قصة امراءة التائبة الي الله







لقد توصَّلْتُ في قراءتي للقرآن أنّه يتوجَّبُ عليَّ الحجابُ ، لقد قرْأتُه أمراً من الله في كتابهِ المبينِ لنساءِ المؤمنينَ ، وليس كما كنْتُ أعتقد مما سمِعْتُه من الجاهلين في أمورِ الدين أنَّ الله أمر بالحجاب أمهات المؤمنين نساء النبي صلّى الله عليه وسلَّم خاصّةً .. ماذا ؟!! هل أستطيعُ تنفيذَ أمرِ اللهِ ؟ فعلاً صَعَقَني هذا الأمرُ الإلهيُّ ، حيث أدركْتُ أنَّ كلَّ ما كنت أفعلُه من صلاةٍ وقيامٍ في الليل ودعاءٍ وجدتُه هباءً منثوراً!! صُعِقْتُ لأنني كنتُ أظنُّ بأنني توصَّلتُ إلى إرضاءِ ربي بما أُمارسُه من عباداتي ، فعَلِمْتُ أنَّه ينقُصني اتباعُ أمرين مهمَّين بيَّنهما اللهُ في كتابهِ العزيزِ في سورةِ النور ، قال تعالى :


﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة النور]


ما العملُ يا ربي ؟ كيف السبيلُ يا إلهي وأنا التي لا تُطيق اسم الحجابِ فكيف فِعْلَه؟! وأنا التي لا .. ولم .. ولن أستطيعَ أن أتخيَّلَ منظري مرتديةً لباساً شرعياً ، وأنا التي كنتُ أقولُ في كل مناسبةٍ يُذكَرُ بها الحجابُ : لو رأيتُ جهنَّمَ بأُم عَيني ما أنا بواضعتِهِ على رأْسي ولو أحرقوني بها مائة مرّةٍ . ما العمل الآن ؟ ما العملُ وقد عَلْمتُ بأنّه أمرٌ من اللهِ ، وعلى المؤمن أن يقولَ سَمعنا وأطَعنا ؟ إنَّ رأسي يكاد ينفجَّر من شدةِ التفكيرِ الواهِم بأنني إنسانةً منفردةً بميزةٍ جامعةٍ لكل الصفاتِ الحميدةِ .. طيبةُ قَلبي المتناهيةُ ، وحُبّي


للناس ، ومساعدةُ المحتاجين ، بالإضافةِ إلى صلاتي ، وقيامي ، وصيامي الذي أصبْحتُ أصومُه مستغِلَّةً كل استطاعتي على وفاءِ ديوني لله ، وتَعويضُ ما فرَّطْتُ بجنْب الله من حقوقٍ وعبادات ، والاستغفارُ الدائمُ مع الدعاء .. توهَّمت بأن كل ذلك سيُعفينني من العقاب ، لأن اللهَ يعلمُ بأني لا أُطيق الحجابَ ، وحَتماً سيسامِحَني ويُعفيني !!

بَقيتُ مدى شهورٍ على هذا الحالِ ، تارةً أُوهم نفسي برحمةِ ربي مع هذه المعصيةِ ، وتارةً أحاولُ إقناعَها بقَبولِ ما قرأْتُ وتنفيذِ ما أُمِرْتُ، وبأنّه يَشْمَلُني إذا كُنْتُ مؤمنةً حقاً ، وليسَ موقوفاً على نساءِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، وفي ذلك مخالفةٌ لأوامر الله الذي أبتَغي رضاه ، فما هذا التناقضُ !! فأتذكَّر قولَه تعالى في سورة البقرة :


﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾


فأشفق على نفسي من هذا التعنُّت والعناد .

يا إلهي كيف الوصولُ إلى اللينِ والرضوخِ لأمرِك ؟ إلهي بغيرِ عنايتِك بي ورأفَتِك بحالي وهدايَتِك لي وإلهامِك القَبولَ به لن يَحصلَ هذا ولو اجتمعتِ الإنسُ والجن على إقناعي به ، ومن رَحمةِ ربي بي ليُخلِّصَني من هذا الترددِ المُضني .. أَرسَل ابني البِكرَ من بلادِ الغرب ليُقيم في وطَنه بعد انتهاءِ أمرِه فيها .. وجاءَني بأجملِ وأثمنِ هديّةٍ ، ألا وهي زوجتُه العزيزةُ على قلبي ، والتي تحملُ طباعي الحميدةَ وعاداتي الحسنةَ التي تعلّمَتْها من زوجِها حتى ، غَدَت وكأنّي أنجْبتُها مني وربَّيتُها معي ، تلك الأجنبيةُ المُسلِمَةَ !! .

وطبعاً كنا نجتمع باستمرارٍ ، ولأنّه إنسان ذَكيُّ جداً يعي ما يَفعلُ ويَعلم أمورَ دينهِ جيداً ، ويؤمن بقول الله تعالى :


﴿ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾

وقوله تعالى :


﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾


فقد كان حِيادياً إلى أبعدِ الحدود في أمورِ الدين مع كلِّ الناس ، لم أَعهَدْ منه إِحراجاً يُربِكُ بهِ أحَداً ، ولكنَّه كان فقَط في كلِّ اجتماعٍ بين أفراد العائلةِ يشرَح لنا أموراً من أساسِ العقيدةِ الإسلاميةِ لم نكن على دِرايةٍ بها ، ويجعلُ وبدون تَكَلُّف منه الجلسةَ كلَّها شوقاً وانبهاراً وشغفاً إلى سماعِ المزيدِ من قِبَلِ الجميعِ ، كان يَتَعَمَّد أن لا يُسهبَ في حديثٍ إلا بإلحاحٍ من الجميع ، ويَقْطَعُ الجلسة والكُلُّ آذَانٌ صاغيةٌ إلى ما يقول ويبيِّنُ من أمورٍ جديدةٍ على أسماعِهم، ويَدَعُهُم في شوقٍ كبيرٍ إلى لقاءٍ قريبٍ ، حتى أنه جَعلَنا نتحيَّنُ الفُرَصَ ونخَتِلقُ الدعواتِ حتى نستَفْرِدَ به ويتسنّى لنا مزيداً من عِلمِهِ النيِّرِ والآَسِرِ للألبابِ والذي يُلَيِّن أكبرَ رأس متحجِّرٍ ، ويَجلي الصَدأ من رؤوس الجَهَلَةِ المتعنِّتين .

وبحمد الله ومِنَّتِهِ وفَضْلِه جَعَل قَبَسَ النورِ الإلهيِ على لسانِ ابني، فكانتْ الشرارةُ الملهِبةُ لجميع قناعاتي ، أنَّ من عَرف الله أحبَّه ، ومن أسكَن حبَّ الله قلَبه ينصاعُ لأوامره ، وينتهي بنواهيه ، حتى ولو كانت على غيرِ مزاجيَّتِه وأهوائِه ، وكان مَظْهَرَ زوجَتِه الأجنبيةِ بالحجابِ يُشعر بالخَجَل لكل مسلمةٍ اعتادَتْه بوارثةٍ للتقاليد ، ولمن تضعه إيماناً واحتساباً .

كيف أتوهَّمُ صعوبَتَه ، وتلك الأجنبيةُ كانت لا تَحْتَمِلُ أي لباسٍ على جَسدَها في حياتِها وبيئَتِها الغربيةِ !! فها هي تَضَعُه إيماناً بالله واحتساباً لمرضاتِه ، وكيف أتوهَّمُ من حَرِّهِ، وأنسى أو نتناسى حر جهنم، وقوله تعالى في سورة البقرة :


﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)
فلا بدَّ من خطوةٍ وعزيمة على التقرُّب إلى اللهِ عزَّ وجل بإطاعة أوامرِه ، فأيقَنْتُ الاستسلام لأمرِ الله ، ولكن كيف ؟. إن قلبي يَخفِق بشدةٍ لمشقَّةِ هذا الأمرِ على نفسي ، لا بدَّ من قَسْرها على طاعةِ خالِقها في تنفيذ أوامره . وبالقمعِ المطلق ، لأنها هي التي تُهلكُ صاحبها الذي ينقاد لتنفيذ أوامرها .

فعقَدْتُ العزم وذَهبْت مع ابنتي الشابةِ إلى السوقِ بعد انقطاعي عنه شهوراً عديدة تُقارب السَنةَ ، وأتْيتُه الآن لكي أشتري ثيابَ الطاعةِ والحِشمةِ وأنا مُشَتَّتة الفِكر ما بين عَقلي ونفسي ، قلبي يكادُ ينخلعُ من مكانِه لشدة فرحي بتلك الخطوةِ ، ونفسي تُهيبُني من مَقدِرَةِ احتمالِه ، يا ربُّ ، هل أستطيعُ ذلك ؟.. اللهم أَعِنِّي على طاعتِك ، واشترْيتُه ، اختارَتْه لي ابنتي من أجودِ الأنواعِ تعبيراً على فَرَح، لم أكن أَدري بأنها مفتاحُ الوصولِ إلى باب الحقِّ ، وإنَّه من خلالها فقط يستطيع الإنسانُ أن يتناجى مع ربِّه بصورةٍ حقيقيةٍ ألا وهي الصلاةُ الخاشعةُ .


لقد اكتشفْتُ من خلالِ الحديثِ عن الصلاةِ الصحيحة بجميعِ أركانِها وسُنَنها وفرائِضِها ، أنني لا أعرفُ منها إلا حركاتٍ تقليديةً متوارَثةً مع الخَطأ والجهلِ .. هذا التقليدُ المتوارَثُ الذي هو من أكبَر المصائبِ على ديننِا ، وهو أكبر سببٍ للتراجع الديني بسببِ أخطائه المتوارَثَة والدين منها برئ .. لم أكنْ أَعلَمُ أن الدُّخولَ في الصلاة وَقْفَةً بين يدي الله جلَّ وعلا الذي يرانا ويَسمع تلاوَتنا القرآنيةَ ، ويرى حركاتِنا فيها وما يَجيشُ في خواطِرنا ، كنتُ أَعتَقِدُ أن الصلاةَ مجرَّدَ فرضٍ يجب علينا أداؤه وبالوقت الذي ما يتسنى لنا ذلك ! ، وكم كنتُ أُؤَخِّرُ صلاةَ الظهيرةِ إلى قُربِ مَوعد صلاةِ العصرِ حتى أُصليَهما بوقتٍ واحدٍ تقريباً ، وكذلك صلاةُ المغرب إلى صلاةِ العشاء ، وكلُّ ظني أنني على صوابٍ ، المُهِمُّ عندي أنني أُصلي كلَّ وقت بوقْته وهو قبل دخولِ الوقتِ للصلاةِ التاليةِ وشتانَ !. شتانَ بين ما كنتُ أفعلُ وبين ما تعلَّمتُ ، بأن وقْتَ الصلاة الحقيقيّ هو عقِب انتهاءِ الآذان مباشرةً ، وأنني كلما توضَّأْتُ أَكْسَب أجراً أكبر ، وتعلَّمْتُ كيف أقرأُ سورة الفاتحةِ بشدَّاتها الأربَعَة عَشَر ، وكيف الوقوفُ بين يدي الله بخشوعٍ خالصٍ ، لا أُفَكَّرُ إلا بمعاني ما أقرأُ من كتابِ الله الكريمِ ، وأنا أتخَّيلُ قُربَ الله مني ، فأقفُ بأحسنِ حالٍ ، وأقرأُ بأسَلمِ لفظٍ ، وأَعيشُ مع ما أَقرأُ راجيةً وخائِفَةً ، وتعلَّمْتُ كيفيةَ الركوعِ ومَعناهُ ، والوقوفَ بَعده لحظاتٍ ، أقولُ فيها بعد سمع الله لمن حَمِده .. اللهم لكَ الحمدُ ، حمداً كثيراً طيباً مبارَكاً فيه .. ثم السجودُ المستكينُ ، ومعناه ، والجلوسُ بين السجدتين والدعاءُ هنا .. اللهم اغفر لي وارحَمني ، وارزْقني ، واهدِني .. وتكونُ الجلسةُ قريبةً من مُدَّةِ السجودِ ، والدعاءُ قبلَ التسليمِ ، بما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يدعو به ويعِلّمُه للناسَ .ها بما مَنَّ اللهُ من فضْلِه على والدتِها من الهدايةِ ، اشتريْتُ الملابسَ الشرعيةَ ووضْعتُها بالخِزانَةِ ، أمَّا التنفيذُ ، فما أحوجَني إلى قوةٌ إلهية تعينني عليه ، إنني أتحيَّنُ فُرصَةَ المَقِدرَةِ على مقاومةِ إيحاءاتِ الشيطانِ الذي يُوهِمُني بَعَدم المَقْدِرَة وأنا في بيتي هذا ، يجب أن أُغَيِّر منزلي إلى مكانٍ آخر لأنني لا أرغَبُ مشاهدَةَ جيراني لي بمَظْهري الجديدِ ، بعد أنِ اعتادوا مشاهدتي بأشْيَكِ حالاتي ، ومن ثم أبدأُ مرحلةَ التغيير هذه ، وقد أوحى لي ذلك اللعينُ أنه لا مانِع من الانتظار إلى ما بعدَ الحجِّ فتكونَ خطوةٌ مُقنِعَة لي ولجميع من حولي .

واستمرَّتْ لقاءاتي مع ابني ، وسَردِ أحاديثهِ الدينيَّةِ ، وأنا أشعرُ بقلبي يشتَعلُ غَيظاً ورَهَباً من عنادي في هذا ، ومما سيوصِلُني إليه بعد قناعتي التامَّةِ بوجوبهِ ، وأنني لم أَعُد مقصرةً في شيء من عبادتي إلا هو ، وعرفت من خلال أحاديث ابني أنَّ هذا الأمرَ من تلبيسِ إبليسِ، ومن بين المواضيعِ التي طَرَحها علينا ابني أيضاً موضوعُ الصلاة ، وياله من موضوعٍ كنتُ في أَمَسِّ الحاجةِ لمعرفَته ، لم أكن أَدري بأنها مفتاحُ الوصولِ إلى باب الحقِّ ، وإنَّه من خلالها فقط يستطيع الإنسانُ أن يتناجى مع ربِّه بصورةٍ حقيقيةٍ ألا وهي الصلاةُ الخاشعةُ .
)


لقد اكتشفْتُ من خلالِ الحديثِ عن الصلاةِ الصحيحة بجميعِ أركانِها وسُنَنها وفرائِضِها ، أنني لا أعرفُ منها إلا حركاتٍ تقليديةً متوارَثةً مع الخَطأ والجهلِ .. هذا التقليدُ المتوارَثُ الذي هو من أكبَر المصائبِ على ديننِا ، وهو أكبر سببٍ للتراجع الديني بسببِ أخطائه المتوارَثَة والدين منها برئ .. لم أكنْ أَعلَمُ أن الدُّخولَ في الصلاة وَقْفَةً بين يدي الله جلَّ وعلا الذي يرانا ويَسمع تلاوَتنا القرآنيةَ ، ويرى حركاتِنا فيها وما يَجيشُ في خواطِرنا ، كنتُ أَعتَقِدُ أن الصلاةَ مجرَّدَ فرضٍ يجب علينا أداؤه وبالوقت الذي ما يتسنى لنا ذلك ! ، وكم كنتُ أُؤَخِّرُ صلاةَ الظهيرةِ إلى قُربِ مَوعد صلاةِ العصرِ حتى أُصليَهما بوقتٍ واحدٍ تقريباً ، وكذلك صلاةُ المغرب إلى صلاةِ العشاء ، وكلُّ ظني أنني على صوابٍ ، المُهِمُّ عندي أنني أُصلي كلَّ وقت بوقْته وهو قبل دخولِ الوقتِ للصلاةِ التاليةِ وشتانَ !. شتانَ بين ما كنتُ أفعلُ وبين ما تعلَّمتُ ، بأن وقْتَ الصلاة الحقيقيّ هو عقِب انتهاءِ الآذان مباشرةً ، وأنني كلما توضَّأْتُ أَكْسَب أجراً أكبر ، وتعلَّمْتُ كيف أقرأُ سورة الفاتحةِ بشدَّاتها الأربَعَة عَشَر ، وكيف الوقوفُ بين يدي الله بخشوعٍ خالصٍ ، لا أُفَكَّرُ إلا بمعاني ما أقرأُ من كتابِ الله الكريمِ ، وأنا أتخَّيلُ قُربَ الله مني ، فأقفُ بأحسنِ حالٍ ، وأقرأُ بأسَلمِ لفظٍ ، وأَعيشُ مع ما أَقرأُ راجيةً وخائِفَةً ، وتعلَّمْتُ كيفيةَ الركوعِ ومَعناهُ ، والوقوفَ بَعده لحظاتٍ ، أقولُ فيها بعد سمع الله لمن حَمِده .. اللهم لكَ الحمدُ ، حمداً كثيراً طيباً مبارَكاً فيه .. ثم السجودُ المستكينُ ، ومعناه ، والجلوسُ بين السجدتين والدعاءُ هنا .. اللهم اغفر لي وارحَمني ، وارزْقني ، واهدِني .. وتكونُ الجلسةُ قريبةً من مُدَّةِ السجودِ ، والدعاءُ قبلَ التسليمِ ، بما كان النبي صلّى الله عليه وسلم يدعو به ويعِلّمُه للناسَ .






آه .. ثم آه ، ما أجمَلَها من صلاةٍ ، وما أَرْوَعَه من شعورٍ ، شعورُ صِلَةِ الإنسانِ بربهِ ، كنْتُ محرومةً من كل هذا بسببِ جَهلي بالصلاةِ الحقيقيةِ الصحيحةِ ، وكم شَعَرْتُ بالقُرْبِ والمحبَّة من الله ، وبالسعادةِ والاطمئنانِ ، وأنا أَقرأُ آياتِ اللهِ وفيها الأَمَلُ برحْمَته لمن أطاعَه وأتمر بأمر رسولهِ ، وبعفوهِ عمن تاب عن معصيتهِ ..


مرحلة العبادة


الآن فقط عَرْفتُ سَبَب تكاسُلي الوهميّ ، وسيطرةِ الشيطانِ على هِمَّتي ، وإحباطِ رغبتي في طاعةِ أوامرِ ربي وتنفيذِها ، عرَفْتُ بأن الصلاةَ هي أهمُّ صِلةٍ وأَوْلاها بين العبدِ وربِّه ، فكيف تكونُ صلةٌ من غيرِ خشوعٍ ومن غيرِ علم تامِّ بكيفيِتها وصلاحيتها ؟ كيف تأتينا رحمةُ الله ، ما لم تَخْشَع قلوبُنا بذكْره ونحن بين يديه ؟.

وجاءني القَبولُ ، جاءني النورُ الإلهي الذي لا يَقِف بطريقه عائقٌ.. إلهي .. لا مانِع لما أعطيْتَ ، ولا مُعطِي لما منَعْتَ ، سبحانَك ، لقد ذُقْتُ بعد أيامٍ طعْمَ الصلاةِ الخاشعةِ وأنا أَهيج ببكاءٍ حاد ، أبكي بين يدي ربّي بدمعٍ حارقٍ من ذنوبي ، ومن ما ضيّعْتُ بجنب الله ، كلَّما قرأتُ وتمعَّنت آياته ، وأيقَنْتُ عَظَمتَه وقُدرَتَه وشِدةَ عِقابه للغافلينَ عن عبادَتِهِ ، والعاصين لأمرِه ، وعظيمَ رحمتهِ بأحبابه ، فعزَمْتُ أن لا أكونَ إلا من أحبابِه مهما شقَّ عليَّ ذلك ، فأنا أسأَلُه آناءَ الليلِ وطيلةَ النهار أن يَهَبَني رحمَته ، ويُعينُني على حُسْنِ طاعَتِهِ .

وقد منَّ اللهُ عليَّ بها ، إنَّه نِعْم المَولى ، ونعم المجيبُ ، ويالها من استجابة إلهيةٍ كريمةٍ ، من ربٍ رحيمٍ كريمٍ ، عفوٍّ ، غفورٍ ، توابٍ عظيمٍ ، فرزقَني التوبةَ من واسع رحمَتِه وأفضلِ أبوابها ، فوهَبَني الزُّهْدَ بالدنيا بما فيها ، بعد أنِ استَحْوَذَتْ على عقلي ، وأخَذَني متاعُها الفاني نحو ثلاثينَ عاماً ، فلم يَعُد يهمُّني شيئاً من أحوالِها ، ولم تَعُد تعني عندي شيئاً ، إلا التزوَّدَ فيها بما يجعلني أهلاً لرحمةِ ربي في الآخرةِ ، فنذْرتُ نفسي لله ، وأعانني اللهُ جل وعلا على أن أُبِّدل جميع أعمالي السيئةَ بأعمالٍ صالحةٍ .

1ً ـ فبعد أن كان كلُّ همي باعتنائي بمظهري حتى أبدوَ في مرحلة السن الخامسةِ والعشرين ، وذلك ما كان يدور على مسامعي ، وأنا في الخمسين تقريباً ، فرحةً بهذه الميزة التي دَفعْتُ ثمنها كلَّ وقتي وفِكري ومالي ، حتى لا أَخَسَر المديحَ والإعجابَ الذي لم أَحصُدْ منه إلا الغَيرةَ والحسَدَ والكَيد ممن حولي ، وبالتالي احتقارَ الذاتِ كلما خلوتُ بنفسي ، فأصبَحْتُ الآن بحمد الله وفَضلِه لا يُؤَخّرُني شيءٌ عن أمرِ ربي.

فأخَرجَتُ الحجابَ والجِلبابَ من خِزانَتي التي وضعتُهم فيها متردِّدة كيف ألبسها ؟ وهل أستطيع ذلك ؟ وها قد جاءني الدافعُ الرباني فلبستُه وكأنني تعوَّدْت عليه منذ سنواتٍ ، إلا أنني لم أُتْقِنْ وضْعَه لأنَّه لم يَعُد يَهمُّني حُسنُ المظهرِ ، إلا ما يُرضي الله ، فجاءَتْ ابنتي وأَصْلَحَتْ لي من شأنِه ، وذهبْتُ ، وأوَّل ما ذهبْتُ مرتديةً إياه إلى أحدِ المساجدِ لتلقّي العلم من صاحبِ الكتاب ، أي مؤلِّفهِ الرائعِ ، ذاك الكتابُ المنيرُ الذي بدأَتْ مسيرتي من خلالِه ، جزى الله ذلكَ الشيخَ الكبيرَ ، والمؤلِّفَ القديرَ كل الخير ، وأكثَر اللهُ من أمثاله لفائدةِ عبادهِ .

وكم كانَتْ فَرْحَةُ العائلة كلِّها بلبسي الحِجابَ ، وكلُّهم كانوا يعلمون مدى رفضي له ، وبما أنهم يحبونني جداً ويتمنَّون لي الخيرَ ، فرِحوا لرعايةِ الله لي وفضلهِ عَليّ ، وكانت ردةُ فعلهِم موحدةً ، بأنهم قالوا : إنكِ تستاهلينَ هذه الهدايةَ الإلهيةَ ، لأن طيبَتَكِ ورحمتكِ بالناس ، وحُبَّك للخيرِ لا ينقصهما إلا طاعةُ اللهِ ، وكلُّهم يدعون لي بالهدايةِ خُفيةً عني ، وكنتُ حينذاك كما قال الله في كتابه الكريم :


﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾

وأول مَن كان يدعو لي بهذا الخيرِ هو ابني الغالي ، الذي لم يكن يوجِّهُ لي كلمةً مباشرةً بما كنتُ عليه من ضلالةٍ ، احتراما منه لوالدتِه ، ولعلمه الأكيدِ بأني لا أسمحُ لأيٍ كان أن يتَدخَّل في شأني الخاصّ ، وكنت متأكدةً من أنه حزينٌ من أمري ، وأنا الإنسانةُ الأعزُّ عنده في الوجودِ ، وهو يعلَمُ المصيرَ المنتَظَرَ لحالي هذه ، فيدعو اللهَ لهدايتي بينه وبين نفسه ، عرفتُ ذلك بعد أن أصبحَتْ هذه حالي اليومَ ، فأنا أدعو الله من كلِّ قلبي لكل مَن تأخذه تياراتُ أعوانِ الشيطانِ ، ولا يُريد أن يسمعَ نداءَ إنسانٍ عرفَ اللهَ فأنا أدعو أن يعرِفَهُ المحبُّ والعدوَّ ، وكل مخلوقٍ بشري ، ولم تكن فرحةُ زوجةِ ابني بأقلَّ منه بي ، وهي التي أحبَّتْني بكل كيانِها .
2ًـ بدَّلْتُ أشرطةَ الكاسيت المحشوةَ بالأغاني العابثةِ بعواطفِ الضعفاءِ السُفهاء ، وسجَّلت بدلاً منها دروساً دينيةً وفقهيةً ، تُعينُني على معرفةِ ما ينقصني ، وأُساعد بها كلَّ من يرغبُ في التعلَّم من أمورِ الدين، من إِخواني ، وجاراتي ، ومعارِفي ، فجعلْتُ منها سبيلَ خيرٍ، نتداولُه بيننا ونتناقَشُ مضمونَة .
3ًـ أشرطة الفيديو كاسيت التي تحتوي حفلاتِ أعراسٍ كانت تُقام في الفنادقِ وصالاتِ الأفراح ، والتي كنتُ أمارسُ هوايتي في تصويرِ بعضِ فقراتِها ، فبدَّلتُها أيضاً بتسجيل الموادّ التي تتعلقُ بأمور الدينِ ، من علومٍ فقهية ، ودراساتٍ قرآنيةٍ ، وتفاسيرَ ، كي يتسنَّى لمن لديهم قناةً فضائيةً ، أن يستفيدَ منها .
4ًـ وأيضاً هوايتي في مطالعةِ المجلاتِ الفنيةِ ، والقصصِ العاطفيةِ ، بدَّلْتُها بقراءة الكتبِ الدينيةِ ، والتفاسيرِ القرآنيةِ ، وقصصِ بطولةِ الصحابة الأجلاَّء ، وقصصِ الأنبياءِ والرُّسلِ ، فيلمسَ الإنسانُ مدى صعوبةِ تكليفِ الأنبياءِ والرسلِ بإعلاء كلمةِ الله . فيُحسُّ بضآلة حجمه المتعالي ، وبتفاهةِ أعمالِه القيمة بنظره مهما كَثُرت ، مقارنةً بأعمال الأنبياءِ وعذابهم ومعاناتِهم من معانَدَة خصومهم ، ومقارنةً بأعمال الصحابةِ والأولياءِ الصالحينَ . 5ًـ تعلمْتُ القرآنَ وحَفظْتُ بعضَه ، وأدخَلْتُ في رأسي آياتِ الله، بدلاً من كلماتِ الأغاني الرخيصةِ التي كنتُ أحفَظُها وأمارسُ بها هوايتي في الغناءِ ، وحَفظْت من سُور القرآنِ الكريمِ ما لم أكن أحلَمُ بهِ ، ولشدةِ فرحتي ، كنتُ كلَّما حَفِظْتُ سورةَ ، أسجُد سَجدةَ شُكرٍ لله ، على فضلِهِ ، أَحمَدُه عليها بكل كلماتِ الحمدِ التي تعلَّمتَها ، تعبيراً لامتناني لفضلِهِ ومعونَتهِ ، وكلَّما حَفْظت سورةً أقرأُ تفسيرَها وأسبابَ نزولِها في كتبٍ مخصَّصَة ، وكم من فرقٍ شاسعٍ بين من يقرأُ القرآنَ دون فهم ، وبين الذي يرتِّلُهُ مع تَدبُّرِ معانيه ، وقد تبيَّن لي هذا الفرقُ بعد أنْ تعلَّمْتُ أصولَ التلاوةِ ، والتجويدِ ، فشتانَ بين هذا وذاك ، وإن الإنسانَ ليَعيشُ أحداثَ القرآنِ ، من زمانٍ ومكانٍ ، ويتعاطَفُ مع هذا النبيّ ، ويبكي حالَ آخرَ ، بسبب إيذاء المشركينَ له ، ويَرثي الإنسانُ حالَه أمام تهديدِ الله ووعيدهِ للعصاةِ ، ويتعَّرف على رحمة اللهِ للمطيعين كل ذلك من خلال قراءة القرآن بتدبُّر ، فيبدأ بمحاسبة نفسهِ ، ماذا يفعلُ بالتكليف الذي كلَّفه الله به في هذه الحياة ؟ هل وجُد كي يأكلَ ويتسلى وينامَ ؟ ثم يمضي به العمرُ فيوافيَه الأجلُ ، وكأنه شيئاً لم يكن ؟ ، أم وُجِد ليتعرفَ على عظمةِ الخالقِ ويؤمن بوحدانيَّته ، ومن ثم إعلاء كلمتِه والانصياع لأمرِه ، وتنفيذِ سُنن أنبيائه ، ومن ثم النهايةُ الحتميةُ ؟ ، فإما جزاءٌ بالجنان ، وإما عقابٌ بجهنَّم . وعلمْتُ بتوفيقِ الله وبما يسره لي من حفظ من القرآن ، أنَّ اللهَ لا يخيِّبُ من استعانَ به أبداً .




أصبحَتْ زياراتي كلُّها لنقلِ ما أتعلَّمُ من أمورِ ديني ، وتطبيقهِ مع الأهلِ والمعارفِ ، ومن أحكامٍ فقهية نحتاجُ إليها في حياتِنا اليوميةِ ، وما يلزَمُ كلَّ إنسان الدرايةَ بها وتطبيقها على شكلٍ صحيح ، وكلُّ همي ينصَبُّ في تقويةِ العقيدةِ في عقولِ الصغارِ قبلَ الكبار، بعد أن كنتُ لهم مثالاً في ابتكار الأزياءِ والموضةِ ، فأحاولُ تبديلَ تلك الشخصيةِ المركَّزةِ في أفكارِهم عني ، وإصلاحَ ما أفسدْتُه طوالَ الزمَن من الجهلِ المتوارَثِ بسبب التقليدِ الأعمى في أصولِ الدينِ والعقيدةِ . والانجراف بتيارِ الأهواءِ ، واتّباعِ الشيطان وأوليائِه ، حتى انعدمَتْ عند بعضِ العائلاتِ عبادةُ الله ، فأصبحوا يعبدون التِلفازَ ، ويُؤَلَّهون مُصممي الأزياءِ والزينةِ والموضةِ ، والمستَحَدثاتِ الإلكترونيةَ المُضَلّلةَ والمضنيةَ للعقلِ والجسم ، فأحاولُ قُصارى جُهدي أن أبيِّن لهم مساوئَ ، ذلك وأذكِّرَهم بخالِقِهم الذي نسوا فَضْله عليهم .
7ًـ أصبحَتْ مكالماتي الهاتفيةُ التي كانت تدورُ ساعات ، وبها أحاديثُ القيلِ والقالِ، وأخبارُ الموضةِ ، وأحاديثُ تافهة ، أصبحتِ الآن للأسئلةِ والاستفسارِ من أهلِ العلمِ والخِبرةِ في أصولِ الفِقه والتشريعِ ، والاطمئنانِ على صحةِ مزاولةِ العباداتِ عند الأهلِ والأقاربِ ، والحثِّ على أفضلِها ، وشحنِ الهمةِ على تنفيذِها ، وكنوعٍ من أنواع صلةِ الرحمِ.
8ًـ بدَّلْتُ ثياب الموضةِ والفجورِ بثيابِ الحِشمة الشرعيةِ ، ووهبْت كلَّ ما كنتُ أملكُ من تلك الثيابِ للمحتاجينَ من العرائِس وغيرِهم.
9ًـ بعد أن كان النوم مبلغَ همي للحفاظِ على حَيويَّتي وشبابي ، أصبح هدفاً للتَّقَوّى على عبادةِ الله ، فتكفيني منه ساعاتٌ قليلةٌ ، أنشَطُ بعدها لمناجاة ربي ، وممارسةِ كلِّ ما يجعله يرضى عني ، وأيضاً الطعام .. كنت أُرضي بالتهامِ أطايبه ذوقي الرفيعَ ، ولما قرأتُ قول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( ما ملأ الإنسانُ وعاءً شراً من معدته ))

فأصبح طعامي لا يهمني إلا لسدِّ حاجتي منه ، كيفما كان أقْبَلُه ، المهم أن لا أُضيِّع وقتاً طويلاً في إِعداد أنواعِه ، فكيف أَضيِّعُ وقتي بطهيِ الأطعمةِ وأبدِّدُه بنومٍ طويل ، وقد عرفْتُ أن أمامي واجباتٍ تجاه الأهلِ والناسِ ، وأنه يلزمُني من الوقتِ الكثيرِ لتعويضِ ما فاتني من العباداتِ ، وكيف يهدأ لي بالٌ وقد علمتُ أن كل إنسان وُجِد على وجه الأرضِ عليه أداءُ رسالةٍ سخَّرهُ الله لها ، ويجب عليه الطاعةُ طوعاً أو كرهاً لتحقيق غاية وجوده ، وبدَّلْت معارفي والشلةَ ، بأهل العلمِ وأولياءِ اللهِ .
10ًـ كنت أتنافس مع أفرادِ عائلتي على لبسِ أحدثِ صيحاتِ الموضةِ ، وأحدثِ تسريحاتِ الشعرِ ، وألوانِ الأصبغةِ التي كنا نتسابقُ في متابعتِها ، فأصبحْنا اليوم وبحمدِ الله نتسابقُ على حِفظ القرآنِ ، ونتنافسُ على مداومةِ قيامِ الليل وباقي العباداتِ ، وكم كنتُ أشعرُ بالغَيرةِ الشديدةِ عندما أعلمُ بأنَّ أختي أو ابنتي سبقتني في حفظِ سورةٍ من القرآنِ، فأُضاعفُ مجهودي لأحصِّلُهَّن ، فبدلاً من كوني أحفَظ صفحتين في اليوم أجعلُهم أربعَ صفحاتٍ وأنا أدعو اللهَ من كل قلبي أن يساعِدَني حتى أَلْحَقَ بهنّ ، أو أسبقُهن أحياناً ، ولله الحمدُ والمنَّةُ .
وكم كان سروري عظيماً عندما لحقَتْني ابنتي بلبسِ الحجابِ، والمداومةِ على قيامِ الليلِ ، والصيامِ ، إلى جانب حفظِ القرآنِ ، وكنا نتبادلُ تسميعَ ما يحفظه كلُّ منا ، ويالها من سعادةٍ .. وفَرح أكبرَ بالتحاقِ بقيةِ أخَواتي بهذه المسيرةِ ، مسيرةُ طاعةِ الله ، وأروعُ ما فيها ذلك التنافسُ والتسابقُ في العباداتِ ، إلهي .. ما أجملَ طاعةَ أمرِك! إلهي .. ما أجملَ حبَّك لعبادِك ! . ما هذا الهناءُ الذي أعيشُه ؟ ما هذا العزُّ الذي أشعرُ به ؟ ما هذا التوفيقُ الذي أَلْمسُه في أيِّ أمرٍ أطلبُه منك ؟! جلَّ ثناؤك . إلهي .. إنك على كل شيء قديرٍ .
11ً - بَدَّلْتُ هوايتي لكتابةِ مذكَّراتي ، ومعاناتي في الحياةِ ، وكتابةِ القَصَصِ التافهةِ، بنَسخ وتلخيص كلِّ ما أقرأُ من كتابٍ قيِّمِ أجد فيه ما يساعِدُني أنا ومن حولي في القضاءِ على جهلِنا ، في كتيِّب صغيرٍ يكونُ عوناً لي على سُرعِة التَّذكُّر .
وأخيراً هداني اللهُ أن أكتُبَ قِصةَ توبتي ورُجوعي إلى خالقِي، وما اعتراني في ذلك من صراعاتِ ، ومن مدٍ وجَزر بين نفسي وفكري، حتى توصَّلتُ بعونِ الله إلى البيانِ الأكيدِ.
وكُلِّي أملٌ ورجاءٌ بالله العزيزِ الحكيمِ أن يجعلَ من قِصَّتي هذه عبرةً يستفيدُ منها مَن كان على شاكلتي ، ويهديَه الذي هداني ، إلى ما صِرْتُ إليه من السعادةِ الحقيقيةِ ، والهناءِ والاطمئنانِ واحترامِ الذات واحترامِ الناس لي ، وأقولُ وبكلّ صِدقٍ أنَّ شخصيةَ المرأةِ المسلمةِ الحقةِ محتَرَمةٌ جداً ، وقويةٌ وذلك بإعلاءِ كلمة اللهِ وإرضائه جداً . وكم أشعُر بالحُزْنِ عندما أُلاحِظُ أنَّ أكثرَ شبابِنا وشابَّاتنا لا يفقهون شيئاً من أمورِ دينِهم القويمِ ، واستهتارِهم بمبادئِ الإسلامِ القيِّمةِ . فأُحسُّهم في ضياعٍ وحَيرةٍ ، لاْ هُم توصَّلوا إلى إرضاءِ أهاليهم الذين أنشئوهم هذه النشأةَ الخاطئةَ ، ثم يتذمرون من انحرافاتِهم ، وعدمِ طاعِتهم ، ولا هم توصَّلوا إلى طاعةِ ربِّهم ، وأنّى لهم ذلك ولم يَجدوا منْ يعلِّمهم أمورَ دينهم ، ويحثُّهم على تنفيذِها ، فأخذوا يتماوَجون بين أوامرِ الأهلِ وأوامرِ الشيطانِ باضطراباتٍ نفسيةٍ مؤلمةٍ ، يعبِّرون عنها بتصرفاتٍ عدوانيةٍ بإيذاء الغيرِ ، وبالفوضى ، وعدمِ التركيزِ أثناءَ تفريغ شحناتِ طاقاتِهم ، فأشعرُ بالخُسران والهَدْرِ لطاقات فتيَّةٍ فذَّةٍ كان يُمكن الاستفادة منها واستغلالُها بما يُفيد الوطنَ والناسَ ، أُسوةً ببعضِ الشبابِ والشاباتِ الذين تربَّوا على الرادع الديني السليم ، والمبادئِ الإسلامية ، فشكَّل عندهم رادعاً ذاتياً مريحاً ومفيداً .
وأشدُّ ما يُحزنُني أيضاً ، أنَّ أغلَب فتياتنا وبعضَ نساءِنا المسلماتِ يلبَسون الحجابَ مقروناً مع أحدثِ الأزياءِ والإكسسوارات والماكياج ، ويتفننون في طريقةِ وضْعهِ كل فترةٍ بشكلٍ جديد وكأنهم يَملّون من شيءٍ فُرِض عليهم قَسراً .
لماذا ؟ كيف تفَشَّى هذا بين المسلماتِ ، وكيف يَنْقَدْن إلى تنفيذ واتِّباع كلِ ما يوحى إليهن دونَ التمعُّن في الأمرِ ، ومعرفةِ المبْتَدَعِ ومحاربتهِ باستنكارِ بِدعَتِه ، بَدَلَ ترويجِها ، وكلَّما وجَّهْتُ ملاحظةَ أو نصيحةً في هذا الأمر ، أسمع جواباً موحَّداً : ( كله هيك أحسن من بلا).
ما هو الذي أحسنُ من بلا ؟! أينَ الهدفُ من ذلك اللباسِ ؟ أين إرضاءُ الله في تشريعهِ ؟ أين حبُّ الله ؟ أين الخوفُ من الله ؟ أم كان الهدفُ إرضاءَ الناسِ وتخريسَ ألسِنَتهم بشكلٍ يُرضي الجِهَتَين ؟. إذا كان الأمرُ كذلك فأَرْجوهم رجاءً حاراً بأن لا يشوِّهوا دينَ اللهِ لإسكاتِ عبادهِ على حسابِ دينهِ ، لا أحدَ على وجه الدنيا يستأهل أن نرضِيه قَبل الله ، لأن جزاءَنا وعقابَنا منه ، ورجوعُنا إليه جلَّ وعلا ، فكيف نُرضي بشراً مخلوقاً ونستهينُ بإرضاءِ الخالقِ !!..
وتلك الفتياتُ اللواتي يلبَسن مع الحجابِ بنطلونَ الجِينز ، والكُمَّ القصيرَ ، والصدرَ المكشوفَ ، والمكياجَ الصارخَ ، ويَضعْن تلك القِطعةَ من القماشِ بألوانٍ زاهيةٍ جميلةٍ ، وبطريقةٍ تَزيدُهُنَّ جمالاً ، وكأنّهنَّ يتحدَّينَ بذلك السافراتِ ويتنافسْن معَهن على إبرازِ ما لديِهنَّ من جمالٍ وفِتنَةٍ ، وأشدُّ ما يَغيظُني أنهنّ يُسَمونه حِجاباً ، مع أنَّ اسمَ الحجابِ دليلٌ واضحٌ لمعناه ، بأنه يَحجبُ مفاتنِ المرأَةَ عن أعيُنِ الرجالِ ، فما الذي حَجَبه ذلك الذي يسمونَه حجاباً، وهو في الواقع تقليعة !!.
كيف الوصولُ إلى إرضاءِ اللهِ ، لرفعِ مقتِهِ وغَضَبِهِ ، مع هذا الاستهتارِ ؟! وكلَّما أُشاهُد هذا الذي أصبح - كله هيك - متفشياً ، أَشْعُر بقلبي يتمزَّق أسىً ، لهذا التسيُّبِ والاستهانة بأمرِ الله ، خاصةً من الأهلِ الذين أُحسُّ بفرحِهم ورضاهم بأن بناتِهن ملتزماتٌ بدينِهنَّ وعلى أحسنِ ما يُرام ، وكيف يكون - أحسن من بلا - وهو في منتهى الإِغراء وإظهارِ جميع أَجزاْء الجِسم وبشكلٍ أشدَ للفتنةِ ، ولفتِ نظر الشبابِ ، والتشبُّه بالرجال ، ألا يعلَمْن أن اللهَ لعن المتشبهاتِ بالرجال ؟ على من يضحكون ؟ ومِنْ مَن يسخرون ؟! وبِمَ يستهترون ؟ ألا يقرؤون قوله تعالى :

﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

:)
:(
hihi
:-)
:D
=D
:-d
;(
;-(
@-)
:P
:o
:>)
(o)
:p
:-?
(p)
:-s
(m)
8-)
:-t
:-b
b-(
:-#
=p~
$-)
(y)
(f)
x-)
(k)
(h)
cheer

Pages