الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وجعلنا إن تمسكنا به خير أمة أخرجت للناس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله برسالته، فبلغ البلاغ المبين، وتركنا على البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته، وساروا على نهجه، وجاهدوا في الله حق جهاده، وسلم تسليماً كثيرا،
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، اعلموا أنه يجب علينا أن نحاسب أنفسنا في كل وقت وحين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) يعني: كل نفس، (مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) يوم القيامة من الأعمال، فما كان من خير فإنه يحمد الله عليه ويزداد منه ويستمر عليه، وما كان غير ذلك فإنه يتوب إلى الله منه، ويستبدله بالعمل الصالح، فإن باب التوبة مفتوح دائماً وأبدا إلى أن تخرج الشمس من مغربها.
فالواجب على المسلم أن يحاسب نفسه في جميع الأوقات والساعات والشهور والأيام، ولا يختص ذلك بوقت معين لأن بعض الناس خصوصاً في هذا الزمان يعلقون محاسبتهم لأنفسهم على آخر هذا الشهر وبداية شهر ذو الحجة، ويقولون هذا نهاية السنة وبداية سنة فيحاسبون أنفسهم وهذا لا أصل له، التخصيص في هذا الوقت لا أصل له، لأن الواجب أن يحاسب المسلم نفسه في كل وقت لا في وقت معين إلا بدليل وليس هناك دليل على تحديد هذا الوقت للمحاسبة، كذلك منهم من يتبادلون التهاني بنهاية العام، وبداية العام الجديد، وهذا أيضا لا أصل له؛ بل هو من البدع المحدثة،وليس هناك عيد إلا عيد الفطر وعيد الأضحى لهذه الأمة، أما أن الصحابة رضي الله عنهم جعلوا بداية شهر محرم بداية السنة الهجرية فهذا شيءٌ اصطلاحي، هذا شيء اصطلحوا عليه للحاجة لأن عمر رضي الله عنه في خلافته كانت تأتيه كتابات من عماله غير مؤرخه، فلا يدي متى كتبت فلذلك
جمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم واستشارهم في هذا الأمر، كان للنصارى تاريخ، تاريخ الميلادي يبدؤون السنة من يوم مولد المسيح بزعمهم، ويسمونه السنة الميلادية، وكان الفرس لهم تاريخ، وكان الروم لهم تاريخ، ولم يرضى الصحابة رضي الله عنهم أن يأخذوا شيئا من هذه التواريخ، لأن هذا فيه تشبه بالكفار قد نهينا عن التشبه بالكفار، فاستشار الصحابة فاتفق رأيهم على أن يؤرخوا بالهجرة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، لأنها الحدث العظيم الذي أعز الله به الإسلام، وتكونت للمسلمين دولة في المدينة من المهاجرين والأنصار.
فهذه الهجرة حدث عظيم في الإسلام، فلذلك رأوا أن يبدءوا تاريخ السنة من هذه الهجرة العظيمة، ولكنهم بدءوها من محرم، وأما بداية قدوم النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة فهو في ربيع الأول لكن اتفق جمهورهم وجمهور المسلمين على أن يبدءوها من المحرم لأنه من الأشهر الحرم، وقد مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شهر رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ"، فبدءوا الهجرة أو التاريخ من دخول المحرم، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم.
استمر المسلمون على هذا يؤرخون بالتاريخ الهجري ولم يحدثوا عند ذلك لا تهاني ولا محاسبة ولا أي شيء، لأنهم إنما يريدون بداية التاريخ السنوي ليعرفوا معاملات مواقيت معاملاتهم وعقودهم وغير ذلك، هذا هو الغرض، وليس الغرض أن يجعل بداية السنة الهجرية عيدا يهنأ به أو تحدث فيه المحاسبات للنفوس أو ما أشبه ذلك.
فعلينا أن نعرف هذا الأمر ونجليه للناس، وخير دليل على أنه لا يخص بداية العام الهجري بشيء أن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يخصونه بشيء، إنما كانوا يستعملونه لأجل معرفة بداية السنة التي تتعلق بها معاملاتهم وأحكامهم لا غير، فهذا أمر يجب أن يتنبه له، فإن النصارى كانوا يجعلون بداية السنة الميلادية عيدا لهم يسمونه عيد المولد ويتبادلون التهاني فيه وصناعة الأطعمة وغير ذلك، ونحن منهيون عن التشبه بالنصارى في سائر أعمالهم قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ".والمسلم يجب عليه دائما أن يحاسب نفسه في ليله ونهاره وساعاته وأوقاته، فينظر في أعماله ما كان منها صالحا يتزود منه ويستمر عليه وما كان منها سيئا يتوب إلى الله عز وجل منه، والله يقبل التوبة عن عباده، هكذا يكون عمل المسلم دائما وأبدا مع نفسه يحاسبها وينظر في أعماله، فيجدد التوبة عن التقصير والخلل ويستمر على الطاعة إلى أن ينتهي أجله، هذا شأن كل مسلم، أما أن يذهب إلى تعظيم الأيام والمناسبات ويتبادل التهاني وغير ذلك فهذا ليس من دين الإسلام إلا ما كان من العيدين الشريفين عيد الفطر وعيد الأضحى، فإنهما اليومان العظيمان في الإسلام هذا بعد صوم رمضان وهذا بعد الوقوف بعرفة وأداء الركن الأعظم من أركان الإسلام، ويجب على المسلمين أن يستقلوا في دينهم ويستغنوا بدينهم عن جميع الأديان سواءً كانت أديان سماوية لأنها نسخة بالإسلام، أو كانت أديان أرضية ابتدعها الناس لأنفسهم، فدين الإسلام جاء حاسما لكل ما سبقه.
فعلى المسلمين أن يعتزوا بهذا الدين لعظيم، وأن يتمسكوا به، وأن لا يدخلوا عليه شيئاً من المحدثات قال صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ".
فعلى المسلمين أن يتنبهوا لهذا ولا يتساهلوا في دخول البدع والمحدثات، وإن كانت في أول أمرها صغيره فإنها تكبر وتعظم وتتطور وتنسخ السنن النبوية، هذا في هذه المسألة وفي غيرها، في كل أمور الدين، على المسلم أن يتمسك بالدين الصحيح المأخوذ من الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح.
ولا ينظر إلى أعمال الناس واستحسانات الناس والتقاليد للأمم الأخرى، فإن هذا ضياع للدين، ضياع للإسلام، وأتباع لغير الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، سواءً استبدل الإسلام كله بغيره، أو استبدل بعضه بغيره، فلا يتساهل في هذا الأمر.
واتقوا الله عباد الله، أقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو التواب الرحيم.
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعمروا دنياكم بالعمل الصالح، واستغلوا أيام أعماركم في طاعة الله عز وجل فليس لك من هذه الدنيا إلا ما كتبه الله لك من العمر طويلا كان أو قصيراً، فعليك أن تشغله بطاعة الله عز وجل والنظر في أعمالك، تذكر ما قدمت فتحدث لكل ذنب توبة، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وهذا في كل وقت وحين، في الليل والنهار، في آخر شهر محرم في آخر شهر ذي الحجة، وفي شهر محرم وغير ذلك من الأوقات، أنظر دائما في عملك، وحاسب نفسك، واتقي الله في جميع أمورك، واحزم أمرك، فإنك على وشك الرحيل إلى الآخرة في كل لحظة، وفي كل يوم، وفي كل سنة.
فعلينا أن نتقي الله جل وعلا دائما وأبدا ولا نحدد أياما لم يحددها الله ولا رسوله للتوبة وللمحاسبة وغير ذلك.
واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامةً يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا وكفنا شر شرارنا، اللَّهُمَّ اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا واستقرارنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا وكفنا شر أعداءنا، اللَّهُمَّ اكفنا شر الأعداء، اللَّهُمَّ اكفنا شر الأعداء، اللَّهُمَّ اكفنا شر الأعداء من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين والمرتدين، اللَّهُمَّ أجعل كيدهم في نحورهم، اللَّهُمَّ اكفنا شرهم، اللَّهُمَّ ادفع عنا كيدهم ومكرهم، اللَّهُمَّ كف عنا بأس الذين كفروا فأنت أشد بأسا وأشد تنكيلا، اللَّهُمَّ أحفظ هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، ومن كل كيد ومكر، ومن كل شر وفساد إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا الله يذكركم، واشكُروه نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.