ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.( يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أما بعد معاشر المسلمين، مع إطلالةِ عام وذهابِ عام يبرزُ للمتأمل أحداثٌ عظام وقضايا جسام، يجدرُ بالعاقل الفطن أن يقفُ عندها وقفات، ويسترجعَ فيها الذكريات، يجددُ العهد، ويبرمُ العقد، ينظرُ في ماضيه وما أحدث فيه، ويتأملُ في مستقبله وما عزم على أن يفعله فيه، إن أمد الله في أجله وزاده في عمره وأدام له نعمه وفضله.
عباد الله، وقفات تبرزُ خلال هذه الأيام، ينبغي على المسلم أن يقفَ عندها ويجيل النظر ويحرك الفكر فيها.
فأُولى هذه الوقفات: بدايةُ عامٍ ونهايةُ عام، إننا حينما نستقبلُ عامًا ونستودعُ عامًا آخر لهو حدثٌ ينبغي الوقوفُ عنده وإن كان في نظر بعض الناس أمرًا عاديًا، ذلك أن هذا العام قد مضى من أيام أعمارنا، وذهبَ من سنيّ آجالنا، وأصبحنا إلى الموت أقرب, ونحن تفرحنا الأيام إذا ذهبت لأننا نتطلع إلى الدنيا وزخارفها، وقد مددنا الآجال، وسوفنا في الأعمال، وبالغنا في الإهمال، حتى صرنا كما قال الأول:
إنّـا لنفـرحُ بالأيّـام نقطعـهـا وكلُ يومٍ مضـى يدني من الأجلِ
فاعمل لنفسك قبل الْموت مُجتهدًا فإنمـا الرِّبحُ والخسرانُ فِي العملِ
فيا أيها المؤمن، احذر من الأيام وتسارعها فإنها غرارة، واحذر من الدنيا وزخارفها فإنها غدَّارة، كم من مؤملٍ بلوغَ آمالٍ أصبح رهنَ القبور مدفونًا، وكم من مفرطٍ في الأعمال أصبح بعدها مغبونًا، فاغتنم فرصةَ حياتك وشبابك وفراغك وصحتك وغناك قبل أن تفقدَها أو تفقدَ بعضها، فتصبح من النادمين.
الوقفات الثانية: حدثٌ عظيمٌ من خلاله تغيَّرَ وجهُ العالَم، إنه حدثُ الهجرة النبوية، حينما خرج المصطفى محمدُ بنُ عبد الله صلواتُ الله وسلامه عليه من مكةَ مظلومًا مقهورًا مشردًا مطرودًا إلى طيبةَ الطيبةِ البلدةِ المباركة، فأسَّسَ فيها دولةَ الإسلام، وهيّأ فيها رجالاً ربَّاهم فأحسنَ تربيتهم، وأدَّبهم فأحسنَ تأديبهم، فساحوا خلالَ الدِّيار؛ يدعون إلى الله، وينصرون رسولَه، يدفعون عنه أذى الكفار، حتى يبلِّغَ دينَ الله الذي أمره أن يبلغه للعالمين: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) ، ففعل صلواتُ الله وسلامه عليه حتى أتاه اليقين، وترك الناس على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
"إن في هذا الحدث العظيم من الدروس والعبر ما لو استلهمته أمةُ الإسلام اليوم وعملت على ضوئه لتحقق لها عزُها وقوتها ومكانتها، ولَعَلِمَت علمَ اليقين أنه لا حلَّ لمشكلاتها ولا صلاحَ لأحوالها إلا بالتمسك بإسلامها والتزامها بإيمانها وعقيدتها، فواللهِ ما قامت الدنيا إلا بقيام الدِّين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة إلا لمَّا خضعوا لربِّ العالمين، وهيهات أن يحلَ أمنٌ أو رخاءٌ أو سلامٌ دون اتباع نهج الأنبياء والمرسلين".
الوقفة الثالثة: وهي وقفة تعبرُ عن شخصية هذه الأمة واستقلالِ أتباعها عن غيرهم من سائر الأمم والنحل ، إنها قضيةُ التاريخ الهجري، فشهرُ الله المحرَّم أولُ شهور السَّنة الهجرية، اتفق على ذلك صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يشابهوا أهل الكتاب في اعتماد التاريخ الميلادي، وذلك أن التاريخ الهجري متعلقٌ بمناسباتٍ دينيةٍ عظيمةٍ تتكررُ كلَ عام، من صيامٍ وزكاةٍ وحجٍ وغيرها،
الوقفة الرابعة: وقفةٌ ـ يا معاشر المسلمين ـ فيها عبرةٌ وعظةٌ لكل طاغيةٍ متجبرٍ كفار؛ أن نهايتَه وشيكةٌ على يد العزيز العظيم الجبار مهما طغى وعلا وأفسدَ وأرعدَ وأزبد، فإن الله له بالمرصاد, حتى إذا أخذه لم يفلته، أخذه أخذَ عزيزٍ مقتدر، تلكم حادثةُ العاشر من المحرَّم في قصة كليم الرحمن موسى عليه الصلاة والسلام مع عدوِّ الله فرعون، حيثُ احتلت هذه القصةُ جانبًا كبيرًا من القرآن الكريم لا يخفى عليكم.
فمهما طال بالظالم العمر وعظمت به القوة والسطوة فليتذكر مصيرَ فرعون حينما استغاث بعد فوات الاون ونادى بأعلى صوته: (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، فقال الله تعالى: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
ومهما طال بالمظلوم تسلط الظالم عليه وملاحقته له فليتذكر سنةُ الله عز وجل في نصرة أوليائه وقمع أعدائه، في قصة نجاة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام التي أعقبها بالشكر والثناء على المولى المنعم والقوي المنتقم، فصام هذا اليوم شكرًا لله، وصامه أتباعه
عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النبي عليه الصلاة والسلام الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ، فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قال: ((فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ))، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه البخاري. وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سئل عن صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فقال: ((أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ)). وكان من هديه علية الصلاة والسلام مخالفة أهل الكتاب فأمر بصيام يوم قبله مخالفتا لهم
عباد الله ، تلكمُ ذكرى لمن كان له قلب، وفيها عِبرةٌ وعَبرةٌ لمن له لُبّ، وهي إشاراتٌ وتذكرةٌ خاطفة وموعظةٌ للدموع ذارفة وللقلوب واجلة وللعمل داعية. مواقفُ جديرةٌ بالتنبيه والانتباه، ، عسى الله أن يغير حالنا من حالٍ إلى أحسن حال، وأن يأخذ بنا إلى أحسن مآل، إنه خير مأمول وأكرمُ مسؤول، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وتبصروا في هذه الأيام والليالي، فإن مضي كلِ يومٍ ينقص من عمرك، فإذا ذهب يوم , ذهب بعضك.
واعلموا أن الله جل ذكره يغضب لمعصيته، فلا تحتقروا من معاصي الله شيئًا.
قام محمد بن المنكدر ذات ليلة يصلي فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه فقال: ما الذي أبكاك؟ قال: مرت بي آية، قال: وما هي؟ قال: (وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما.
فلنتقي الله عباد الله، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على خاتم رسله في أعظم كتبه، فصلوا عليه.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وبقية الصحابة أجمعين والتابعين لهم إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وِالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينَ، إِلَيْكَ مُخْبِتِينَ أَوَّاهِينَ مُنِيبِينَ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنَا، وَأَجِبْ دَعْوَتَنَا، وَثَـبِّتْ حُجَّتَنَا، وأهد قُلُوبَنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قُلُوبِنَا، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ، الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحِ اللَّهُمَّ وُلاَةَ أُمُورِنَا اللهم وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب ولا هدم ولا غرق
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)