورة الطور]

يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الأثر:

ما من بيت، إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات، فإذا رأى أن العبد قد انقضى أجله، وانقطع رزقه، ألقى عليه غم الموت، فغشيته سكراته، فمن أهل البيت الضاربة وجهها، والصارخة بويلها، يقول ملك الموت: ممَّ الفزع؟ وممَّ الجزع؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً، ولا قربت له أجلاً، وإنّ لي فيكم لعودة، ثم عودة، حتى لا أبقي منكم أحداً، فو الذي نفس محمد بيده، لو يرون مكانه، ويسمعون كلامه، لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم

سيدنا ابن عباس يقول: سمع أبو بكر يقول يا رسول الله أراك شبت؟ ولعله شيب مبكر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:

شيبتني هود وأخواتها

[أخرجه البزار في مسنده عن ابن عباس]

هود، سورة هود ما الذي شيبه من سورة هود؟

(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا)

[سورة هود]

مرض الغفلة أخطر مرض يصيب الإنسان:

أيها الأخوة، يكاد مرض الغفلة يكون أخطر مرض يصيب الإنسان، لابدّ من شيء يوقظه، لابدّ من شيء يحمله على الصحوة، إنه الخوف الذي يتولد عن شبح مصيبة، فلذلك حتى يستيقظ ويفيق من سكرة الهوى، وحتى تنقطع صلته بشهوات الأرض، لابدّ من وجود مؤثر ضخم يزعجه وينبهه، ما رأيت حكمة أبلغ من حكمة ابن عطاء الله السكندري حينما يقول:

ربما منعك فأعطاك، وربما أعطاك فمنعك. وحينما تكشف لك الحكمة في المنع يصبح المنع عين العطاء

يعني من خلال اطلاعي على بعض البلاد، البلاد التي تتمتع برخاء ما بعده رخاء محجوبة عن الله حجاباً ما بعده حجاب، والبلاد التي تعاني ما تعاني، هذه المعاناة ربما كانت باعثاً إلى طاعة الله، إلى الإقبال على الدين، إلى الإقبال على العمل الصالح، فحينما يكشف الله الغطاء يذوب المؤمن الذي ابتلاه في الدنيا من شدة محبته لله على ما ساق له من شدائد:

(وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ)




[سورة يونس الآية: 10]
منقول عن:
العقيدة – العقيدة من مفهوم القران والسنة – الدرس ( 23-40) : مستلزمات التوحيد -3- الخوف والخشية والخشوع لله تعالى
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-12-11 | المصدر
العقيدة – حقائق الإيمان والإعجاز – الدرس (06-30) : لماذا يخاف الإنسان -1- الزنجبيل



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

Pages