رغم أننا جميعا نعلم أن الظلم حرام وأن عواقبه وخيمة سواء فى الدنيا أو فى الآخرة إلا إننا للأسف كثيرا ما نقع تحت طائلة الظلم سواء بعلم أو على جهل وتناسينا قول الحق سبحانه وتعالى(إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) الكهف ) وقوله تعالى: " لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون * إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هــواء" ) إبراهيم 43،42) ومن الأحاديث النبوية نذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الظلم ظلمات يوم القيامة)رواه البخاري
وثبت في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - - بعث معاذاً إلى اليمن وقال له : (اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه البخاري و مسلم.
والظلم من الصفات الدنيئة والأخلاق الرذيلة ، ولهذا نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه عنه ، فقال : { إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون } ( يونس:44( ، بل وحرمه تعالى على نفسه ، كما في الحديث القدسي : ( يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) رواه مسلم ، ثم إن الظلم من أعظم البلايا التي ابتُليت بها البشرية ، وهو شقاء على الفرد والمجتمع معاً ، وما من مصيبة تقع على مستوى الأفراد والشعوب إلا وكان الظلم سببها ، وقد قرر القرآن هذه الحقيقة وبيّن أن سبب هلاك القرى والأمم ظلم أهلها ، : { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } ( القصص:59 ) ، وقال أيضاً : {وما كان ربك ليُهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } ( هود:117(.
وكان من سنن الله الكونية - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - خذلان الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ، و نصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ؛ فالعدل والحق هو الأساس الذي قامت عليه السموات والأرض ، يقول الله عزوجل : { ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى( الأحقاف:3 )والمتدبر لكتاب الله تعالى وسنة نبيه - - يجد نصوصاً كثيرةً قد ذمّت الظلم وأهله وحذّرت العباد منه ، وقد ذكر الله تعالى الظلم في أكثر من مائتين وأربعين موضعاً ، محذرًا منه بأساليب مختلفة واشتقاقات متنوعة ، فتارةً بتنـزيه الله تعالى نفسه عن هذه الصفة ، قال تعالى : { وما ربك بظلام للعبيد ( فصلت:46 ) ، وتارة بالأمر بالعدل مع الناس كلهم حتى مع غير المسلمين ، قال عزوجل : ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } ( النحل:90 ) وقال : { ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } ( المائدة:8 ) ، وأحيانا يأتي ذم الظلم بذم أهله مقروناً بمقت الله لهم ، كقوله تعالى : { وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما } ( طه:111 ) ، ووصف سبحانه ما دون الشرك من المعاصي بالظلم فقال سبحانه : { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } ( الأعراف:23
أنواع الظلم تتعدد لفظة الظلم في القرآن الكريم، فهي ترد في كثير من الأحيان بحق من ظلم نفسه، كما ترد بحق من ظلم الآخرين واعتدى عليهم.
وقد اعتبر الراغب الأصفهاني أن ظلم النفس يدخل تحته كل أنواع الظلم، لأن الظالم أول ما يهمّ بالظلم يكون قد ظلم نفسه.
فالظلم إذاً متعدد، فقد يكون في أغلب الأحيان ظلم للنفس، عن طريق بُعد الإنسان عن الالتزام بمنهج الله واتباعه لمنهج الشيطان، فيخسر بذلك الدنيا والآخرة، وقد ورد ذكر هذا النوع من الظلم في القرآن الكريم بقوله عز وجل: " إن الشرك لظلم عظيم)لقمان 13) وقوله تعالى: "والكافرون هم الظالمون ) البقرة 254)ويدخل في هذا النوع أيضاً الظلم الذي ينال الأمة بأسرها حين تبتعد عن منهج الله، وعن العمل على رفع راية " لا إله إلا الله " عبر إقامة منهج الله، فتظلم نفسها ويتكالب الأعداء عليها، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لم يَعِدْ الأمة الإسلامية بالنصر إلا في حال الالتزام بالمنهج الرباني، فقال عز وجل: "ولينصرن الله من ينصره( الحج 40).
وقد يأتي الظلم من قبل الآخرين، حيث يقومون بنهب الأموال وانتهاك الأعراض والمشي بين الناس بالنميمة بغية تخريب البيوت وإشباع نزعات الحسد والحقد التي تملأ قلوب بعض من فقد الإيمان بالقضاء والقدر.
وقد وصف الراغب الأصفهاني الظالم بأنه "يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تقاضي العدالة بالطبع والخُلُق والتخلق والتصنع والرياء والرغبة والرهبة، فقد انسلخ من الإنسانية"
خطورة الظلم تعتبر معصية الظلم أشد المعاصي لما فيها من "مبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار "
لذلك فقد قرن الله سبحانه وتعالى العفو عن هذه المعصية بعفو المظلوم وطلب المغفرة منه، وإلا أخذ الله من حسنات الظالم وجعلها في ميزان حسنات من ظلمه، وقد حذر العلماء رضوان الله عليهم من خطورة الظلم فقال سفيان الثوري رحمة الله عليه: "إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنباً فيما بينك وبين الله، أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد (السمرقندى _تنبيه الغافلين ).
ومن هنا تأتي أهمية علاج موضوع مثل موضوع الظلم، وتبيان عقوبة الله للظالم، ونصرة الله للمظلوم .
عقوبة الله للظالم لابد للظالم في البدء من أن يعرف من الذي يبارزه بالمخالفة، فهو يبارز الله عز وجل، وهو إذا أفلح في الانتصار على المظلوم، فإنه لن ينجو من الذي لا يسهو ولا ينام، وقال تعالى في وصف تصرفات هؤلاء الظالمين يوم القيامة بقوله: "ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة " (الزمر 47 ) .
والله سبحانه وتعالى، وإن أمهله، إلا أنه لن يتركه بدون عقاب، وذلك لأسباب عديدة منها:
أولاً: تحريم رب العالمين للظلم، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ")رواه مسلم
ثانياً: اتصاف رب العالمين بصفات كثيرة ذكرها لعباده وحذرهم منها، ومن هذه الصفات أنه المنتقم، الشديد العقاب، وقد عرف الغزالي المنتقم بأنه " الذي يقصم العتــاة، ويُنَكِّل بالجناة، ويشدد العقاب على الطغاة، وذلك بعد الإعذار والإنذار، وبعد التمكين والإمهال
ثالثاً: أمر الله عباده بنصرة المظلوم والابتعاد عن الظالم: فقال تعالى: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا، فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " (هود 113)رابعاً: إنزال الله سبحانه وتعالى العذاب بالظالم في الدنيا قبل الآخرة، فقال عز وجل "وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون"
الطور 45 )
ومن العذاب الدنيوي أيضاً موت الولد والإبادة الجماعية، وهذه العقوبة جاءت بها كل الشرائع السماوية إلا أن أبناء هذه الشرائع قاموا بتبديل ما أتاهم خدمة لأهوائهم، فقد ذكر سبط ابن الجوزي أن الله أوحى " إلى موسى عليه السلام: قل لبني إسرائيل يجتنبوا الظلم، فوعزتي وجلالي إن له عندي مغبة سوء، قال موسى: رب وما مغبته؟ قال: أَثْكُلُ فيه الولد، وأُبيد فيه العشيرة، وأُقَصِّر فيه الأجل ثم الثَّواءُ بعد ذلك النار "
وقد جاء القرآن الكريم ليؤكد على هذه العقوبة، حيث جاء في مجلس ابن عباس، " قال كعب الأحبار: إني لأجد في كتاب الله المنزل ( أي التوراة ) " إن الظلم يخرب البيوت "، وقال ابن عباس:" قد أوجدك الله في القرآن: " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا " (النمل 152)خامساً: تأخير الله سبحانه وتعالى العقاب الأكبر لليوم الآخر، فقال عز وجل: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"(الشعراء 227)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضَرَبَ ضرباً ظُلماً اقْتُصَّ منه يوم القيامة" (البخاري)
سادساً: جعل الله للمظلوم سبيلاً على الظالم، وجعل دعوة المظلوم لا ترد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتق دعوة المظلوم، فإنها ليست بينها وبين الله حجاب " (البخاري)
وأنشد أبو طاهر الخز يمي شعراً فقال:
لا تظلمن إذا ما كــــنت مقتدراً... فالظلــــم آخره يأتيك بالنــدم
نامت جفونك والمظلوم منتصب... يدعو عليك وعين الله لم تنم
نصرة المظلوم وعد الله سبحانه وتعالى المظلوم بالنصر ولو بعد حين، وقد فتح له أبواباً عديدة وأمكنه من الاستعانة بها في حال تعرضه للظلم، منها:
أولاً: فتح باب الشكوى والتظلم، فقال تعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً " (النساء 148)
قال الطبري من طريق السدي: قال في قوله: "إلا من ظُلم " أي فانتصر بمثل ما ظُلم به فليس عليه مَلام.
ثانياً: الرضا بالقضاء لأن ما حصل، وإن كان على يد ظالم، إلا أنه حصل بقضاء الله وقدره.
وقد قال ابن قيم الجوزية: "فكل ما تراه في الوجود ـ من شر وألم وعقوبة وجدب، ونقص في نفسك ومن غيركـ فهو من قيام الرب تعالى بالقسط، وهو عدل الله وقسطه، وإن أجراه على يد ظالم، فالمسلِّط له أعدل العادلين (22)، كما قال تعالى لمن أفسد في الأرض: "بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار" (الاسرار 5)
ثالثاً: الثقة بحكمة رب العالمين بأفعاله، فقصة الخضر مع موسى عليهما السلام ماثلة للعيان حيث قام بخرق سفينة المساكين الذين كانوا يعيشون منها، لغاية أسمى جهلها موسى لعدم علمه بالغيب.
رابعاً: الالتجاء إلى الدعاء مع الوعد بالإجابة، وقد قال أحد الصالحين في دعاءه على من ظلمه : "يا رب خلقتني وخلقته، وجعلته قوياً وجعلتني ضعيفاً، ثم سَلَّطْتَهُ عليَّ فلا أنا منعته من ظلمي ولا أنت جعلتني قويا أمتنع من ظلمه فأسألك بالقدرة التي بها خلقته وجعلته قويا وجعلتني ضعيفا أن تجعله عبرة لخلقك) .
والدعاء هنا لا يختص بالمظلوم فقط، إذ على كل مؤمن أن يحصِّن نفسه من الظلم وأن يستعذ بالله منه كما أمر الله تعالى عباده بقوله "ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين"يونس 85)
لذلك على المظلوم أن يتذكر نعمة الله عليه أن جعله مظلوماً ولم يجعله ظالماً، فإذا جاءه الظالم نادماً يطلب منه المغفرة والصفح، فليتذكر قول الله تعالى "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" (النور 122)
لابد من التأكيد على أن معركة الظالم هي معركة خاسرة، لكون المظلوم متمتعاً بالحصانة والدعم من رب العالمين وفي هذا المعنى يقول سبط ابن الجوزي " انقسمت كلمة (لا اله إلا الله) بين الظالم والمظلوم فمع الظالم لا إله، وليس مع المظلوم إلا الله"
من مقتطفات ما كتب عن الظلم النفسي.
الظلم: حوار بين الظالم والمظلوم
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً - - - فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه - - - يدعو عليك وعين الله لم تنم
طوبى للمظلومين، أن تكون مظلوما خير من أن تكون ظالما، أبكي على من ظلمني إذا وقف غدًا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة. حسبي الله، الله بيني وبينك، والله سأدعو عليك عند أسوارالكعبة، "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ"، 227 – الشعراء. من سَلَبَ نعمةَ غيرِه سَلَبَ نعمتَه غيرُه، ومن طال عدوانه زال سلطانه. فأتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة. وأظلم الناس من ظلم لغيره. إن الظالم لمعاقب يوم القيامة وقبلها في الدنيا في نفسه أو في ماله أو في أهله. سهام الليل لا تخطئ، تفتح لها أبواب السماء، والله ينتصر لها ولو بعد حين، فاحذر كما قال الله جل جلاله: "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ"، 102 – هود. وكما قال سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله ليمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".
الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور؛ إذ هو انحراف عن العدل. الظلم يطلق على مجاوزة الحد، والتصرف في حق الغير بغير وجه حق. إتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، ونزع للبركات في الدنيا، كما جاء في الحديث الشريف: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا"؛ وصلى الله وسلم وبارك على نبي الرحمة القائل محذرا من دعوة المظلوم: "واتقوا دعوة المظلوم فإنها ليست بينها وبين الله حجاب". فإن الظلم عاقبته وخيمة، ولا يصدر إلاَ من النفوس اللئيمة، وآثاره متعدية خطيرة في الدنيا والآخرة؛ وإذا تفشى الظلم في مجتمع من المجتمعات كان سببا لنزع البركات، وتقليل الخيرات، وانتشار الأمراض والأوجاع والآفات. بالعدل قامت السموات والأرض، وبالعدل يصلح الراعي والرعية، وبالعدل تسعد البشرية وتأمن الرعية. روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يوم من إمام عادل أفضل من مطر أربعين صباحا أحوج ما تكون الأرض إليه".
والظلم قبيح من كل الناس ولكن قبحه اشد وعاقبته أضر إذا صدر من ولاة الأمر نحو رعاياهم، حيث يصعب رفعه عنهم وإزالته منهم، لما للحكام من السطوة والأعوان، ولأن من أهم حقوق الرعية على الرعاة دفع الظلم عنهم، وحماية الضعفاء من جور الأقوياء. وظلم ولاة الأمر يُجَرِّئ اتباعهم وأعوانهم على الظلم ويدفعهم إليه دفعا لما لهم من المكانة والحظوة واستقلال النفوذ. لقد انتبه بعض الناس لخطورة الظلم فخافوه وهابوه، لآثاره الظاهرة ومضاره الواضحة في الدنيا قبل الآخرة، من نزع البركات وقلب النعم نقمات، بمجرد إضمار السوء وإبطان المكر، قبل إعلانه والإفصاح عنه. آثار العدل من ولاة الأمر الإيجابية من بسط الأمن، والبركة في الأرزاق والأقوات والأوقات من ناحية، وآثاره السلبية من نزع للبركات، ومحق في الأقوات والثمرات والأوقات من ناحية أخرى، ظاهرة مشاهدة جلية.
بينما نجد اليوم بعض الحكام المسلمين ينالون من بعض إخوانهم المسلمين وإن بعض المسلمين حرموا من أوطانهم وأولادهم ولم يجدوا مأوى لهم إلا في ديار الغرباء. فكل المسلم على المسلم حرام، دمه، وعرضه، وماله، ولا ينبغي للحكام ولا لغيرهم أن ينالوا من ذلك شيئا إلا بحق الإسلام. حصن مدينتك بالعدل، ونق طرقها من المظالم، حاكما كنت أو محكوماً، من الظلم، والغش، والتعدي على حقوق الآخرين؛ وأعلم أنه لن تزول قدماك يوم القيامة حتى يقتص منك، فإن دعتك قدرتك اليوم وسطوتك على ظلم الآخرين فتذكر قدرة الله عليك يوم القيامة، واعلم أن أخطر أنواع الظلم بعد الإشراك بالله ظلم العلماء والأولياء، فقد أعلن الله حربه على من عاداهم: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب".
إن الظلم من أقبح الخصال التي لا تصدر إلا من نفس متجبرة ومتكبرة ناسية عظمة الله وشدة عقابه،قال الله تعالى: "وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"،33- النحل. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة". فاعلم أيها الظالم أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأن الله سبحانه وتعالى يقول للمظلوم: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
بعض أنـواع الظـلم:
ـ أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى: وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: "إن الشرك لظلم عظيم"، 13- سورة لقمان، وإياه قصد بقوله: "ألا لعنة الله على الظالمين"، 18 سورة هود.
ـ ظلم بينه وبين الناس: وإياه قصد بقوله: "وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"، 40 - الشورى، وكذلك بقوله: "إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ"، 42 - الشورى.
ـ ظلم بين العبد وبين نفسه: وإياه قصد بقوله: "فمنهم ظالم لنفسه"، 32 - فاطر، وقوله على لسان نبيه موسى: "رب إني ظلمت نفسي"، 16 – القصص. وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه.
الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلمـًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، فلا تظلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء. ومن كبائر الظلم أخذ مال اليتيم ـ المماطلة بحق الإنسان مع القدرة على الوفاء ـ ظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة ـ ظلم الأجير بعدم إعطائه الأجر. ومن الظلم البيِّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء،
والآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين ظلم العبد لنفسه، وأن هذا الظلم على نوعين: الشرك، وهو أعظم الظلم، والمعاصي، قال تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير"، 32 -فاطر، أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى: "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم"، 42 – الشورى، وقال تعالى: "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا"، 59 - الكهف، وقال سبحانه: "وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين"، 76 -الزخرف، وقال: "والله لا يحب الظالمين"، 57 - آل عمران، وقال: "ولا يظلم ربُك أحدًا"، 49 - الكهف، وقال: "وما ربك بظلام للعبيد"، 46 - فصلت، وقال: "ألا إن الظالمين في عذاب مقيم"، 45 - الشورى، وفي الحديث: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة".
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه". وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم" فأشكو ظلم خصومك إلى الله، يد الله فوق أيديهم، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. وقال بعض الحكماء: "اذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قدرة الله عليك، لا يعجبك رَحْبُ الذراعين سفَّاكُ الدماء، فإن له قاتلاً لا يموت".
قال الله تعالى: "فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين"، 44 - الأعراف. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام". فإن الله ينصر الفئة العادلة وإن كانت غير مؤمنة، ولا ينصر الفئة الظالمة وإن كانت مؤمنة. وقيل: إن الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، 48- النساء، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضًا، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب، فظلم العبد نفسه.
من أسـبـاب الظـلم:
( أ ) الشيطان: قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين"، 208 - البقرة، وقال: "استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون"، 19 - المجادلة.
(ب) النفس الأمارة بالسوء: قال تعالى: "إن النفس لأمارة بالسوء"، 53 - يوسف.
(جـ) الهوى: قال تعالى: "فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، 135 - النساء، وقال سبحانه: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى"، 40-41 - النازعات، وقال جلَّ وعلا: "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه"، 28 –الكهف.
أسباب تعين على ترك الظلم وتعالجه:
* ـ تذكر تنزه الله عزَّ وجلَّ عن الظلم: قال تعالى: "من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد"، 46 - فصلت، وقال سبحانه: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة"، 40 - النساء، وقال: "وما الله يريد ظلما للعالمين"، 108 - آل عمران. * ـ النظر في سوء عاقبة الظالمين: قال تعالى: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا"، 71-72 - مريم، وقال سبحانه: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"، 117 - هود، وقال: "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون"، 47 - الأنعام.
*ـ عدم اليأس من رحمة الله: قال تعالى: "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، 87 – يوسف. *- استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة، قال تعالى: "وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون"، 68-70 - الزمر.
*ـ الذكر والاستغفار: قال تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"، 135 - آل عمران. * ـ كف النفس عن الظلم ورد الحقوق لأصحابها: فالتوبة النصوح أن يندم الإنسان بالقلب ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مال أو عرض، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر.
بعض آثار الظلم ومضاره:
الظلم يجلب غضب الرب سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغار الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، "ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا"، 35-36 - الكهف، وما دمرت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين"، 45 - الأنعام، وقال تعالى عن فرعون: "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين"، 40 - القصص، وقال عن قوم لوط: "فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد"، 82-83 - هود.
وأهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة، وقال: "فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"، 40 -العنكبوت، وندم الظالم وتحسره بعد فوات الأوان لا ينفع، قال تعالى: "ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا"، 27 - الفرقان.
والظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، فهو متعدٍ للغير وكيف تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، فقال الله عزَّ وجلَّ: "وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين". فاتق الله وأنصف من نفسك، وسارع برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.
قال أبو العتاهية:
أمــا والله إن الظلـم لــؤم - - - ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديـان يـوم الدين نمضي - - - وعند الله تجتمع الخصـوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا - - - غـداً عند الإله من الملـوم
تحريم الظلم: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها"، 40 - النساء، وقال أيضاً: "من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد"، 46- فصلت.
احذروا الظلم، احذروا البلايا والرزايا، واجتنبوا الكوارث والمصائب، فإنه لا تحل عقوبة إلا بذنب، ولا يقع بلاء إلا بمعصية، وإن أنواع المصائب كثيرة، الظلم ظلمات يوم القيامة. أنواع الظلم المختلفة، ظلم يقع على المستخدمين من العمال والخدم وغيرهم،تابع