من الطبيعي أن على الإنسان المراقب لنفسه وسلوكه تجاه كافة قضايا الحياة أن يتبصر جيداً بالنعم الإلهية التي يغدقها الله تعالى عليه، فيراقب حاله حين ورود النعمة، ويراقب نفسه في كيفية التعاطي مع هذه النعم إيجاباً أو سلباً، ويراقب إنقطاع هذه النعم وزوالها عنه أو استمرارها وعدم إنقطاعها، لأن في ذلك قراءة دقيقة لحال الإنسان وقربه أو بعده من الله ودرجته التي هو عليها.









معنى الإستدراج

قال تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾2.

ويعرّف الإمام الحسين عليه السلام الإستدراج بقوله: "الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر"3.

وبنفس المعنى عنه عليه السلام - لما سئل عن الاستدراج: "هو العبد يذنب الذنب، فيملى له ويُجدِّد له عندها النعم،


فتلهيه عن الاستغفار من الذنوب، فهو مستدرج من حيث لا يعلم"4.

فمن هنا وجب على المرء أن يراقب نفسه جيداً كيف يتعاطى مع سيل النعم التي يفيضها الله عليه، ويحذر عاقبة عمله إن لم يحسن التعامل مع هذه النعم، فعن الإمام علي عليه السلام: "يا بن آدم ! إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره"5.

الغفلة عن النعم

فالنعمة من الله في جوهرها إمتحان إلهي لإيمان المرء ليرى الله حسن صنيع الإنسان مع نعمائه أو غفلته عنها، فعن الإمام علي عليه السلام: "من كان في النعمة جهل قدر البلية"6.

ويحذرنا عليه السلام من هذه الغفلة التي قد تصل إلى حد السكر، أي إلى الحد الذي لا يبقى معه أثر لعمل العقل فيقول عليه السلام: "اتقوا سكرات النعمة، واحذروا بوائق النقمة"7.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبين لنا النعم التي قلّما يلتفت إليها المرء فيدعوه إلى الإلتفات إليه

قائلاً: "نعمتان مفتون فيهما كثير من الناس: الفراغ والصحة"8.

ومن هنا فإننا نقرأ مع الإمام علي عليه السلام دعائه: "نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحل به بعد الموت ندامة ولا كآبة"9.

وإنما تتحول هذه النعمة ندامةً بعد الموت لأنها تشهد على صاحبها أنه ضيّعها ولم يحسن صحبتها، فعن الإمام علي عليه السلام: "أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها، فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها"10.

كفران النعم

1- الغفلة عن العون الإلهي: أو بكلمةٍ أصح عدم الرجوع إلى الله إلا في ساعات الشدّة والمحنة، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾11.

2- تبدل الإيمان بالكفر: فالله إذا رأى من عبده تبدل حسناته بالسيئات وتبدل طاعته بمعصيته فإن الله يرحم هذا العبد بزوال النعمة عنه حتى لا ترهقه النعم بكثرة الذنوب والإبتعاد عن الله تعالى، قال تعالى:﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾12.

3- بذلها في المعصية: وأقل الواجب أن لا يعمد المرء إلى هذه النعمة فيتصرف بها في الحرام ناسياً الرحمة الإلهية التي أفاضت عليه هذه النعم، فعن الإمام الصادق عليه السلام: إن أردت أن يختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أفضل الأعمال، فعظم لله حقه أن لا تبذل نعماءه في معاصيه 13

عن الإمام علي عليه السلام: "أقل ما يلزمكم لله ألا تستعينوا بنعمه على معاصيه" 14.

4- قصر النظر على النعم المادية: دون الإلتفات إلى حاجات الناس ومعاناتهم أو دون النظر إلى ما ينفع المجتمع بشكلٍ عام، والإقتصار في بذلها على الملذات الخاصة والآنية،




فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم ير الله عز وجل عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه"15.

ما يوجب بقاء النعم

الإيمان والتقوى: قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾16.

قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ﴾17.

وعن علي عليه السلام: "استتموا نعم الله عليكم بالصبر على طاعته، والمجانبة لمعصيته"18.

بذل النعم للناس: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لله عباداً اختصهم بالنعم، يقرها فيهم ما بذلوها للناس، فإذا منعوها

حولها منهم إلى غيرهم"19.

عنه عليه السلام: "من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب فيها عرضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء"20.

شكر النعم: قال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾21.

وما أروع هذه المعادلة التي يعلمنا الله إياها، فكلّما شكر المرء ربه على نعمائه كلّما زاد الله في عطائه، ويبقى هذا العطاء دافقاً ما دام المرء شاكراً. وعن الإمام الهادي عليه السلام:

"إِلقَوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها، واعلموا أن النفس أقبل شئ لما أعطيت، وأمنع شئ لما منعت"22.

التواضع: وهو مما يزين الإنسان الذي منحه الله النعمة ويزيد من جماله الروحي بين يدي ربه عندما لا تخرجه النعمة إلى البطر والتخلي عن مكارم الأخلاق، فعن الإمام علي عليه السلام: "بالتواضع تتم النعمة"23.

رجو أن تتحدثوا عن بعض أقوال سلفنا الصالح في شكر النعمة في مقابل نعمة الأمن وما هو موقف من جاء إلى دارك واقتحمها ليسرق فهل هو صائل منتهك للحرمات؟



بالنسبة لمواقف السلف في هذا كثيرة جدا، فالنبي r هو سيد الشاكرين وإمامهم، وأنتم تعلمون أنه ما شبع قط ثلاث ليال متوالية، وأنه يمضي عليه ثلاثة أشهر تباعا وما أوقدت في بيوته نار، وأنه ينام على حصير فيؤثر ذلك الحصير في جنبه، وخير بين أن يكون نبيا ملكا وأن يكون نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا، ومع هذا يقوم الليل حتى تتورم قدماه، فتقول له عائشة رضي الله عنها: ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وكذلك حال أصحابه فإن النبي r خرج ذات يوم من بيته فإذا أبوبكر وعمر قد خرجا، فقال ما أخرجكما؟ فقالا الجوع، فقال: وأنا ما أخرجني إلا ما أخرجكما، فذهبوا فأتوا أبا الهيثم بن التيهان وهو رجل من الأنصار الذين بايعوا بالعقبة ومن النقباء، فهو نقيب عقبي بدري من خيرة أصحاب رسول الله r فوجدوا امرأته فسألوها عن أبي الهيثم فقالت هو في النخل يأتي الآن فبسطت لهم بساطا فجلسوا عليه فجاء أبو الهيثم فلما رآهم حمد الله تعالى وقال ما أحد أكرم منا ضيفا اليوم، ثم دخل إلى شياه له فأمره النبي r أن يجتنب ذوات الدر أي اللبن، فذبح شاة عناقا وأتى بعذق من نخل وبماء بارد، فلما أكلوا وشربوا قال رسول الله r إن هذا من النعيم الذي تسألون عنه، {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم}، وقد ثبت عن عبد الرحمن بن عوف وخباب بن الأرت وسعد بن أبي وقاص جميعا أن كل واحد منهم حصلت له هذه القصة بعينها مما يدلكم على أن هذا الحال حالهم جميعا، كان عبد الرحمن صائما فوضعت مائدة الإفطار بين يديه فلما رأى فيها ألوانا بكى فقال له الناس يا أبا المنذر ما يبكيك؟ فقال: إنا كنا أهل كفر وجاهلية فبعث الله إلينا رسوله r فآمنا واتبعنا وجاهدنا، فمنا من مات ولم يتعجل شيئا من أجره، منهم أخي مصعب بن عمير قتل يوم قتل أي يوم أحد وليس له إلا 




سيفه وبردة عليه إن نحن غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإن نحن غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله r أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر، فماتوا ولم يتعجلوا شيئا من أجرهم وبقينا وراءهم ففتحت علينا الدنيا أبوابها فنحن نهدبها فخشينا أن يقال لنا يوم القيامة: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} هؤلاء أصحاب محمد r لا يأمنون مكر الله ويخافون عقوبته سبحانه وتعالى، وإذا أنعم الله عليهم بنعمة كان حالهم هكذا، أما السؤال الثاني عمن اقتحم بيت الإنسان ودخل دون إذن فعلى الإنسان أن يعلمه الأدب الشرعي وأن يبين له ما أمر الله به في سورة النور في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} وإذا علمه الأدب فلم يتعلمه وأصر على الإعراض عن حكم الله سبحانه وتعالى فلا بد أن يؤدبه حينئذ.


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

:)
:(
hihi
:-)
:D
=D
:-d
;(
;-(
@-)
:P
:o
:>)
(o)
:p
:-?
(p)
:-s
(m)
8-)
:-t
:-b
b-(
:-#
=p~
$-)
(y)
(f)
x-)
(k)
(h)
cheer

Pages