أن الظلم داء خطير، يعصف بالظالم قبل المظلوم، وينذر بالخراب المحتوم، ولهذا قيل: إن الظلم مرتعة وخيم، وقال بعضهم:
لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكاً جنوده ضاق عنها السهل والجبل
ومن بشاعة الظلم أن الجبار -جل جلاله- حرّمه على نفسه؛ فقال عز من قائل –سبحانه- في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..." أخرجه مسلم [2577] من حديث أبي ذر- رضي الله عنه-، فالظلم من كبائر الذنوب، ومن أشنع المحرمات وأبشعها، ما أحله دين من الأديان، ولم تقره شريعة من الشرائع، ولم يبحه عرف من الأعراف؛ لأن عاقبته وخيمة في الدنيا قبل الآخرة، فالظلم سبب لنزول النقم، وسلب النعم، ومدعاة للمحق والبغض من الرب جل جلاله.
ولخطورة هذا الشر المستطير، وشناعة آثاره، وبشاعة نتائجه، وخبث ثماره، لم يمهل الرب -جل وعلا- فاعله إلى الدار الآخرة ليذيقه الهوان العظيم، والعذاب الأليم، والنكال المبين، بل يعجل له العقوبة والعذاب في الدنيا، ويريه شر ما جنت يداه ليشفي صدور قوم مظلومين مقهورين، فوضوا الأمر إلى رب العالمين.
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" أخرجه أبو داود (4902)، والترمذي (2511)، وابن ماجة (4211) من حديث أبي بكرة –رضي الله عنه-. والبغي هو الظلم.
فالظالم خاسر مغبون؛ لأن الله هو الذي يقتص منه، فمهما أوتي الظالم من قوة وجبروت، فهذا كله لا يمنعه من عقاب الله جل وعلا " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار* مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء" [إبراهيم: 42-43]، وقد تواترت الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الظلم والتحذير منه والنهي عنه، وبيان عواقبه الوخيمة، فمن ذلك قوله تعالى: "والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير" [الشورى: 8] وقال تعالى: "ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع"، وقال تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً ويصلون سعيراً" [النساء: 10]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) [هود: 102] الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري (4686) واللفظ له، ومسلم (2583) من حديث أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- والآيات والأحاديث في بيان عاقبة الظلم والتحذير منه، والنهي عنه كثيرة، لكن فيما ذكر كفاية لمن أراد الهداية، فماذا يجب على المظلوم فعله؟.
ينبغي للمظلوم أن يفوض أمره إلى الله ويقول: "وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد" [غافر: 44]، ويكثر من قوله: "حسبنا الله ونعم الوكيل"[آل عمران: 173]، وعليه أن يكثر من الدعاء على من ظلمه ويبشر بالخير؛ فقد أخذ الجبار -جل جلاله- بإجابة دعوة المظلوم؛ قال صلى الله عليه وسلم: "اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" متفق عليه. أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19) من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، تُحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب – عز وجل-: "وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين"أخرجه أحمد في المسند (7983) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، وصدق من قال:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
على المظلوم أن يستعين على الظالم بسهام الليل، فما هي سهام الليل؟ إنها الدعاء.. وقف أحد الرعية أمام أحد الطغاة، وقد أوقع عليه ظلماً شديداً، فقال الرجل للطاغية لأستعين عليك بسهام الليل! قال الطاغية: ما سهام الليل؟ قال الرجل: الدعاء.
فيا أيها المظلوم أبشر بنصر الله لك في الدنيا قبل الآخرة، وقبل أن أغادر هذا المقام أود أن أهمس في أذن كل ظالم ببعض الكلمات؛ لعله يرجع عن ظلمه، ويقف عند حده، أيها الظالم! احذر أن تأتي يوم القيامة مفلساً، قال صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا ما لا درهم له ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة ومعه صلاة وزكاة وصيام، ولكن قد شتم هذا، وسفك دم هذا، وأكل مال هذا، وظلم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته، وبقي عليه شيء أخذت من سيئات من ظلمهم فطرحت على سيئاته ثم طرح في النار" أخرجه مسلم (2581) وغيره من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، فاحذر يا مسكين من نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى. فما هو الحل إذاً؟ قال صلى الله وسلم:
"من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" أخرجه البخاري(2449). وعلى المظلوم أن يقرأ الآيات والأحاديث والقصص التي جاءت في نهاية الظالمين؛ لكي يكون على يقين بأن الله سيأخذ له بحقه، ومن أفضل ما كتب في ذلك كتاب (الجزاء من جنس العمل) للشيخ العفافي.
هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.