الشباب يمثلون طاقة هائلة وكبيرة في المجتمع، فقد كانوا وقود حركات الأنبياء كما أنهم كانوا وقود الحركات المفسدة في التأريخ؛ فهذه الطاقة الهائلة التي تكمن في الشباب يمكن أن نتخذ منها أحد مواقف ثلاثة:
1- موقف الفرض والكبت:
كما هو متداول عند البعض منهج الـ (لا) فالبعض منهجهم في الحياة منهج الـ (لا) كقولهم لا يمكن، لا تقدر، لا تفعل.. لذا نلاحظ بعض الفقهاء في جواب المسائل الشرعية يطرحون البعد الإيجابي للموضوع إذ يقولون: (ما هو رأيكم في الشيء الفلاني؟) فيكون جوابهم: (للشيء وجهان وجه سلبي ووجه إيجابي) فالفقهاء يجيبون بالوجه الإيجابي إن لم يكن فيه محظور فلا إشكال فيه، فلعله في بعض الأحيان هذا يعبر عن منهجية لا و نعم. فأخذ موقف الكبت و الفرض تجاه الشباب؛ لا تفعل، لا تعمل،لا تذهب، لا تطالع الكتاب الكذائي و لا تشترك في الموضوع الكذائي.. هذا يسمى منهج الـ(لا).
هذا المنهج عليه ملاحظات. فهل هو المنهج الصحيح؟
الملاحظة الأولى: هذا المنهج محدود الدائرة، فكم شاب نتمكن أن نقول له لا، ونتمكن أن نفرض عليه ما نريد؟.
الملاحظة الثانية: هذا المنهج غالباً غير قابل للتطبيق من الناحية العملية حتى في الدائرة المحدودة، فكما يقول الحكماء: (إيجاد الشيء يتوقف على سد جميع أبواب العدم عليه) يعني إذا المدينة فيها ألف نقطة، فالحفاظ على أمن هذه المدينة وعدم دخول العدو إليها، يتطلب أن تغلق جميع هذه النقاط، فإذا أغلقت الألف إلا واحد فالعدو يدخل من الباب الأخير، لكن كم باب من هذه الأبواب يمكن غلقها أمام هذا الشاب؟ وكم يمكن ضبطه والفرض عليه؟ تغلقون ألف باب يدخل من الباب الألف وواحد. مهما كان الموجه حذراً ويقظاً وملتفتاً، فبعد أعوام طويلة يجد الأب أن ابنه في خط انحرافي وهو لا يعلم، فأغلب الآباء ولعلّ المتدينين منهم يعانون من هذه المشكلة وهي عدم تمكنهم من ضبط أبنائهم. أنتم تغلقون الأبواب المختلفة ويبقى باب آخر ومنفذ آخر لا يخطر على أذهانكم؛ فالشيطان (لعنه الله) أستاذ قدير في صنع المنافذ للشر وله تجارب ألوف الأعوام في توجيه الخواطر. هذه من القضايا التي يجب أن تُبحث بحكمة، فهذه الخواطر التي تخطر على بالنا من أين تأتي؟ وكيف تحضر في الفكر؟ لم نجد تحليلاً لهذه الظاهرة؛ فكرة لم توجد في البال ثم فجأة وجدت في قلبكم؟ هذا السؤال لم نجد له جواب. أما في الفكر الديني فله جواب، فهنالك قوى خيرة يُعبر عنها بالملائكة تقذف بالأفكار الخيرة وهنالك قوى شريرة تقذف بالأفكار الشريرة تُدعى الشياطين؛ الشيطان يوجه ذهن هذا الشاب إلى طريق لا يخطر على ذهنه بأنه يدخل في ميدان الانحراف من ذلك الباب. إنها أبواب العدم يعني عدم الإيمان والفضيلة، فإذا لم تغلقوا هذه الأبواب جميعاً لا يمكن أن تضمنوا استقامة هذا الشاب.
الملاحظة الثالثة: ولو فرضنا أنكم أغلقتم جميع الأبواب، ولكن هذا الفرض إلى أي مدى وإلى أي وقت يمكن أن يدوم؟ وهل الفرض يمكن أن يكون دائماً من ناحية المدة؟.
في بعض الأحيان حالة الفرض والكبت تخلق الانفجار، يعني إذا أردتم حفظه في هذه الدائرة لشيء معين وهو رافض لذلك، فكل ذلك الفرض والكبت سوف ينفجر انفجاراً كلياً. فقد كان هناك أب مهتم جداً بأن يكون ابنه رجلاً متديناً لكن يبدو أن الأب قد أخطأ في منهجية تربية ابنه، فمن جملة الأشياء التي كان يفرضها عليه أن يضع حجراً في فم ابنه لكي لا يستطيع أن يتكلم؛ لذلك عندما كبر هذا الطفل ألّف كتاباً ضد النبي (ص)، كان الأب يريده أن لا يغتاب مؤمناً، إلا أنه تحول إلى مرتد فطري.
نقل لي أحد الأخوة بأن أحد البوذيين كان جالساً في معبدهم وكان يعلك علكة، فرآه عالمهم البوذي من فوق المنبر فأخذ يهاجمه وأخرجه من المعبد، هذا الهجوم تحول إلى رد فعل فأخذ يبحث، هل هذا الدين الذي اتخذه هو حق أم باطل، فأخذ يبحث في الأديان الأخرى وقاده ذلك إلى الإسلام وأصبح مسلماً. معنى ذلك أنه يمكن للأب أن يضغط على إبنه في نقطة معينة وهذا الضغط يؤدي إلى انفجار كلي فيتحول إلى مرتد فطري، فالمرتدون في بلادنا لم يأتوا من وراء البحار إنما هم أبناؤنا؛ البعثيون في العراق، الشيوعيون في بلادنا هم أولادنا.
هذه من جملة عوامل اتخاذ منهج الكبت والضغط والفرض.
2- منهج الإطلاق أو الإهمال:
وهو ما اتخذه الكثيرون، هذا المنهج منهج خطير أيضاً لأنه في النهاية سوف يؤدي إلى الانحراف الأخلاقي والعقائدي ولا يبقى إلا المنهج الثالث.
3- منهج الاستيعاب والتوجيه:
استيعاب الشاب وتوجيهه؛ فمثلاً أب له أولاد، يزوج كل ولد منهم ويعطيه دكاناً، فيأمن الشاب من هذا الجانب، كذلك إذا أعطيتموه دوراً في المجتمع فجعلتموه ضمن مؤسسة اجتماعية أو دينية أو ثقافية، لشعر بدور هذه الطاقة التي تحتاج إلى تصريف. فالعمل هو أحد الأمور التي تحفظ الإنسان من الوقوع في المفاسد والانحرافات. أما إذا بقي الشاب أو الإنسان بدون عمل يملأ كيانه ووجدانه فإنه يفكر، ماذا يفعل؟ هذه الطاقة تلح وتضغط عليه؛ وكذلك الأطفال في البيت فهم يؤذون الأهل من الصباح إلى المساء، لكن إذا وضع لهم برنامج معين مثل شراء الأشرطة أو الكتب أو المجلات لجنيت الثمار بعد ذلك. فالشاب أيضاً لديه طبيعة الطفل، إذا لم يقع في خط الإنتاج ولم يجد له دوراً اجتماعياً فهو عادة يبدأ في الفساد والإفساد؛ فوظيفة الأهل تقتضي إيجاد دور له في المجتمع، فآخر الإحصائيات الآن في العالم بخصوص المرض المشهور(الإيدز) المصابون به في العالم أربعون مليون مصاب، وفي كل ثلاثين ثانية يصاب به إنسان واحد حتى في بلادنا الإسلامية.
فكلّ شاب تجدونه في المجتمع فهو يمثل مكمن خطر على نفسه وعلى المجتمع كما كان يقول أحد المجتهدين: (يخشى عليهم ويُخشى منهم.. يفسُدون ويفسِدون المجتمع)، فيمكن أن يكون ذلك الشاب الذي ليس له دور في المجتمع قائداً من قادة الحركات الإلحادية أو من قادة الحركات التخريبية.
كان أحد أصدقائنا وهو إنسان مؤمن ومتدين وأَلّف كتاباً وهو كتاب مطبوع ولطيف وكان دائماً يأتي إلى المساجد والحسينيات، ذهب إلى بلاد الغرب، بعد ذلك عاد وترك كل شيء، وفي يوم من الأيام قالوا لي تعال نصلي صلاة الميت عليه، فسألت عن سبب موته، فقالوا انه مات بجرعة إضافية من المخدرات، وقد راح هذا الرجل محرقاً دنياه ودنيا عائلته ولوث سمعتهم كما أنه أحرق آخرته وهو شابٌ عمره حوالي اثنين أو ثلاث وأربعين عاماً.
وقد قام النبي (ص) بأعمال كثيرة تجاه الشباب وإعطاء دور لهم، لعل العالم حتى اليوم لم يصل إلى فلسفة ذلك على الرغم من التخلف الفكري والحضاري والقيم الجاهلية التي كانت حاكمة في ذلك الوقت، إلى اليوم العالم لم يصل إليه، ثلاثة نماذج واضحة:
1- النبي (ص) في مكة. تحت الحصار، بعث شاباً حدثاً وهو مصعب بن عمير، وعمره تقريباً عشرون عاماً، ذهب هذا إلى المدينة وهيأها للنبي(ص). وإذا المدينة لم تكن طبق الظواهر الطبيعية كان الإسلام يموت في مكة والذي هيأ المدينة هو هذا الشاب.
2- قضية مكة، التي كانت عاصمة الشرك والقلعة الأخيرة للشرك في الجزيرة العربية، النبي (ص) عين شاباً واحداً لإدارة مكة، عمره واحد وعشرون عاماً، وهو عتاب. إذ ولَّدَ ضجة بين المسلمين لكن النبي (ص) قال: (ولا يحتج محتج منكم لصغر سنه فإن الأفضل هو الأكبر وليس الأكبر هو الأفضل) وبقي هذا الشاب والياً على مكة إلى آخر حياة النبي (ص).
3- الذي لا أظنه أنكم تجدون في تاريخ الدنيا كلها نظيراً لهذا العمل، وحتى في عالم اليوم لا أظن أن دولة من الدول فعلت مثل هذا العمل، النبي(ص) عَيَّنَ شاباً عمره ثمانية عشر عاماً (يعني في منطقنا طفلاً) لقيادة جيش إلى أخطر عدو، إلى قوة عالمية آنذاك وهي الروم، وهذا الشاب هو أسامة، فالبعض اعترضوا على هذا لكن النبي (ص) غضب لذلك فصعد المنبر وقال ما مضمونه: (ما مقالة بلغتني في تأمري أسامة، وإنه لخليق بالإمارة) هذا دليل على أن النبي (ص) في تلك الظروف أولى الشباب هذه العناية والاهتمام.
هشام بن الحكم عندما كان يأتي عند الإمام الصادق (ع) كان يقعده بجانبه وهو مازال شاباً صغيراً عمره حوالي خمسة عشر عاماً وفي المجلس الكبار والشيوخ، أما نحن فمنهجنا عدم الاعتناء.
الحقيقة أن الحل الوحيد لمشكلة الشباب، أو من أهم الحلول أن يتحول كل واحد منهم إلى مشروع، فالشباب يحتاجون إلى الاعتناء، إلى السؤال، إلى التشويق، إلى الاحترام، الاحترام مؤثر جداً وكذلك التقدير. فالفرد لا يحتاج فقط إلى طعام وشراب، إنما إحدى الحاجات الأساسية في علم النفس هي الحاجة إلى الاحترام؛ فكل إنسان يحتاج إلى الاحترام والتقدير.