الحلم سيِّدُ الأخلاق.
يمتلئ بها قلب المسلم، هذه الرحمة تنعكس ليناً وحلماً، واللين والحلم يجعل القلوب تهفوا إلى هذا الإنسان، قانون:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
( سورة آل عمران: آية " 159 " )
إذاً ما الحلم ؟ الحلم إنسان اتصل بالله فامتلأ قلبه رحمةً، هذه الرحمة جعلت قلوب الناس تهفوا إليه.
فالنبيُّ عليه الصلاة والسلام على خلقٍ عظيم، ومن أبرز أخلاقه الحلم، أعرابيٌ جاء النبي صلّى الله عليه وسلَّم يستعينه في شيءٍ فأعطاه، أعطاه شيئاً، ثم قال:
أحسنت إليك ؟ قال الأعرابي لا. - من بدا فقد جفا - قال: لا، ولا أجملت. فغضب المسلمون، وقاموا إليه. فأشار إليهم أن كفّوا، ثم قام النبي صلّى الله عليه وسلَّم فدخل منزله، ثم أرسل إلى الأعرابي، فدعاه إلى البيت، فقال:
إنَّك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت - ما أعادها له، لألا يحرجه-، فزاده رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم شيئاً، ثم قال: أحسنت إليك ؟ قال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً.
فقال له النبي صلّى الله عليه وسلَّم:
إنَّك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، وقلت ما قلت، وفي نفس أصحابي شيءٌ من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت الآن بين يدي - من أجل سلامته -، حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك. قال: نعم.
فلما كان الغدُ، أو العشيُّ، جاء فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم:
إنَّ صاحبكم هذا كان جاء فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال، وإنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه، فزعم أنّه قد رضي، أكذلك يا أعرابي ؟ - صحيح-، قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً.
فقال أبو هريرة: فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي، كمثل رجلٌ له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحب الناقة: خلّوا بيني وبين الناقة، فأنا أرفق الناس بها وأعلم، فتوجَّه لها صاحب الناقة بين يديها، فأخذ من قُمام الأرض - من حشائش الأرض فردَّها حتى جاءت واستناخت، وشدَّ عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال ما قال فقتلتموه دخل النار.
معنى ذلك أن الحلم رحمة.. أعرابي فظ قال له: لا أحسنت، ولا أجملت.. الصحابة لا يحتملون هذا عن نبيّهم، لو أن النبي تركهم فقتلوه لدخل النار، دخل النار عاصياً، مات عاصياً، لكنَّه ترفَّق به ودعاه إلى البيت ثانيةً، وزاده وقال: هل أحسنت ؟ قال نعم، قال: قل هذا الكلام بين أيديهم، ليذهب ما في صدور أصحابي.
هذا الحلم.. الحلم رحمة، الحلم يدل على أنّك موصولاً بالله، والإنسان حينما يبطش، حينما يسحق، حينما ينتقم، معنى ذلك أن قلبه قاسي.. هذه واحدة.
ابتاع النبي صلّى الله عليه وسلَّم جزوراً من أعرابي، بوثقٍ من تمر الذخيرة، فجاء به إلى منزله فالتمس التمر فلم يجده في البيت، - النبي لم يجد التمر في البيت - فخرج إلى الأعرابي فقال:
يا عبد الله، إنا ابتعنا منج جزورك هذا بوثقٍ من تمر الذخيرة، ونحن نرى أنه عندنا، فلم نجده. فقال الأعرابي: وا غدراه -أي غدرتني-. فوكزه الناس، قالوا: تقول هذا لرسول الله ! فقال عليه الصلاة والسلام: دعوه.
توجد مجموعة مواقف، هؤلاء الذين وقفوها لرسول الله لو وقفوها من غيره لطارت رؤوسهم، قال الأعرابي له: وا غدراه. قال: دعوه.
قد يقول أحدكم: لما سمح الله لهذا الأعرابي أن يقول هذا الكلام؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لو لم يواجه مثل هؤلاء الأشخاص أين يظهر حلمه ؟ وكيف يكون قدوةٌ لنا ؟ هذه الأحداث أرادها الله عزَّ وجل من أجل أن يظهر كمال النبي، ومن أجل أن يكون النبي قدوةٌ لمن بعده من الأمراء، ومن العلماء، مهما كان الموقف فيه فظاظة، فيه غلظة، قلبه الرحيم أوسع من فظاظة الأعرابي، قلبه الرحيم أوسع من غلظة هذا الإنسان، فقضية الحلم قضية رحمة، يجب أن نفلسفها هكذا، وليست قضية دم بارد، فيوجد أشخاص أحياناً يفرِّغون الحلم من مضمونه فيقولون: هذا دمه إنكليزي بارد... الحلم صار دم إنجليزي.
الحلم.. أي رحمة، الحلم اتصال بالله، الحلم شفقة على هذا الإنسان، فمثل بسيط:
لو كان طبيباً جلدياً، وجاء مريضاً معه مرضاً جلدياً شديد الإزعاج.. فبعض الأمراض الإنتانية تصيب الجلد بأكمله، فليس بالإمكان أن تتطلَّع فيه.. فلو طبيب جاءه مريضاً مصاباً بمرضاً جلدياً مستفحلاً أيحقد عليه ؟ أم يشفق عليه ؟ يشفق عليه.

كذلك حال الإنسان مع أخيه الإنسان الشارد التائه.. فالمريض معه مرض جلدي، أو معه مرض عضال، فأنت كطبيب تشفق عليه، ولا تحقد عليه.. فلو أن حال المؤمن مع الآخرين كحال الطبيب مع المرضى، بدل أن يحقد عليهم يشفق عليهم.
فعندما يغلط الإنسان كأن يسب الدين في بعض الأحيان، أو أن يتكلَّم بكلام بذيء، أو يعترض على قضاء الله وقدره، أو أحياناً يتكلَّم كلاماً فيه كفر، فأنت بدل أن تحقد عليه، ينبغي أن تشفق عليه، وأن تحتويه، لا أن تعين الشيطان عليه، أنت أمام أحد أمرين.. إما أن تعينه على الشيطان، وإما أن تعين الشيطان عليه.
بلغ سيدنا عمر أن أحد أصدقاؤه ذهب إلى الشام وانغمس في شرب الخمر، أرسل له رسالة يقول فيها:
أما بعد.. أحمد الله إليك غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب ذو الطول.
قال: هذا الصديق قرأ الكتاب وبكى حتى تاب من شرب الخمر. فلما بلغ سيدنا عمر الخبر، قال: هكذا اصنعوا مع أخيكم، كونوا عوناً له على الشيطان، ولا تكونوا عوناً للشيطان عليه.
فأحياناً يتكلَّم الإنسان بكلمة غير صحيحة، فتجد إنسان بدافع الغيرة.. يا غيرة الله.. يقسو عليه، فيزيده كفراً، العبرة أن تستجلبه، العبرة أن تحتويه، العبرة أن يكون حلمك أوسع من غلطته، أما بداعي، أو بزعم الغيرة على الدين تسحقه.
فلذلك أيها الأخوة قصد المؤمن نبيل، قصد المؤمن أن يأخذ بأيدي الناس إلى الله، لا أن يسحقهم بدافع الغيرة على الدين.
أيضاً.. جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: يا رسول الله.. إنّ دوساً قد عصت، وأبت، فادعوا الله عليها. فاستقبل النبي صلَّى الله عليه وسلّم القبلة، ورفع يديه فقال الناس: هلكت دوس. - دعاء النبي لا يردّ أبداً، دعاء النبي مستجاب-، ماذا قال النبي ؟ قال:
اللهم اهدي دوساً وأتي بهم.
ما بعثه الله لعّاناً، ولكن بعثه هادياً.
يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: بينما نحن عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم وهو يقسم قسماً، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجلٌ من بني تميم، فقال: يا رسول الله.. اعدل. فقال:
ويلك.. من يعدل إن لم أعدل ؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله إذن لي في أن أضرب عنقه. فقال له: دعه، فإن له أصحاباً. أي لئلا يقال: إن محمداً يقتل أصحابه.. دعه.
وقد ورد أيضاً بالسيرة، أن سيدنا العبّاس كان في مكة عين النبي صلّى الله عليه وسلَّم، وهناك ما يؤكِّد هذه الحقيقة، فجاءت معركة بدر، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال كلمةً مختصره، قال:
لا تقتلوا عمي العبّاس.
من دون تعليل، بعض أصحاب النبي نظر في الأمر وقال: أحدنا يقتل أباه وأخاه، وينهانا عن قتل عمّه ! فكأنّه أخذها عصبيّةً، فقد قاله هذه في نفسه.
ثم اكتشفت الحقيقة وهي أن سيدنا العبّاس كان مسلماً، وكان عين النبي، لو أن النبي فضح أمره فقال: عمي مسلم، لا تقتلوه. لأنهى دوره، لو أن العبّاس لم يخرج مع المشركين في قتال رسول الله لفضح أمره أيضاً، لو أن النبي سكت لقتلوه.. فليس هناك حلاً لذلك.. إن سكت قتلوه، وإن قال: عمي قد أسلم، فقد أنهى بذلك دوره، والعبّاس إذا لم يخرج مشاركاً في القتال كشف أمره، فلا بدَّ من هذا النهي غير المعلل، قال: لا تقتلوا عمي العبّاس. هذا الصحابي الذي ظنَّ برسول الله الظنون قال:
والله بقيت أتصدَّق عشرة سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظنّي برسول الله.
فهل ممكن أن يحابي النبي أهله ؟ مستحيل، فهذه نبوّة، كمالٌ مطلق.
كُسرت رباعيَّته صلَّى الله عليه وسلَّم يوم أحد، وشُجَّ، فجعل الدم يسيل على وجهّه، وهو يمسح الدم ويقول:
كيف يفلح قومٌ خضب وجه نبيِّهم بالدم، وهو يدعوهم إلى ربِّهم ؟
فأنزل الله تعالى:
﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)﴾
( سورة آل عمران: آية " 128 " )
قسم النبي صلّى الله عليه وسلَّم قسماً، فقال رجل: والله ما أريد بهذا وجه الله. - يتكلَّم عن النبي -، فذكرت ذلك فتمعَّر وجه النبي، ثم قال:
يرحم الله أخي موسى، قد أوذي بما هو أشدُّ من هذا فصبر.
ما خيَّر النبي صلّى الله عليه وسلَّم في أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله عزَّ وجل.- أما أنه انتقم لنفسه، ما فعلها في حياته -، هذا من حلمه صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال سيدنا أنس: كنت أمشي مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه بردٌ نجراني، غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه - أي شده - بردائه جبذةً شديدةً حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد أثَّرت بها، - حاشية البرد من شدَّة الجذب -، ثم قال: يا محمَّد مر لي من مال الله الذي عندك . – يا لله أعطني وبغلظة قالها - فالتفت إليه النبي الكريم، ثم ضحك وقال: أعطوه.
ذكرت لكم عدة حوادث، لو كانت مع غيره لطارت رؤوسهم من توِّهم، ولكنَّ النبي عليه الصلاة والسلام سيِّد الحلماء، فهذا في أعلى درجات قوَّته، فإذا إنسان ضعيف، وإنسان آخر تطاول عليه.. يقولون: لا يقدر عليه.. أما كان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات قوَّته، وكان إذا حرَّك رأسه ينفَّذُ أمره، ومع ذلك شخص جذبه جذبة شديدة عفى عنه، والثاني قال له: اعدل يا محمّد، والثالث قال له: ما أريد بهذه القسمة وجه الله عزَّ وجل، هذا هو الحلم، والمؤمن يجب أن يتخلَّق بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام.
يروا أن سيدنا معاوية خليفة المسلمين، وهو في أعلى درجات قوَّته، جاءه كتاب من أحد المواطنين يقول في:
أما بعد.. فيا معاوية إن رجالك قد دخلوا أرضي، فانههم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأنٌ والسلام.
مستحيل أن يخاطب مواطن الخليفة بمثل هذا الكلام.. أما بعد.. فيا معاوية - باسمه يخاطبه -، إن رجالك قد دخلوا أرضي، فانههم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأنٌ والسلام.
سيدنا معاوية أراد أن يمتحن ابنه يزيد.. فقال له: تعالى يا يزيد اقرأ هذا الكتاب، ما قولك ؟ فنظر يزيد إليه والدم يغلي في عروقه، وقال لوالده:
أرى أن ترسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتوك برأسه.
فقال له: غير ذلك أفضل.. جاء بالكاتب وقال له: أكتب.. أما بعد لقد وقفت على كتاب ولد حواري رسول الله - ابن الزبير -، ولقد ساءني ما ساءه، والدنيا كلُّها هيِّنةٌ جنب رضاه، لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها.
يأتي الجواب.. يقول له فيه:
أما بعد.. فيا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك، ولا أعدمك الرأي الذي أحلَّك من قومك هذا المحل.
جاء بابنه يزيد وقال له: أنظر هذا هو الجواب.. أنت تريد أن نرسل له جيش نأتي برأسه. قال له:
يا بني من عفى ساد، ومن حلُم عظم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب.
الحلم سيِّد الأخلاق، وكاد الحليم أن يكون نبيا، والحلم رحمة، والحلم معرفة بالله، والحليم له قلبٌ ممتلئ شفقةً على الخلق، لذلك لا ينتقم لنفسه أبداً.
ذات مرة عروة بن الزبير خاصم رجلاً من الأنصار، فحكّما النبي صلّى الله عليه وسلَّم، كان الخلاف بينهما على ماء، قال له:
اسقي يا زبير ثم أرسل إلى جارك.
فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله لأنه كان ابن عمَّتك - فعروة ابن عمة رسول الله، وهذا قد جعل الرسول شخصاً عادياً، أنت حكمت لصالح ابن عمَّتك، وهذا بحقِّ الأنبياء مستحيل -، فتلَّون وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم - إنسان يقول للنبي: لأنه ابن عمَّتك حكمت له، جعله غير عادل -، هذا موقف.
والموقف الآخر قال له: ما أريد بهذا وجه الله، والموقف الثالث: اعدل يا محمد.. قال له: ويحك من يعدل إن لم أعدل، والموقف الرابع.. أعرابي جذبه من ردائه حتى أثّر على صفحة عنقه.
فهذا كلُّه يؤكَّد أن هذا النبي العظيم سيِّد الأخلاقيين، وإنَّك لعلى خلقٍ عظيم، وهذه القصص النبي غنيٌ عن مدحنا، غنيٌ عن تقديرنا، لكنَّ هذا دروسٍ لنا من أجل أن نكون حلماء، والإنسان كلما ارتقى إيمانه يشتدُّ حلماً، كلَّما ارتقى إيمانه يتَّسع قلبه لأخطاء الناس.
أما هذا الذي ينتقم لنفس في مرتبة دنيا لا يزال، لأن هدفك الله عزَّ وجل..
صدِّقوني.. أيَّة إساءةً أبلغ من أن يتهِّم الناس ابنتك بالزنا وهي عفيفةٌ طاهرة ؟ هذا مسطح اتهم ابنة سيدنا الصديق بالزنا، ومسطح قريبه، ومسطح كان ينعم عليه، ويغدق عليه العطايا، فلمّا اتهم ابنته بالزنا وشاع حديث الإفك بين الناس، أوقف الصديق عطاءاته لمسطح، فعاتبه الله عزَّ وجل بقوله تعالى:
﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)﴾
( سورة النور: آية " 22 " )
لو ساد الحلم بيننا.. أكثر من ستة آلاف دعوى في قصر العدل فقط في فرع واحد من محاكم القصر، كلها دعاوى كيدية، لو كان هناك إيمان لاسترحنا وأرحنا.. فهل يعقل أن سيدنا عمر يستلم وزارة العدل في عهد سيدنا الصديق سنتان، وفي خلالهما لم ترفع إليه قضية واحدة ليحكم فيها !! فهذا والله شيء يصيب القاضي بالملل، ولا مشكلة، فلو تراحم الناس، وكانوا حلماء، و اتسعوا ببعضهم لكنا في حال غير هذا الحال، أعصاب الناس تالفة من الكيد، والحقد، والانتقام، وكل واحد يريد أن يكسر رأس الآخر، الناس يعيشون في مستنقع، هذه الأحقاد.. فتجد دعاوى، وخصومات، وتحكيم على سنتيمترات قليلة، وعلى أشياء بالغة السخافة، ولكن الإنسان عندما يكون بعيداً عن الله عزَّ وجل الشيطان ينفخ فيه، ويزيده حقداً، ويزيده تعنُّتاً، ويزيده صلفاً، وكبراً، وغطرسةً، فحال المؤمنين حال آخر.
ملخَّص الملخَّص.. الحلم رحمة، والرحمة اتصال بالله، موصول، رحيم، حليم.. مقطوع، قاسي، فظ، منتقم. والحمد لله رب العالمين.
والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وأرضى عنا، وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمّي، وعلى آله وصحبه وسلَّم