عتقد بعض الناس أن العلاج النفسي مجرد كلام!! وهنا نجد الزوج يقول لزوجته ماذا سيفعل لك الطبيب النفسي؟تكلمي معي!!!! ونجد الأبَّ يقول لابْنه أو لابنَـتِـهِ أنا أبوك وتكلم معي كما تشاء!!!! ونجد للأسفِ الطبيب الذي يخاف على مريضه مما يسمونه بدوَّامة الطب النفسي فتراه يخاف من عرض الحالة على الطبيب النفسي لكي لا يدخل المريض في الدوامة! وأنا في الحقـيـقــة لا أعرف ما هو المقـصود بالـدوامـة على وجـه التحديد "وسوف أناقش موضوع الدوامة هذا فيما بعد" ولكني أظن الدوامة التي يدخلها المشتبه في كونه مريضا بالمعدة أو دوالي المريء أو ضيق الشرايين التاجية وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر! أظنها أكبر وأعتى آلاف المرات من كل ما يمكن أن يحدث في منظومة الطب النفسي برمَـتِّـهِ!. ولذلك تراهم جميعا مقنعينَ بعدم الحاجة إلى الطبيب النفسي فبإمكانهم أن يتكلموا مع مريضهم ويطمئِنُوهُ. بل إن بعضهم يبالغ فيقول: إننا نخاف أن "يلخبط" الطبيب النفسي أفكار مريضنا بفكره المشوش. ولعلي أوضح هنا أن العلاج النفسي ليس مجرد حوار بين الطبيب والمريض وإنما هو شيء أكثر منذ ذلك، وهو على عدة أنواع: 1- العقّاقير النفسية التي أثبتت التجارب العلمية على مدى عدة عقود من الزمان فعاليتها بنسبٍ كبيرة في شفاء أو تهدئة بعض الأمراض النفسية. 2- جلسات العلاج النفسي PSYCHOTHERAPY (العلاج النفسي غير الدوائي): وهي ليست مجرد حوار مـع المريض، وإنما تتبع منهجاً وبرنامجاً خاصاً، ولذلك فإن من يقوم بها يجب أن يكون من المتخصصين، وهذا العلاج على عدة أنواع منها: العلاج المساند (المساعد) أو التدعيمي SUPPORTIVE PSYCHOTHERAPY: وفيه يقوم المعالج بطمأنة المريض، وتوجيهه، وإرشاده، وتوضيح مختلف الأمور له مع ضرورةِ أن يكون المعالج عارفا بنفسية المريض ومنظومة دفاعاته وطرق تكيفه لكي يدعم الدفاعات النافعة والبناءة ويقلل من استخدام المريض للدفاعات الهدامة. العلاج المعرفي COGNITIVE THERAPY: هناكَ أخطاءٌ مَـنْطِقِـيَّـةٌ يَـقَعُ فيها الكَثيرونَ من المرْضَى النفسيين فمثلا من بين المكتئبين من يعتقدُ أنَّ سوءَ حظِّه ِ هو الذي جعَـلَ الجوَّ عاصِفًـا في يومِ زفافِـهِ أو أن يعتقدَ الطالبُ أن أداءَهُ السيئ في اختبارٍ بسيطٍ معناهُ أنَّـهُ فاشِلٌ في كلِّ شيء! فالمُكْـتَئِبُ يلجَـأُ إلى التعميم المُسْرِفِ عنْدَما تكونُ هناكَ أيُّ تجْـرِبَـةٍ سلبيَّـةٍ بيْنما لا يفعلُ ذلك إذا كانت التجْـرِبَـةُ إيجابيَّـةً، فالشخصُ المُـكْـتَـئِبُ يعْـتَقِـدُ أنَّـهُ لا يُساوي شيئًـا على الرغمِ مما أحْـرَزَهُ من نجاحٍ، المكتئبون يعتَـقِـدونَ أنَّ أمسَهَمْ ضاعَ وَأنَّ يومهمْ مفقودٌ وأنَّ غَـدَهُمْ مجهولٌ بلْ وَأقْـرَبُ لأنْ يكونَ كالماضي!! ومن هنا كان هدَفُ العِـلاجِ المَعْرِفِيِّ هو توضيحُ الجوانِـبَ الإيجابيةَ في شخصِـيَّـةِ المَريضِ وإنجازاتِـهِ وَكذلك توضيحُ الجوانبِ المضيئَـةِ في الحياةِ أيْ أن المعالج في هذا النوعِ من العلاجِ يقوم بتقويم وتصحيح أساليب التفكير الخاطئة لدى المريض التي ينظر بها إلى نفسه ومستقبله والناس من حوله، ومحاولة استبدالها بأساليب صحيحة. وَتَـجِبُ هنا الإشارَةُ إلى أنَّ بعضَ مرضَى الاكتئاب يعْـتَـقِـدونَ اعتقاداتٍ خاطِـئَـةٍ جازمَـةٍ "وهامات" منها الشعورُ بالذنبِ وبالطبعِ فإنَّ هذا الشعورَ بالذنبِ ليسَ لهُ ما يُـبَـرِّرُهُ أو أنه مبالَـغٌ فيهِ كثيرًا؛ ومنَ الخطورَةِ بمكانٍ تعميقِ هذا الشعور بالذنبِ عند المريضِ كما يفعلُ بعض الشيوخِ المتَـزَمِّتين لأنَّ ذلك يؤدي إلى عواقبَ وخيمَـةٍ مثل التفكيرِ في الانتحارِ؛ وعند مناقَشَةِ مثلِ هذه المسائلِ من منظورٍ دينيٍّ يجبُ أن يكونَ ذلك بواسِطَـةِ طبيبٍ نفسيٍّ متديِّـن وليس بواسِطَةِ أيِّ طبيبٍ أو شيخٍ!؛ كما أودُّ أن أنَبِّـهَ هنا إلى ضرورَةِ تغليبِ الترغيبِ على الترْهيبِ مع مثل هؤلاءِ المرْضَى في مرحلَـةِ المرض. العلاج السلوكي BEHAVIOR THERAPY: وفيه يقوم المعالج بتعديل بعض سلوكيات المريض المرضية، واستبدالها بسلوكيات مناسبة وذلك من خلال نظريات التعلم المختلفة والكثير من تطبيقاتها. العلاج الأسري FAMILY THERAPY: وفيه يقوم المعالج بدراسة أنماط العلاقات والتعامل داخل الأسرة التي ينتمي إليها المريض وخاصة في سن الطفولة والتي تعتبر فاعلة إما في سبب الأعراض أو في إبقائها رغم العلاج وهنا يعالج المعالج الأسرة كلها وتطبيقات هذا النوع من العلاج كثيرة ويشمل بين أنواعه العلاج الزواجي وطرق معالجة المشاكل الزوجية. العلاج الجمعي أو الجماعي GROUP THERAPY: وهذا نوع من العلاج يستغل المزايا الناتجة عن تأثر الإنسان بالجماعة الصغيرة التي يتفاعل فيها نفسيا مع الآخرين ممن لهم ظروف مشابهة له وتختلف أنواع هذا العلاج ومدارسه وتوجهاته لكن نتائجه أفضل وربما أسرع من العلاج النفسي الفردي. العلاج بالجلسات الكهربية ELECTROCONVULSIVE THERAPY: وهي عبارة عن إمرار تيار كهربي منخفض عبر رأس المريض يؤدي إلى حدوث رجفة بسيطة في مختلف أعضاء جسم المريض دون أن يشعر بذلك، لأنه يكون عادة تحت تأثير التخدير، ولهذا النوع من العلاج فعالية كبيرة في علاج عدد من الأمراض النفسية، خصوصاً الاكتئاب الشديدة. الجراحات النفسية PSYCHOSURGERY: والتي يقتصر استخدامها على بعض الحالات النفسية الشديدة التي استعصت على العلاج! ولعل هذا الاعتقاد عند بعض الناس -وهم قلة- بأن الطب النفسي مجرد جلسات كلامية قد جاء نتيجة عدم إدراكهم لطبيعة بعض الأمراض النفسية المزمنة التي تبدأ تدريجياً، ويميل المريض معها إلى العزلة، وربما تبدو عليه بعض مظاهر التدين فلا يحلق ذقنه مثلاً (رغم أن حلق الذقن كان عادة له) ولم يكن ذلك تديناً منه وإنما نتيجة إهماله لمظهره بشكل عام جراء تدهور حالته النفسية، وربما يبدأ المريض أيضاً بالشعور بأفكار غربية (مرضية) يظن من يحاوره من البسطاء أنها علامة رجوع إلى الله. ثم تظهر بعد ذلك مظاهر القلق فيذهب إلى الشيخ فلا يسـتفيد منه. وحينما يزداد القلق أكثر يحضره أهله مضطرين إلى الطبيب النفسي، والتي تكون الحالة ساعتها في أوجها فيصف له العلاج فلا يظهر على المريض التحسن الكافي لسبب أو لآخر، وكأني بأهله كانوا ينتظرون ذلك ليعللوا ما أصاب ابنهم أنه كان بسبب الطبيب النفسي حيث يقولون: إن ابننا كان بخير وعافية تماماً!! اللهم إلا إنه كان يعاني من شيء بسيط من القلق، لكننا بمجرد زيارتنا للطبيب النفسي تدهور بشكل مفاجئ. وما كان قولهم ذلك في الحقيقة إلا هروباً من وصمة المرض النفسي وتعليلاً منهم بأنه حدث بفعل غيرهم لا نقصاً فيهم، كما يظنون. | |
التالي
« الموضوع السابق
« الموضوع السابق
السابق
الموضوع التالي »
الموضوع التالي »
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)