آفة خطيرة تعصف بكثير منا، ويستمرئها كثير من المسلمين والمسلمات، ألا وهي السخرية والاستهزاء بالغير.اتفق العلماء








تحريم السخرية والاستهزاء لقول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً
مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ
الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11).
السخرية، معناها: أن تستهين وتحتقر الغير؛ فإذا استهنت بالغير واحتقرته،
ونبهت على عيوبه وذكرت نقائصه؛ فهذا هو المعنى الأساس للسخرية والاستهزاء.
قد يستهزئ بالآخر أو بالآخرين، إن كانوا رجالاً أو نساءً، ممكن عن طريق
المحاكاة، يعني: التقليد في الفعل وفي القول، يعني: إنسان يقلد إنساناً
يحاكيه في أفعاله وأقواله، أو بإشارة معينة، أو بإيماءة معينة، أو بتلميح
معين، فيفهم من يرى هذا أن فلاناً يستهزئ بفلان

إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدى القرآن مجتمع له أدب رفيع، ولكل
فرد فيه كرامته التي لا تمس. وهي من كرامة المجموع. ولمز أي فرد هو لمز
لذات النفس، لأن الجماعة كلها وحدة، كرامتها واحدة.

والقرآن في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب: { يا أيها الذين
آمنوا }. وينهاهم أن يسخر قوم بقوم، أي رجال برجال، فلعلهم خير منهم عند
الله، أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله.

وفي التعبير إيحاء خفي بأن القيم الظاهرة التي يراها الرجال في أنفسهم
ويراها النساء في أنفسهن ليست هي القيم الحقيقية، التي يوزن بها الناس.
فهناك قيم أخرى، قد تكون خافية عليهم، يعلمها الله، ويزن بها العباد. وقد
يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير. والرجل القوي من الرجل الضعيف، والرجل
السوي من الرجل المؤوف. وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخام. وقد يسخر
ذو الأولاد من العقيم. وذو العصبية من اليتيم... وقد تسخر الجميلة من
القبيحة، والشابة من العجوز، والمعتدلة من المشوهة، والغنية من الفقيرة..
ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس، فميزان الله يرفع ويخفض
بغير هذه الموازين!

ولكن القرآن لا يكتفي بهذا الإحياء، بل يستجيش عاطفة الأخوة الإيمانية،
ويذكر الذين آمنوا بأنهم نفس واحدة من يلمزها فقد لمزها { ولا تلمزوا
أنفسكم }.. واللمز: العيب. ولكن للفظة جرساً وظلاً؛ فكأنما هي وخزة حسية لا
عيبة معنوية!

ومن السخرية واللمز التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها، ويحسون فيها
سخرية وعيباً. ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به.
ومن أدب المؤمن ألا يؤذي أخاه بمثل هذا. وقد غير رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أسماء وألقاباً كانت في الجاهلية لأصحابها، أحس فيها بحسه المرهف،
وقلبه الكريم، بما يزري بأصحابها، أو يصفهم بوصف ذميم.

* إذ من عوامل النزاع والتقاتل وأسبابهما سخرية المؤمن بأخيه واحتقاره
لضعف حاله ورثاثة ثيابه وقلة ذات يده فحرم تعالى بهذه الآية على المسلم أن
يحتقر أخاه المسلم ويزدريه منبهاً إلى أن من احتقر وازدرى به وسخر منه قد
يكون غالبا غير خيرا عند الله من المحتقر له والعبرة بما عند الله لا بما
عند الناس والرجال في هذا والنساء سواء فلا يحل لمؤمنة أن تزدري وتحتقر
أختها المؤمنة عسى أن تكون عند الله خيرا منها والعبرة بالمنزلة عند الله
لا عند الناس وكما حرم السخرية بالمؤمنين والمؤمنات لإِفضائها إلى العداوة
والشحناء ثم التقاتل

* وقال آخرون: بل ذلك نهي من الله من ستر عليه من أهل الإيمان أن يسخر ممن كشف في الدنيا ستره منهم.

ربما عثر على المرء عند خطيئته عسى أن يكونوا خيراً منهم، وإن كان ظهر على
عثرته هذه، وسترت أنت على عثرتك، لعلّ هذه التي ظهرت خير له في الآخرة عند
الله، وهذه التي سترت أنت عليها شرّ لك، ما يدريك لعله ما يغفر لك قال:
فنُهي الرجل عن ذلك، فقال: { لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ
يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ } وقال في النساء مثل ذلك.

* - دستور المسلم القرآن الكريم .. والقرآن يأمرنا احترام الغير لحفظ وحدة المسلمين ونشر المودة بينهم ،

والقضاء على أسباب أسباب الفرقة والعداوة .. يقول الله تعالى في كتابه الكريم :

[ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ، ولا نساء من نساء عسى

أن يكن خيرا منهن ، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد ألإيمان

ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ]

تشير هذه الآية الكريمة إلى السخرية بالآخرين وتشمل السخرية ما يلي :

1 - السخرية القوم ،المقصود سخرية رجال من رجال آخرين وعسى أن يكونوا خيرا من الساخرين

2 - السخرية النساء ، أي تسخر نساء من نساء أخريات عسى أن يكن خير من النساء الساخرات

3 - السخرية بالهمز واللمز ، سواء كان غمز بالعين أو بالإيماء أو ما شابه ذلك

4 - السخرية بالألقاب ، سواء كان في خلقه أو خًلقه

ماذا يتوجب على الساخر ؟؟ ( التوبة )

وإن لم يتب !! ( يسخط الله عليه .. ظالم لنفسه )

مفهوم السخرية : هي الاستهانة بأقدار الناس وكرامتهم واحتقارهم واستصغارهم سواء كان استفزاز

بالكلام ،أو بالإشارة أو بأي طريقة أخرى .

أما الساخر : هو إنسان بليد المشاعر لا يحترم الآخرين ..الهدف من ذلك يرفع من قدره

وتصغير بقدر الآخرين

أنواع السخرية :

1 - سخرية الإذلال : هو التصغير لأخيك المسلم لبيان غلطه من خلال المحاكاة والجدال والالحاح

وامتحانه لبيان غلطه أمام الناس

2 - سخرية الغيبة : بدافع الغيرة كون المستغاب أفضل منه بالتعامل وبأخلاقه أو أي شيء من هذا القبيل

بحيث التقليل من قدره أمام الآخرين .

3 - سخرية الهمز واللمز : وهذه السخرية غالبا ما تكون بين النساء أكثر من الرجال لإضحاك الناس عليه

بقصد الإذلال والبهت في الشخصية .

4 - سخرية الألقاب : هذه السخرية في عالم الشباب سواء أو بنات ويكون اللقب صفة له أو لأحد أفراد عائلته ،

فمتى عاب الإنسان أخاه فكأنما عاب نفسه

نتائج السخرية :

1 - تورث البغضاء في القلوب
2 - تقطع روابط المودة بين الافراد
3 - تورث الحقد في الصدور
4 - الساخر يعرض نفسه لسخط الله

ماذا يتوجب عليك من الساخر ؟
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : في الحديثان
( من أذل عنده مؤمن هو يقدر أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق )
( من حمى مؤمنا من منافق يعيبه بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم )

علاج هذه الآفة : يقول نبي الرحمة في ذلك

( كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )

( طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس )

إن عائشة، رضي الله عنها، قالت: حاكيت إنساناً، يعني: قلدت، فقال لي النبي
صلى الله عليه وسلم: "والله ما أحب أني حاكيت إنسانا ولي كذا وكذا" (1). و
في تفسير قول الله سبحانه وتعالى: (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ
لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) (الكهف: من
الآية 49)، ذكر بعض أهل العلم أن الصغيرة هي: التبسم بالاستهزاء بالمؤمن،
والكبيرة: القهقهة بذلك. يعني: أن تبتسم ابتسامة مستهزئا بمؤمن؛ هذا من
الصغيرة التي لا يغادرها الكتاب الذي سوف يتعلق في رقبة كل واحد منا،
والكبيرة: أن تقهقه بذلك.

وكان هؤلاء المجرمون الذين قال رب العباد سبحانه وتعالى عنهم: (وَإِذَا
لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى
شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
(البقرة:14-15). حتى إن بعض المنافقين وبعض البعيدين عن رحمة الله،
والعياذ بالله رب العالمين، وصفهم الله عز وجل وقال: ( وَإِذَا نَادَيْتُمْ
إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(المائدة:58).
وكان رب العباد سبحانه وتعالى يطيب قلب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم،
فيقول سبحانه وتعالى: ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ
فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِئُونَ)
(الأنعام:10). وقال له: ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ)
(الحجر:95)، وقال عز وجل في سورة الأحقاف: (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (الأحقاف: من الآية 26).

قضية الاستهزاء موجودة على مر الزمن، فقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ
أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا
بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا
فَكِهِينَ)(المطففين:29-31)، هؤلاء الناس الذين يستهزئ الواحد منهم أو
الجماعة منهم بمؤمن أو مؤمنة؛ فحسابهم عند الله عسير، نسأل الله سبحانه
وتعالى أن يتوب على المبتلى بهذه الآفة الخطيرة. ولذلك ورد عن الحسن
البصري، رحمه الله، أنه قال: "إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم باب من
الجنة، فيقال: هلمّ هلمّ، (أي: تعال تعال) فيجيء بكربه وغمه ( لأنه في جهنم
والعياذ بالله)، فإذا أتاه أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر فيقال: هلمّ
هلمّ فيجيء بكربه وغمه، فإذا أتاه أغلق دونه فما يزال كذلك حتى أن الرجل
ليفتح له الباب فيقال له: هلمّ هلمّ، فلا يأتيه" (2).

لذلك روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من عيّر أخاه بذنب قد تاب منه؛ لم يمت حتى يعمله" (3) لأن الله سبحانه
وتعالى ينبهنا إلى ذلك بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا
نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا
تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11) يعني لا أسخر من أي إنسان، من يدري؟!!من
الواجب على كل مسلم أن يقول عند التعامل مع أي إنسان، أنا أتعامل مع أصناف
ثلاثة:
1. من يكبرني سناً
2. ومن يساويني سناً
3. ومن هو أقل من سني وعمري

فالإنسان الذي يكبرني سناً؛ بمجرد أن أبدأ في التعامل معه، يجب أن يخطر
ببالي ويقر في خلدي، أن هذا الإنسان الذي يكبرني سنا أفضل مني عند الله عز
وجل، لأنه سبقني إلى الطاعات وسبقني إلى الإسلام.والذي يصغرني سناً أقول هو
أفضل مني عند الله عز وجل؛ لأنني سبقته بالذنوب.والذي يساويني سناً أقول
في نفسي لابد أنه أفضل مني لأنني أعرف من ذنوبي مالا يعرفه غيري.
إذاً الإنسان الذي يستسهل أو يتساهل في مسألة الاستهزاء بالناس يرتكب شيئاً
حرمه رب العباد سبحانه وتعالى والإنسان يجب أن يحترم وأن يجلّ الناس، وأن
ينزلهم منازلهم، وألا يستصغر بإنسان

وعن سعيد بن جبير، رحمه الله، قال: جاء رجل إلى ابن عباس، رضي الله عنهما،
فقال:إني طلقت امرأتي ألفا ومائة، قال: بانت منك بثلاث وسائرهن وزر اتخذت
آيات الله هزواً"(5) إذاً الإنسان لا يتخذ أبدا آيات الله هزوا، وهؤلاء
المستهزئين يجب أن يعيدوا حساباتهم. لماذا تستهزئ بالناس؟! أنت إن استهزأت
بإنسان دون أن تدري؛ وصفت نفسك أو وضعت نفسك داخل دائرة الكبر؛ لأن المتكبر
يرى نفسه غير الناس، يرى نفسه أفضل من غيره، يرى نفسه أفضل من آخرين، يرى
نفسه أكثر أعمالاً صالحة من غيره، يرى نفسه أقل ذنوباً من غيره.فلماذا
تستهزئ؟!

أنت لو جلست مع نفسك، وعددت عيوبها، وحاولت أن تصلح من شأنها، أنا أظن أن
الوقت سوف ينقضي وأنت ما تزال تعد عيوبك. كل بني آدم خطاء، فالمستهزئ
بالناس، والذي يسخر من الناس، هذا إنسان يتعامل مع الناس من علٍّ، متكبراً،
مصعراً خده للناس. هذا لقمان، عليه السلام، يعظ ولده موعظة غالية: (وَلا
تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان:18). والله عز وجل
يوصي المؤمنين، فيقول سبحانه: (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ
لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) (الإسراء:37).

إذاً المسألة لماذا تتكبر؟! لماذا هذا الكبر الذي يجعلك تستهزئ بالآخرين؟!
تسخر من إنسان لأنه كثير الذنوب، يا أخ الإسلام، احمد الله على العافية
أولاً، و ادعو الله له بالتوبة، و ادعو الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيده
إلى طريق الصواب. تسخر من إنسان؛ لأنه ضعيف البنية أو فقد عضواً من أعضائه
في حادثة أو غير ذلك؛ فتسخر وتهزأ وتجعله أضحوكة أمام الناس، ولا تتق رب
العباد سبحانه وتعالى. هذه إهدار لآدمية من أمامك، إهدار لإنسانيته، إهدار
لكرامته، إهدار لقيمته أمام الناس، وأنت ما عليك إلا أن تراعي أن التواضع
شيم المؤمنين، إذ ما يتواضع إلا عظيم. ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم
في مقام يجعله فوق الجميع، ولكنه بتواضعه عاش واحداً بين الجميع.

ما رأينا صحابته أبداً سخر واحد منهم من أخيه .هذا أبو ذر ، رضي الله عنه،
وكانت فيه حدة، لما عير بلال بن رباح، رضي الله عنه، قائلاً: يا ابن
السوداء، فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر، أعيرته بأمه،
إنك امرؤ فيك جاهلية" (6). لقد ألغى الإسلام الطبقية وألغى العصبية، ، وقال
–صلى الله عليه وسلم-: "دعوها فإنها منتنة" (7). فكلنا لآدم وآدم من تراب.

فيجب علينا أن نراعي قضية التواضع، و قضية عدم التكبر على خلق الله، عدم
الاستهزاء بالناس، صغاراً كانوا أم كباراً، رجالاً كانوا أم نساءً. فالذي
يسخر من الناس إنسان يضع نفسه في موضع كأنه من طينة غير الطينة التي خلق
منها الناس.
ولكن هناك ملاحظة بسيطة ، وهو أن بعض الناس هيأ نفسه لأن يسخر الناس منه.
بل ربما يفرح كلما سخر الناس منه، كلما سخر منه أحد يشعر بالفرح، نحن لا
نشجع الناس على الاستهزاء والسخرية به، لكن هذا إنسان وضع نفسه هذا الموضع.
لكن يجب أن نحترم الناس ويجب أن لا نجرح شعور الناس، حتى الأطفال الصغار،
أطفالنا، لا يجب أن تهزأ الأم وتسخر أمام أحد من الأقارب بابنها أو ابنتها،
ولا يسخر الأب أيضا من ابنه أو ابنته، ولا يسخر الزوج من زوجته أمام
أقاربها أو أقاربه. وهكذا أيضاً لا تصغر المرأة زوجها في عيون الآخرين.
عندما تستهزئ أو تسخر منه أو تعيب عليه في شيء معين، لا يعرف أن يتكلم،
إنسان لا يجيد كذا ولا يعرف كذا، ولا يعرف كذا، هذا مما يجرح شعور الزوج
ويورث الضغائن والأحقاد في داخل النفوس الإنسانية. فالنفوس جبلت على حب من
أحسن إليها، وكراهية من أساء.يجب أن يتقي كل واحد منا ربه ويمسك لسانه، ولا
داعي لمثل هذه الآفات التي تعصف بالمجتمع. فالإنسان مكلف أن يحسن إلى خلق
الله وأن يحسن إلى عباد الله، وألا يستشعر أبداً أنه من طينة غير الطينة،
أو من تكوين غير التكوين، كلكم لآدم وآدم من تراب.والمؤمن مع أخيه كأسنان
المشط، يعني: لا يتفاضل واحد على الآخر إلا بتقوى الله عز وجل، وهذا أمر لا
يعلمه إلا الله رب العباد سبحانه وتعالى.أما أن ينزل نفسه منزلة فوق خلق
الله، فيسخر من هذا ويهزأ من هذا، أبداً. كان عمر –رضي الله عنه- يقول عن
أبي بكر: "أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا" (8). ويقصد بهذا بلال رضي الله
عنه.
يجب على المسلم أن يراعي أنه يجلّ الناس ويحترمهم، فإذا أجللت الناس
واحترمتهم، احترموني، وإذا أجلتهم أجلوني، وإذا وضعتهم في المكان اللائق
كان هذا مدعاة إلى إثارة المحبة والود في المجتمع، لا أن نثير روح البغضاء و
الشحناء.
* - من يسخر من من ؟

تنتشر عادة السخرية بين أفراد المجتمع ، ولاشك أن مثل هذه العادة ناتجة عن
ضعف الوازع الديني الذي يجعل من الشخص راغباً في الانتقاص من قدر غيره وان
لم يكن بشكل معلن ،،
فقد تسير في الشارع ويمر من أمامك فجأة شخص نحيل البنية ، فتبدأ بالتندر
عليه مع صديقك دون أن يشعر بكم ، وتستهزئ بمنظره وتبدأ بإلقاء التعليقات
الساخرة ، معتقدا داخل نفسك انك شخصيه مرحه وان مثل هذا التصرف فيه من
الطرافة الكثير..
أما على مستوى المجتمع ككل ، فأصبح أمر دارج أن ترى السخرية من قبائل معينه
، أو من مجموعات معينه ، فالحضري يسخر من البدوي والبدوي يسخر من الحضري ،
وأهالي المنطقة الفلانية يسخرون من أهالي المنطقة الفلانيه ، وأهالي
المنطقة الفلانيه يسخرون من المنطقة العلانية ، وإما على مستوى الدول فيبدو
الشعب الفلاني مدعاة للسخرية مقارنه بالشعب العلاني ..
سخرية.. سخرية.. سخرية ، لكن من المستفيد ؟
في الحقيقة إن السخرية ماهي إلا لعبة كبيرة يقف خلفها إبليس ، والسخرية
تعبر عن اشد حالات الضيق التي تعتري عقلية من يتبناها ، فما يحدث حقيقة ان
الشيطان يضحك حد الانبطاح من الذي يسخر من الآخرين ، لأن الساخر في الحقيقة
لايسخر إلا من ” نفسه “ ..نعم فحين تشير بأصابع السخرية لشخص ما فأن بقية
الأصابع تشير إليك أنت ! ، فهل لاحظت ذلك من قبل ؟
هناك أناس كانوا يتفنون في السخرية من الآخرين ودارت الأيام فأصبح الساخرون
في حاله مؤلمه ، بينما من سخروا منهم في أحسن حال وأصبحوا من الناجحين في
المجتمع ، فمن الذي المفترض إن يسخر من الآخر ؟
يحكي لي احدهم هذه القصة بنفسه ، ويقول لي صريح ، كان بيننا زميل نكثر عليه
السخرية ولانلقي له بالاً وأخذنا نتندر على حاله ونأخذ من وجوده فرصة
للاستهزاء لإضحاك الجميع عليه ، ومضت الأيام وتركت ذلك المكان ولم أشاهده
من يومها ، وبعد سنوات دخلت لأحد المؤسسات الكبرى وكانت لي معامله معطله
حتى ظننت إنها لن تنتهي أبدا ، فقلت سوف اذهب للمدير فقد يساعدني ، وحين
دخلت للمدير صعقت ، فمكن كان يجلس على كرسي المدير كان نفس ذلك الشخص الذي
كنا نسخر منه منذ سنوات !! كنت أقف أمامه كالذليل الذي يطلب حاجته وانا
اسأل نفسي هل سوف ينتقم من معاملتي السيئة له في الماضي ؟ ، وإذا به يبتسم
في وجهي وقد عرفني ، ثم قال لي ، اجلس لقد عرفتك أنت فلان ابن فلان ، كيف
حالك ، وقام بضيافتي ، وسألني إن كان يستطيع أن يخدمني ، وبصراحة لم تزدني
معاملته إلا خجلاً من نفسي وشعرت بصغر نفسي ، فقلت له أن لدي معامله لديكم
وأنا معطل عليها وشرحت الوضع له ..
فقال لي ، هل هذا فقط ماتريده ، اذاًَ ابشر ، ورفع سماعة هاتفه وخاطب
مسئول القسم الذي تعطلت معاملته فيه ، ثم أغلق الهاتف ونظر لي بابتسامه ،
معاملتك انتهت وهي جاهزة وتستطيع استلامها !!
كان صاحب القصة يشرح لي الأحداث وفي عينيه نظرة ندم وخجل ،واخذ يقارن حالته
اليوم بحالة ذلك الشخص ، فقد أصبح شخصاً ناجحاً بينما هو بقي على حاله إن
لم يزدد سوء ، وكانت علامات الندم لاتحتاج لمزيد من الشرح..
هنا سألت نفسي، هل يدرك كل إنسان حقيقة مايحيط به ؟
يتصرف الشخص أحيانا بطريقة تجعله يغرق في الضحك ، بينما لايدرك انه في الحقيقة يضحك من نفسه؟!!
ولكن هل يدرك الساخر انه يفضح أمور أخرى في نفسه دون ان يشعر!
فالحقيقة تقول إن من يسخر من الآخرين يعاني من شعور بالنقص في شخصيته
ويحاول تغطيته بالسخرية من الآخرين ،وعكس ذلك تماماً تجد الشخص الواثق
المعتز بنفسه ، فتجده يترفع عن السخرية من الآخرين في وجودهم أو غيابهم
لأنه يدرك أن ذلك ينقص من قدر نفسه هو وليس غيره !

لكن مهلاً كيف يعالج الشخص عادة السخرية لديه ويتخلص منها ؟
سوف أورد الحلول على شكل نقاط ..
1 - يجب أن يدرك الإنسان أن لااحد مستفيد بتاتاً من هذه السخرية سوى من
تسخر منه ” فما تتعب عليه من حسنات تعطيه بكل بساطه لمن تسخر منه “
2 - أن تعرف أن من يدفعك للسخرية هو الشيطان حتى يستطيع أن ينقص من حسناتك
ويزيد من سيئاتك ، فلا تجعله يضحك عليك بعمل أنت في غنى عنه !
3 - إن كنت تسير في الشارع وأردت التهكم على منظر فلان ، فيجب ان تدرك ان
الخلل ليس منه بل منك أنت ، فأن كان شخصاً يلبس ثياباً رثه وأردت أن تسخر
منه فهذا دليل أنك لاتقدر ظروف الآخرين ،وان كان شخصاً لايستطيع لفظ
الحروف بشكل جيد وأردت السخرية منه فلتدرك أن لديك خلل وهو” عدم احترام
مشاعر الآخرين “
وان أردت أن تسخر من خلقة إنسان ما فأنتبه واحذر فأنت ترتكب كارثة في حق نفس ” لأنك تسخر من خلقة الله الشريفة “
وقس على ذلك ، لأن السخرية في النهاية هي تعبير عن مكامن للخلل في نفس الساخر..
اذاً لاتدع الشيطان يتلاعب بك في المرة القادمة ، وانتبه لمكامن الخلل لديك وأصلحها حتى تغيظ شيطانك وتزيد حسناتك


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

Pages