امراءة التائبة الي الله



وأول مَن كان يدعو لي بهذا الخيرِ هو ابني الغالي ، الذي لم يكن يوجِّهُ لي كلمةً مباشرةً بما كنتُ عليه من ضلالةٍ ، احتراما منه لوالدتِه ، ولعلمه الأكيدِ بأني لا أسمحُ لأيٍ كان أن يتَدخَّل في شأني الخاصّ ، وكنت متأكدةً من أنه حزينٌ من أمري ، وأنا الإنسانةُ الأعزُّ عنده في الوجودِ ، وهو يعلَمُ المصيرَ المنتَظَرَ لحالي هذه ، فيدعو اللهَ لهدايتي بينه وبين نفسه ، عرفتُ ذلك بعد أن أصبحَتْ هذه حالي اليومَ ، فأنا أدعو الله من كلِّ قلبي لكل مَن تأخذه تياراتُ أعوانِ الشيطانِ ، ولا يُريد أن يسمعَ نداءَ إنسانٍ عرفَ اللهَ فأنا أدعو أن يعرِفَهُ المحبُّ والعدوَّ ، وكل مخلوقٍ بشري ، ولم تكن فرحةُ زوجةِ ابني بأقلَّ منه بي ، وهي التي أحبَّتْني بكل كيانِها .

ـ بدَّلْتُ أشرطةَ الكاسيت المحشوةَ بالأغاني العابثةِ بعواطفِ الضعفاءِ السُفهاء ، وسجَّلت بدلاً منها دروساً دينيةً وفقهيةً ، تُعينُني على معرفةِ ما ينقصني ، وأُساعد بها كلَّ من يرغبُ في التعلَّم من أمورِ الدين، من إِخواني ، وجاراتي ، ومعارِفي ، فجعلْتُ منها سبيلَ خيرٍ، نتداولُه بيننا ونتناقَشُ مضمونَة .

ـ أشرطة الفيديو كاسيت التي تحتوي حفلاتِ أعراسٍ كانت تُقام في الفنادقِ وصالاتِ الأفراح ، والتي كنتُ أمارسُ هوايتي في تصويرِ بعضِ فقراتِها ، فبدَّلتُها أيضاً بتسجيل الموادّ التي تتعلقُ بأمور الدينِ ، من علومٍ فقهية ، ودراساتٍ قرآنيةٍ ، وتفاسيرَ ، كي يتسنَّى لمن لديهم قناةً فضائيةً ، أن يستفيدَ منها .

ـ وأيضاً هوايتي في مطالعةِ المجلاتِ الفنيةِ ، والقصصِ العاطفيةِ ، بدَّلْتُها بقراءة الكتبِ الدينيةِ ، والتفاسيرِ القرآنيةِ ، وقصصِ بطولةِ الصحابة الأجلاَّء ، وقصصِ الأنبياءِ والرُّسلِ ، فيلمسَ الإنسانُ مدى صعوبةِ تكليفِ الأنبياءِ والرسلِ بإعلاء كلمةِ الله . فيُحسُّ بضآلة حجمه المتعالي ، وبتفاهةِ أعمالِه القيمة بنظره مهما كَثُرت ، مقارنةً بأعمال الأنبياءِ وعذابهم ومعاناتِهم من معانَدَة خصومهم ، ومقارنةً بأعمال الصحابةِ والأولياءِ الصالحينَ .

تعلمْتُ القرآنَ وحَفظْتُ بعضَه ، وأدخَلْتُ في رأسي آياتِ الله، بدلاً من كلماتِ الأغاني الرخيصةِ التي كنتُ أحفَظُها وأمارسُ بها هوايتي في الغناءِ ، وحَفظْت من سُور القرآنِ الكريمِ ما لم أكن أحلَمُ بهِ ، ولشدةِ فرحتي ، كنتُ كلَّما حَفِظْتُ سورةَ ، أسجُد سَجدةَ شُكرٍ لله ، على فضلِهِ ، أَحمَدُه عليها بكل كلماتِ الحمدِ التي تعلَّمتَها ، تعبيراً لامتناني لفضلِهِ ومعونَتهِ ، وكلَّما حَفْظت سورةً أقرأُ تفسيرَها وأسبابَ نزولِها في كتبٍ مخصَّصَة ، وكم من فرقٍ شاسعٍ بين من يقرأُ القرآنَ دون فهم ، وبين الذي يرتِّلُهُ مع تَدبُّرِ معانيه ، وقد تبيَّن لي هذا الفرقُ بعد أنْ تعلَّمْتُ أصولَ التلاوةِ ، والتجويدِ ، فشتانَ بين هذا وذاك ، وإن الإنسانَ ليَعيشُ أحداثَ القرآنِ ، من زمانٍ ومكانٍ ، ويتعاطَفُ مع هذا النبيّ ، ويبكي حالَ آخرَ ، بسبب إيذاء المشركينَ له ، ويَرثي الإنسانُ حالَه أمام تهديدِ الله ووعيدهِ للعصاةِ ، ويتعَّرف على رحمة اللهِ للمطيعين كل ذلك من خلال قراءة القرآن بتدبُّر ، فيبدأ بمحاسبة نفسهِ ، ماذا يفعلُ بالتكليف الذي كلَّفه الله به في هذه الحياة ؟ هل وجُد كي يأكلَ ويتسلى وينامَ ؟ ثم يمضي به العمرُ فيوافيَه الأجلُ ، وكأنه شيئاً لم يكن ؟ ، أم وُجِد ليتعرفَ على عظمةِ الخالقِ ويؤمن بوحدانيَّته ، ومن ثم إعلاء كلمتِه والانصياع لأمرِه ، وتنفيذِ سُنن أنبيائه ، ومن ثم النهايةُ الحتميةُ ؟ ، فإما جزاءٌ بالجنان ، وإما عقابٌ بجهنَّم . وعلمْتُ بتوفيقِ الله وبما يسره لي من حفظ من القرآن ، أنَّ اللهَ لا يخيِّبُ من استعانَ به أبداً .



أصبحَتْ زياراتي كلُّها لنقلِ ما أتعلَّمُ من أمورِ ديني ، وتطبيقهِ مع الأهلِ والمعارفِ ، ومن أحكامٍ فقهية نحتاجُ إليها في حياتِنا اليوميةِ ، وما يلزَمُ كلَّ إنسان الدرايةَ بها وتطبيقها على شكلٍ صحيح ، وكلُّ همي ينصَبُّ في تقويةِ العقيدةِ في عقولِ الصغارِ قبلَ الكبار، بعد أن كنتُ لهم مثالاً في ابتكار الأزياءِ والموضةِ ، فأحاولُ تبديلَ تلك الشخصيةِ المركَّزةِ في أفكارِهم عني ، وإصلاحَ ما أفسدْتُه طوالَ الزمَن من الجهلِ المتوارَثِ بسبب التقليدِ الأعمى في أصولِ الدينِ والعقيدةِ . والانجراف بتيارِ الأهواءِ ، واتّباعِ الشيطان وأوليائِه ، حتى انعدمَتْ عند بعضِ العائلاتِ عبادةُ الله ، فأصبحوا يعبدون التِلفازَ ، ويُؤَلَّهون مُصممي الأزياءِ والزينةِ والموضةِ ، والمستَحَدثاتِ الإلكترونيةَ المُضَلّلةَ والمضنيةَ للعقلِ والجسم ، فأحاولُ قُصارى جُهدي أن أبيِّن لهم مساوئَ ، ذلك وأذكِّرَهم بخالِقِهم الذي نسوا فَضْله عليهم .

ـ أصبحَتْ مكالماتي الهاتفيةُ التي كانت تدورُ ساعات ، وبها أحاديثُ القيلِ والقالِ، وأخبارُ الموضةِ ، وأحاديثُ تافهة ، أصبحتِ الآن للأسئلةِ والاستفسارِ من أهلِ العلمِ والخِبرةِ في أصولِ الفِقه والتشريعِ ، والاطمئنانِ على صحةِ مزاولةِ العباداتِ عند الأهلِ والأقاربِ ، والحثِّ على أفضلِها ، وشحنِ الهمةِ على تنفيذِها ، وكنوعٍ من أنواع صلةِ الرحمِ.
ـ بدَّلْتُ ثياب الموضةِ والفجورِ بثيابِ الحِشمة الشرعيةِ ، ووهبْت كلَّ ما كنتُ أملكُ من تلك الثيابِ للمحتاجينَ من العرائِس وغيرِهم.
ـ بعد أن كان النوم مبلغَ همي للحفاظِ على حَيويَّتي وشبابي ، أصبح هدفاً للتَّقَوّى على عبادةِ الله ، فتكفيني منه ساعاتٌ قليلةٌ ، أنشَطُ بعدها لمناجاة ربي ، وممارسةِ كلِّ ما يجعله يرضى عني ، وأيضاً الطعام .. كنت أُرضي بالتهامِ أطايبه ذوقي الرفيعَ ، ولما قرأتُ قول النبي عليه الصلاة والسلام :



(( ما ملأ الإنسانُ وعاءً شراً من معدته ))

فأصبح طعامي لا يهمني إلا لسدِّ حاجتي منه ، كيفما كان أقْبَلُه ، المهم أن لا أُضيِّع وقتاً طويلاً في إِعداد أنواعِه ، فكيف أَضيِّعُ وقتي بطهيِ الأطعمةِ وأبدِّدُه بنومٍ طويل ، وقد عرفْتُ أن أمامي واجباتٍ تجاه الأهلِ والناسِ ، وأنه يلزمُني من الوقتِ الكثيرِ لتعويضِ ما فاتني من العباداتِ ، وكيف يهدأ لي بالٌ وقد علمتُ أن كل إنسان وُجِد على وجه الأرضِ عليه أداءُ رسالةٍ سخَّرهُ الله لها ، ويجب عليه الطاعةُ طوعاً أو كرهاً لتحقيق غاية وجوده ، وبدَّلْت معارفي والشلةَ ، بأهل العلمِ وأولياءِ اللهِ .
ـ كنت أتنافس مع أفرادِ عائلتي على لبسِ أحدثِ صيحاتِ الموضةِ ، وأحدثِ تسريحاتِ الشعرِ ، وألوانِ الأصبغةِ التي كنا نتسابقُ في متابعتِها ، فأصبحْنا اليوم وبحمدِ الله نتسابقُ على حِفظ القرآنِ ، ونتنافسُ على مداومةِ قيامِ الليل وباقي العباداتِ ، وكم كنتُ أشعرُ بالغَيرةِ الشديدةِ عندما أعلمُ بأنَّ أختي أو ابنتي سبقتني في حفظِ سورةٍ من القرآنِ، فأُضاعفُ مجهودي لأحصِّلُهَّن ، فبدلاً من كوني أحفَظ صفحتين في اليوم أجعلُهم أربعَ صفحاتٍ وأنا أدعو اللهَ من كل قلبي أن يساعِدَني حتى أَلْحَقَ بهنّ ، أو أسبقُهن أحياناً ، ولله الحمدُ والمنَّةُ .
وكم كان سروري عظيماً عندما لحقَتْني ابنتي بلبسِ الحجابِ، والمداومةِ على قيامِ الليلِ ، والصيامِ ، إلى جانب حفظِ القرآنِ ، وكنا نتبادلُ تسميعَ ما يحفظه كلُّ منا ، ويالها من سعادةٍ .. وفَرح أكبرَ بالتحاقِ بقيةِ أخَواتي بهذه المسيرةِ ، مسيرةُ طاعةِ الله ، وأروعُ ما فيها ذلك التنافسُ والتسابقُ في العباداتِ ، إلهي .. ما أجملَ طاعةَ أمرِك! إلهي .. ما أجملَ حبَّك لعبادِك ! . ما هذا الهناءُ الذي أعيشُه ؟ ما هذا العزُّ الذي أشعرُ به ؟ ما هذا التوفيقُ الذي أَلْمسُه في أيِّ أمرٍ أطلبُه منك ؟! جلَّ ثناؤك . إلهي .. إنك على كل شيء قديرٍ .




بَدَّلْتُ هوايتي لكتابةِ مذكَّراتي ، ومعاناتي في الحياةِ ، وكتابةِ القَصَصِ التافهةِ، بنَسخ وتلخيص كلِّ ما أقرأُ من كتابٍ قيِّمِ أجد فيه ما يساعِدُني أنا ومن حولي في القضاءِ على جهلِنا ، في كتيِّب صغيرٍ يكونُ عوناً لي على سُرعِة التَّذكُّر .
وأخيراً هداني اللهُ أن أكتُبَ قِصةَ توبتي ورُجوعي إلى خالقِي، وما اعتراني في ذلك من صراعاتِ ، ومن مدٍ وجَزر بين نفسي وفكري، حتى توصَّلتُ بعونِ الله إلى البيانِ الأكيدِ.
وكُلِّي أملٌ ورجاءٌ بالله العزيزِ الحكيمِ أن يجعلَ من قِصَّتي هذه عبرةً يستفيدُ منها مَن كان على شاكلتي ، ويهديَه الذي هداني ، إلى ما صِرْتُ إليه من السعادةِ الحقيقيةِ ، والهناءِ والاطمئنانِ واحترامِ الذات واحترامِ الناس لي ، وأقولُ وبكلّ صِدقٍ أنَّ شخصيةَ المرأةِ المسلمةِ الحقةِ محتَرَمةٌ جداً ، وقويةٌ وذلك بإعلاءِ كلمة اللهِ وإرضائه جداً .
وكم أشعُر بالحُزْنِ عندما أُلاحِظُ أنَّ أكثرَ شبابِنا وشابَّاتنا لا يفقهون شيئاً من أمورِ دينِهم القويمِ ، واستهتارِهم بمبادئِ الإسلامِ القيِّمةِ . فأُحسُّهم في ضياعٍ وحَيرةٍ ، لاْ هُم توصَّلوا إلى إرضاءِ أهاليهم الذين أنشئوهم هذه النشأةَ الخاطئةَ ، ثم يتذمرون من انحرافاتِهم ، وعدمِ طاعِتهم ، ولا هم توصَّلوا إلى طاعةِ ربِّهم ، وأنّى لهم ذلك ولم يَجدوا منْ يعلِّمهم أمورَ دينهم ، ويحثُّهم على تنفيذِها ، فأخذوا يتماوَجون بين أوامرِ الأهلِ وأوامرِ الشيطانِ باضطراباتٍ نفسيةٍ مؤلمةٍ ، يعبِّرون عنها بتصرفاتٍ عدوانيةٍ بإيذاء الغيرِ ، وبالفوضى ، وعدمِ التركيزِ أثناءَ تفريغ شحناتِ طاقاتِهم ، فأشعرُ بالخُسران والهَدْرِ لطاقات فتيَّةٍ فذَّةٍ كان يُمكن الاستفادة منها واستغلالُها بما يُفيد الوطنَ والناسَ ، أُسوةً ببعضِ الشبابِ والشاباتِ الذين تربَّوا على الرادع الديني السليم ، والمبادئِ الإسلامية ، فشكَّل عندهم رادعاً ذاتياً مريحاً ومفيداً .وأشدُّ ما يُحزنُني أيضاً ، أنَّ أغلَب فتياتنا وبعضَ نساءِنا المسلماتِ يلبَسون الحجابَ مقروناً مع أحدثِ الأزياءِ والإكسسوارات والماكياج ، ويتفننون في طريقةِ وضْعهِ كل فترةٍ بشكلٍ جديد وكأنهم يَملّون من شيءٍ فُرِض عليهم قَسراً . لماذا ؟ كيف تفَشَّى هذا بين المسلماتِ ، وكيف يَنْقَدْن إلى تنفيذ واتِّباع كلِ ما يوحى إليهن دونَ التمعُّن في الأمرِ ، ومعرفةِ المبْتَدَعِ ومحاربتهِ باستنكارِ بِدعَتِه ، بَدَلَ ترويجِها ، وكلَّما وجَّهْتُ ملاحظةَ أو نصيحةً في هذا الأمر ، أسمع جواباً موحَّداً :







 ( كله هيك أحسن من بلا). 

ما هو الذي أحسنُ من بلا ؟! أينَ الهدفُ من ذلك اللباسِ ؟ أين إرضاءُ الله في تشريعهِ ؟ أين حبُّ الله ؟ أين الخوفُ من الله ؟ أم كان الهدفُ إرضاءَ الناسِ وتخريسَ ألسِنَتهم بشكلٍ يُرضي الجِهَتَين ؟. إذا كان الأمرُ كذلك فأَرْجوهم رجاءً حاراً بأن لا يشوِّهوا دينَ اللهِ لإسكاتِ عبادهِ على حسابِ دينهِ ، لا أحدَ على وجه الدنيا يستأهل أن نرضِيه قَبل الله ، لأن جزاءَنا وعقابَنا منه ، ورجوعُنا إليه جلَّ وعلا ، فكيف نُرضي بشراً مخلوقاً ونستهينُ بإرضاءِ الخالقِ !!..


وتلك الفتياتُ اللواتي يلبَسن مع الحجابِ بنطلونَ الجِينز ، والكُمَّ القصيرَ ، والصدرَ المكشوفَ ، والمكياجَ الصارخَ ، ويَضعْن تلك القِطعةَ من القماشِ بألوانٍ زاهيةٍ جميلةٍ ، وبطريقةٍ تَزيدُهُنَّ جمالاً ، وكأنّهنَّ يتحدَّينَ بذلك السافراتِ ويتنافسْن معَهن على إبرازِ ما لديِهنَّ من جمالٍ وفِتنَةٍ ، وأشدُّ ما يَغيظُني أنهنّ يُسَمونه حِجاباً ، مع أنَّ اسمَ الحجابِ دليلٌ واضحٌ لمعناه ، بأنه يَحجبُ مفاتنِ المرأَةَ عن أعيُنِ الرجالِ ، فما الذي حَجَبه ذلك الذي يسمونَه حجاباً، وهو في الواقع تقليعة !!.
كيف الوصولُ إلى إرضاءِ اللهِ ، لرفعِ مقتِهِ وغَضَبِهِ ، مع هذا الاستهتارِ ؟! وكلَّما أُشاهُد هذا الذي أصبح - كله هيك - متفشياً ، أَشْعُر بقلبي يتمزَّق أسىً ، لهذا التسيُّبِ والاستهانة بأمرِ الله ، خاصةً من الأهلِ الذين أُحسُّ بفرحِهم ورضاهم بأن بناتِهن ملتزماتٌ بدينِهنَّ وعلى أحسنِ ما يُرام ، وكيف يكون - أحسن من بلا - وهو في منتهى الإِغراء وإظهارِ جميع أَجزاْء الجِسم وبشكلٍ أشدَ للفتنةِ ، ولفتِ نظر الشبابِ ، والتشبُّه بالرجال ، ألا يعلَمْن أن اللهَ لعن المتشبهاتِ بالرجال ؟ على من يضحكون ؟ ومِنْ مَن يسخرون ؟! وبِمَ يستهترون ؟ ألا يقرؤون قوله تعالى :





﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾


وشيء آخر يؤلمني جداً ، هو تواجد كثيرٍ من المحجبَّات في أماكنِ المعصيةِ والفسادِ، أجِدُهنَّ في الحفَلات العامةِ للرقصِ والغِناءِ ، يتمايلون ويُصفِّقون طَرَباً وإِعجاباً بلا أدنى حياءٍ واحترامٍ لما يَحمِلْن من رمزٍ للإسلام ، وكم شعرتُ بالحرجِ أمام زوجةِ ابني الأجنبية المسلمةِ ، قالت لي وقد شاهدَتْهم على شاشةِ التلفزيون :
أهؤلاءِ مسلماتٌ ؟! كيف يفعلن ذلك ؟ ألا يعرفون دينَهم ؟! ولماذا يضعون الحجابَ إذا رَغبوا بهذا الفعلِ ؟! وقالتْ لي أيضاً قولاً جعلني أتمزَّق خجلاً وحَزناً .. قالت :
لقد أتيتُ إلى بلد إسلامي فَرِحةً بأنني تركْت بلدي ، بلدَ الفجور والكُفرِ ، وظننْتُ بأنني سأعيشُ في وسَطٍ ديني وبيئةٍ إسلامية بحتةٍ ، ولكن صُدِمْت بأجواءَ ومشاهدَ لم أكن أتوقَّع مُشاهدتَها في هذا البلدِ الإسلامي إطلاقاً ، حتى أنَّ أهل بلدي يتميَّزون ببعض مَيِّزاتٍ جيدةٍ عنهن.
ماذا أسمعُ يا إلهي !؟ رُحماك ، ومِن مَن؟! يا إلهي ، عَفوَك ، وعن مَن ؟! يا إلهي .. غفرانك ..
وأولاءٍ اللاتي لا يفوتُهن نوعٌ من أنواع السَمَر العديدةِ ، حتى النوادي الليليةُ والملاهي يؤمُّونها ، وبَعضُهن يَضَعْن على رؤوسهن بدلاً من الحجابِ ، طاقيةً مُزَيَّنةً بأنواع اللُؤلُؤِ والألماس الباهظِ الثمنِ ، يَبرقُ ويلمَع وكأنَّه ينادي وبصوتٍ عالٍ : نحن هنا ، انظروا إلينا .. وأحياناً يضعون كطرحةٍ العروسِ ليلةَ زَفافِها ، فيزيدهنَّ رونَقاً وأناقةً يرضين شهوتهم، ولكن في عُيون الآخرينَ لا يزيدهنَّ هذا إلا مقتاً واستِغراباً ، وأنا أول من شعر بذلك ، عندما كنت قبلَ أن يعافيني الله .
وكنت أتواجد فيه ، وقد شاهدتُ تلك المناظرَ المُؤلمة ، وكنت أقول في نفسي ، ما الذي أتى بمثلِ هؤلاء لهذا المكان ؟!! ألا يحترمن الشعار الذي يحمِلْنَه على رؤوسِهن ! وكؤوسُ الخمرِ مصفوفةٌ على طاولة الطعامِ أمامَهن !! ولا مانع عند بعضِهن من مجاراةِ الجُلساء ببعض الرشَفاتِ من الخمرِ أو البيرةِ التي يَزعُمونَ أنها ليسَتْ محرَّمةٌ !! فأنظر لهنّ بازدراءٍ ومقتٍ ونفورٍ لأنهُنَّ سيصبحْنَ قدوةً لكثيرٍ غيرِهن ، وتنتشرُ هذه البدعةُ السيئةُ ، وفعلاً لم تَمضِ فترةٌ قصيرة من الزَمَن حتى أصبحَت هذه البدعَةُ ظاهرةً متفشيةً فعمَّت أغلبَ البلدانِ، ويَصعُب حَصْرها والقضاءَ عليها إلا برحمةٍ من الله .. بهداه . ألم يَعْلَمْنَ بأن يداً خفيةً تلعبُ بعقيدتهنَّ الإسلاميةِ ؟ ألم يلمِسْنَ بأن هناك من يشوِّه أفكارَهنَّ ومعلوماتهنّ عن دينهنّ ؟! ألم يُحسِسْنَ بأنهنّ يساعِدْن أولئك المغرضين ؟.
آه .. ليتهنّ بَحَثْنَ قليلاً مع أنفسهنّ ، وحاولْنَ أن ينظرْن إلى أبعد من أنوفهنّ ، فتنكشف لهنّ حقيقةٌ مُرَّةٌ ، لو أنهنَّ يُقوّيْنَ عقيدتهنَّ وإيمانهنَّ بربِّهنَّ ، ويتعرَّفنَ عليه جيداً .. لَعَلِمْنَ أنَّ هناك مَنْ أَعماهُنَّ عن صُلب دينِهنَّ الذي يجهلْنَ ، ولَعلمْن بأن عليهنَّ اتباع الله وحده لا شريك له ، وأنهنَّ لم يتبعْنَ بهذا السلوك الخاطئ إلا أولياءَ الشيطانِ بكل خُطاهم ومخططاتهم ، ألا وهم مصمّموا الأزياءِ ، ومُرَوّجوا أنواعِ الزينةِ والماكياجِ ، والمتبجِّحون باسمِ الإتكيت والبروتكول ، وتُجَّار الحفَلات والسهر والمُجون ، وأولئك يشكِّلون أكبرَ عصابةِ تخريبٍ للأديان ، وللمجتمعِ ، وها هم وقد صمَّموا لك أزياءَ خاصةً للمحجبات ، ودعوكِ إلى سهرةٍ بإعلان مغرٍ يسيلُ له لعابُ الضُعفاءِ ، فتشتهي نفسُكِ بعد أن اشتريت لها تلك الأزياء والإكسسوار البديع ، تشتهي أن تلبَسيها وتحضري تلك الحفلاتِ المُعْلَنةِ بإغراء ، وهناكَ لا مانعَ من مشارَكَةِ الناس مجونَهم وفجورَهم ، فتكوني بذلك قد تجرَّدْتِ من ديِنكِ وتخلَّيتِ عنه ، وأنتِ تتوهمْينَه بلبسِ شعاره !‍!... وقلبُك فارغٌ من الخوفِ من الله، لأن الشيطانَ قد زيَّن لك أعمالَك ، فأخْبَتَ خوفَ الله في قلبك ، وأوهَمَك برضى الله عنكِ ما دُمْتِ تُحافظين على حَمل شعارِ دينِه فقط ، فاحذَريه يا أختي المسلمةَ وتنبَّهي من شياطينِ الإنسِ والجنِ ..
كم أتمنى أن أُوصِلك إلى أعماقي ، وتلمَسين مدى شعوري بالحُزْن والخَجَل من كل ما فرطْتُ بجنب الله ، كم أتمنى أن أتوصَّلَ إلى إقناعِكِ بأنَّ السعادةَ الحقَّ لم أحسَها وأعشْها إلا في طاعةِ اللهِ ، رحمةً بكِ وخوفاً عليكِ من مصيرٍ مخيفٍ . يا أختي المسلمة .. لم نُخْلَق للَّهوِ واللعبِ والتسالي ، وإرضاءُ النفسِ والناسِ غايةٌ لا تُدرَك ، ليتَك تتوصَّلينَ إلى ما توصَّلتُ إليه من مُتعةٍ حقيقيةٍ ، وهناءٍ أكيد ، وسرورٍ دائم مع الله ، لعلك تقولين :إنني قد شَبعْتُ من هذه الأمورِ الدنيوية ، بعد أن عِشْتُها عدةَ سنوات .
أجيبك : بأنني لم أَدَع أمورَ الدنيا زهداً فيها أو مَلَلاً ، بل على العكس ، لقد كنتُ في أوجِ نشاطي لممارسةِ حياتي التي تملَّكَتَها العادات السيئةُ بأنواعها ، وما أصعبَ الرجوعَ أو تركَ عادةٍ تملَّكَتْ صاحبَها وأحاطتْ به ، ومن ضِمنها عادةُ التدخين التي تملَّكتْني وتمكَّنَتْ مني ربع قرن !. ولكن التضحيةَ في سبيل إرضاءِ الله كلَّما صَعُبت زادت مُتْعَتُها ، ومن يستعينُ بخالقهِ يَصنع العجائِب ، وبحمد الله وعَونِه ، تخلَّصْت من جميعِ تلك الممارساتِ والعاداتِ السيئةِ بشِقِّ النفس ، ولكنَّها هانت عَليَّ لأنها في سبيلِ اللهِ ، وأخشى ما أخشاه من نفسي أن ينتابني أدنى حنينٍ إلى عاداتي السيئةِ ، فأنا أتصارعُ معها حتى تبقى على ما روَّضتها على تركِه والتخلصِ منه ، ويملأني الرعبُ من حرماني تلك النعمةَ التي أعيش غارقةً في مُتعتها ، والتي أرجو الله أن يُذيقها لكل مسلم ومسلمة ، فأجدني أدعو اللهَ في كل وقتٍ عَلمْت أنه أسرع للإجابة ، وأتوسَّل إليه بأن يُعينني على الثباتِ في الأمر .
إنّكِ تعلمين جيداً بأن شهواتِ النفسِ لا حدودَ لها ولا نهاية ، وكلما بلغَتْ غايةٌ ، تمنَّتْ أُخرى وهي تقول : هل من مزيدٍ . والسببُ معروفٌ، لأن أستاذ النفسِ الشهوانيةِ لم يَمُتْ .. ألا وهو إبليسُ اللعين !. فوهَبنا اللهُ العقلَ لردعه ، ودعانا إلى دار الإسلام




امنيات.. امنيات ...امنيات


إنني الآن أُعِدُّ نفسي للقاء ربي ، وأتزوَّد لسفرٍ طويل ، وكم أحمَدُ الله لأنه أبقاني على قيدِ الحياةِ حتى أستطيعَ تعويضَ ما فاتني من عبادتهِ، ولم يُمِتْني على ضَلالتي ، ولكنْ أنّىَ لي أن أَبْلُغَ مرادي ولم يبقَ في العُمر أكثرُ مما مضى !. والزادُ من العلمِ والعملِ يحتاجُ إلى أضعافِ ما مضى .
وكم بَكيتُ حَسرةً ولَوعةً على كلِّ ثانيةٍ أضعْتُها من عُمُري بعيدة عن الله ، فأنا أتسابقُ الآن مع الزَمنِ ، وانتفَضْتُ كاللبوةِ الكاسرةِ ، وقد تحوَّل نَهمي الكبير في تحصيلِ مُتَع الحياةِ إلى نَهَمٍ في تحصيلِ كلِّ العباداتِ ، وأنا أَجري جَرياً مُضْطَرباً ، لا أعرِفُ من أين أبدأُ ، ولا كيف أَهدأ ؟ وما يلزمني كثيرٌ وما يَنقصني أكثرُ ، كلُّ شيءٍ من علوم ديني جديدٌّ عَلَيّ ، وحاجتي إليه ماسَّةً ، أتخبَّط بينَ كلِّ الجهاتِ ، أريدُ أن أُحَصِّل من كل الخيراتِ ، كي أُعَوِّض ما فات ، ولأنَّها كلُّها تلزم الإنسانَ بعد المماتِ ، من تعلُّمِ تلاوةِ القرآن ، وأحكامِ التجويد ، وتفسيرِ آياته ، وحفظ سُوَرِه ، وآداءِ أهمِّ فريضةٍ بعد فريضة الصلاة ، حضورُ مجالسِ العلم وهو من أضرِّ الضرورات ، لأنه لا عبادةَ سليمةً وصحيحةً بدون علمٍ ، وكم أرجو المولى عزَّ وجل أن يمنَحني فُرصَةً كافيةً لتحصيل أكبرِ قَدرٍ من الزّادِ ، ومن أحب لقاء الله ، أحبَّ الله لقاءَهُ ، فاكتب لي يا إلهي زيارةً إلى بيتِكَ الحرامِ .. فكيف أُضَيِّع لحظةً من عُمري ، وأَهدرُ ثانيةً من حياتي دون أن أعملَ شيئاً يُفيدني لآخرتي وأنا التي تسألُ اللهَ آناء الليلِ والنهار أن يُبَلِّغني الفردوسَ الأعلى ، الفردوس الأعلى !!.
أرجو اللهَ أن يُبلِّغها لكل متمنّيها ، آمين .. ويعينَه على الوصولِ إليها ، ولن يكونَ إلا بعملٍ دائبٍ في مرضاة اللهِ ، لأن ثَمَنَها غالٍ ، وباهظٍ جداً ، واللهُ وحده الهادي والموفقُ والمعينُ ، ومن طلَب العُلى سَهِر الليالي ، فلم يَعُد هناك أيُّ مجال لتضييع لحظةٍ من العمرِ سُدىً .


لقد كان دأبي فيما مضى ألاَّ ألبسَ إلا أشيكَ الملابسِ ، ولا آكلَ إلا أطايبَ الطعامِ ، ولا أدخلَ إلاَّ أفخَرَ الأماكنِ ، ولا أتعاملَ إلا مع أرقى الناسِ ، وكل هذا في دنيا فانيةٍ زائلةٍ لا محالة ، فكيف أقْبَلُ من أجلِ حياة أبديةِ بالقليلِ اليسير مِن إله عظيمٍ قدير ؟! فهل يقبلَ أحداً منا أن يدعوَه ملكاً إلى وليمةٍ فاخرة ، وعندما يحضُر ويدخُل قصرَه يقدَّم الملك لغيره من المدعويين أطايبَ الطعامِ ، ويُقدَّم له طَبقاً من أدنى أنواع الطعام ؟!. كم سيحس بالانكسار والقهر !!. حلل ، تصل ...
الحمد للهِ الذي جعل لنا التوبةَ والاستغفارَ لتطهرَنا من الذنوب والمعاصي ، الحمدُ لله على هذه الرحمةِ العظيمةِ من مولاً عظيمِ ، عزيزٍ حكيمٍ ، لطيفٍ حليمٍ .. رؤوفٍ كريمٍ .
وفجَّرَتْ توبتي في أعماقي نَهَماً كبيراً للعبادة بكلِّ أنواعها وعلى أحسنِ وجه ، وأحسسْتُ بتعطُّشٍ وجوعٍ هائلٍ لمعرفةِ أصولِ العبادةِ ، ومَثَلي كمثلِ مريضٍ أُصيب بمرضٍ عُضالٍ فشفاهُ اللهُ بعد أن حُرِم بسبب هذا المرض من كلِّ ما تشتهي نفسه سنوات عديدة ، وفعلاً كنتُ محرومةً هذه السعادةَ الحقيقيةَ التي أعيشُها الآن ، فلم يعُد لساني يَسْكُت ويَفْتُر عن ذكرِ الله ، من تسبيحٍ ودعاءٍ ، وقراءةِ الأورادِ ، ومراجعةِ ما أحفَظ من القرآن الكريمِ ، ولا يهدأُ تفكيري في عظَمَةِ الخالقِ في أيِ شيءٍ تقعُ عيني عليه ، وأيَّ طعامِ آكلُه ، ولم أَعُدْ أتوانى عن أي نوعٍ من العبادات، ولم يعد يكفيني الكثيرُ ، بل أرغب بالأكثرِ ، ولم يعد لدي شيءٍ عزيزاً غيرُ حب الله ، والتقرُّبِ إليه ، الذي أُحس بأنه يطوِّقُني بحنانهِ ، ويغمرني برحمتِهِ ورأفته ، ويملأ قلبي حبَّه وحب كل من يحبه ، لم أعد أحبُّ إلا بالله ، ولا أكره إلا به ، أحاطني بعونِه وكرمه ، لا أريد إلا عبادتَه ، ولا أتمنَّى إلا رضاه ومحبتَه ، جلَّ وعلا إنه أرحم الراحمين .


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

:)
:(
hihi
:-)
:D
=D
:-d
;(
;-(
@-)
:P
:o
:>)
(o)
:p
:-?
(p)
:-s
(m)
8-)
:-t
:-b
b-(
:-#
=p~
$-)
(y)
(f)
x-)
(k)
(h)
cheer

Pages